قاسمي نت
السلام عليكم و رحمة الله .... مرحبا بمن زارنا و هل علينا بطلته البهية ..... تشرفنا زيارتك الطيبة و مرحبا بك بيننا و حتى إن لم تكن مسجلا معنا فأهلا بك .... و لو أعجبك منتدانا فيكون لنا الشرف بإنظمامك إلينا و لأسرتنا الصغيرة .... كما نتمنى أن نفيدك و نستفيد منك و هذه الرسالة تفيد كونك جديدا معنا فمرحبا بك و بتسجيلك يا طيب ..... تحيات منتدانا و إدارته العامة....
قاسمي نت

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

قاسمي نت
السلام عليكم و رحمة الله .... مرحبا بمن زارنا و هل علينا بطلته البهية ..... تشرفنا زيارتك الطيبة و مرحبا بك بيننا و حتى إن لم تكن مسجلا معنا فأهلا بك .... و لو أعجبك منتدانا فيكون لنا الشرف بإنظمامك إلينا و لأسرتنا الصغيرة .... كما نتمنى أن نفيدك و نستفيد منك و هذه الرسالة تفيد كونك جديدا معنا فمرحبا بك و بتسجيلك يا طيب ..... تحيات منتدانا و إدارته العامة....
قاسمي نت
قاسمي نت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» طلب شفرة الاسترا 19.2 الشغالة
كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Empty2015-12-04, 12:30 من طرف المدير

» برنامج لجلب الشفرات من الإنترنت
كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Empty2015-04-04, 18:50 من طرف GAUNE

» رسم لحداء الكات CAT
كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Empty2014-08-29, 11:22 من طرف المدير

» حداء رياضي نيك NIKE
كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Empty2014-08-29, 11:21 من طرف المدير

» رسم حداء رياضي إير ماكس nike air
كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Empty2014-08-29, 11:18 من طرف المدير

» رسم لحداء أديداس متميز
كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Empty2014-08-29, 11:18 من طرف المدير

» رسم حداء ماركة اديداس adidas
كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Empty2014-08-29, 11:18 من طرف المدير

» رسم لحداء رياضي نيك دو لون نسائي
كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Empty2014-08-29, 11:18 من طرف المدير

» الحداء الرياضي نيك nike
كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Empty2014-08-29, 11:18 من طرف المدير

التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
تعريفك
IP
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم


كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

صفحة 1 من اصل 2 1, 2  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 06:42

وَقَالَ أَيْضًا فِي الْفُنُونِ : قَالَ شَافِعِيٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ
لِوَارِثٍ يُفْضِي إلَى سَدِّ بَابِ الْخُرُوجِ عَنْ الدَّيْنِ : وَمُحَالٌ أَنْ
يُوجِبَ اللَّهُ تَعَالَى حَقًّا وَلَا يَجْعَلُ لِلْمُكَلَّفِ مِنْهُ مَخْرَجًا ،
قَالَ حَنْبَلِيٌّ إذَا أَقَرَّ وَرَدَّ الْحَاكِمُ الْحَنْبَلِيُّ أَوْ
الْحَنَفِيُّ قَوْلَهُ فَقَدْ بَذَلَ وُسْعَهُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ إذَا عَجَزَ
عَنْ قَضَائِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرِيمِ ، وَمَنْ بَلَغَ جَهْدَهُ
فَلَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ فِي تَعْوِيقِ الْحُقُوقِ بِدَلِيلِ الْمُعْسِرِ
الْعَازِمِ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ مَتَى اسْتَطَاعَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْيَسَارِ
فَعَزْمُهُ عَلَى الْقَضَاءِ قَامَ الْعَزْمُ فِي دَفْعِ مَأْثَمِهِ مَقَامَ
الْقَضَاءِ فَلَا مَأْثَمَ .
وَكَذَلِكَ مَنْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ
عَبْدَيْنِ فَلَمَّا أَقَامَ الْغَرِيمُ الشَّهَادَةَ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ
الْحَقُّ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا ، وَلَا يُقَالُ بِأَنَّهُ مَأْثُومٌ فِي
تَعْوِيقِ الْحَقِّ إذَا كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ رَضِيَ بِشَهَادَتِهِمَا وَمَنْ
عَلَيْهِ الْحَقُّ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تُقْبَلُ فَكُلُّ عُذْرٍ
لَكَ فِي رَدِّ فِي الشَّهَادَةِ ، وَكَوْنُ الْحَقِّ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا
ذَلِكَ هُوَ جَوَابُنَا فِي هَذَا الْإِقْرَارِ انْتَهَى كَلَامُهُ
.
فَظَاهِرُهُ وَلَوْ فَرَّطَ فِي تَأْخِيرِ الْإِقْرَارِ إلَى الْمَرَضِ
وَلَعَلَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ كَمُعْسِرٍ قَدَرَ عَلَى الْوَفَاءِ فِي وَقْتٍ
وَطُولِبَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ قَبْلَ الطَّلَبِ فِي أَظْهَرِ
الْوَجْهَيْنِ فَأَخَّرَ حَتَّى افْتَقَرَ ثُمَّ نَدِمَ وَتَابَ .
وَقَالَ أَبُو
يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي مَسْأَلَةِ حَلِّ الدَّيْنِ بِالْمَوْتِ : مَعْنَى قَوْلِ
ابْنِ عَقِيلٍ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخَبَرَ
إنَّ الشَّهَادَةَ تُكَفِّرُ غَيْرَ الدَّيْنِ قَالَ : هَذَا إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ
تَهَاوَنَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ ، وَأَمَّا مَنْ اسْتَدَانَ دَيْنًا وَأَنْفَقَهُ فِي
غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا تَبْذِيرٍ ثُمَّ لَمْ يُمْكِنْهُ قَضَاؤُهُ فَإِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يَقْضِيهِ عَنْهُ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْتَهَى كَلَامُهُ .
فَإِنْ
حُمِلَ كَلَامُ ابْنِ
عَقِيلٍ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَحَمْلُهُ عَلَيْهِ مُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بِحَمْلِهِ قَضِيَّةَ الَّذِي ضَمِنَ عَلَى الْمَطْلِ لَا عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى
الْوَفَاءِ صَارَ فِيمَنْ تَهَاوَنَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ
مِنْهُ وَلَمْ يُطْلَبْ ذَلِكَ مِنْهُ وَجْهَانِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فِي مَسْأَلَةِ
صَرْفِ الزَّكَاةِ فِي الْحَجِّ : الْغَارِمُ الَّذِي لَمْ يَقْدِرْ فِي وَقْتٍ
مِنْ الْأَوْقَاتِ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ غَيْرُ مُطَالَبٍ فِي الدُّنْيَا وَلَا
فِي الْآخِرَةِ .
فَاعْتَبَرَ الْقُدْرَةَ لَا الْمُطَالَبَةَ فَهُوَ مُوَافِقٌ
لِكَلَامِ الْآجُرِّيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ حَفِيدُهُ : تُقْبَلُ تَوْبَةُ
الْقَاتِلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَظْلِمَةِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ
بِالتَّوْبَةِ الْحَقَّ الَّذِي لَهُ ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْمَظْلُومِينَ فَإِنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُوَفِّيهِمْ إيَّاهَا إمَّا مِنْ حَسَنَاتِ الْمَظَالِمِ
أَوْ مِنْ عِنْدِهِ .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ حِكَايَةً عَنْ
الْعُلَمَاءِ ، فَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ مِنْ مَظَالِمِ الْعِبَادِ فَلَا تَصِحُّ
التَّوْبَةُ مِنْهُ إلَّا بِرَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ ، وَالْخُرُوجِ عَنْهُ عَيْنًا
كَانَ ، أَوْ غَيْرَهُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا
عَلَيْهِ فَالْعَزْمُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إذَا قَدَرَ فِي أَعْجَلِ وَقْتٍ
وَأَسْرَعِهِ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَذَا وَأَنَّهُ لَا
عِقَابَ عَلَيْهِ لِلْعُذْرِ وَالْعَجْزِ ، وَقَدْ أَفْتَى بِهَذَا بَعْضُ
الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْعَصْرِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ
وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَصْحَابِنَا ، وَشَرَطَ الْمَالِكِيُّ فِي جَوَابِهِ أَنْ
يَكُونَ اسْتَدَانَ لِمَصْلَحَةٍ لَا سَفَهًا .
وَحُكِيَ أَنَّ بَعْضَ
الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ مَا مَعْنَاهُ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ
يُعَاقِبْهُ فِي الدُّنْيَا بَلْ أَمَرَ بِإِنْظَارِهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ
فَكَذَلِكَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ ابْنِ
عَقِيلٍ الْمُتَقَدِّمُ إنْ كَانَ الْمَالُ مُرَادًا مِنْهُ عَلَى الْعَاجِزِ
فَيَكُونُ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ مَعَ أَنَّ مَنْ نَظَرَ فِيهِ لَا يَتَوَجَّهُ
حَمْلُهُ عَلَى الْمَالِ وَلَا يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ ذَلِكَ لِيَتَّفِقَ مَا
ذَكَرْنَا مِنْ كَلَامِهِ ، وَلْيَتَّفِقْ كَلَامُهُ وَكَلَامُ غَيْرِهِ
.
أَمَّا حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ مَا فَهِمَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ
فَفِيهِ نَظَرٌ وَبُعْدٌ
ظَاهِرٌ ، وَلِهَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الِانْتِصَارِ أَنَّ مِنْ
شَرْطِ صِحَّةِ التَّوْبَةِ ، وَإِخْرَاجِ الْمَظْلِمَةِ مِنْ يَدِهِ وَقَالَ
بَعْدَ هَذَا : وَمَظَالِمُ الْعِبَادِ تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْهَا ، وَمَنْ مَاتَ
نَادِمًا عَلَيْهَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُجَازِي لِلْمَظْلُومِ عَنْهُ
كَمَا وَرَدَ الْخَبَرُ { لَا يَدْخُلُ النَّارَ تَائِبٌ مِنْ ذُنُوبِهِ } وَكَذَا
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِرْشَادِ ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا رَدُّ
الْمَظْلِمَةِ إلَى مَالِكِهَا إنْ كَانَ بَاقِيًا ، أَوْ التَّصَدُّقُ بِهَا إنْ
كَانَ مَعْدُومًا وَلَيْسَ لَهُ وَرَثَةٌ .
وَتَلْخِيصُ مَا سَبَقَ أَنَّ مَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ سَبَبٍ مُحَرَّمٍ
يَقْصِدُ الْأَدَاءَ وَعَجَزَ إلَى أَنْ مَاتَ فَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِهِ فِي
الْآخِرَةِ عِنْدَ أَحْمَدَ ، وَفِي كَوْنِهِ صَرِيحًا ، أَوْ ظَاهِرًا نَظَرٌ ،
وَلَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَسَبَقَ كَلَامُ
الْقَاضِي وَالْآجُرِّيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ وَصَاحِبِ
الْمُحَرَّرِ : لَا يُطَالَبُ وَلَيْسَ إنْفَاقُهُ فِي إسْرَافٍ وَتَبْذِيرٍ
سَبَبًا فِي الْمُطَالَبَةِ بِهِ خِلَافًا لِلْآجُرِّيِّ مَعَ أَنَّهُ مُطَالَبٌ
بِإِنْفَاقِهِ فِي وَجْهٍ غَيْرِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ .
وَأَمَّا مَنْ أَخَذَهُ
بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ وَعَجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ وَنَدِمَ وَتَابَ فَهَذَا يُطَالَبُ
بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ أَجِدْ مَنْ ذَكَرَ خِلَافَ هَذَا مِنْ الْأَصْحَابِ
إلَّا مَا فَهِمَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ مَعَ أَنَّهُ فَهِمَ مَعَ الْقُدْرَةِ
أَيْضًا وَهَذَا غَرِيبٌ بَعِيدٌ لَمْ أَجِدْ بِهِ قَائِلًا ، وَإِنْ احْتَجَّ
أَحَدٌ لِذَلِكَ بِأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ
الْقَادِرَ عَلَى أَدَاءِ الْحَقِّ تَابَ إذَا لَمْ يُؤَدِّهِ ؛ وَلِأَنَّ مِنْ
الْمَعْلُومِ الْمُسْتَقِرِّ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ
أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ كَذَا فَأَقَرَّ بِهِ أُلْزِمَ بِأَدَائِهِ وَأَنَّهُ لَوْ
أَجَابَ : تُبْتُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُنِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ بِلَا
شَكٍّ وَأَنَّهُ لَوْ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ لَتَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ وَبَطَلَتْ
الْحُقُوقُ .
وَلِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ .
وَمَنْ أَخَذَهُ
بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ طَلَبِهِ بِهِ وَإِلْزَامِهِ بِهِ إجْمَاعًا
فَهَذَا أَوْلَى لِظُلْمِهِ ، وَإِذَا كَانَتْ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ لَا تَمْنَعُ
الْقَوَدَ إجْمَاعًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَالْمَالُ
أَوْلَى ، وَإِنْ اُحْتُجَّ بِهِ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ الْمُفَرِّطِ فِي الْأَدَاءِ
فَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْمَالِ بِدَلِيلِ مَا سَبَقَ وَمَا يَأْتِي وَلَكِنْ
يَدُلُّ لِلْقَوْلِ فِيمَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ سَبَبٍ مُحَرَّمٍ مَا سَبَقَ
مِنْ خَبَرِ مَيْمُونَةَ وَخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُمَا
خَاصَّانِ أَخَصُّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِمَا فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُمَا ،
وَإِنْ خَالَفَهُمَا ظَاهِرٌ حُمِلَ عَلَى غَيْرِ مَدْلُولِهِمَا كَذَلِكَ ؛
لِأَنَّ فِيهِ تَوْفِيقًا وَجَمْعًا وَمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُسْنَدِ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَنْبَأَنَا صَدَقَةُ
بْنُ مُوسَى عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ
قَاضِي الْمِصْرَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى
لَيَدْعُو بِصَاحِبِ الدَّيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقِيمُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ
فَيَقُولُ أَيْ عَبْدِي فِيمَ أَذْهَبْتَ مَالَ النَّاسِ ؟ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ
قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي لَمْ أُفْسِدْهُ إنَّمَا ذَهَبَ فِي غَرَقٍ ، أَوْ حَرَقٍ ،
أَوْ سَرِقَةٍ ، أَوْ وَضِيعَةٍ ، فَيَدْعُو اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِشَيْءٍ
فَيَضَعُهُ فِي مِيزَانِهِ فَتَرْجَحُ حَسَنَاتُهُ } .
حَدَّثَنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ ثنا صَدَقَةُ ثنا أَبُو عِمْرَانَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ
قَاضِي الْمِصْرَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : يَدْعُو اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ بِصَاحِبِ الدَّيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ
فَيُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ فِيمَ أَخَذْتَ هَذَا الدَّيْنَ ؟ وَفِيمَ ضَيَّعْتَ
حُقُوقَ النَّاسِ ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أَخَذْتُهُ
فَلَمْ آكُلْ وَلَمْ أَشْرَبْ وَلَمْ أَلْبَسْ وَلَكِنْ أَتَى عَلَيَّ هَكَذَا ،
إمَّا حَرَقٌ ، وَإِمَّا سَرَقٌ ، وَإِمَّا وَضِيعَةٌ .
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ : صَدَقَ عَبْدِي أَنَا أَحَقُّ مَنْ قَضَى عَنْكَ الْيَوْمَ ، فَيَدْعُو
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِشَيْءٍ فَيَضَعُهُ فِي كِفَّةِ مِيزَانِهِ فَتَرْجَحُ
حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ }
وَلَوْ عُوقِبَ وَعُذِّبَ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ لَكُلِّفَ بِالْمُحَالِ لِعَدَمِ
تَفْرِيطِهِ وَتَعَدِّيهِ .
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } وَلِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ لِمَا تَقَدَّمَ
وَكُلُّ
مَنْ كَانَ غَيْرَ آثِمٍ كَانَ غَيْرَ مُعَذَّبٍ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَمْ
يَصِحَّ فِي الضَّمَانِ غَيْرُ قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا
تَعَدُّدُ الشَّخْصِ وَهِيَ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ مُحْتَمِلَةٍ وَسَبَقَ فِي
الْقِصَّةِ قَوْلُهُ لِأَبِي قَتَادَةَ { الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ }
.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يُعَاقَبُ وَقَدْ يُعَوِّضُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ الْمَظْلُومَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ وَحَدِيثِ الدَّوَاوِينِ
{ دِيوَانٌ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا وَهُوَ مَظَالِمُ الْعِبَادِ }
رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَحَدِيثُ { مَنْ
كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عَرَضِ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ
الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ
صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ
أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ } وَهَذَا الْعَاجِزُ عِنْدَهُ
مَظْلِمَةٌ وَلَمْ يُحَلِّلْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ .
وَحَدِيثُ { الشَّهِيدُ
يُكَفَّرُ عَنْهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الدَّيْنَ } وَمَا وَرَدَ فِي شَهِيدِ
الْبَحْرِ مِنْ زِيَادَةٍ وَالدَّيْنِ فَضَعِيفٌ ، وَحَدِيثُ غُفْرَانِ ذَنْبِ
الْحَاجِّ بِعَرَفَةَ إلَّا التَّبَعَاتِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ
عُبَادَةَ وَمَا وَرَدَ مِنْ غُفْرَانِ التَّبَعَاتِ وَتَعْوِيضِ أَصْحَابِهَا
فَضَعِيفٌ ، وَحَدِيثُ { نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى
عَنْهُ } .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي بَابِ التَّشْدِيدِ فِي الدَّيْنِ حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْمَهْرِيُّ أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ
بْنُ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيَّ سَمِعْتُ
أَبَا بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : إنَّ أَعْظَمَ
الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَا عَبْدٌ بَعْدَ
الْكَبَائِرِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ
عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَدَعُ لَهُ قَضَاءً } .
كَذَا فِي نُسْخَةٍ " إنَّ
أَعْظَمَ " وَفِي نُسْخَةٍ " إنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ
تَفَرَّدَ عَنْهُ سَعِيدٌ فَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُعْرَفُ لَكِنْ سَعِيدُ
مِنْ الثِّقَاتِ الَّذِينَ رَوَى لَهُمْ الْجَمَاعَةُ .
وَاَللَّه أَعْلَمُ ،
وَقَدْ يُقَالُ : وَالْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ عَامَّةٌ وَإِخْرَاجُ هَذَا
الْفَرْدِ مِنْهَا يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ
، وَلِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُسْقِطُهُ
بِدَلِيلِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ ، وَلَوْ تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِقَضَائِهِ جَازَ
لِرَبِّ الدَّيْنِ قَبْضُهُ ، وَلِأَنَّ مَنْ ضَمِنَ مُفْلِسًا حَيًّا لَا يَبْرَأُ
بِمَوْتِهِ وَلَوْ بَرِئَ الْمَضْمُونُ بَرِئَ الضَّامِنُ وَمَا ثَبَتَ الْأَصْلُ
دَوَامُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ وَلَمْ يَزُلْ إلَّا بِمُزِيلٍ .
وَزَوَالُهُ مِنْ
غَيْرِ بَدَلٍ وَلَا تَعْوِيضٍ إجْحَافٌ بِصَاحِبِ الْحَقِّ وَإِضْرَارٌ بِهِ
فَوَجَبَ اطِّرَاحُهُ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا ، وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي بَكْرٍ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَعِينٍ وَأَبَا دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ
وَغَيْرَهُمْ ضَعَّفُوا صَدَقَةَ بْنَ مُوسَى وَهُوَ الدَّقِيقِيُّ وَقَيْسُ بْنُ
زَيْدٍ لَمْ أَجِدْ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ غَيْرَ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ
.
وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَاضِي
الْمِصْرَيْنِ وَهُمَا الْبَصْرَةُ وَالْكُوفَةُ هُوَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي
الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ ، وَإِنْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ
مَنْ أُصِيبَ
فِي مَالِهِ فَقَابَلَ ثَوَابُ الْمُصِيبَةِ حَقَّ صَاحِبِ الْمَالِ فَلِهَذَا
خَلَصَ مِنْ تَبِعَتِهِ فِي الْآخِرَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا : { وَلَا يَظْلِمُ
رَبُّكَ أَحَدًا } .
مِنْ أَنَّ الْخَبَرَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ
الْمُطَالَبَةِ عَنْ كُلِّ مَدِينٍ وَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ بِمَا
شَاءَ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَلِأَنَّهُ فِي الْآخِرَةِ مُوسِرٌ
مُكَلَّفٌ فَكُلِّفَ بِالْخَلَاصِ مِنْ الْحَقِّ كَمَا لَوْ أَيْسَرَ فِي
الدُّنْيَا ، وَيَسَارُهُ إمَّا بِحَسَنَاتِهِ ، وَإِمَّا بِأَنْ يُحْمَلَ مِنْ
سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ
.
وَبِهَذَا يُعْرَفُ ضَعْفُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ
وَهُوَ أَيْضًا لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ .
وَدَعْوَى أَنَّهُ غَيْرُ
آثِمٍ إنْ أُرِيدَ بِوَجْهٍ مَا فَمَمْنُوعٌ ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مِنْ بَعْضِ
الْجِهَاتِ فَيُسَلَّمُ ، وَلَكِنْ لَا يَنْتُجُ الدَّلِيلُ ، وَبَسْطُ الْقَوْلِ
فِي ذَلِكَ يَطُولُ وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ،
أَمَّا إنْ أَنْفَقَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ مُسْلِمٌ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَمَاتَ
مُعْسِرًا غَيْرَ مُكَلَّفٍ لَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِأَنَّ صَاحِبَهُ لَا
يُجَازَى عَلَيْهِ وَلَا أَنَّهُ يَتَّبِعُ بِهِ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ ؛ لِأَنَّهُ
يُفْضِي إلَى تَكْلِيفِهِ وَدُخُولِهِ النَّارَ بِتَحْمِيلِهِ مِنْ سَيِّئَاتِ
صَاحِبِ الْمَالِ .
وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ إجْمَاعَ
الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا صَغِيرًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ،
فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ حَرَقِهِ ، وَغَرَقِهِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ
الْمَصَائِبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
فَصْلٌ ( فِي بَرَاءَةِ مَنْ رَدَّ مَا غَصَبَهُ عَلَى وَرَثَةِ الْمَغْصُوبِ
مِنْهُ وَبَقَاءِ إثْمِ الْغَصْبِ ) .
قَالَ حَرْبٌ : سُئِلَ أَحْمَدُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَجُلٍ غَصَبَ رَجُلًا شَيْئًا فَمَاتَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ
وَلَهُ وَرَثَةٌ وَنَدِمَ الْغَاصِبُ فَرَدَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَلَى وَرَثَتِهِ
فَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ إثْمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَمْ يَبْرَأْ
مِنْ إثْمِ الْغَصْبِ الَّذِي غَصَبَ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ
أَبِي عُبَيْدَةَ : أَمَّا إثْمُ الْغَصْبِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَقَدْ خَرَجَ
مِمَّا كَانَ أَخَذَ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لَا يَسْقُطُ حَقُّ
الْمَظْلُومِ الَّذِي أُخِذَ مَالُهُ وَأُعِيدَ إلَى وَرَثَتِهِ ، بَلْ لَهُ أَنْ
يُطَالِبَ الظَّالِمَ بِمَا حَرَمَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي حَيَاتِهِ .
( فَصْلٌ ) قَالَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ
وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى قَوْمٍ مَالٌ أَوْ أَوْدَعَهُمْ مَالًا
ثُمَّ مَاتَ فَجَحَدَ الَّذِينَ فِي أَيْدِيهِمْ الْأَمْوَالُ ، لِمَنْ ثَوَابُ
ذَلِكَ الْمَالِ قَالَ : إنْ كَانَ أَحَدٌ مِمَّنْ عَلَيْهِ أَوْ فِي يَدِهِ
الْوَدِيعَةُ كَانَ قَدْ نَوَى فِي حَيَاةِ الْمَيِّتِ أَنْ لَا يُؤَدِّيَهَا
إلَيْهِ فَأَجْرُهَا لِلْمَيِّتِ ، وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ جَحَدُوا الْوَرَثَةَ
فَأَجْرُهَا لِلْوَرَثَةِ فِيمَا نَرَى .
فَصْلٌ ( فِي وُجُوب اتِّقَاءِ الصَّغَائِرِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ) كَانَ
أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَمْشِي فِي الْوَحْلِ وَيَتَوَقَّى فَغَاصَتْ
رِجْلُهُ فَخَاضَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : هَكَذَا الْعَبْدُ لَا يَزَالُ
يَتَوَقَّى الذُّنُوبَ فَإِذَا وَاقَعَهَا خَاضَهَا .
ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ
وَغَيْرُهُ .
وَرَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ { يَا
عَائِشَةُ إيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّ لَهَا مِنْ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ طَالِبًا .
} وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { إيَّاكُمْ
وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى
يُهْلِكْنَهُ } مُخْتَصَرٌ لِأَحْمَدَ وَقَالَ أَنَسٌ إنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ
أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى
عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُوبِقَاتِ رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ .
وَلَهُمَا وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمْ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا " إنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ
جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ
كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا " أَيْ بِيَدِهِ فَذَبَّهُ
عَنْهُ .
فَصْلٌ ( فِي التَّصَدُّقِ بِالْمَظَالِمِ ) قَالَ الْخَلَّالُ : بَابُ إذَا
تَصَدَّقَ بِالْمَظَالِمِ فَلَا يُحَابِيَنَّ فِيهِ أَحَدًا قَالَ حَرْبٌ : سُئِلَ
أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظَالِمُ لِقَوْمٍ فَمَاتُوا وَأَرَادَ
أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ وَلَهُ إخْوَانٌ مَحَاوِيجُ وَقَدْ كَانَ
يَصِلُهُمْ قَبْلَ هَذَا أَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ ؟ فَكَأَنَّهُ
اسْتَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُمْ قَالَ : لَا يُحَابِي فِيهَا أَحَدًا وَقَالَ
فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : أَرَى كَأَنَّهُ إنَّمَا
فَعَلَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُحَابَاةِ ، أَنْ يُحَابِيَهُمْ فَلَا يَجُوزُ ، وَإِنْ
كَانَ لَمْ يُحَابِهِمْ فَقَدْ تَصَدَّقَ ، كَأَنَّهُ عِنْدَهُ قَدْ أَجَازَ مَا
فَعَلَ .
فَصْلٌ ( فِيمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ حَلَالٌ وَشُبْهَةٌ ) فَإِنْ كَانَ فِي
يَدِهِ مَالٌ حَلَالٌ وَشُبْهَةٌ فَلْيَخُصَّ بِالْحَلَالِ نَفْسَهُ وَلْيُقَدِّمْ
قُوتَهُ وَكُسْوَتَهُ عَلَى أُجْرَةِ الْحَجَّامِ وَالزَّيْتِ وَأَشْجَارِ
التَّنُّورِ ، وَأَصْلُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
كَسْبِ الْحَجَّامِ : { أَعْلِفْهُ نَاضِحَكَ } ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ،
وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : الشُّبُهَاتُ يَنْبَغِي صَرْفُهَا فِي
الْأَبْعَدِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ فَالْأَبْعَدُ كَحَدِيثِ كَسْبِ الْحَجَّامِ ،
وَالْأَقْرَبُ مَا دَخَلَ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَنَحْوِهِ
، ثُمَّ مَا وَلِيَ الظَّاهِرَ مِنْ اللِّبَاسِ ، ثُمَّ مَا سَتَرَ مَعَ
الِانْفِصَالِ مِنْ الْبِنَاءِ ، ثُمَّ مَا عَرَضَ مِنْ الْمَرْكُوبِ وَنَحْوِهِ
.
فَصْلٌ ( فِي حَقِيقَةِ التَّوْبَةِ وَشُرُوطِهَا ) وَالتَّوْبَةُ هِيَ :
النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ ، وَالْعَزْمُ عَلَى
تَرْكِهَا دَائِمًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا لِأَجْلِ نَفْعِ الدُّنْيَا أَوْ
أَذًى ، وَأَنْ لَا تَكُونَ عَنْ إكْرَاهٍ أَوْ إلْجَاءٍ ، بَلْ اخْتِيَارًا حَالَ
التَّكْلِيفِ ، وَقِيلَ : يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ : اللَّهُمَّ إنِّي تَائِبٌ
إلَيْكَ مِنْ كَذَا ، وَكَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي
الْمُسْتَوْعِبِ ، فَظَاهِرُ هَذَا اعْتِبَارُ التَّوْبَةِ بِالتَّلَفُّظِ
وَالِاسْتِغْفَارِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ أَجِدْ
مَنْ صَرَّحَ بِاعْتِبَارِهِمَا وَلَا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا .
وَقَدْ رَوَى
التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { قَالَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ يَا ابْنَ آدَمَ إنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ
عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ
عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ
آدَمَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا
تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً } فَقَوْلُهُ : ثُمَّ
اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَّقَ الْغُفْرَانَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ دَلَّ
عَلَى اعْتِبَارِهِ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ مِنْ ذُنُوبِهِ تَوْبَةً
وَإِلَّا فَالِاسْتِغْفَارُ بِلَا تَوْبَةٍ لَا يُوجِبُ الْغُفْرَانَ قَالَ ذُو
النُّونِ الْمِصْرِيُّ : وَهُوَ تَوْبَةُ الْكَذَّابِينَ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي
شَرْحِ مُسْلِمٍ : ( بَابُ سُقُوطِ الذُّنُوبِ بِالِاسْتِغْفَارِ تَوْبَةً )
يُرِيدُ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَاَلَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ
يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَيَغْفِرُ لَهُمْ } لَكِنَّ
الِاسْتِغْفَارَ بِلَا تَوْبَةٍ فِيهِ أَجْرٌ كَغَيْرِهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ
يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ
اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } .
وَالْأَوْلَى وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ
ذَلِكَ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ
وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِرْشَادِ وَزَادَ : وَأَنْ يَكُونَ إذَا
ذَكَرَهَا انْزَعَجَ قَلْبُهُ ، وَتَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ وَلَمْ يَرْتَحْ
لِذِكْرِهَا وَلَا يُنَمِّقُ فِي الْمَجَالِسِ صِفَتَهَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ
تَكُنْ تَوْبَةً ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَذِرَ إلَى الْمَظْلُومِ مِنْ
ظُلْمِهِ مَتَى كَانَ ضَاحِكًا مُسْتَبْشِرًا مُطْمَئِنًّا عِنْدَ ذِكْرِهِ
الظُّلْمَ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ النَّدَمِ ، وَقِلَّةِ الْفِكْرَةِ
بِالْجُرْمِ السَّابِقِ ، وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِخِدْمَةِ الْمُعْتَذِرِ إلَيْهِ
وَيُجْعَلُ كَالْمُسْتَهْزِئِ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ أَمْ لَا ، كَذَا قَالَ
وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ تَمَكُّنَ الْمُنَازَعَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا
يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ وَقْتَ النَّدَمِ .
وَالْغَرَضُ النَّدَمُ
الْمُعْتَبَرُ وَقَدْ وُجِدَ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ تَكَرُّرِهِ
كُلَّمَا ذَكَرَ الذَّنْبَ ؟ وَإِنَّ عَدَمَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّدَمِ
وَالْأَصْلُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ ، وَعَدَمُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ
ظَاهِرَ قَوْلِهِ : عَلَيْهِ السَّلَامُ { النَّدَمُ تَوْبَةٌ } أَنَّهُ لَا
يُعْتَبَرُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَهِيَ تَجْدِيدُ النَّدَمِ إذَا ذَكَرَهُ قَوْلُ
أَبِي بَكْرِ بْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ
وَغَيْرِهِ ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ : أَنَّ تَوْبَتَهُ
السَّابِقَةَ لَا تَبْطُلُ بِمُعَاوَدَةِ الذَّنْبِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي
بُطْلَانِهَا بِالْمُعَاوَدَةِ .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 06:44

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ النَّدَمَ تَوْبَةٌ مَعَ
شَرْطِ الْعَزْمِ أَنْ لَا يَعُودَ ، وَرَدِّ الْمَظْلِمَةِ مِنْ يَدِهِ خِلَافًا
لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ : النَّدَمُ مَعَ هَذِهِ الشَّرَائِطِ هُوَ
التَّوْبَةُ ، وَلَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ بَلْ هِيَ بِمَجْمُوعِهَا تَوْبَةٌ لِمَا
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
{ : النَّدَمُ تَوْبَةٌ } وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا : أَجْمَعْنَا عَلَى
احْتِيَاجِهَا إلَى الْعَزْمِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ وَلَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ
هُوَ التَّوْبَةُ كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ شَرْطِهَا الطَّهَارَةُ ، وَلَا
تَصِحُّ إلَّا بِهَا وَلَيْسَتْ هِيَ الصَّلَاةُ ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ هِيَ
النَّدَمُ وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ فَمَنْ ادَّعَى الزِّيَادَةَ عَلَى مَا
اقْتَضَتْهُ اللُّغَةُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَكَلَامُ
الْأَصْحَابِ السَّابِقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَزْمَ رُكْنٌ ، وَالْأَمْرُ فِي
هَذَا قَرِيبٌ فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُمْ .
وَإِنْ كَفَّ حَيَاءً مِنْ
النَّاسِ لَمْ تَصِحَّ ، وَلَا تُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةً ، وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ ،
وَهِيَ التَّوْبَةُ النَّصُوحُ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ قَالَ : نَدَمٌ
بِالْقَلْبِ وَاسْتِغْفَارٌ بِاللِّسَانِ ، وَتَرْكٌ بِالْجَوَارِحِ ، وَإِضْمَارُ
أَنْ لَا يَعُودَ .
وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ : قَالَ عُمَرُ ،
وَأُبَيُّ وَمُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : التَّوْبَةُ النَّصُوحُ أَنْ
يَتُوبَ ثُمَّ لَا يَعُودَ إلَى الذَّنْبِ كَمَا لَا يَعُودُ اللَّبَنُ إلَى
الضَّرْعِ كَذَا قَالَ وَالْكَلَامُ فِي صِحَّتِهِ عَنْهُمْ ، ثُمَّ لَعَلَّ
الْمُرَادَ التَّوْبَةُ الْكَامِلَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا .
وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : هِيَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ بِاللِّسَانِ ، وَيَنْدَمَ بِالْقَلْبِ ،
وَيُمْسِكَ بِالْبَدَنِ ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إضْرَارٌ أَنْ لَا
يَعُودَ ، وَلَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ عُمَرَ أَلَا إنَّ التَّوْبَةَ النَّصُوحَ أَنْ يَتُوبَ
الْعَبْدُ مِنْ الذَّنْبِ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَعُودَ
.
وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ : نُصُوحًا بِضَمِّ النُّونِ وَهُوَ
مَصْدَرٌ مِثْلُ الْقُعُودِ يُقَالُ : نَصَحْتُ لَهُ نُصْحًا وَنَصَاحَةً ،
وَنُصُوحًا وَقِيلَ : أَرَادَ تَوْبَةَ نُصْحٍ لِأَنْفُسِكُمْ ، وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا قِيلَ هُوَ مَصْدَرٌ ، وَقِيلَ : هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ أَيْ
: نَاصِحَةً عَلَى الْمَجَازِ .
وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
مَرْفُوعًا { التَّوْبَةُ مِنْ
الذَّنْبِ أَنْ يَتُوبَ مِنْهُ ثُمَّ لَا يَعُودَ فِيهِ } وَلَعَلَّ الْمُرَادَ
إنْ صَحَّ الْخَبَرُ ثُمَّ يَنْوِي أَنْ لَا يَعُودَ فِيهِ .
وَقَالَ فِي
الشَّرْحِ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ } وَرُوِيَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { النَّدَمُ
تَوْبَةٌ } قِيلَ : التَّوْبَةُ النَّصُوحُ تَجْمَعُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ :
النَّدَمُ بِالْقَلْبِ ، وَالِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ ، وَإِضْمَارُ أَنْ لَا
يَعُودَ ، وَمُجَانَبَةُ خُلَطَاءِ السُّوءِ ، قَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ فَصْلٍ ،
وَلَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ مَعَ الْإِقَامَةِ عَلَى مِثْلِهِ مِنْ
كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَكَان آخَرَ أَوْ
غَيْرِهَا فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَلَعَلَّ مَنْ اعْتَبَرَهُ يَقُولُ : مَعَ عَدَمِ
الْمُجَانَبَةِ يَخْتَلُّ الْعَزْمُ ، أَوْ يَقُولُ : الْمُخَالَطَةُ ذَرِيعَةٌ ،
وَوَسِيلَةٌ إلَى مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ وَالذَّرَائِعُ مُعْتَبَرَةٌ ،
وَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُشْبِهُ التَّفَرُّقَ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ
وَلِهَذَا جَعَلَهَا ابْنُ عَقِيلٍ أَصْلًا لِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي قَضَاءِ
الْحَجِّ الْفَاسِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ
فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ
خَالِدٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ }
كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ هُوَ الْجَزَرِيُّ بِلَا شَكٍّ وَأَبُو
عُبَيْدَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ
.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ : أَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : { النَّدَمُ تَوْبَةٌ } قَالَ : نَعَمْ وَقَالَ مَرَّةً نَعَمْ
سَمِعْتُهُ يَقُولُ : { النَّدَمُ تَوْبَةٌ } وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ
فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ ، كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَزِيَادٌ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْعُجَيْلِيُّ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ
مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ زِيَادِ بْنِ الْجَرَّاحِ ،
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : أَنْبَأَنَا أَبُو عَرُوبَةَ حَدَّثَنَا
الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطَ عَنْ مَالِكِ بْنِ
مِغْوَلٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ خَيْثَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { النَّدَمُ تَوْبَةٌ }
.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا مَحْفُوظُ بْنُ
أَبِي ثَوْبَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ السَّهْمِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ
وُهَيْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ سَمِعْتُ حُمَيْدًا الطَّوِيلَ يَقُولُ :
قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { النَّدَمُ تَوْبَةٌ } قَالَ : نَعَمْ مَحْفُوظٌ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ
وَلَعَلَّ حَدِيثَهُ حَسَنٌ .
وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {
كَفَّارَةُ الذَّنْبِ النَّدَامَةُ } وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ { إنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ الْمُفَتَّنَ التَّوَّابَ } .
وَعَنْ عُثْمَانَ
بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ مَوْلًى لِأَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ مَرْفُوعًا { مَا أَصَرَّ مَنْ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ
سَبْعِينَ مَرَّةً } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي لَفْظٍ { وَلَوْ
فَعَلَهُ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً } وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ
إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
وَمَوْلَى أَبِي بَكْرٍ لَمْ يُسَمَّ وَالْمُتَقَدِّمُونَ حَالُهُمْ حَسَنٌ
.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ { إذَا
أَذْنَبَ ذَنْبًا عَبْدِي فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا
يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ .
ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ :
أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَبْدِي أَذْنَبَ
ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ
.
ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ : أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا
يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ
لَكَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ { قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ }
لَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ { اعْمَلْ مَا شِئْتَ وَلَا فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ }
وَمَعْنَاهُ مَا دُمْتَ تُذْنِبُ ثُمَّ تَتُوبُ غَفَرْتُ لَكَ وَقَالَ فِي
نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ : التَّوْبَةُ نَدَمُ
الْعَبْدِ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ كُلَّمَا
ذَكَرَهُ ، وَتَكْرَارُ فِعْلِ التَّوْبَةِ كُلَّمَا خَطَرَتْ مَعْصِيَتُهُ
بِبَالِهِ ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عَادَ مُصِرًّا نَاقِضًا لِلتَّوْبَةِ
.
وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ السَّابِقِ لَكِنْ أَبُو الْحُسَيْنِ
يَقُولُ : يَكُونُ نَاقِضًا لِلتَّوْبَةِ ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ يَدُلُّ عَلَى
عَدَمِ النَّدَمِ فَلَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ تَوْبَةٌ شَرْعِيَّةٌ
.
وَبُطْلَانُهَا بِالْمُعَاوَدَةِ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ ابْنُ
مَسْعُودٍ وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ وَالْأَظْهَرُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا أَنَّهَا لَا
تَبْطُلُ بِذَلِكَ لِمَا سَبَقَ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ أَنَّ
الْمُظَاهِرَ إذَا عَزَمَ عَلَى الْوَطْءِ رَجَعَ عَنْ تَحْرِيمِهَا بِعَزْمِهِ
قَالَ : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى مُعَاوَدَةِ الذَّنْبِ مَعَ
التَّصْمِيمِ عَلَى التَّوْبَةِ نَقْضٌ لِلتَّوْبَةِ .
فَجَعَلَهُ نَاقِضًا
لِلتَّوْبَةِ بِالْعَزْمِ لَا بِغَيْرِهِ وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ
السَّابِقِ وَكَلَامِ أَبِي الْحُسَيْنِ
ثُمَّ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِالذَّنْبِ السَّابِقِ الَّذِي تَابَ
مِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فَضَعِيفٌ .
وَإِنْ أَرَادَ انْتِقَاضَ
التَّوْبَةِ وَقْتَ الْعَزْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَأَنْ يُؤَاخَذَ
بِالْعَزْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى
الْمُؤَاخَذَةِ بِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا فِي
الْفَصْلِ بَعْدَهُ أَوْ الَّذِي يَلِيهِ .
وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ
بَعْدَ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُظَاهِرِ قَالَ : فَإِنْ وَطِئَ كَانَ مِنْ
طَرِيقِ الْأَوْلَى عَائِدًا ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الشَّيْءِ آكَدُ مِنْ الْعَزْمِ
عَلَيْهِ ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْعَزْمِ هَلْ يُؤَاخَذُ بِهِ
الْعَازِمُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْأَفْعَالَ يُؤَاخَذُ بِهَا ، وَهَذَا
مِنْ ابْنِ عَقِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِبْطَالَ عِنْدَهُ بِالْمُعَاوَدَةِ
كَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
.
وَكَذَا قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ لَا تَصِحُّ تَوْبَةُ مَنْ
نَقَضَ تَوْبَتَهُ ثُمَّ عَزَمَ عَلَى مِثْلِ مَا تَابَ مِنْهُ أَوْ فَعَلَهُ ،
وَالْأَجْوَدُ فِي الْعِبَارَةِ نَقْضُهَا بِعَزْمِهِ عَلَى ذَلِكَ ، أَوْ فِعْلِهِ
.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : تَصِحُّ تَوْبَةُ مَنْ نَقَضَ
تَوْبَتَهُ عَلَى الْأَقْيَسِ .
وَيُعْتَبَرُ لِلتَّوْبَةِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ
حَقِّ الْآدَمِيِّ فَيَرُدَّ الْمَغْصُوبَ أَوْ بَدَلَهُ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ
ذَلِكَ نَوَى رَدَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ ،
وَيُمَكِّنُ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ قَوَدٍ عَلَيْهِ وَكَذَا مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ ،
وَالْمُرَادُ إنْ قُلْنَا لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ
وَيُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَسَبَ إمْكَانِهِ .
وَلَا يُشْتَرَطُ
الْإِقْرَارُ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ .
وَالْأَوْلَى لَهُ سَتْرُ نَفْسِهِ إنْ
لَمْ يَشْتَهِرْ عَنْهُ وَكَذَا إنْ اشْتَهَرَ عِنْدَ الشَّيْخِ وَعِنْدَ الْقَاضِي
الْأَوْلَى الْإِقْرَارُ بِهِ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ .
وَلَا يُعْتَبَرُ
فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْ الشِّرْكِ إصْلَاحُ الْعَمَلِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ
الْمَعَاصِي فِي
حُصُولِ الْمَغْفِرَةِ وَكَذَا فِي أَحْكَامِ التَّوْبَةِ فِي قَبُولُ
الشَّهَادَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ سُنَّةً قَالَ بَعْضُهُمْ :
إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَنْبُهُ الشَّهَادَةَ بِالزِّنَا وَلَمْ يَكْمُلْ عَدَدُ
الشُّهُودِ فَإِنَّهُ يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّوْبَةِ وَقِيلَ : إنْ فَسَقَ
بِفِعْلِهِ وَإِلَّا فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ مَدَى مُدَّةٍ
يُعْلَمُ مِنْهَا حَالُهُ بِذَلِكَ وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ يَكُونُ
الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي سُورَةِ النُّورِ : { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ
بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } .
أَيْ فِي التَّوْبَةِ ، فَيَكُونُ الْإِصْلَاحُ
مِنْ التَّوْبَةِ ، وَالْعَطْفُ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ ذَكَرَهُ فِي
الْمُغْنِي .
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَظْهِرُوا
التَّوْبَةَ وَإِنَّ غَيْرَهُ قَالَ : لَمْ يَعُودُوا إلَى قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ
.
وَقَالَ أَيْضًا : الْإِصْلَاحُ مِنْ التَّوْبَةِ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ
.
{ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ
عَلَيْهِمْ } ، وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ : { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا
وَأَصْلَحُوا } وَفِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ : { إلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
عَمَلًا صَالِحًا } جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْفِرَةِ بِالِاسْتِغْفَارِ
وَالنَّدَمِ وَقَوْلُهُ { الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ } وَقَدْ قَالَ
ابْنُ حَامِدٍ فِي كِتَاب الْأُصُولِ : إنَّهُ يَجِيءُ عَلَى مَقَالَةِ بَعْضِ
أَصْحَابِنَا مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا وُجُودُ أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ ، وَلِظَاهِرِ
الْآيَةِ { إلَّا مَنْ تَابَ } وَقَوْلُهُ : { مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ
يُؤَاخَذْ بِمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ
وَالْآخِرِ } كَذَا قَالَ وَهُوَ غَرِيبٌ .
وَمَنْ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ فَهَلْ
تُغْفَرُ خَطِيئَتُهُ فَقَطْ أَمْ تُغْفَرُ وَيُعْطَى بَدَلَهَا حَسَنَةً ظَاهِرُ
الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْأَوَّلُ وَهُوَ حُصُولُ
الْمَغْفِرَةِ خَاصَّةً وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ
.
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ { يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ
أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ وَيَضَعُهَا
عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى } وَمَعْنَاهُ يَضَعُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرِهِمْ
وَذُنُوبِهِمْ فَيُدْخِلُهُمْ النَّارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا
تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } وَقَوْلُهُ { وَيَضَعُهَا } أَيْ يَضَعُ
عَلَيْهِمْ مِثْلَهَا بِذُنُوبِهِمْ ، وَقَدْ قِيلَ : يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَضَعَ
عَلَى الْكُفَّارِ مِثْلَهَا لِكَوْنِهِمْ سَنُّوهَا { وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً
سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا } .
وَعَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ : كَيْفَ
سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي
النَّجْوَى قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ { إنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ
عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ وَيَقُولُ : أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أَتَعْرِفُ
ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ
وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا
وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا
الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ : { هَؤُلَاءِ الَّذِينَ
كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } }
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قِيلَ كَنَفُهُ هُوَ سَتْرُهُ وَعَفْوُهُ .
وَأَمَّا قَوْله
تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ } الْآيَةَ
فَقِيلَ سَبَبُ نُزُولِهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ {
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ
أَعْظَمُ ؟ قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ : ثُمَّ
أَيُّ ؟ قَالَ : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ
ثُمَّ أَيُّ ؟ فَقَالَ أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَصْدِيقَهَا : { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ } الْآيَةَ
} وَقِيلَ : { إنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا
وَزَنَوْا
فَأَكْثَرُوا ثُمَّ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالُوا : إنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا
أَنَّ لِمَا عَمِلْنَاهُ كَفَّارَةً فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إلَى قَوْلِهِ : {
غَفُورًا رَحِيمًا } } رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : اخْتَلَفُوا فِي هَذَا
التَّبْدِيلِ وَفِي زَمَانِ كَوْنِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُبَدِّلُ اللَّهُ
شِرْكَهُمْ إيمَانًا ، وَقَتْلَهُمْ إمْسَاكًا ، وَزِنَاهُمْ إحْصَانًا قَالَ :
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى
هَذَا الْمَعْنَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ
وَابْنُ زَيْدٍ .
( وَالثَّانِي ) أَنَّ ذَا يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ قَالَهُ
سَلْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَلِيُّ بْنُ
الْحُسَيْنِ .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ سَيِّئَاتِ الْمُؤْمِنِ إذَا غَفَرَهَا لَهُ حَسَنَاتٍ حَتَّى إنَّ
الْعَبْدَ يَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ سَيِّئَاتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا هِيَ .
وَعَنْ
الْحَسَنِ كَالْقَوْلَيْنِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : وَدَّ قَوْمٌ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا اسْتَكْثَرُوا يَعْنِي : الذُّنُوبَ
فَقِيلَ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : هُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ : { فَأُولَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ :
وَيُؤَكِّدُ هَذَا الْقَوْلَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : إنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا
الْجَنَّةَ وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ : اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وَارْفَعُوا عَنْهُ
كِبَارَهَا فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ فَيُقَالُ : عَمِلْتَ يَوْمَ
كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ : نَعَمْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ
وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ
عَلَيْهِ فَيُقَالُ لَهُ : إنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً
فَيَقُولُ : رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَهُنَا فَلَقَدْ رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ
نَوَاجِذُهُ } .
فَهَذَا الْحَدِيثُ فِي رَجُلٍ خَاصٍّ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ
لِلتَّوْبَةِ فَيَجُوزُ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ هَذَا بِفَضْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ لَا بِسَبَبٍ مِنْهُ بِتَوْبَتِهِ وَلَا غَيْرِهَا كَمَا يُنْشِئُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ لِلْجَنَّةِ خَلْقًا بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ
لِهَذَا الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَأَمَّا الْآيَةُ فَهِيَ
مُحْتَمِلَةٌ لِلْقَوْلَيْنِ وَالْأَوَّلُ تُوَافِقُهُ ظَوَاهِرُ عُمُومِ
الْأَدِلَّةِ وَلَا ظُهُورَ فِيهَا لِلْقَوْلِ الثَّانِي فَكَيْفَ يُقَالُ
تَبْدِيلٌ خَاصٌّ بِلَا دَلِيلٍ خَاصٍّ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلظَّوَاهِرِ ؟ وَلَا
يُقَالُ كِلَاهُمَا تَبْدِيلٌ فَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي فَقَدْ قَالَ بِظَاهِرِ
الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ التَّبْدِيلَ لَا عُمُومَ فِيهِ ، فَإِذَا قِيلَ فِيهِ
بِتَبْدِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ تُوَافِقُهُ ظَوَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
كَانَ أَوَّلَ وَعَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ
شَاءَ اللَّهُ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ أَوْ لِمَنْ عَمِلَ صَالِحًا ، فَالْقَوْلُ
بِالْعُمُومِ لِكُلِّ تَائِبٍ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ .
وَفِي الْآيَةِ
وَظَوَاهِرِ الْأَدِلَّةِ مَا يُخَالِفُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
.
وَالنَّوَاجِذُ هُنَا الْأَنْيَابُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ :
الضَّوَاحِكُ وَالضَّاحِكَةُ السِّنُّ بَيْنَ الْأَنْيَابِ وَالْأَضْرَاسِ وَهِيَ
أَرْبَعُ ضَوَاحِكَ .
وَقِيلَ : الْأَضْرَاسُ كَمَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي
إطْلَاقِ النَّوَاجِذِ فِي اللُّغَةِ ، وَلِلْإِنْسَانِ أَرْبَعَةُ نَوَاجِذَ فِي
أَقْصَى الْأَسْنَانِ بَعْدَ الْأَرْحَاءِ ، وَيُقَالُ : ضِرْسُ الْحُلُمِ بِضَمِّ
اللَّامِ وَسُكُونِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَمَالِ الْعَقْلِ
.
فَصْلٌ ( حُكْمُ تَوْبَةِ الْكَافِرِ مِنْ الْمَعَاصِي دُونَ الْكُفْرِ
وَالْعَكْسِ ) .
وَلَا تَصِحُّ تَوْبَةُ كَافِرٍ مِنْ مَعْصِيَةٍ قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ
خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ
الشِّرْكِ عَمَلًا .
وَقِيلَ : تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْكُفْرِ بِالْقَوْلِ
وَالنِّيَّةِ ، وَمِنْهُ بِالْإِسْلَامِ ، وَيُغْفَرُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ
الْكُفْرُ الَّذِي تَابَ مِنْهُ ، وَهَلْ تُغْفَرُ لَهُ الذُّنُوبُ الَّتِي
فَعَلَهَا فِي حَالِ الْكُفْرِ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا فِي الْإِسْلَامِ ؟ فِيهِ
قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ( أَحَدُهُمَا )
يُغْفَرُ لَهُ الْجَمِيعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ
يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } أَيْ : يَنْتَهُوا عَنْ كُفْرِهِمْ ،
وَلِأَنَّهُ انْدَرَجَ فِي ضِمْنِ الْمُحَرَّمِ الْأَكْبَرِ فَسَقَطَ بِسُقُوطِهِ
وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ يَنْدَرِجُ وَيَسْقُطُ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَيْهِ
وَعَدَمِ تَوْبَتِهِ مِنْهُ ؟ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ
رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَمْ أَجِدْهُ صَرِيحًا فِي كَلَامِهِمْ ، وَقَدْ سَبَقَ
كَلَامُ ابْنِ حَامِدٍ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْغُفْرَانِ ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْخَبَرَ إلَّا حُجَّةً لِمَنْ اعْتَبَرَ لِصِحَّةِ
التَّوْبَةِ أَعْمَالًا صَالِحَةً ، وَإِنَّهُ يَجِيءُ عَلَى مَقَالَةِ بَعْضِ
أَصْحَابِنَا فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَشْهَرَ خِلَافُهُ .
( وَالثَّانِي ) :
لَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ أَحْمَدَ رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا
اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَهَذَا الْقَوْلُ
الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّقُولُ وَالنُّصُوصُ .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ
، إنَّهُ إنْ تَابَ مِنْ جَمِيعِ مَعَاصِيهِ غُفِرَ لَهُ ، وَإِنْ أَصَرَّ
عَلَيْهَا لَمْ يُغْفَرْ لَهُ .
وَإِنْ كَانَ ذَاهِلًا عَنْ الْإِصْرَارِ
وَالْإِقْلَاعِ إمَّا نَاسِيًا ، أَوْ ذَاكِرًا غَيْرَ مُرِيدٍ لِلْفِعْلِ وَلَا
لِلتَّرْكِ غُفِرَ لَهُ أَيْضًا وَالْحَدِيثَانِ يَأْتَلِفَانِ عَلَى هَذَا يَعْنِي
حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ وَقَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ يَا
عَمْرُو { أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ،
وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا ، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا
كَانَ قَبْلَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ .
وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ
وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ أُنَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ : أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا
يُؤَاخَذُ بِهَا ، وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَالْإِسْلَامِ } قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : فَالْإِسْلَامُ لِتَضَمُّنِهِ
التَّوْبَةَ الْمُطْلَقَةَ يُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ الْمُطْلَقَةَ إلَّا أَنْ
يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يُنَافِي هَذَا الِاقْتِضَاءَ وَهُوَ الْإِصْرَارُ كَمَا
أَنَّهُ يُوجِبُ الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ مَا لَمْ يُنَاقِضْهُ كُفْرٌ مُتَّصِلٌ ،
فَالْإِصْرَارُ فِي الذُّنُوبِ كَالِاعْتِقَادِ فِي التَّصْدِيقِ انْتَهَى
كَلَامُهُ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : هَذِهِ دَعْوَى تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ
وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ بَلْ الْإِسْلَامُ إنَّمَا يَتَضَمَّنُ التَّوْبَةَ مِنْ
نَقِيضِهِ وَهُوَ الشِّرْكُ ، وَالْكُفْرُ لَا تَوْبَةً مُطْلَقَةً ، حَتَّى
يُوجِبَ مَغْفِرَةً مُطْلَقَةً وَلَوْ تَضَمَّنَ تَوْبَةً مُطْلَقَةً فَإِنَّمَا
يُوجِبُ مَغْفِرَةً مُطْلَقَةً ، إذَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ الْمُحَرَّمُ ،
أَمَّا إذَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ بَلْ تَوَقَّفَ فِيهِ فَلَمْ يَنْدَمْ
عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ فَكَيْفَ يَسْقُطُ ؟ يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ
قَالَ : كَمَا أَنَّهُ يُوجِبُ الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ .
وَهَذَا يَكْفِي إذَا
لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ بَعْضُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ فَلَوْ ذَكَرَهُ وَتَوَقَّفَ
فِيهِ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا عَنْ عَمَلِ الْمُقْتَضِي
عَمَلَهُ ، فَلَا أَثَرَ لِلْفَرْقِ بِأَنَّ الْمَانِعَ هُنَا رَفَعَ عَمَلَ
الْمُقْتَضِي بِالْكُلِّيَّةِ وَهُنَاكَ لَمْ يَرْفَعْهُ مُطْلَقًا فَلَيْسَ هُوَ
نَظِيرُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَأْثِيرُ التَّوَقُّفِ فِي الْأَمْرِ الْخَاصِّ
وَهَذَا
حَاصِلٌ ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَدْ ظَهَرَ
أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : فَالْإِسْلَامُ لِتَضَمُّنِهِ التَّوْبَةَ
الْمُطْلَقَةَ يُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا مَا يُنَافِي
هَذَا الِاقْتِضَاءَ وَهُوَ تَوَقُّفُهُ فِي بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ عِنْدَ
ذِكْرِهَا فَلَمْ يَنْدَمْ وَلَمْ يُقْلِعْ ، كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ يُوجِبُ
الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ مَا لَمْ يُنَاقِضْهُ تَوَقُّفٌ فِي بَعْضِ
الْمُكَفِّرَاتِ عِنْدَ ذِكْرِهِ فَلَمْ يَنْدَمْ وَلَمْ يُقْلِعْ ، وَيَكُونُ
هَذَا دَلِيلًا لِلْقَوْلِ الثَّانِي وَمُوَافِقًا لِقَوْلِ الشَّيْخِ تَقِيِّ
الدِّينِ إنَّهُ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأُصُولُ .
هَذَا إنْ ثَبَتَ أَنَّ
الْإِسْلَامَ يَتَضَمَّنُ تَوْبَةً مُطْلَقَةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ،
وَلِمَنْ قَالَ بِالْغُفْرَانِ أَنْ يَحْمِلَ خَبَرَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى
النِّفَاقِ فَيُسْلِمُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا ، وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ
وَكَانَ قَدْ فَعَلَ خَيْرًا وَإِحْسَانًا فَهَلْ يُكْتَبُ لَهُ فِي إسْلَامِهِ مَا
عَمِلَهُ فِي كُفْرِهِ ؟ يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا : يُخَفَّفُ عَنْ
الْكَافِرِ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ بِمَا عَمِلَهُ فِي كُفْرِهِ ، أَوْ ثَبَتَ
خَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي كُتِبَ لَهُ ذَلِكَ فِي إسْلَامِهِ وَإِلَّا
احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ .
وَحَكَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَوْلَيْنِ فِي الْكَلَامِ
عَلَى حَدِيثِ حَكِيمٍ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ
أَنَّهُ { سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أُمُورٍ كَانَ
يَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهَلْ لِي فِيهَا مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ
لَهُ : أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ } وَإِنْ لَمْ يُكْتَبْ لَهُ
فَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَبَبٌ فِي حُصُولِ الْخَيْرِ وَإِسْلَامِهِ .
وَعَنْ
أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ كَتَبَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا ، وَمَحَا عَنْهُ
كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا ، وَكَانَ عَمَلُهُ بَعْدُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ
أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ .
وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إلَّا
أَنْ يَتَجَاوَزَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ } ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرِيبِ حَدِيثِ
مَالِكٍ وَرَوَاهُ عَنْهُ مِنْ تِسْعِ طُرُقٍ ، وَثَبَتَ فِيهَا كُلِّهَا أَنَّ
الْكَافِرَ إذَا حَسُنَ إسْلَامُهُ يُكْتَبُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كُلُّ حَسَنَةٍ
عَمِلَهَا فِي الشِّرْكِ ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَصِلْ سَنَدَهُ
وَلَيْسَ عِنْدَهُ { كَتَبَ اللَّهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا } وَوَصَلَهُ
النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا { إذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إسْلَامَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا
تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، وَكُلُّ
سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ } وَقَدْ فُسِّرَ حُسْنُ الْإِسْلَامِ هُنَا بِالْإِسْلَامِ ظَاهِرًا ،
وَبَاطِنًا لَا يَكُونُ مُنَافِقًا وَلَعَلَّ يُؤَيِّدُ مَنْ قَالَ بِمِثْلِهِ
حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ .
وَقَدْ يَقُولُ مَنْ قَالَ بِحُسْنِ الْإِسْلَامِ فِي
حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الْكُفْرِ
أَنْ يَقُولَ : حُسْنُ الْإِسْلَامِ هُنَا أَخَصُّ وَأَيْضًا بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ
لِمُضَاعَفَةِ الْحَسَنَاتِ وَيَقُولُ : هَذَا أَخَصُّ مِنْ الظَّوَاهِرِ فِي
الْمُضَاعَفَةِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَهُوَ أَوْلَى لَكِنْ لَا أَعْرِفُهُ قِيلَ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَلَا يَجُوزُ لَوْمُ
التَّائِبِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ قَالَ وَإِذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ أَظْهِرْ لَهُ
الْخَيْرَ .
فَصْلٌ ( فِي مَيْلِ الطَّبْعِ إلَى الْمَعْصِيَةِ ، وَالنِّيَّةِ ، وَالْعَزْمِ
، وَالْإِرَادَةِ لَهَا وَمَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ ) .
قَالَ فِي
الرِّعَايَةِ وَمَيْلُ الطَّبْعِ إلَى الْمَعْصِيَةِ بِدُونِ قَصْدِهَا لَيْسَ
إثْمًا فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ الْمَعْصِيَةَ أَثِمَ ، وَإِنْ لَمْ
يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ ، وَلَا قَوْلٌ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ :
حَدِيثُ النَّفْسِ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ فَهُوَ إذَا
صَارَ نِيَّةً وَعَزْمًا وَقَصْدًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ
.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ لِلْفِعْلِ مَعَ
الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ تُوجِبُ وُقُوعَ الْمَقْدُورِ فَإِذَا كَانَ فِي الْقَلْبِ
حُبُّ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتًا
اسْتَلْزَمَ مُوَالَاةَ أَوْلِيَائِهِ وَمُعَادَاةَ أَعْدَائِهِ { لَا تَجِدُ
قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ } .
{ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالنَّبِيِّ
وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ } .
فَهَذَا
الِالْتِزَامُ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ .
وَمِنْ جِهَةِ ظَنِّ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ
غَلِطَ غَالِطُونَ كَمَا غَلِطَ آخَرُونَ فِي جَوَازِ وُجُودِ إرَادَةٍ جَازِمَةٍ
مَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ بِدُونِ الْفِعْلِ حَتَّى تَنَازَعُوا هَلْ يُعَاقَبُ
عَلَى الْإِرَادَةِ بِلَا عَمَلٍ ؟ قَالَ : وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ وَبَيَّنَّا
أَنَّ الْهِمَّةَ الَّتِي لَمْ يُقْرَنْ بِهَا فِعْلُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ
الْهَامُّ لَيْسَتْ إرَادَةً جَازِمَةً وَأَنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ لَا
بُدَّ أَنْ يُوجَدَ مَعَهَا مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَالْعَفْوُ وَقَعَ
عَمَّنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ ، وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَا عَمَّنْ أَرَادَ ، وَفَعَلَ
الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ وَعَجَزَ عَنْ قِيَامِ مُرَادِهِ كَاَلَّذِي أَرَادَ قَتْلَ
صَاحِبِهِ فَقَاتَلَهُ حَتَّى قُتِلَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ هَذَا يُعَاقَبُ ؛
لِأَنَّهُ أَرَادَ ، وَفَعَلَ الْمَقْدُورَ مِنْ الْمُرَادِ .
هَذَا كَلَامُهُ
.
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ لِابْنِ شِهَابٍ الْعُكْبَرِيِّ الْعَوْدُ
الْمُوجِبُ
لِلْكَفَّارَةِ فِي الظِّهَارِ هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ .
فَإِنْ
قِيلَ : الْعَزْمُ هُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ وَذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا } قِيلَ : لَا يُوجِبُ
الْكَفَّارَةَ بِحَدِيثِ النَّفْسِ بِانْفِرَادِهِ وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا
بِالظِّهَارِ بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى الْوَطْءِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ
الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الْخِلَافُ فِي الصَّبِيِّ الشَّهِيدِ : نِيَّةُ
الْمَعْصِيَةِ وَاعْتِقَادُهَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ مَا لَمْ يَفْعَلْهَا ، وَجَزَمَ
جَمَاعَةٌ فِيمَا إذَا فَكَّرَ الصَّائِمُ فَأَنْزَلَ أَنَّهُ يَأْثَمُ عَلَى
النِّيَّةِ وَيُثَابُ عَلَيْهَا ، وَلِذَلِكَ مَدَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ .
وَجَاءَ
النَّهْيُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّفَكُّرِ
فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالْأَمْرُ بِالتَّفَكُّرِ فِي الْآيَةِ وَلَوْ
لَمْ يَكُنْ مَقْدُورًا عَلَيْهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا ذَلِكَ ، وَأَمَّا هَلْ
يُفْطِرُ بِذَلِكَ إذَا أَنْزَلَ ؟ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَوْ أَمْذَى
الْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ
عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَلَا نَصَّ فِيهِ ، وَلَا إجْمَاعَ ، وَهُوَ دُونَ
الْمُبَاشَرَةِ وَتَكْرَارِ النَّظَرِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى فَيَمْتَنِعُ
الْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا .
زَادَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَيُخَالِفُ
ذَلِكَ فِي التَّحْرِيمِ إنْ تَعَلَّقَ بِأَجْنَبِيَّةٍ ، زَادَ صَاحِبُ الْمُغْنِي
أَوْ الْكَرَاهَةُ إنْ كَانَ فِي زَوْجَةٍ ، كَذَا قَالَا ، وَلَا أَظُنُّ مَنْ
قَالَ يُفْطِرُ بِذَلِكَ كَأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ وَهُوَ
مَذْهَبُ مَالِكٍ يَسْلَمُ ذَلِكَ .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 06:45

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَظُنُّهُ
أَوَّلَ كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَحْضَرَ عِنْدَ جِمَاعِ زَوْجَتِهِ
صُورَةَ أَجْنَبِيَّةٍ مُحَرَّمَةٍ أَنَّهُ يَأْثَمُ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَكُونَ
مُرَادُ صَاحِبِ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ نِيَّةً مُحَرَّمَةً
تَعَلَّقَتْ بِأَجْنَبِيَّةٍ عَارِيَّةً عَنْ فِعْلٍ مَعَ أَنَّ فِيهِ نَظَرًا
.
وَأَمَّا فِي الْمُغْنِي فَاحْتَجَّ أَوَّلًا عَلَى عَدَمِ الْفِطْرِ
بِقَوْلِهِ { عُفِيَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ
تَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ } فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ لَكِنَّ حَمْلَهُ
عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْخَبَرِ الْعَفْوَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ أَوْلَى لِمَا
فِيهِ مِنْ الْمُوَافَقَةِ ، وَالصَّوَابِ وَقَدْ لَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ :
يُخَالِفُهُ فِي التَّحْرِيمِ إنْ تَعَلَّقَ بِأَجْنَبِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ
الْمُحَرَّرِ قَدْ وَافَقَهُ فِي هَذَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَحْتَجَّ بِهَذَا
الْخَبَرِ ، وَلَا مَنَعَ التَّأْثِيمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا الْفِكْرَةُ الْغَالِبَةُ فَلَا إثْمَ بِهَا وَلَا فِطْرَ قَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ
بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } فَإِنْ قِيلَ هَلْ يُؤَاخَذُ
الْإِنْسَانُ إنْ أَرَادَ الظُّلْمَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ ؟ فَالْجَوَابُ
مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا هَمَّ بِذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ
خَاصَّةً عُوقِبَ .
هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ قَالَ : لَوْ
أَنَّ رَجُلًا هَمَّ بِخَطِيئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا ،
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا هَمَّ بِقَتْلِ مُؤْمِنٍ عِنْدَ الْبَيْتِ وَهُوَ بِعَدَنَ
أَبْيَنَ أَذَاقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ : إنَّ الرَّجُلَ يَهُمُّ بِالْخَطِيئَةِ بِمَكَّةَ
وَهُوَ بِأَرْضٍ أُخْرَى فَتُكْتَبُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا
.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ تُضَاعَفُ السَّيِّئَاتُ بِمَكَّةَ كَمَا تُضَاعَفُ
الْحَسَنَاتُ .
وَسُئِلَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَلْ تُكْتَبُ
السَّيِّئَةُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ؟ فَقَالَ : لَا إلَّا بِمَكَّةَ لِتَعْظِيمِ
الْبَلَدِ ، وَأَحْمَدُ عَلَى هَذَا يَرَى فَضِيلَةَ الْمُجَاوَرَة بِهَا .
(
وَالثَّانِي ) أَنَّ مَعْنَى { وَمَنْ يُرِدْ } مَنْ يَعْمَلُ وَقَالَ أَبُو
سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ : هَذَا قَوْلُ سَائِرِ مَنْ حَفِظْنَا عَنْهُ انْتَهَى
كَلَامُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ .
وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ إذَا نَوَى الْخِيَانَةَ فِي الْوَدِيعَةِ
لَا يَضْمَنُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عُفِيَ لِأُمَّتِي
عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ } وَلِأَنَّهُ لَمْ يَخُنْ فِيهَا بِقَوْلٍ ، وَلَا
فِعْلٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ ، وَالْمُرَادُ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ فِي عَدَمِ
الضَّمَانِ ، وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ ، وَلَا يَلْزَمُ
مِنْهُ الضَّمَانُ ، وَفِيهِ وَجْهٌ يَضْمَنُ بِذَلِكَ ، وَمِثْلُهُ نِيَّةُ
الْمُلْتَقِطِ الْخِيَانَةَ .
أَمَّا لَوْ نَوَى حَالَ الِالْتِقَاطِ بِأَنْ
الْتَقَطَ قَاصِدًا لِلتَّمْلِيكِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ
نِيَّةً مُجَرَّدَةً لِاقْتِرَانِهَا بِالْفِعْلِ .
وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ بِقَلْبِهِ لَمْ يَقَعْ وَلَوْ
أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ لِعَدَمِ اللَّفْظِ ، وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ { إنَّ
اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ
تَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِابْنِ سِيرِينَ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَعَنْ
مَالِكٍ رِوَايَتَانِ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْمُعْتَمَدِ وَقَالَهُ
غَيْرُهُ : وَلِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ عَلَى مَسَاعِي قَلْبِهِ .
وَقَدْ قَالَ
أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ إذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ صَرَفَ ذَلِكَ عَنْ
نَفْسِهِ ، وَصَرْفُهُ عَنْ نَفْسِهِ يَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ قَالَ : الْقَاضِي
وَلِلْقَلْبِ أَفْعَالٌ سِوَى حَدِيثِ النَّفْسِ بِالْفِعْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
{ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } .
قَالَ وَقَدْ يُؤَاخَذُ الْإِنْسَانُ بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ نَحْوِ
إرَادَةِ الْعَزْمِ وَالرِّضَى بِالْفِعْلِ ، وَالسُّخْطِ بِهِ ، وَالِاخْتِيَارِ
لَهُ ، وَالنِّيَّةِ عَلَيْهِ ، وَمِثْلِ الْحَسَدِ ، وَالطَّمَعِ ، وَتَعْلِيقِ
الْقَلْبِ بِمَا دُونَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالنِّفَاقِ وَالرِّيَاءِ
وَالْإِعْجَابِ ، وَأَمَّا مَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فَهُوَ كَالْخَوَاطِرِ وَارِدَةً
عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَيَأْتِي
قَرِيبًا كَلَامُ الشَّيْخِ ، عَبْدِ الْقَادِرِ فِي رُكُونِ الْقَلْبِ إلَى غَيْرِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اُذْكُرْنِي عِنْدَ
رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ
سِنِينَ } .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : عُقُوبَةٌ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْكَلِمَةِ
فَاسْتَعَانَ بِمَخْلُوقٍ أَيْ بِعَدَدِ السِّنِينَ الَّتِي كَانَ لَبِثَهَا ،
وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ، وَمَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ
الطَّيِّبِ أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِقَلْبِهِ وَوَطَّنَ نَفْسَهُ
عَلَيْهَا أَثِمَ فِي اعْتِقَادِهِ وَعَزْمِهِ ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْهَمِّ ،
وَالْعَزْمِ قَالَ الْمَازِرِيُّ : وَخَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ
وَالْمُحَدِّثِينَ وَأَخَذُوا بِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ :
مَذْهَبُ عَامَّةِ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْفُقَهَاءِ
وَالْمُحَدِّثِينَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ لِلْأَحَادِيثِ
الدَّالَّةِ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا :
إنَّ هَذَا الْعَزْمَ يُكْتَبُ سَيِّئَةً ، وَلَيْسَتْ السَّيِّئَةُ الَّتِي هَمَّ
بِهَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْمَلْهَا ، وَقَطَعَهُ عَنْهَا قَاطِعٌ غَيْرُ خَوْفِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْإِنَابَةِ لَكِنَّ نَفْسَ الْإِصْرَارِ وَالْعَزْمِ
مَعْصِيَةٌ فَكُتِبَتْ مَعْصِيَةً فَإِذَا عَمِلَهَا كُتِبَتْ مَعْصِيَةً ثَانِيَةً
، فَإِنْ تَرَكَهَا خَشْيَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كُتِبَتْ حَسَنَةً كَمَا فِي
الْحَدِيثِ { إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي } فَصَارَ تَرْكُهُ لَهَا
لِخَوْفِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمُجَاهَدَتُهُ نَفْسَهُ الْأَمَّارَةَ
بِالسُّوءِ فِي ذَلِكَ وَعِصْيَانُهُ هَوَاهُ حَسَنَةً ، فَأَمَّا الْهَمُّ الَّذِي
لَا يُكْتَبُ فَهِيَ الْخَوَاطِرُ الَّتِي لَا تُوَطَّنُ النَّفْسُ عَلَيْهَا وَلَا
يَصْحَبُهَا عَقْدٌ وَلَا نِيَّةٌ وَلَا عَزْمٌ .
وَذَكَرَ بَعْضُ
الْمُتَكَلِّمِينَ خِلَافًا فِيمَا إذَا تَرَكَهَا لِغَيْرِ خَوْفِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ بَلْ لِخَوْفِ النَّاسِ هَلْ تُكْتَبْ حَسَنَةً ؟ قَالَ : لَا ؛ لِأَنَّهُ
إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى تَرْكِهَا الْحَيَاءُ وَهَذَا ضَعِيفٌ .
هَذَا كَلَامُهُ
.
( وَجَرَّائِي ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ
وَالْقَصْرِ مَعْنَاهُ مِنْ أَجْلِي .
وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا
لَهُ حَسَنَةً } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ عَرَفَ دَلِيلَ الْقَوْلَيْنِ
مَنْ يَرَى الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَمَنْ يَرَى عَدَمَهَا
مِمَّا سَبَقَ مَنْ لَا يَرَى الْمُؤَاخَذَةَ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ
السَّلَامُ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي الْخَبَرَ } وَبِحَدِيثِ
الْهَمِّ بِالسَّيِّئَةِ .
وَقَدْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ الْحَرَمِ
: { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }
.
فَخَصَّهُ بِذَلِكَ .
وَمَنْ يَرَى الْمُؤَاخَذَةَ فَقَدْ يُجِيبُ عَنْ
الْخَبَرِ الْأَوَّلِ إمَّا بِأَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ عَمَلٌ فَيَدْخُلُ فِي
اللَّفْظِ ، أَوْ يَقُولُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَحِلِّ النِّزَاعِ بِعُمُومِهِ
فَيُخَصُّ بِأَدِلَّتِنَا .
وَعَنْ الْخَبَرِ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا تَصْرِيحَ
فِيهِ ، وَإِنْ سُلِّمَ بِظُهُورِهِ تُرِكَ بِأَدِلَّتِنَا .
وَعَنْ الْآيَةِ
الْكَرِيمَةِ إمَّا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ { وَمَنْ يُرِدْ } أَيْ يَعْمَلُ
كَمَا سَبَقَ أَوْ بِأَنَّهُ خَصَّهُ لِلْعَذَابِ الْخَاصِّ وَهُوَ الْعَذَابُ
الْأَلِيمُ لَا أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُؤَاخَذَةِ الْمُطْلَقَةِ بَلْ خَصَّهُ
لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمُؤَاخَذَةِ الْخَاصَّةِ .
وَمَنْ يَرَى الْمُؤَاخَذَةَ
يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ } وَبِقَوْلِهِ
تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ
آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 06:51

وَبِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَسَدِ وَنَحْوِهِ مِنْ
النِّفَاقِ وَالرِّيَاءِ .
وَمَنْ لَا يَرَى الْمُؤَاخَذَةَ قَدْ يُجِيبُ عَنْ
الْأَوَّلِ بِأَنَّا نَقُولُ بِهِ وَهُوَ الظَّنُّ الَّذِي اقْتَرَنَ بِهِ قَوْلٌ
أَوْ فِعْلٌ ، ثُمَّ لَوْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدِلَّتِنَا ، وَعَنْ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الْقَوْلَ مُرَادٌ
فِيهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فِي الدُّنْيَا وَهُوَ
الْحَدُّ وَلَا يَجِبُ إلَّا بِالْقَوْلِ وَأَمَّا الْحَدُّ فَهُوَ حَقٌّ
لِآدَمِيٍّ تَعُمُّ الْبَلْوَى بِوُقُوعِهِ فَاحْتِيجَ إلَى زِيَادَةِ رَدْعٍ
وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ بِمُجَرَّدِهِ .
وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ
الْجَوْزِيِّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْحَسَدِ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَى مَنْ عَمِلَ
بِمُقْتَضَى التَّسَخُّطِ عَلَى الْقَدَرِ أَوْ يَنْتَصِبُ لِذَمِّ الْمَحْسُودِ ،
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ .
وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَذَكَرَ قَوْلَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : غَمِّهِ
فِي صَدْرِكَ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ مَا لَمْ تَعْتَدَّ بِهِ يَدًا وَلِسَانًا ،
وَعَلَيْهِ أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ قَالَ : وَفِي الْحَدِيثِ { ثَلَاثٌ
لَا يَنْجُو مِنْهُنَّ أَحَدٌ الْحَسَدُ وَالظَّنُّ وَالطِّيَرَةُ ،
وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِالْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ إذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ ، وَإِذَا
ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ ، وَإِذَا تَطَيَّرَتْ فَامْضِ } انْتَهَى ، وَقَدْ
ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْخَبَرَ الْأَخِيرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَالْقَوْلِ بِهِ
وَذَلِكَ فِي النُّسْخَةِ الْوُسْطَى مِنْ الْآدَابِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا
.
قَالَ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجِعَابِيِّ
قَالَ : لَا تَشْتَغِلْ بِالْحَسَدِ وَاصْبِرْ عَلَيْهِمْ فَقَدْ حَدَّثُونَا عَنْ
ابْنِ أَخِي الْأَصْمَعِيِّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ : الْحَسَدُ دَاءٌ مُنَصِّفٌ
يَعْمَلُ فِي الْحَاسِدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْمَلُ فِي الْمَحْسُودِ ،
كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْمَحْسُودَ مَعَ
مَا لَهُ مِنْ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ
افْتَقَدْتُ الْأَخْلَاقَ فَإِذَا أَشَدُّهَا وَبَالًا عَلَى صَاحِبِهَا الْحَسَدُ
فَإِنَّهُ التَّأَذِّي بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ فَكُلَّمَا
تَلَذَّذَ الْمَحْسُودُ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى تَأَذَّى الْحَاسِدُ وَتَنَغَّصَ
فَهُوَ ضِدٌّ لِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى سَاخِطٌ بِمَا قَسَمَهُ مُتَمَنٍّ زَوَالَ
مَا مَنَحَهُ خَلْقَهُ ، فَمَتَى يَطِيبُ بِهَذَا عَيْشٌ وَنِعَمٌ تَنْثَالُ
انْثِيَالًا ؟ وَهَذَا الْمُدَبِّرُ لَا يَزَالُ بِأَفْعَالِ اللَّهِ مُتَسَخِّطًا
وَمَا زَالَ أَرْحَمَ النَّاسِ لِلنَّظَرِ فِي عَوَاقِبِهِمْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ
إلَّا النَّزْعُ وَحَشْرَجَةُ الرُّوحِ فَكَيْفَ بِمُقَدِّمَاتِ الْمَوْتِ مِنْ
الْبِلَى وَالضَّنَى فَمَنْ شَهِدَ هَذَا فِيهِمْ لَمْ يَحْسُدْهُمْ وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا النِّفَاقُ فِي الْقَوْلِ أَوْ الْعَمَلِ
فَلِتَأْثِيرِهِ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا وَلِهَذَا الشَّكِّ مَانِعٌ فِي
حُصُولِهِ وَوُجُودِهِ وَأَمَّا الرِّيَاءُ فَإِنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَوْلِ أَوْ
الْعَمَلِ فَأَثَّرَ لِاقْتِرَانِهِ بِأَحَدِهِمَا .
وَصِيَّةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَلَدَهُ بِنِيَّةِ الْخَيْرِ .
قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِأَبِيهِ يَوْمًا أَوْصِنِي يَا أَبَتِ ،
فَقَالَ " يَا بُنَيَّ انْوِ الْخَيْرَ فَإِنَّكَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا
نَوَيْتَ الْخَيْرَ " .
وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ عَظِيمَةٌ سَهْلَةٌ عَلَى
الْمَسْئُولِ سَهْلَةُ الْفَهْمِ وَالِامْتِثَالِ عَلَى السَّائِلِ ، وَفَاعِلُهَا
ثَوَابُهُ دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ لِدَوَامِهَا وَاسْتِمْرَارَهَا ، وَهِيَ صَادِقَةٌ
عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْمَطْلُوبَةِ شَرْعًا سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ
بِالْخَالِقِ أَوْ بِالْمَخْلُوقِ ، وَأَنَّهَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَلَمْ أَجِدْ
فِي الثَّوَابِ عَلَيْهَا خِلَافًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي كِتَابِ
الْإِيمَانِ : مَا هَمَّ بِهِ مِنْ الْقَوْلِ الْحَسَنِ وَالْعَمَلِ الْحَسَنِ
فَإِنَّمَا يُكْتَبُ لَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِذَا صَارَ قَوْلًا وَعَمَلًا
كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ إلَى سَبْعِمِائَةٍ ، وَذَلِكَ لِلْحَدِيثِ
الْمَشْهُورِ فِي الْهَمِّ .
وَيَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ
تَرْكُ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْمَذْمُومَةِ شَرْعًا ، وَأَنَّ مَنْ عَمِلَهَا لَمْ
يَبْقَ فِي حِرْزٍ مِنْ اللَّهِ وَعِصْمَتِهِ ، وَقَدْ وَقَعَ فِيمَا يُخَافُ
عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ الشَّرِّ وَالْعَذَابِ ، وَدَلَّ هَذَا النَّصُّ عَلَى
الْمُعَاقَبَةِ عَلَى أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْمَذْمُومَةِ ، وَهَكَذَا قَوْلُ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْآتِي قَبْلَ فُصُولِ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ
وَالْحَدِيثِ : إنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يَدُومَ اللَّهُ لَكَ عَلَى مَا تُحِبُّ فَدُمْ
لَهُ عَلَى مَا يُحِبُّ .
وَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْوِ خَيْرًا وَلَا شَرًّا
فَهَذَا يَبْعُدُ خُلُوُّ عَاقِلٍ عَنْهُ .
ثُمَّ نِيَّةُ الْخَيْرِ مِنْهَا مَا
يَجِبُ بِلَا شَكٍّ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا ، فَيَالَهَا مِنْ وَصِيَّةٍ مَا
أَشَدَّ وَقْعَهَا وَمَا أَعْظَمَ نَفْعَهَا ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ الْعَمَلَ بِهَا .
وَالتَّوْفِيقَ لَهَا ،
وَلِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ آمِينَ .
فَمِثْلُ هَذَا تَكُونُ وَصَايَا
أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ قِيلَ نِيَّةُ الْمَرْءِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ وَأَشْرَفُ مِنْ عَمَلِهِ
لِاعْتِبَارِهَا فِيهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ .
وَقِيلَ أَيْضًا النِّيَّةُ
سَبَقَتْ الْعَمَلَ .
وَهَذَا وَاضِحٌ صَحِيحٌ ، وَسَيَأْتِي فِي الدُّعَاءِ
قُبَيْلَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْكَلَامِ فِي أَعْمَالِ
الْقُلُوبِ وَهَلْ يَكُونُ أَجْرُ مَنْ نَوَى الْخَيْرَ أَوْ وِزْرُ مَنْ نَوَى
الشَّرَّ عَمِلَ شَيْئًا مَعَهَا أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْعَمَلِ
كَامِلًا ؟ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفِقْهِ فِي بَابِ صَلَاةِ
الْمَرِيضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفِي حَوَاشِي الْمُنْتَقَى فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
.
فَصْلٌ ( هَلْ الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ مُطْلَقًا أَمْ بِشَرْطِ التَّوْبَةِ ؟ )
وَمَنْ لَمْ يَنْدَمْ عَلَى مَا حُدَّ بِهِ لَمْ يَكُنْ حَدُّهُ تَوْبَةً
.
ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ
عَقِيلٍ قَالُوا هُوَ مُصِرٌّ وَالْحَدُّ عُقُوبَةٌ لَا كَفَّارَةٌ { وَلَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وَاسْتَدَلُّوا بِآيَةِ الْمُحَارَبَةِ
.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ يَكُونُ الْحَدُّ مُسْقِطًا لِإِثْمِ ذَلِكَ
الذَّنْبِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَتُهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَمَنْ لَقِيَهُ مُصِرًّا غَيْرَ
تَائِبٍ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي قَدْ اسْتَوْجَبَ بِهَا الْعُقُوبَةَ فَأَمْرُهُ
إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ، وَمَنْ لَقِيَهُ
كَافِرًا عَذَّبَهُ وَلَمْ يَغْفِرْ لَهُ } وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ
الْحِمْصِيُّ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ هَذَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ { فَأَمْرُهُ إلَى
اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ إذَا تُوُفِّيَ عَلَى
الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ } وَلَمْ يَذْكُرُوا مَنْ لَقِيَهُ كَافِرًا إلَى
آخِرِهِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ { تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا
تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَقْتُلُوا
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ ، فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ
فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ
بِهِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ
غَفَرَ لَهُ } قَالَ فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ وَسَبَقَ قَرِيبًا حَدِيثُ ابْنِ
عُمَرَ فِي النَّجْوَى وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي
الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ } فَهَذَا لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ
أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ .
وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فِي الدُّنْيَا فَعُوقِبَ بِهِ
فَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عُقُوبَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ ، وَمَنْ
أَذْنَبَ ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَفَا اللَّهُ عَنْهُ فَاَللَّهُ
تَعَالَى أَكْرَمُ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ عَفَا عَنْهُ } وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : غَرِيبٌ وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُمْ "
وَعَفَا اللَّهُ عَنْهُ " .
وَأَمَّا آيَةُ الْمُحَارَبَةِ فَإِنَّمَا فِيهَا
لَهُ عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ لَكِنْ عَلَى مَاذَا ؟ فَلَيْسَ فِيهَا ، وَنَحْنُ
نَقُول بِهَا لَكِنْ عَلَى إصْرَارِهِ وَعَدَمِ تَوْبَتِهِ لَا عَلَى ذَنْبٍ حُدَّ
عَلَيْهِ لِمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ :
قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ اسْتِدْلَالًا بِهَذَا
الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ عُبَادَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَّفَ لِحَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : لَا أَدْرِي الْحُدُودَ كَفَّارَةً .
} .
كَذَا قَالَ
وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنْ صَحَّ فَمَا سَبَقَ أَصَحُّ مِنْهُ وَفِي هَذَا
زِيَادَةُ عِلْمٍ فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهَا .
فَصْلٌ ( فِي صِحَّةِ تَوْبَةِ الْعَاجِزِ عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ
وَفِعْلٍ ) وَتَصِحُّ تَوْبَةُ مَنْ عَجَزَ عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ
وَفِعْلٍ كَتَوْبَةِ الْأَقْطَعِ عَنْ السَّرِقَةِ وَالزَّمِنِ عَنْ السَّعْيِ إلَى
حَرَامٍ وَالْمَجْبُوبِ عَنْ الزِّنَا وَمَقْطُوعِ اللِّسَانِ عَنْ الْقَذْفِ ،
وَالْمُرَادُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا تَابَ مِنْهُ كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ
وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ التَّوْبَةُ مِنْ عَزْمِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لَوْ قَدَرَ
عَلَيْهَا .
وَلَا تَصِحُّ تَوْبَةُ غَيْرِ عَاصٍ ، كَذَا وَجَدْتُهُ فِي
كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى
.
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغَنِيَّةِ : التَّوْبَةُ فَرْضُ
عَيْنٍ فِي حَقِّ كُلِّ شَخْصٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا أَحَدٌ
مِنْ الْبَشَرِ لِأَنَّهُ إنْ خَلَا عَنْ مَعْصِيَةِ الْجَوَارِحِ فَلَا يَخْلُو
عَنْ الْهَمِّ بِالذَّنْبِ بِالْقَلْبِ ، وَإِنْ خَلَا فَلَا يَخْلُو عَنْ
وَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ بِإِيرَادِ الْخَوَاطِرِ الْمُفْتَرِقَةِ الْمُذْهِلَةِ
عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنْ خَلَا فَلَا يَخْلُو عَنْ غَفْلَةٍ
وَقُصُورٍ فِي الْعِلْمِ بِاَللَّهِ وَبِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ ، فَلِكُلِّ حَالٍ
طَاعَاتٌ وَذُنُوبٌ وَحُدُودٌ وَشُرُوطٌ ، فَحِفْظُهَا طَاعَةٌ ، وَتَرْكُهَا
مَعْصِيَةٌ ، وَالْغَفْلَةُ عَنْهَا ذَنْبٌ .
فَيَحْتَاجُ إلَى تَوْبَةٍ وَهُوَ
الرُّجُوعُ عَنْ التَّعْوِيجِ الَّذِي وَجَدَ إلَى سَنَنِ الطَّرِيقِ
الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ فَالْكُلُّ مُفْتَقِرٌ إلَى تَوْبَةٍ
وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْمَقَادِيرِ ، فَتَوْبَةُ الْعَوَامّ مِنْ
الذُّنُوبِ ، وَتَوْبَةُ الْخَوَاصِّ مِنْ الْغَفْلَةِ ، وَتَوْبَةُ خَاصِّ
الْخَاصِّ مِنْ رُكُونِ الْقَلْبِ إلَى سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، كَمَا قَالَ
ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ تَوْبَةُ الْعَوَامّ مِنْ الذُّنُوبِ وَتَوْبَةُ
الْخَوَاصِّ مِنْ الْغَفْلَةِ ، وَكَمَا قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ النُّورِيُّ
التَّوْبَةُ أَنْ يَتُوبَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ،
وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا .
وَسَبَقَ قَرِيبًا فِي الْعَزْمِ عَلَى
الْمَعْصِيَةِ أَنَّ تَعْلِيقَ
الْقَلْبِ بِغَيْرِ اللَّهِ مُحَرَّمٌ ، وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الزُّهْدِ خَبَرٌ
يَتَعَلَّقُ بِهَذَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ صِحَّةُ
التَّوْبَةِ مِنْ كُلِّ مَا حَصَلَتْ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ أَوْ أَدْنَى غَفْلَةٍ
وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ وَلَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ أَقْوَى وَهُوَ مَعْنَى مَا
اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ وَلَعَلَّهُ مَعْنَى كَلَامِ
مُجَاهِدٍ مَنْ لَمْ يَتُبْ إذَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى فَهُوَ مِنْ الظَّالِمِينَ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَى هَذَا لَا يُسَمَّى مَعْصِيَةً وَلَا ذَنْبًا بِنَاءً
عَلَى أَنَّهُ نَصٌّ فِيمَا يَأْثَمُ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ
أَنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ وَأَنَّهُ يَرِدُ لِلتَّأْكِيدِ وَأَنَّ مِنْهُ قَوْلَ
أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ : أَمَّا
هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَيْسَ
مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا } وَذَكَرَ غَيْرُهُ
قَوْلَ عَمَّارِ مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا
الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَهَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الشَّيْخِ عَبْدِ
الْقَادِرِ طَعَامُ الشَّيْخِ مُبَاحٌ لِلْمُرِيدِ وَطَعَامُ الْمُرِيدِ حَرَامٌ
فِي حَقِّ الشَّيْخِ لِصَفَاءِ حَالِهِ وَعُلُوِّ رُتْبَتِهِ .
وَقَدْ ذَكَرَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ السَّلَفَ لَمْ يُطْلِقُوا الْحَرَامَ إلَّا
عَلَى مَا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ قَطْعًا .
قَالَ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ هَلْ
يُطْلَقُ الْحَرَامُ عَلَى مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ رِوَايَتَيْنِ وَسَبَقَ
فِي أَوَائِلِ فُصُولِ التَّوْبَةِ الْأَخْبَارُ فِي التَّوْبَةِ عُمُومًا وَمَنْ
تَرَكَ التَّوْبَةَ الْوَاجِبَةَ مُدَّةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَالْعِلْمِ
بِوُجُوبِهَا لَزِمَتْهُ التَّوْبَةُ مِنْ تَرْكِ التَّوْبَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 06:52

فَصْلٌ ( فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْبِدْعَةِ الْمُفَسِّقَةِ وَالْمُكَفِّرَةِ
وَمَا اُشْتُرِطَ فِيهَا ) وَمَنْ تَابَ مِنْ بِدْعَةٍ مُفَسِّقَةٍ أَوْ
مُكَفِّرَةٍ صَحَّ إنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا .
قَالَ فِي الشَّرْحِ :
فَأَمَّا الْبِدْعَةُ فَالتَّوْبَةُ مِنْهَا بِالِاعْتِرَافِ بِهَا وَالرُّجُوعِ
عَنْهَا وَاعْتِقَادِ ضِدَّ مَا كَانَ يَعْتَقِدُ مِنْهَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ
فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ ،
وَقِيلَ إنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا ، وَقِيلَ إنْ كَانَ دَاعِيَةً لَمْ
تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ
هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ
الْمَرُّوذِيِّ فِي الرَّجُلِ يُشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْبِدْعَةِ فَيَجْحَدُ لَيْسَتْ
لَهُ تَوْبَةٌ إنَّمَا التَّوْبَةُ لِمَنْ اعْتَرَفَ .
فَأَمَّا مَنْ جَحَدَ
فَلَا تَوْبَةَ لَهُ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَإِذَا تَابَ
الْمُبْتَدِعُ يُؤَجَّلُ سَنَةً حَتَّى تَصِحَّ تَوْبَتُهُ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ
إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّ الْقَوْمَ نَازَلُوهُ فِي صَبِيغٍ بَعْدَ سَنَةٍ
فَقَالَ جَالِسُوهُ وَكُونُوا مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ .
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو
الْحُسَيْنِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَغَيْرَهَا فَظَاهِرُ هَذِهِ
الْأَلْفَاظِ قَبُولُ تَوْبَتِهِ مِنْهَا بَعْد الِاعْتِرَافِ وَالْمُجَانَبَةِ
لِمَنْ كَانَ يُقَارِنُهُ وَمُضِيِّ سَنَةٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةً ثَانِيَةً
أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ شَاقِلَا وَاحْتَجَّ لِاخْتِيَارِهِ
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ
وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وَرَوَى أَبُو
حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { أَنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ احْتَجَبَ التَّوْبَةَ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ } .
وَقَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَذَا الْقَوْلُ الْجَامِعُ لِلْمَغْفِرَةِ لِكُلِّ
ذَنْبٍ لِلتَّائِبِ مِنْهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ هُوَ
الصَّوَابُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ
اسْتَثْنَى
بَعْضَ الذُّنُوبِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ تَوْبَةَ الدَّاعِيَةِ إلَى
الْبِدَعِ لَا تُقْبَلُ بَاطِنًا لِلْحَدِيثِ الْإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي فِيهِ "
وَكَيْفَ مَنْ أَضْلَلْتَ ؟ " وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ
بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ يَتُوبُ عَلَى أَئِمَّةِ الْكُفْرِ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ مِنْ أَئِمَّةِ
الْبِدَعِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِرْشَادِ الرَّجُلُ
إذَا دَعَا إلَى بِدْعَةٍ ثُمَّ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ وَقَدْ ضَلَّ بِهِ خَلْقٌ
كَثِيرٌ وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ وَمَاتُوا فَإِنَّ تَوْبَتَهُ صَحِيحَةٌ إذَا
وُجِدَتْ الشَّرَائِطُ وَيَجُوزُ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ وَيَقْبَلَ تَوْبَتَهُ
وَيُسْقِطَ ذَنْبَ مَنْ ضَلَّ بِهِ بِأَنْ يَرْحَمَهُ وَيَرْحَمَهُمْ وَبِهِ قَالَ
أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَهُوَ أَبُو
إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا وَهُوَ مَذْهَبُ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ وَأَنَّهَا لَا
تُقْبَلُ ثُمَّ احْتَجَّ بِحَدِيثِ الْإِسْرَائِيلِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ لَا
نَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِمَظَالِمِ الْآدَمِيِّينَ وَلَكِنَّ هَذَا لَا
يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّوْبَةِ ، كَالتَّوْبَةِ مِنْ السَّرِقَةِ وَقَتْلِ النَّفْسِ
وَغَصْبِ الْأَمْوَالِ صَحِيحَةٌ مَقْبُولَةٌ ، وَالْأَمْوَالُ وَالْحُقُوقُ
لِلْآدَمِيِّ لَا تَسْقُطُ ، وَيَكُونُ هَذَا الْوَعِيدُ رَاجِعًا إلَى ذَلِكَ ،
وَيَكُونُ نَفْيُ الْقَبُولُ رَاجِعًا إلَى الْقَبُولِ الْكَامِلِ وَقَالَ هُوَ
مَأْزُورٌ بِضَلَالِهِمْ وَهُمْ مَأْزُورُونَ بِأَفْعَالِهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ
الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ فُصُولِ التَّوْبَةِ .
فَصْلٌ ( فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ مَا لَمْ يَرَ التَّائِبُ مَلَكَ الْمَوْتِ
أَوْ يُغَرْغِرْ ) وَتُقْبَلُ مَا لَمْ يُعَايِنْ التَّائِبُ الْمَلَكَ وَرَوَى
ابْن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ نَصْرِ بْنِ حَمَّادٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ
بِالْإِجْمَاعِ ، عَنْ مُوسَى بْنِ كَرَدْمِ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
قِيسٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ { سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى تَنْقَطِعُ مَعْرِفَةُ الْعَبْدِ مِنْ
النَّاسِ قَالَ : إذَا عَايَنَ } وَقِيلَ مَا دَامَ مُكَلَّفًا كَذَا قَالَ فِي
الرِّعَايَةِ وَقِيلَ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ؛ لِأَنَّ الرُّوحَ تُفَارِقُ الْقَلْبَ
قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ فَلَا تَبْقَى لَهُ نِيَّةٌ وَلَا قَصْدٌ صَحِيحٌ .
فَإِنْ
جُرِحَ جُرْحًا مُوحِيًا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ ، وَالْمُرَادُ مَعَ ثَبَاتِ عَقْلِهِ
لِصِحَّةِ وَصِيَّةِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاعْتِبَارِ
كَلَامِهِمَا .
وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا : لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ
مُطْلَقًا ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِكَلَامِهِ وَلَعَلَّهُ
أَرَادَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ مَنْ قُطِعَ بِمَوْتِهِ كَقَطْعِ حَشْوَتِهِ
وَغَرِيقٌ وَمُعَايِنٌ كَمَيِّتٍ .
وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ أَنَّ حُكْمَ مَنْ ذُبِحَ أَوْ أُبِينَتْ
حَشْوَتُهُ وَهِيَ أَمْعَاؤُهُ لَا خَرْقُهَا وَقَطْعُهَا فَقَطْ كَمَيِّتٍ
.
وَقَالَ فِي الْكَافِي تَصِحُّ وَصِيَّةُ مَنْ لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ
وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ قَالَ لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ ، وَالْوَصِيَّةُ قَوْلٌ
وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَلَكَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَذَكَرَ
الشَّيْخُ فِي فَتَاوِيهِ إنْ خَرَجَتْ حَشْوَتُهُ وَلَمْ تَبِنْ ثُمَّ مَاتَ
وَلَدُهُ وَرِثَهُ وَإِنْ أُبِينَتْ فَالظَّاهِرُ يَرِثُهُ لِأَنَّ الْمَوْتَ
زُهُوقُ النَّفْسِ وَخُرُوجُ الرُّوحِ وَلَمْ يُوجَدْ .
وَلِأَنَّ الطِّفْلَ
يَرِثُ وَيُورَثُ بِمُجَرَّدِ اسْتِهْلَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَى
حَيَاةٍ أَثْبَتَ مِنْ حَيَاةِ هَذَا ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَلَا يَلْزَمُ
مِنْ هَذَا اعْتِبَارُ كَلَامِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِالطِّفْلِ
الَّذِي اسْتَهَلَّ لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ
مَعَ بَقَاءِ رُوحِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ خِلَافُ كَلَامِهِمْ فِي الْجِنَايَاتِ
لَكِنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الْإِرْثِ فِي الْغَرْقَى وَالْهَدْمَى
.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي مِيرَاثِ الْحَمْلِ أَنَّ الْحَيَوَانَ
يَتَحَرَّكُ بَعْدَ ذَبْحِهِ شَدِيدًا وَهُوَ كَمَيِّتٍ وَالْمَسْأَلَةُ
مَذْكُورَةٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
.
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَابْنُ
مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ
الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ } قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ مَا لَمْ
تَبْلُغْ رُوحُهُ حُلْقُومَهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّيْءِ الَّذِي
يَتَغَرْغَرُ بِهِ الْمَرِيضُ ، وَالْغَرْغَرَةُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَشْرُوبُ فِي
الْفَمِ وَيُرَدَّدَ إلَى أَصْلِ الْحَلْقِ وَلَا يُبْلَعُ ، وَمِنْهُ لَا
تُحَدِّثْهُمْ بِمَا يُغَرْغِرُهُمْ أَيْ لَا تُحَدِّثْهُمْ بِمَا لَا يَقْدِرُونَ
عَلَى فَهْمِهِ فَيَبْقَى فِي أَنْفُسِهِمْ لَا يَدْخُلُهَا ، كَمَا يَبْقَى
الْمَاءُ فِي الْحَلْقِ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ
ابْنُ حُزَمٍ : اتَّفَقُوا أَنَّ مَنْ قَرُبَتْ
نَفْسُهُ مِنْ الزُّهُوقِ فَمَاتَ لَهُ مَيِّتٌ أَنَّهُ يَرِثُهُ ، وَإِنْ
قَدَرَ عَلَى النُّطْقِ فَأَسْلَمَ فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ
مِنْ أَهْلِهِ وَأَنَّهُ إنْ شَخَصَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ
إلَّا نَفَسٌ وَاحِدٌ فَمَاتَ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِوَصِيَّةٍ فَإِنَّهُ قَدْ
اسْتَحَقَّهَا فَمَنْ قَتَلَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ قِيدَ بِهِ ، وَلَعَلَّ
مُرَادَهُ أَسْلَمَ وَلَمْ تَبْلُغْ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ
ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الصَّدَقَةِ { وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى
إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ } الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ حِكَايَةً عَنْ الْخَطَّابِيِّ :
الْمُرَادُ قَارَبَتْ بُلُوغَ الْحُلْقُومَ إذْ لَوْ بَلَغَتْهُ حَقِيقَةً لَمْ
تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ
بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَالْخَبَرُ الَّذِي
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ
الْوَفَاةُ الْمُرَادُ قَرِيبَ وَفَاتِهِ حَضَرَتْ دَلَائِلُهَا وَذَلِكَ قَبْلَ
الْمُعَايَنَةِ وَالنَّزْعِ وَلَوْ كَانَ فِي حَالِ الْمُعَايَنَةِ وَالنَّزْعِ
لَمَا نَفَعَهُ الْإِيمَانُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ
قَالَ إنِّي تُبْتُ الْآنَ } .
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ الْمُعَايَنَةِ
مُحَاوَرَتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ كُفَّارِ
قُرَيْشٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُتَكَلِّمِينَ
عَلَى الْحَدِيثِ جَعَلَ الْحُضُورَ هُنَا عَلَى حَقِيقَةِ الِاحْتِضَارِ وَأَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَا بِقَوْلِهِ ذَلِكَ حِينَئِذٍ
أَنْ تَنَالَهُ الرَّحْمَةُ بِبَرَكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَلَيْسَ هَذَا صَحِيحًا .
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ
مَرْفُوعًا { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ عَبْدِهِ أَوْ قَالَ
يَغْفِرُ لِعَبْدِهِ مَا لَمْ يَقَعْ الْحِجَابُ قِيلَ وَمَا وُقُوعُ الْحِجَابِ ؟
قَالَ تَخْرُجُ النَّفْسُ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ }
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ
نُعَيْمٍ تَفَرَّدَ عَنْهُ مَكْحُولٌ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا نَدْرِي مَنْ هُوَ ؟
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى عَنْهُ مَكْحُولٌ فِي الشَّامِيِّينَ
.
وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { إنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ
وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ
فِي أَجْسَادِهِمْ ، فَقَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : لَا أَزَالُ أَغْفِرُ مَا
اسْتَغْفَرُونِي } .
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ : { ثُمَّ يَتُوبُونَ
مِنْ قَرِيبٍ } إنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّوْبَةُ فِي الصِّحَّةِ وَلَا يَصِحُّ
هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ وَاسْمُهُ
بَاذَامُ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ مُعَايَنَةُ مَلَكِ
الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ
وَهِيَ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْوَالِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ الْمُرَادُ بِهِ التَّوْبَةُ قَبْلَ
الْمَوْتِ .
وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْله تَعَالَى : { حَتَّى إذَا
حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ } أَنَّهُ السَّوْقُ ، وَقِيلَ مُعَايَنَةُ
الْمَلَائِكَةِ لِقَبْضِ الرُّوحِ .
وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَاعَةٍ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ
السَّاعَةَ ضَابِطٌ إنَّمَا أَرَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَفْيَ مَا يُتَوَهَّمُ
مِنْ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ { مِنْ قَرِيبٍ } وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ
فِرْعَوْنَ لَعَنَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ { قَالَ آمَنْتُ
أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ
الْمُسْلِمِينَ } .
قَالَ تَعَالَى : { آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ
مِنْ الْمُفْسِدِينَ } وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ أَنَّ فِرْعَوْنَ
جَنَحَ إلَى التَّوْبَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ
وَمُعَايَنَةِ الْمَلَائِكَةِ وَأَضَاعَهَا فِي وَقْتِهَا .
وَقَدْ قَالَ
تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ
وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } يَعْنِي
حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ .
{ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ } .
رُوِيَ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَيْ لَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ .
وَذَكَرَ
أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ لَوْلَا بِمَعْنَى هَلَّا وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ
مُنْقَطِعٌ .
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ الْمَعْنَى وَقَوْمُ يُونُسَ
وَأَنْكَرَهُ الْفَرَّاءُ ، وَقِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ : {
حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ
الْأَلِيمَ } .
فَيَكُونُ مُتَّصِلًا ، وَذَكَرَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنَّهُ
مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْقَرْيَةِ وَالْقَوْمُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ
الْقَرْيَةِ ، وَقِيلَ مُتَّصِلٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَهْلُ الْقَرْيَةِ ، وَقِيلَ
هَذَا مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَصَّ بِهِ قَوْمَ يُونُسَ ، وَقِيلَ لِأَنَّ
الْعَذَابَ لَمْ يُبَاشِرْهُمْ بَلْ دَنَا مِنْهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ ، وَقِيلَ
لِصِدْقِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ الْأُمَمِ
الْمُكَذِّبَةِ : { فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا
} أَيْ عَايَنُوا الْعَذَابَ .
{ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي
عِبَادِهِ } .
فَصْلٌ قَبُولُ التَّوْبَةِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا )
.
رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى { إنَّ
اللَّهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ
.
وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا } .
وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ مَرْفُوعًا {
بَابٌ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ مَسِيرَةُ عَرْضِهِ أَرْبَعُونَ أَوْ سَبْعُونَ
سَنَةً خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ
مَفْتُوحًا لِلتَّوْبَةِ لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ } رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
.
وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ
تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ }
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا
أَجْمَعُونَ ، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ
مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ
لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ } قَالَ :
طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ
حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَرْفَعْهُ قَالَ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا حَدٌّ لِقَبُولِ التَّوْبَةِ .
وَقَدْ رَوَى
مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { ثَلَاثَةٌ إذَا
خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ :
طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَالدَّجَّالُ ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ }
فَهَذَا الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ آخِرَ الثَّلَاثَةِ خُرُوجًا
فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ .
وَقَالَ ابْن هُبَيْرَةَ فِيهِ
أَنَّ حُكْمَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي أَنَّ نَفْسًا لَا يَنْفَعُهَا إيمَانُهَا
الْحُكْمُ فِي طُلُوعِ
الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا كَذَا قَالَ .
وَأَمَّا مَا رَوَى أَبُو
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
تَخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ وَعَصَا مُوسَى فَتَجْلُو
وَجْهَ الْمُؤْمِنِ وَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتَمِ حَتَّى إنَّ أَهْلَ
الْخِوَانِ لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُ هَذَا يَا مُؤْمِنُ وَهَذَا يَا كَافِرُ
وَيَقُولُ هَذَا يَا كَافِرُ وَيَقُولُ هَذَا يَا مُؤْمِنُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَعِنْدَهُ { تَجْلُو وَجْهَ
الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا } فَهَذَا إنْ صَحَّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَلَا تَعَارُضَ
لِأَنَّهُ إنْ كَانَ خُرُوجُهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ
تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَنْفَعُ بِخُرُوجِهَا وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ
إيمَانُ أَحَدٍ بَعْدَ خُرُوجِ الدَّابَّةِ وَإِنْ كَانَ نَافِعًا وَالزَّمَانُ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَرِيبٌ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ فَالْمُرَادُ أَنَّ النَّاسَ لَمَّا آمَنُوا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
مِنْ مَغْرِبِهَا فَقَدْ يَشْتَبِهُ مَنْ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ بِمَنْ تَأَخَّرَ
فَخَرَجَتْ الدَّابَّةُ فَمَيَّزَتْ وَبَيَّنَتْ هَذَا مِنْ هَذَا بِأَمْرٍ جَلِيٍّ
وَاضِحٍ .
وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَيْضًا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ
يَنْفَعُ إلَى خُرُوجِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَقَوْلُهُ " وَتَخْطِمُ
أَنْفَ الْكَافِرِ " أَيْ تَسِمُهُ بِسِمَةٍ يُعْرَفُ بِهَا ، وَالْخِطَامُ سِمَةٌ
فِي عُرْضِ الْوَجْهِ إلَى الْخَدِّ ، وَالْخُوَانُ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي
يُؤْكَلُ عَلَيْهِ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّعْدِيِّ مَرْفُوعًا { لَا
تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْعَدُوُّ } رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ الْحَكَمِ
بْنِ نَافِعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمَ بْنِ زُرْعَةَ عَنْ
شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ عَنْ أَبِي السَّعْدِيِّ ،
وَفِي آخِرِهِ مَقَالُ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ الْهِجْرَةَ خَصْلَتَانِ
إحْدَاهُمَا تَهْجُرُ
السَّيِّئَاتِ وَالْأُخْرَى تُهَاجِرُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ
مَا تُقُبِّلَتْ التَّوْبَةُ ، وَلَا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا طَلَعَتْ طَبَعَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ } إسْمَاعِيلُ
بْنُ عَيَّاشٍ حِمْصِيٌّ حَدِيثُهُ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ جَيِّدٌ عِنْدَ أَكْثَرِ
الْمُحَدِّثِينَ ، وَضَمْضَمُ حِمْصِيٌّ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْخَبَرِ
تَرْكَ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ مِنْ الْفَرَائِضِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ
الْمَغْرِبِ ، فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ بِمَا كَانَ يَعْمَلُهُ مِنْ الْفَرَائِضِ
قَبْلَ ذَلِكَ وَيَنْفَعُهُ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْإِيمَان الَّذِي كَانَ
يَأْتِي بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ " وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ " أَيْ
عَمَلًا لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ .
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ أَنَّ
الْمَذْهَبَ : لَا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ
وَالْمَشْهُورُ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَوْمَ
يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } .
طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَهُوَ
الصَّوَابُ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ أَقْوَالًا
ضَعِيفَةً قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مِنْهُمْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَإِنَّمَا لَمْ
يَنْفَعْ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ حِينَئِذٍ لِظُهُورِ الْآيَةِ الَّتِي
تَضْطَرُّهُمْ إلَى الْإِيمَانِ ، ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ
الضَّحَّاكِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ بَعْضُ الْآيَاتِ وَهُوَ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ
مَعَ إيمَانِهِ قُبِلَ مِنْهُ كَمَا يُقْبَلُ مِنْهُ قَبْلَ الْآيَةِ .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 06:57

انْتَهَى كَلَامُهُ فَظَاهِرُهُ مُخَالَفَةُ كَلَامِ الضَّحَّاكِ لِمَا سَبَقَ
وَلَيْسَ بِمُرَادٍ فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي سَبَبُهُ ظُهُورُ الْآيَةِ لَا
يَنْفَعُ لِأَنَّ الْآيَةَ اضْطَرَّتْهُ إلَيْهِ ، وَأَمَّا مَا كَانَ يَعْمَلُهُ
فَظُهُورُ الْآيَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِيهِ فَيَبْقَى الْحُكْمُ كَمَا كَانَ
قَبْلَ الْآيَةِ .
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : النَّفْسُ الْمُؤْمِنَةُ إنْ لَمْ
تَكْسِبْ فِي
إيمَانِهَا خَيْرًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا لَمْ
يَنْفَعْهَا مَا تَكْسِبُهُ .
وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا عَلَى
ظَاهِرِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا كَمَا تَأَوَّلَهُ مَنْ تَأَوَّلَهُ مِنْ
الْبَاطِنِيَّةِ ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا
يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ الْحُكَمَاءِ وَالْمُنَجِّمِينَ .
وَفِيهِ بَيَانُ عَجْزِ
نُمْرُودَ فِي مُنَاظَرَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ فِي أَنَّ ( قَبُولَ التَّوْبَةِ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ ) وَقَبُولُ
التَّوْبَةِ بِفَضْلٍ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ
رَدُّهَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ : وَأَنَّهُ يَحْسُنُ
مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأَنَّ الْعَقْلَ لَا يَحْكُمُ عَلَى أَفْعَالِهِ وَلَا
يُقَبِّحُهَا .
قَالَ وَالدَّلَالَةُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ قَبُولِهَا فِي
الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَقْبَلُ
التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ، فَمَتَى قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ
بِالْوَعْدِ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْعَفْوَ لِأَنَّهُ قَالَ : { وَيَعْفُو عَنْ
السَّيِّئَاتِ } .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَفْوَ تَفَضُّلٌ كَذَلِكَ التَّوْبَةُ
قَبُولُهَا تَفَضُّلٌ .
وَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَجِبُ
شُكْرُهُ وَيَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ بِكُفْرِهِ ، فَلَوْ كَانَ قَبُولُ التَّوْبَةِ
وَاجِبًا عَلَيْهِ لَمَا وَجَبَ شُكْرُهُ عَلَى فِعْلِ مَا وَجَبَ كَمَا لَا يَجِبُ
شُكْرُ قَاضِي الدَّيْنِ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَمَسْأَلَةُ التَّحْسِينِ
وَالتَّقْبِيحِ وَأَنَّ الْعَقْلَ يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ
أَصْحَابِنَا أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَقَالَ هُوَ
قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ
وَعَامَّةِ الْفَلَاسِفَةِ وَقَالَ بِهِ أَيْضًا غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ ،
وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيَّةِ
.
وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي الْأُصُولِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ :
الْعَقْلُ يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ فَأَوْجَبُوهُ عَقْلًا ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ قَالُوا : لَا يَجِبُ عَقْلًا لَكِنْ كَرَمًا
مِنْهُ وَفَضْلًا ، وَعَرَفْنَا قَبُولَهَا بِالشَّرْعِ وَالْإِجْمَاعِ وَهَذَا
مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَنْ قَالَ
مِنْهُمْ : يَجِبُ بِوَعْدِهِ إخْرَاجُ غَيْرِ الْكُفَّارِ مِنْهَا .
وَقَدْ
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ
الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ وَاجِبًا أَوْجَبَهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ .
وَأَمَّا مَا
احْتَجَّ بِهِ ابْنُ
عَقِيلٍ فَلَا يَخْفَى وَجْهُ ضَعْفِهِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى
الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ شُكْرِهِ وَحَمْدِهِ وَمَدْحِهِ فِي جَمِيعِ مَا
يَفْعَلُ مِنْ الْمَلَاذِّ وَالْمَنَافِعِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
: كَوْنُ الْمُطِيعِ يَسْتَحِقُّ الْجَزَاءَ هُوَ اسْتِحْقَاقُ إنْعَامٍ وَفَضْلٍ ،
لَيْسَ هُوَ اسْتِحْقَاقُ مُقَابَلَةٍ كَمَا يَسْتَحِقُّ الْمَخْلُوقُ عَلَى
الْمَخْلُوقِ ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا مَعْنَى لِلِاسْتِحْقَاقِ إلَّا
أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ .
وَوَعْدُهُ صِدْقٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
يُثْبِتُونَ اسْتِحْقَاقًا زَائِدًا عَلَى هَذَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ
وَالسُّنَّةُ .
قَالَ تَعَالَى { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ
الْمُؤْمِنِينَ } ، { وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِمُعَاذٍ أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إذَا
فَعَلُوا ذَلِكَ ؟ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ } لَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ
هُوَ الَّذِي كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وَأَوْجَبَ هَذَا الْحَقَّ عَلَى
نَفْسِهِ لَمْ يُوجِبْهُ مَخْلُوقٌ .
وَالْمُعْتَزِلَةُ يَدَّعُونَ أَنَّهُ
وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْخَلْقِ وَأَنَّ الْعِبَادَ هُمْ الَّذِينَ
أَطَاعُوا بِدُونِ أَنْ يَجْعَلَهُمْ مُطِيعِينَ ، وَأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ
الْجَزَاءَ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُوجِبَ ، وَغَلِطُوا فِي ذَلِكَ ،
وَهَذَا الْبَابُ غَلَّطَتْ فِيهِ الْقَدَرِيَّةُ الْجَبْرِيَّةَ أَتْبَاعَ جَهْمٍ
وَالْقَدَرِيَّةُ النَّافِيَةُ .
وَحَدِيثُ مُعَاذٍ الْمَذْكُورُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ : { كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إلَّا مُؤَخِّرَةُ
الرَّحْلِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ
قَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ؟ قُلْتُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ثُمَّ
سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ إذَا فَعَلُوا
ذَلِكَ ؟ قُلْتُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ .
} .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ { كُنْتُ رِدْفَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ
فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ
الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ
.
قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا
يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَإِنَّ حَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ ؟ قَالَ لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا }
وَإِنَّمَا أَخْبَرَ مُعَاذٌ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ خَوْفًا مِنْ إثْمِ
كِتْمَانِ الْعِلْمِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ { أَنَّهُ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّحْلِ فَنَادَاهُ ثَلَاثًا كُلَّ
مَرَّةٍ يُجِيبُهُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ مَا مِنْ
عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ إلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ .
قَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَفَلَا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُونَ ؟ قَالَ إذًا
يَتَّكِلُوا وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا } .
قَالَ
ابْنُ هُبَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ يَكْتُمُهَا إلَّا عَنْ جَاهِلٍ يَحْمِلُهُ جَهْلُهُ
عَلَى سُوءِ الْأَدَبِ بِتَرْكِ الْخِدْمَةِ فِي الطَّاعَةِ ، فَأَمَّا
الْأَكْيَاسُ الَّذِينَ سَمِعُوا بِمِثْلِ هَذَا ازْدَادُوا فِي الطَّاعَةِ
وَرَأَوْا أَنَّ زِيَادَةَ النِّعَمِ تَسْتَدْعِي زِيَادَةَ الطَّاعَةِ فَلَا
وَجْهَ لِكِتْمَانِهَا عَنْهُمْ .
وَفِيهِ زُهْدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاضُعُهُ وَالْإِرْدَافُ ، وَقُرْبُ الرَّدِيفِ ،
وَأَرَادَ بِنِدَائِهِ ثَلَاثًا اسْتِنْصَاتَهُ وَحُضُورَ قَلْبِهِ ، وَفِيهِ
جَوَازُ إخْفَاءِ بَعْضِ الْعِلْمِ لِلْمَصْلَحَةِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ اتِّكَالًا
عَلَى الرُّخْصَةِ .
قَالَ : وَقَوْلُهُ " مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟
" أَيْ مَا جَزَاؤُهُمْ ؟ فَعَبَّرَ عَنْ
الْجَزَاءِ بِالْحَقِّ .
وَذَكَرَ قَوْلَ بِنْتِ شُعَيْبٍ : { لِيَجْزِيَكَ
أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } كَذَا قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَتَوْبَةُ
الْكَافِرِ مِنْ كُفْرِهِ ، قَبُولُهَا مَقْطُوعٌ بِهِ جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَسَبَقَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَيَجُوزُ
رَدُّهَا وَتَوْبَةُ غَيْرِهِ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَلَمْ أَجِدْ الْمَسْأَلَةَ
فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا .
وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا
لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْقَطْعِ وَالظَّنِّ ، وَاخْتِيَارُ أَبِي الْمَعَالِي
الظَّنُّ وَأَنَّهُ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ ( فِي تَبْدِيلِ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ بِالتَّوْبَةِ ) تَبْدِيلُ
السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ بِالتَّوْبَةِ هَلْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فَقَطْ
بِالطَّاعَاتِ أَمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؟ لِلْمُفَسِّرِينَ قَوْلَانِ ،
وَالثَّانِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِظَاهِرِ آيَةِ الْفُرْقَانِ
وَلِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي الرَّجُلِ الَّذِي تُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ
ذُنُوبِهِ وَتُبَدَّلُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَهَذَا
الرَّجُلُ الْمُرَادُ بِخُرُوجِهِ مِنْ النَّارِ الْوُرُودُ الْعَامُّ .
قَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : التَّائِبُ عَمَلُهُ أَعْظَمُ مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُ تِلْكَ السَّيِّئَاتِ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَمِلَ
مَكَانَ سَيِّئَاتِ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ فَهَذَا دَرَجَتُهُ بِحَسَبِ حَسَنَاتِهِ
فَقَدْ يَكُونُ أَرْفَعَ مِنْ التَّائِبِ إنْ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَرْفَعَ ،
وَإِنْ كَانَ قَدْ عَمِلَ سَيِّئَاتٍ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا فَهَذَا نَاقِصٌ ،
وَإِنْ كَانَ مَشْغُولًا بِمَا لَا ثَوَابَ فِيهِ وَلَا عِقَابَ فَهَذَا التَّائِبُ
الَّذِي اجْتَهَدَ فِي التَّوْبَةِ ، وَالتَّبْدِيلُ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ
وَالْمُجَاهَدَةِ مَا لَيْسَ لِذَلِكَ الْبَطَّالِ .
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ
أَنَّ تَقْدِيمَ السَّيِّئَاتِ وَلَوْ كَانَتْ كُفْرًا إذَا تَعْقُبُهَا
التَّوْبَةُ الَّتِي يُبَدِّلُ اللَّهُ فِيهَا السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ لَمْ تَكُنْ
تِلْكَ السَّيِّئَاتُ نَقْصًا بَلْ كَمَالًا ، وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا .
فَصْلٌ ( تَخْلِيدُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ بِوَعِيدِ اللَّهِ تَعَالَى )
يَجِبُ بِوَعِيدِهِ تَخْلِيدُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ
وَغَيْرُهُ وَيَجِبُ بِوَعْدِهِ إخْرَاجُ غَيْرِهِمْ مِنْهَا ، وَقِيلَ قَدْ لَا
يَدْخُلُ النَّارَ بَعْضُ الْعُصَاةِ تَكَرُّمًا مِنْ اللَّهِ بِالشَّفَاعَةِ ،
وَقِيلَ مَنْ مَاتَ فَاسِقًا مُصِرًّا غَيْرَ تَائِبٍ لَمْ نَقْطَعْ لَهُ
بِالنَّارِ وَلَكِنْ نَرْجُو لَهُ وَنَخَافُ عَلَيْهِ ذَنْبَهُ نَصَّ عَلَيْهِ {
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ قَالَ فِي
تَارِكِ الصَّلَاةِ فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ }
.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي قَوْله تَعَالَى : {
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ
: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَيِّتٍ عَلَى ذَنْبٍ دُونَ الشِّرْكِ
لَا نَقْطَعُ لَهُ بِالْعَذَابِ وَإِنْ كَانَ مُصِرًّا .
( وَالثَّانِيَةُ )
أَنَّ تَعْلِيقَهُ بِالْمَشِيئَةِ فِيهِ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ أَنْ
يَكُونُوا عَلَى خَوْفٍ وَطَمَعٍ .
فَصْلٌ ( فِي حُبُوطِ الْمَعَاصِي بِالتَّوْبَةِ وَالْكُفْرِ بِالْإِسْلَامِ )
وَتُحْبَطُ الْمَعَاصِي بِالتَّوْبَةِ ، وَالْكُفْرُ بِالْإِسْلَامِ ، وَالطَّاعَةُ
بِالرِّدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَوْتِ ، لَا تُحْبَطُ طَاعَةٌ بِمَعْصِيَةٍ
غَيْرِ الرِّدَّةِ الْمَذْكُورَةِ .
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ
أَنَّ الْمَنَّ وَالْأَذَى يُبْطِلُ الصَّدَقَةَ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ لَا
تُحْبَطُ طَاعَةٌ بِمَعْصِيَةٍ إلَّا مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ
فَيُوقَفُ الْإِحْبَاطُ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ ، وَلَا نَقِيسُ
عَلَيْهِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : الْكَبِيرَةُ الْوَاحِدَةُ لَا
تُحْبِطُ جَمِيعَ الْحَسَنَاتِ وَلَكِنْ قَدْ تُحْبِطُ مَا يُقَابِلُهَا عِنْدَ
أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا فِي مَكَان آخَرَ .
قَالَ
كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ ، وَاحْتَجَّ بِإِبْطَالِ الصَّدَقَةِ
بِالْمَنِّ وَالْأَذَى قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ : وَقَالَتْ عَائِشَةُ
لِأُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ
أُبْطِلَ جِهَادُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا
أَنْ يَتُوبَ .
ثُمَّ ذَكَرَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا
أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } .
الْآيَةَ .
وَلَمْ يَتَكَلَّمْ
عَلَيْهَا ثُمَّ ذَكَرَ : { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } الْآيَةَ وَذَكَرَ
أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ فِيهَا مِنْهُمْ الْحَسَنُ قَالَ : بِالْمَعَاصِي
وَالْكَبَائِرِ قَالَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى حُبُوطِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ بِهَا
.
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : { لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ } الْآيَةَ
وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَا يُحْبَطُ بَلْ قَالَ : وَقَدْ قِيلَ إنَّ
الْإِحْبَاطَ بِمَعْنَى نَقْصِ الْمَنْزِلَةِ لَا حُبُوطِ الْعَمَلِ مِنْ أَصْلِهِ
كَمَا يُحْبَطُ بِالْكُفْرِ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ حُبُوطُ حَسَنَاتِكُمْ وَلَيْسَ
مُرَادُهُ ظَاهِرَهُ .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَيْسَ قَوْلُهُ : { أَنْ
تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } بِمُوجِبٍ أَنْ يَكْفُرَ
الْإِنْسَانُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَكَمَا لَا يَكُونُ الْكَافِرُ مُؤْمِنًا إلَّا
بِاخْتِيَارِهِ
الْإِيمَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَافِرًا مِنْ حَيْثُ لَا
يَقْصِدُ إلَى الْكُفْرِ وَلَا يَخْتَارُهُ بِإِجْمَاعٍ ، وَقِيلَ لَا تُحْبَطُ
مَعْصِيَةٌ بِطَاعَةٍ لَا مَعَ التَّسَاوِي وَلَا مَعَ التَّفَاضُلِ .
قَالَ :
وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : { وَلَا يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }
.
وَفِي سُورَةِ النِّسَاءِ : { وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } .
وَلِأَنَّهُ
فِي الْبَقَرَةِ أَخْبَرَ بِحُبُوطِ عَمَلِهِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَالْإِيمَانُ
الْمَشْرُوطُ فِي قَبُولِ الْعَمَلِ هُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ لَا بِأَحَدِهِمَا فَلَوْ قِيلَ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ لَكَانَ
يُتَوَهَّمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ فِي قَبُولِ الْعَمَلِ كَمَا لَوْ قِيلَ هَذَا
يُصَلِّي بِلَا وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ وَيْحَكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِلَا كِتَابٍ
وَلَا سُنَّةٍ : { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ } وَأَمَّا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ
ذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ وَهُمْ مَذْمُومُونَ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ
مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ وَيَرُدُّهُ قَوْله تَعَالَى : { إنَّ الْحَسَنَاتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَحَسَّنَهُ .
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ { فِتْنَةُ
الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا
الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ
عَنْ الْمُنْكَرِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ لِأَنَّ هَذِهِ حَسَنَاتٌ أَخْبَرَ
اللَّهُ أَنَّهُنَّ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ .
قَالَ : وَإِنَّمَا يَعْنِي
الصِّيَامَ الْمَفْرُوضَ وَالصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ فَلَا يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ
أَنْ يُعَيِّنَ لِذَلِكَ مُكَفِّرًا غَيْرَ ذَلِكَ وَلَوْ أَرَادَ غَيْرَ
الْمَفْرُوضِ الْمَعْهُودِ لَقَالَ صِيَامٌ وَصَلَاةٌ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ كَفَّارَةُ الشِّرْكِ التَّوْحِيدُ وَالْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ
السَّيِّئَاتِ .
قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ ، وَقِيلَ تُحْبَطُ
الصَّغَائِرُ بِثَوَابِ
الْمَرْءِ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ .
كَذَا قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا
يُخَالِفُهُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الِانْتِصَارِ ، وَقِيلَ
لَهُ فِي الْفُنُونِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، { إنَّهُمَا
لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ : أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا
يَتَنَزَّهُ مِنْ الْبَوْلِ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ }
كَيْفَ يُعَذَّبَانِ بِمَا لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ ؟ وَالصَّغَائِرُ بِتَرْكِ
الْكَبَائِرِ تَنْحَبِطُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنْ
تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } فَقَالَ فِي الْخَبَرِ " كَانَ "
وَكَانَ لِدَوَامِ الْفِعْلِ فَلِهَذَا بِالدَّوَامِ حُكْمُ الْكَبِيرَةِ عَلَى
أَنَّ فِي الْخَبَرِ تَعْذِيبَهُمَا بِالصَّغَائِرِ وَفِي الْآيَةِ إخْبَارٌ
بِتَكْفِيرِهَا وَتَكْفِيرُهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْآلَامِ وَالْبَلَايَا
وَلَعَلَّ الْمُعَذَّبَيْنِ لَمْ تُكَفَّرْ صَغَائِرُهُمَا بِمَصَائِبَ وَلَا
آلَامٍ .
كَذَا قَالَ .
وَتَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ فِيهِ ، وَفِي
الْغُنْيَةِ إذَا تَابَ الْمُؤْمِنُ عَنْ الْكَبَائِرِ انْدَرَجَتْ الصَّغَائِرُ
فِي ضِمْنِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ
عَنْهُ } لَكِنْ لَا يُطْمِعُ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ بَلْ يَجْتَهِدُ فِي التَّوْبَةِ
عَنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا ، فَعَلَى كَلَامِ هَؤُلَاءِ مِنْ
أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ الصَّغَائِرَ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ
الْكَبَائِرِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ مِنْهُمْ
الْجَوْزِيُّ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا
تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ
وَالتَّابِعُونَ فِي الْكَبَائِرِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا بِضْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا
لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ الشِّرْكُ فَقَطْ .
وَحَكَاهُ بَعْضُ
الْمُفَسِّرِينَ قَوْلًا وَلَمْ يَذْكُرْ قَائِلَهُ فَالْقَوْلُ بِهِ خِلَافُ
إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الْآيَةِ مَعَ أَنَّهُ خِلَافٌ ظَاهِرٌ
عَلَى مَا لَا يَخْفَى فَظَاهِرُهَا أَنَّ اجْتِنَابَهَا مُكَفِّرٌ نَصَبَهُ
الشَّارِعُ سَبَبًا
لِذَلِكَ فَلَيْسَ الْمُكَفِّرُ حَسَنَاتٍ وَلَا مَصَائِبَ بَلْ ذَلِكَ
مُكَفِّرٌ أَيْضًا .
فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُرَادُ الْآيَةِ وَمُقْتَضَاهَا
أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَدْ خَالَفَ ظَاهِرَ الْآيَةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ كَمَا
خَالَفَ ظَاهِرَ الْإِجْمَاعِ السَّابِقِ ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ
أَوْ كَمَا قَالَهُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ الشِّرْكُ لَبَيَّنَهُ الصَّحَابَةُ
وَالتَّابِعُونَ وَلَمَا أَغْفَلَهُ مِثْلُهُمْ وَإِنَّمَا أَجْرَوْا الْآيَةَ
عَلَى ظَاهِرِهَا ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَتَّجِهُ تَضْعِيفُ الْقَوْلِ
الْأَوَّلِ وَتَصْحِيحُ الثَّانِي ، وَأَنَّ طَرِيقَ التَّضْعِيفِ وَاحِدٌ
.
وَمِمَّا يُوَافِقُ ظَاهِرَ الْآيَةِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { الْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ،
وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إذَا اُجْتُنِبَتْ
الْكَبَائِرُ } .
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَا مِنْ امْرِئٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ
وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا
مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ } وَعَنْ
أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ جَاءَ يَعْبُدُ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ
، وَيَصُومُ رَمَضَانَ ، وَيَتَّقِي الْكَبَائِرَ ، فَإِنَّ لَهُ الْجَنَّةَ }
إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَفِيهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَحَدِيثُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ يَصُومُ رَمَضَانَ .
وَقَدْ
ظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الصَّغَائِرَ لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ
لِوُقُوعِهَا مُكَفَّرَةً شَيْئًا فَشَيْئًا .
وَقَدْ اعْتَرَفَ ابْنُ عَقِيلٍ
بِصِحَّةِ هَذَا وَأَنَّهُ لَوْلَا الْإِجْمَاعُ لَقُلْنَا بِهِ .
كَذَا قَالَ
.
وَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ
الْمُخَالِفُ لِهَذَا ؟ بَلْ مُقْتَضَى مَا سَبَقَ عَنْ أَصْحَابِنَا
وَمُقْتَضَى الْإِجْمَاعِ السَّابِقِ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُوَ
مُتَوَجِّهٌ كَمَا تَرَى .
وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ فِي
النَّهْيِ عَنْ أَحَدِ شَيْئَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ
أَصْحَابِنَا إنَّهُ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ إدْمَانُ الصَّغِيرَةِ لَكِنَّ
ظَاهِرَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَدْمَنَ وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي
تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى : { إنْ تَجْتَنِبُوا } حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى
حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ثنا شِبْلٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ كَمْ الْكَبَائِرُ ؟ سَبْعٌ ؟ قَالَ
: هِيَ إلَى سَبْعِمِائَةٍ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى سَبْعٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَا
كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ .
وَكَذَا رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ شِبْلٍ وَهُوَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ .
فَإِنْ قُلْنَا
قَوْلُ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ صَارَتْ الصَّغِيرَةُ بِإِدْمَانِهَا كَالْكَبِيرَةِ ،
وَإِنْ لَمْ نَقُلْ كَذَلِكَ فَالْعَمَلُ : لَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ ، وَلَا
كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ ، صَارَتْ الصَّغِيرَةُ بِإِدْمَانِهَا كَالْكَبِيرَةِ
، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَالْعَمَلُ بِظَاهِرِ الْقَوْلِ السَّابِقِ ، وَظَاهِرِ
الْأَدِلَّةِ أَوْلَى .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : { ارْحَمُوا تُرْحَمُوا ، وَاغْفِرُوا يُغْفَرْ
لَكُمْ ، وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ
يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا
يَزِيدُ حَدَّثَنَا حِبَّانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَهُ .
قَوْلُ
الْبُخَارِيِّ فِي تَارِيخِهِ حِبَّانُ بْنُ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيُّ أَبُو خِدَاشٍ
الشَّامِيُّ ، وَرَوَى عَنْهُ حَرِيزٌ يَرْوِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو
قَالَهُ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ وَحَدَّثَنِي عِصَامُ حَدَّثَنَا حَرِيزٌ عَنْ
حِبَّانَ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ عَنْ حِبَّانَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَمْ أَجِدْ فِي حِبَّانَ
كَلَامًا وَلَا رَوَى عَنْهُ إلَّا حَرِيزٌ لَكِنَّ ظَاهِرَ مَا ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ مَشْهُورٌ .
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَصْلُ الشَّرْعَبَةِ
الطُّولُ ، يُقَالُ رَجُلٌ شَرْعَابٌ وَامْرَأَةٌ شَرْعَابَةٌ وَهَذَا مَنْسُوبٌ
إلَى شَرْعَبَ بْنِ قَيْسٍ مِنْ حِمْيَرَ ، وَالْأَقْمَاعُ جَمْعُ قِمْعٍ بِكَسْرِ
الْقَافِ وَبِسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا كَنِطْعٍ وَنِطَعٍ ، وَقِيلَ بِفَتْحِ
الْقَافِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَهُوَ الْإِنَاءُ الَّذِي يَنْزِلُ فِي رُءُوسِ
الظُّرُوفِ لِتُمْلَأَ بِالْمَائِعَاتِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَدْهَانِ
.
شَبَّهَ أَسْمَاعَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْقَوْلَ وَلَا يَعُونَهُ
وَيَحْفَظُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهِ بِالْأَقْمَاعِ الَّتِي لَا تَعِي شَيْئًا
مِمَّا يُفَرَّغُ فِيهَا فَكَأَنَّهُ يَمُرُّ عَلَيْهَا مُجْتَازًا كَمَا يَمُرُّ
الشَّرَابُ فِي الْأَقْمَاعِ .
.
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ :
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ { أَوَّلُ مَنْ يُسَاقُ إلَى النَّارِ الْأَقْمَاعُ الَّذِينَ
إذَا أَكَلُوا لَمْ يَشْبَعُوا ، وَإِذَا جَمَعُوا لَمْ يَسْتَغْنُوا } أَيْ كَانَ
مَا يَأْكُلُونَهُ وَيَجْمَعُونَهُ يَمُرُّ بِهِمْ مُجْتَازًا غَيْرَ ثَابِتٍ
فِيهِمْ وَلَا بَاقٍ عِنْدَهُمْ ، وَقِيلَ أَرَادَ بِهِمْ أَهْلَ الْبَطَالَاتِ
الَّذِينَ لَا هَمَّ لَهُمْ إلَّا فِي تَرْجِئَةِ الْأَيَّامِ بِالْبَاطِلِ ، فَلَا
هُمْ فِي عَمَلِ الدُّنْيَا وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ .
وَيَأْتِي هَذَا
الْمَعْنَى فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي نَظْمِ صَاحِبِ النَّظْمِ .
وَجَعْلُ
الصَّغِيرَةِ فِي الْكَبِيرَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ
عَدَمُ ذَلِكَ وَقَدْ عُمِلَ بِهِ فِي الْكَبَائِرِ وَلَيْسَ بِخَاصٍّ فِي
الصَّغَائِرِ لِيُخَصَّ بِهِ ظَاهِرُ مَا سَبَقَ .
وَالْأَشْهَرُ فِي كُتُبِ
الْفِقْهِ أَنَّ الصَّغَائِرَ تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ فَلَا تُكَفَّرُ
بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ ، فَعَلَى هَذَا إذَا مَاتَ غَيْرَ تَائِبٍ مِنْهُمَا
فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ عِنْدَ
أَهْلِ السُّنَّةِ كَالْكَبَائِرِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ
إذَا كُفِّرَتْ بِاجْتِنَابِ
الْكَبَائِرِ ظَاهِرُهُ لَا تَنْقُصُ دَرَجَتُهُ عَنْ دَرَجَةِ مَنْ لَمْ يَأْتِ
صَغِيرَةً كَالتَّوْبَةِ مِنْهَا .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ
أَنَّهُ يَجِبُ الْإِحْبَاطُ وَإِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ أَنْ لَا يُعَاقَبَ
عَلَى صَغِيرَةٍ بَلْ تَنْقُصُ دَرَجَتُهُ عَنْ دَرَجَةِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ مَعَ
مُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي الْحَسَنَاتِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَى
ذَلِكَ وَأَنَّ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ : لَا يَجُوزُ الْإِحْبَاطُ وَيُعَاقَبَ
عَلَى السَّيِّئَةِ وَيُجَازَى بِالْحَسَنَةِ وَأَنَّ الصَّغِيرَةَ يَجُوزُ أَنْ
تُغْفَرَ فَلَا تَنْقُصُ دَرَجَتُهُ .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ
وَأَمْثَالُهُ : حَمَلُوا قَوْله تَعَالَى : { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا
تُنْهَوْنَ عَنْهُ } عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكُفْرُ فَقَطْ .
وَقَالُوا
: { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } أَيْ إنْ شِئْنَا وَجَعَلُوا هَذِهِ
الْآيَةَ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } وَهَذَا غَلَطٌ فِي مَعْنَى الْآيَةِ
خَالَفُوا بِهِ تَفْسِيرَ إجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ
وَمَدْلُولَهَا وَالْمُعْتَزِلَةُ أَيْضًا غَلِطُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ
فَاعْتَقَدُوا أَنَّ قَوْلَهُ : { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ }
.
الْمُرَادُ بِهِ الْمَغْفِرَةُ وَلَا بُدَّ ، وَهَذَا قَدْ يَظُنُّهُ كَثِيرٌ
مِنْ النَّاسِ بِخِلَافِ تَفْسِيرِ الْكَبَائِرِ بِالشِّرْكِ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ
أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَجَعَلَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْمَغْفِرَةَ فِي : { إنَّ
اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } وَالْآيَةُ مَشْرُوطَةٌ بِالتَّوْبَةِ
كَقَوْلِهِ : { إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ
لَوْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً بِالتَّوْبَةِ لَمْ تُخَصَّ بِمَا دُونَ الشِّرْكِ وَلَمْ
تُعَلَّقْ بِالْمَشِيئَةِ بَلْ قَوْلُهُ { لِمَنْ يَشَاءُ } لَا يَمْنَعُ أَنْ
تَكُونَ الْمَغْفِرَةُ بِأَسْبَابٍ مِنْهَا الْحَسَنَاتُ وَمِنْهَا الْمَصَائِبُ
الْمُكَفِّرَةُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : إنْ تَجْتَنِبُوا الْآيَةَ ، فَفِيهِ
الْوَعْدُ
بِالتَّكْفِيرِ ، وَالتَّكْفِيرُ يَكُونُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ تَارَةً
وَبِالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ تَارَةً ، فَمَنْ كُفِّرَتْ سَيِّئَاتُهُ بِنَفْسِ
الْعَمَلِ كَانَ مِنْ بَابِ الْمُوَازَنَةِ وَهَذَا تَنْقُصُ دَرَجَتُهُ عَمَّنْ
سَلِمَ مِنْ تِلْكَ الذُّنُوبِ كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِنْ
الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَمَنْ كُفِّرَتْ بِالْمَصَائِبِ وَالْحُدُودِ
وَعُقُوبَاتِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ تَسْلَمُ لَهُ حَسَنَاتُهُ فَلَا تُنْتَقَصُ
دَرَجَتُهُ بَلْ تَرْتَفِعُ دَرَجَاتُهُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى الْمَصَائِبِ
فَيَكُونُونَ أَرْفَعَ مِمَّا لَوْ عُوقِبُوا وَأَصْحَابُ الْعَافِيَةِ يَكُونُونَ
أَدْنَى .
وَقَوْلُهُ { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } عَامٌّ وَسُقُوطُ
الْحَسَنَاتِ الَّتِي تُقَابِلُهَا مِنْ الْجَزَاءِ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ { مَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } الْآيَةَ ثُمَّ إمَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا مَشْرُوطٌ
بِعَدَمِ التَّوْبَةِ أَوْ يُقَالَ التَّوْبَةُ فِيهَا شِدَّةٌ عَلَى النَّفْسِ
وَمُخَالَفَةُ هَوَى فَفِيهَا أَلَمٌ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْجَزَاءِ فَيَكُونُ { مَنْ
يَعْمَلْ سُوءًا } .
عَامٌّ مَخْصُوصًا ، أَوْ يُقَالُ التَّوْبَةُ مِنْ جِنْسِ
الْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ فَلَمْ تَبْقَ السَّيِّئَةُ سَيِّئَةً كَمَا أَنَّ
الْإِيمَانَ الَّذِي تَتَعَقَّبُهُ الرِّدَّةُ لَيْسَ بِإِيمَانٍ فَالتَّائِبُ مِنْ
الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ .
وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ
وُجُودُ التَّوْبَةِ كَعَدَمِهَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُعَذِّبَهُ لَكِنْ
يَظُنُّ أَنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ وَإِلَّا فَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يُدْرَى عِنْدَهُمْ
لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِحْبَاطِ وَهُمْ يَقُولُونَ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ
.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْحَسَنَةَ
تَعْظُمُ وَيَكْثُرُ ثَوَابُهَا بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ حَتَّى
تُقَابِلَ جَمِيعَ الذُّنُوبِ وَذَكَرَ حَدِيثَ { فَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ
وَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ } وَحَدِيثَ الْبَغِيِّ الَّتِي سَقَتْ الْكَلْبَ فَشَكَرَ
اللَّهُ لَهَا ذَلِكَ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهَا .
وَحَدِيثَ الَّذِي نَحَّى غُصْنَ
شَوْكٍ عَنْ الطَّرِيقِ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ فَغَفَرَ لَهُ رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
فَصْلٌ ( فِي سُرُورِ الْإِنْسَانِ بِمَعْرِفَةِ طَاعَتِهِ وَالْعُجْبِ
وَالرِّيَاءِ وَالْغُرُورِ بِهَا ) .
إذَا سُرَّ الْإِنْسَانُ بِمَعْرِفَةِ
طَاعَتِهِ هَلْ هُوَ مَذْمُومٌ ؟ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إنْ كَانَ قَصْدُهُ
إخْفَاءَ الطَّاعَةِ وَالْإِخْلَاصَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنَّهُ لَمَّا
أَطْلَعَ عَلَيْهِ الْخَلْقَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَطْلَعَهُمْ وَأَظْهَرَ
الْجَمِيلَ مِنْ أَحْوَالِهِ فَسُرَّ بِحُسْنِ صَنِيعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَنَظَرِهِ لَهُ وَلُطْفِهِ بِهِ حَيْثُ كَانَ يَسْتُرُ الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ
فَأَظْهَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الطَّاعَةَ وَسَتَرَ الْمَعْصِيَةَ فَيَكُونُ فَرَحُهُ
بِذَلِكَ لَا بِحَمْدِ النَّاسِ ، وَقِيَامِ الْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِهِمْ أَوْ
يَسْتَدِلُّ بِإِظْهَارِ اللَّهِ الْجَمِيلَ وَسَتْرِ الْقَبِيحَ عَلَيْهِ فِي
الدُّنْيَا أَنَّهُ كَذَلِكَ يَفْعَلُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ قَدْ جَاءَ مَعْنَى
ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ .
فَأَمَّا إنْ كَانَ فَرَحُهُ بِإِطْلَاعِ النَّاسِ
عَلَيْهِ لِقِيَامِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُمْ حَتَّى يَمْدَحُوهُ وَيُعَظِّمُوهُ
وَيَقْضُوا حَوَائِجَهُ فَهَذَا مَكْرُوهٌ مَذْمُومٌ .
فَإِنْ قِيلَ فَمَا
وَجْهُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ
الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيَسُرُّهُ فَإِذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِ أَعْجَبَهُ ؟
فَقَالَ لَهُ أَجْرَانِ أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ } فَالْجَوَابُ
أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ بِأَنْ يُعْجِبَهُ ثَنَاءُ النَّاسِ عَلَيْهِ
بِالْخَيْرِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي
الْأَرْضِ } .
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قِيلَ { يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ فَيَحْمَدُهُ
النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ } فَأَمَّا إذَا
أَعْجَبَهُ لِيَعْلَمَ النَّاسُ مِنْهُ الْخَيْرَ وَيُكْرِمُونَهُ عَلَيْهِ فَهَذَا
رِيَاءٌ .
وَوُجُودُ الرِّيَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغَ مِنْ الْعِبَادَةِ لَا
يُحْبِطُهَا لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ عَلَى نَعْتِ الْإِخْلَاصِ فَلَا يَنْعَطِفُ مَا
طَرَأَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ
لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَتَكَلَّفْ هُوَ إظْهَارَهُ وَالتَّحَدُّثَ بِهِ ،
فَأَمَّا إنْ تَحَدَّثَ بِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَأَظْهَرَهُ فَهَذَا مَخُوفٌ ،
وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَقْتَ مُبَاشَرَةِ الْعَمَلِ
نَوْعُ رِيَاءٍ فَإِنْ سَلِمَ مِنْ الرِّيَاءِ نَقَصَ أَجْرُهُ ، فَإِنَّ بَيْنَ
عَمَلِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ سَبْعِينَ دَرَجَةً .
وَوُرُودُ الرِّيَاءِ
قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ إنْ كَانَ مُجَرَّدَ سُرُورٍ لَمْ يُؤَثِّرْ
فِي الْعَمَلِ ، وَإِنْ كَانَ بَاعِثًا عَلَى الْعَمَلِ مِثْلَ أَنْ يُطِيلَ
الصَّلَاةَ لِيُرَى مَكَانُهُ فَهَذَا يُحْبِطُ الْأَجْرَ ، انْتَهَى كَلَامُهُ
.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : الْإِعْجَابُ لَيْسَ بِالْفَرَحِ وَالْفَرَحُ لَا
يَقْدَحُ فِي الطَّاعَاتِ لِأَنَّهَا مَسَرَّةُ النَّفْسِ بِطَاعَةِ الرَّبِّ عَزَّ
وَجَلَّ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مِمَّا سَرَّ الْعُقَلَاءَ وَأَبْهَجَ الْفُضَلَاءَ ،
وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ :
إنِّي كُنْتُ أُصَلِّي فَدَخَلَ عَلَيَّ صَدِيقٌ لِي فَسَرَّنِي ذَلِكَ
.
فَقَالَ : لَكَ أَجْرَانِ أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ }
وَإِنَّمَا الْإِعْجَابُ اسْتِكْثَارُ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَرُؤْيَةُ النَّفْسِ بِعَيْنِ الِافْتِخَارِ ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ
اقْتِضَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا أَتَى الْأَوْلِيَاءُ وَانْتِظَارُ
الْكَرَامَةِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ ، وَيَنْكَشِفُ ذَلِكَ بِمَا يُرَى مِنْ
هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ مِنْ إمْرَارِ أَيْدِيهِمْ عَلَى أَرْبَابِ الْعَاهَاتِ
وَالْأَمْرَاضِ ثِقَةً بِالْبَرَكَاتِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ مِنْ الْخُدَعِ حَتَّى
أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ لَوْ كُسِرَ لَهُ عَرَضٌ قَالَ عَلَى سَبِيلِ
الِاقْتِضَاءِ لِلَّهِ ؟ أَلَيْسَ قَدْ ضَمِنْتَ نَصْرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَا
يَدْرِي الْجَاهِلُ مَنْ الْمُؤْمِنُ الْمَنْصُورُ ؟ وَمَا النَّصْرُ ؟ وَمَاذَا
شَرْطُ النُّصْرَةِ ؟ وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا إلَى أَنْ قَالَ : إنَّ الْعُجْبَ
يَدْخُلُ مِنْ إثْبَاتِ نَفْسِكَ فِي الْعَمَلِ وَنِسْيَانِ أَلْطَافِ الْحَقِّ
وَمِنْ إغْفَالِ نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى ، وَإِلَّا فَلَوْ لَحَظَ الْعَبْدُ
اتِّصَالَ
النِّعَمِ لَاسْتَقَلَّ عَمَلَهُ وَإِنْ كَثُرَ أَنْ يُقَابِلَ النِّعَمَ
شُكْرًا وَيَدْخُلُ مِنْ الْجَهْلِ بِالْمُطَاعِ ، فَلَوْ عَرَفَ الْعَبْدُ مَنْ
يُطِيعُ وَلِمَنْ يَخْدُمُ لَاسْتَكْثَرَ لِنَفْسِهِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ ،
وَاسْتَقَلَّهَا أَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً مَعَ أَمْلَاكِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ .
وَيَدْخُلُ أَيْضًا عَنْ
طُرُقِ الْجَهَالَةِ بِكَثْرَةِ الْخَلَلِ وَالْعِلَلِ ، الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ مَعَهَا عَلَى غَايَةِ الْخَجَلِ ، وَالْخَوْفِ مِنْ أَنْ يَقَعَ الطَّرْدُ
وَالرَّدُّ ، فَإِنَّ الْفَيْءَ مُسْتَوْحَشٌ ، وَيَدْخُلُ أَيْضًا مِنْ النَّظَرِ
إلَى الْخَلْقِ بِعَيْنِ الِاسْتِقْلَالِ ، وَإِدْمَانِ النَّظَرِ إلَى الْعُصَاةِ
الْمُتَشَرِّدِينَ ، وَلَوْ أَنَّهُ نَظَرَ إلَى الْعُمَّالِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
لَاسْتَقَلَّ نَفْسَهُ .
فَهَذِهِ مُعَالَجَةُ الْأَدْوَاءِ ، وَحَسْمُ مَوَادِّ
الْفَسَادِ فِي الْأَعْمَالِ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا
الْمَعْنَى : وَفَهْمُ هَذَا يُنَكِّسُ رَأْسَ الْكَبِيرِ وَيُوجِبُ مُسَاكَنَةَ
الذُّلِّ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ أَصْلٌ عَظِيمٌ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا :
اُنْظُرْ إلَى لُطْفِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِخَلْقِهِ كَيْفَ وَضَعَ فِيهِمْ
لِمَصَالِحِهِمْ مَدَارِكَ تَزِيدُ عَلَى الْعِلْمِ ، وَدَوَاعِيَ تَحُثُّهُمْ
عَلَى فِعْلِ مَا فِيهِ الصَّلَاحُ وَالْكَفُّ عَنْ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ مِنْ
ذَلِكَ وَضْعُهُ لِلشَّهْوَةِ وَهَيَجَانِ الطَّبْعِ لِطَلَبِ الْجِمَاعِ وَذَلِكَ
طَرِيقُ النُّشُوءِ وَحِفْظُ النَّسْلِ وَآلَامٌ تَحْصُلُ مِنْ الرِّقَّةِ عَلَى
الْحَيَوَانِ لِيَحْصُلَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْإِيلَامِ ،
وَيَحْصُلُ مَنْعُ الْمُؤْلِمِ وَكَفُّ الْمُتَعَدِّي وَجَعْلُ الْمَسَرَّةِ
الْوَاقِعَةِ بِالْمِدْحَةِ دَاعِيَةً إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ إذْ لَا يُمْدَحُ
إلَّا عَلَى الْخَيْرَ وَعَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَدْفَعُ الضَّرَرَ وَيَجْلِبُ
الْخَيْرَ لَمْ يُخَلِّهِ مِنْ دَوَاعٍ بَاعِثَةٍ عَلَى فِعْلِهِ ، وَلَوَاذِعَ
زَاجِرَةٍ عَنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ .
فَسُبْحَانَ مَنْ يَفِيضُ جُودُهُ
بِالْخَيْرِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ حَسَنٌ نَافِعٌ ، وَيَصْرِفُ السُّوءَ
لِعِلْمِهِ بِقُبْحِهِ وَغَنَائِهِ ، وَيُصَرِّفُ خَلْقَهُ بِأَنْوَاعِ
الصَّوَارِفِ الْعَاجِلَةِ ، وَالصَّوَارِفِ بِالْوَعِيدِ وَبِالْعِقَابِ الْآجِلِ
.
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:01

وَذَكَرَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَسُرُّهُ
أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَفَّقَهُ لِذَلِكَ الْعَمَلِ فَعَسَى يُسْتَنُّ بِهِ
فِيهِ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَيْنِ ، وَإِذَا سَرَّهُ
ذَلِكَ لِتَعْظِيمِ النَّاسِ إيَّاهُ أَوْ مَيْلِهِمْ إلَيْهِ بِهِ كَانَ ذَلِكَ
ضَرْبًا مِنْ الرِّيَاءِ لَا يَكُونُ لَهُ أَجْرَانِ وَلَا أَجْرٌ وَاحِدٌ انْتَهَى
كَلَامُهُ .
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَبُو سِنَانٍ
الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ
غَرِيبٌ قَالَ وَرَوَاهُ الْعَمَشُ وَغَيْرُهُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ
مُرْسَلًا ثُمَّ ذَكَرَ التَّفْسِيرَ السَّابِقَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ
.
قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : إذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِ
فَأَعْجَبَهُ رَجَا أَنْ يُعْمَلَ بِعَمَلِهِ فَيَكُونَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فَهَذَا لَهُ مَذْهَبٌ أَيْضًا ، وَحَمَلَ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ عَلَى ظَاهِرِهِ .
وَقَالَ : هَذَا كُلُّهُ إذَا
حَمَدَهُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ مِنْهُ إلَى حَمْدِهِمْ وَإِلَّا
فَالتَّعْرِيضُ مَذْمُومٌ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَلِأَحْمَدَ
وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ حَدِيثِ جُنْدُبٍ { مَنْ يُرَائِي
يُرَائِي اللَّهُ بِهِ وَمَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعْ اللَّهُ بِهِ } .
قَالَ ابْنُ
عَقِيلٍ إنَّك لَوْ عَلِمْتَ أَنَّ إكْرَامَ الْخَلْقِ لَك رِيَاءٌ سَقَطْتَ مِنْ
عَيْنِكَ ، أَفَأَقْنَعُ أَنَا مِنْكَ أَنْ تَجْعَلَنِي فِي الْعَادَةِ جُزْءًا
مِنْ كُلٍّ بَعْضًا مِنْ جَمَاعَةٍ ؟ وَقَالَ : مَا يَحْلُو لَكَ الْعَمَلُ حَتَّى
تَحْلُو لَكَ تَسْمِيَتُهُمْ بِعَابِدٍ وَزَاهِدٍ ، فَارْثِ لِنَفْسِكَ مِنْ ذَلِكَ
فَإِنَّهُ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ وَلَيْسَ لَك مِنْهُ إلَّا مَا حَظِيتَ بِهِ مِنْ
الصِّيتِ ، تَدْرِي كَمْ فِي
الْجَرِيدَةِ أَقْوَامٌ لَا يَؤُبْهُ لَهُمْ إلَّا عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ
الْقُبُورِ ، وَكَمْ يُفْتَضَحُ غَدًا مِنْ أَرْبَابِ الْأَسْمَاءِ مِنْ الْخَلْقِ
بِعَالِمٍ وَصَالِحٍ وَزَاهِدٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ طُفَيْلِيٍّ تَصَدَّرَ
بِالْوَقَاحَةِ .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ
يَعْمَلُ فِي صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَيْسَ لَهَا بَابٌ وَلَا كَوَّةٌ لَخَرَجَ
عَمَلُهُ لِلنَّاسِ كَائِنًا مَا كَانَ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ
رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إنَّ
الْعَبْدَ إذَا صَلَّى فِي الْعَلَانِيَةِ فَأَحْسَنَ وَصَلَّى فِي السِّرِّ
فَأَحْسَنَ .
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا عَبْدِي حَقًّا } رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ .
وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : مُذْ عَرَفْتُ
النَّاسَ لَمْ أَفْرَحْ بِمَدْحِهِمْ وَلَمْ أَكْرَهْ مَذَمَّتَهُمْ قِيلَ وَلِمَ
ذَاكَ ؟ قَالَ لِأَنَّ حَامِدَهُمْ مُفَرِّطٌ ، وَذَامَّهُمْ مُفَرِّطٌ
.
وَرَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَنَاقِبِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِإِسْنَادِهِ
عَنْ ابْنِ السَّمَّاكِ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ إظْهَارُ
الْمِحْبَرَةِ مِنْ الرِّيَاءِ .
فَصْلٌ ( فِي إصْلَاحِ السَّرِيرَةِ وَالْإِخْلَاصِ ، وَعَلَامَاتِ فَسَادِ
الْقَلْبِ ) فِي الْأَثَرِ مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ
عَلَانِيَتَهُ ، وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
أَصْلَحَ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ .
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ " كَانَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا مَضَى يَكْتُبُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ
بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ " فَذَكَرَ ذَلِكَ وَفِي آخِرِهِ وَمَنْ عَمِلَ
لِآخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَ دُنْيَاهُ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ
بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْإِخْلَاصِ وَقَالَ { أَلَا إنَّ فِي
الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ ، وَإِذَا
فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ } .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
رَحِمَهُ اللَّهُ : فَأَخْبَرَ أَنَّ صَلَاحَ الْقَلْبِ مُسْتَلْزِمٌ لِصَلَاحِ
سَائِرِ الْجَسَدِ ، وَفَسَادَهُ مُسْتَلْزِمٌ لِفَسَادِهِ ، فَإِذَا رَأَى ظَاهِرَ
الْجَسَدِ فَاسِدًا غَيْرَ صَالِحٍ عَلِمَ أَنَّ الْقَلْبَ لَيْسَ بِصَالِحٍ بَلْ
فَاسِدٌ ، وَيَمْتَنِعُ فَسَادُ الظَّاهِرِ مَعَ صَلَاحِ الْبَاطِنِ كَمَا
يَمْتَنِعُ صَلَاحُ الظَّاهِرِ مَعَ فَسَادِ الْبَاطِنِ إذْ كَانَ صَلَاحُ
الظَّاهِرِ وَفَسَادُهُ مُلَازِمًا لِصَلَاحِ الْبَاطِنِ وَفَسَادِهِ .
قَالَ
عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إلَّا أَظْهَرَهَا
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَقَالَ
ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : لِلْإِيمَانِ رَوَائِحُ وَلَوَائِحُ لَا تَخْفَى
عَلَى اطِّلَاعِ مُكَلَّفٍ بِالتَّلَمُّحِ لِلْمُتَفَرِّسِ ، وَقَلَّ أَنْ يُضْمِرَ
مُضْمِرٌ شَيْئًا إلَّا وَظَهَرَ مَعَ الزَّمَانِ عَلَى فَلَتَاتِ لِسَانِهِ
وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ .
وَقَدْ أَخَذَ الْفُقَهَاءُ بِالتَّكَشُّفِ عَلَى
مُدَّعِي الطَّرَشِ وَالْعَمَى عِنْدَ لَطْمِهِ ، أَوْ زَوَالِ عَقْلِهِ عِنْدَ
ضَرْبِهِ ، أَوْ الْخَرَسِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ مِمَّا لَا تُعْلَمُ صِحَّتُهُ
إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلَا تُمْكِنُ الشَّهَادَةُ بِهِ .
ثُمَّ ذَكَرَ فِي
التَّكَشُّفِ عَنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَأَنَّ مَنْ
أَرَادَ التَّكَشُّفَ عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ
مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَزَلْ يَذْكُرُ الْمَذَاهِبَ وَيُعَرِّضُ بِهَا
وَيَذْكُرُ الْأَفْعَالَ الْمُزْرِيَةَ فِي الشَّرْعِ الَّتِي يَمِيلُ إلَيْهَا
الطَّبْعُ وَيَنْظُرُ هَشَاشَتَهُ إلَيْهَا وَتَعَبُّسَهُ عِنْدَ ذِكْرِهَا وَمَا
شَاكَلَ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ الْبَحْثُ بِصَاحِبِهِ حَتَّى يُوقِفَهُ
عَلَى الْمَطْلُوبِ بِمَا يَظْهَرُ مِنْ الدَّلَائِلِ ، فَافْهَمْ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ
مُرِيحٍ مِنْ كُلِّ إقْدَامٍ عَلَى مَا لَا تَسْلَمُ مِنْ عَاقِبَتِهِ ، وَيَعْصِمُ
مِنْ كُلِّ وَرْطَةٍ وَسَقْطَةٍ يَبْعُدُ تَلَافِيهَا ، وَذَلِكَ دَأْبُ
الْعُقَلَاءِ ، فَأَيْنَ رَائِحَةُ الْإِيمَانِ مِنْكَ وَأَنْتَ لَا يَتَغَيَّرُ
وَجْهُكَ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَتَكَلَّمَ ، وَمُخَالَفَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى وَاقِعَةٌ مِنْ كُلِّ مُعَاشِرٍ وَمُجَاوِرٍ فَلَا تَزَالُ مَعَاصِي
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْكُفْرُ يَزِيدُ ، وَحَرِيمُ الشَّرْعِ يُنْتَهَكُ ،
فَلَا إنْكَارَ وَلَا مُنْكِرَ ، وَلَا مُفَارَقَةَ لِمُرْتَكِبِ ذَلِكَ وَلَا
هِجْرَانَ لَهُ .
وَهَذَا غَايَةُ بَرَدِ الْقَلْبِ وَسُكُونِ النَّفْسِ وَمَا
كَانَ ذَلِكَ فِي قَلْبٍ قَطُّ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ إيمَانٍ ؛ لِأَنَّ الْغِيرَةَ
أَقَلُّ شَوَاهِدِ الْمَحَبَّةِ وَالِاعْتِقَادِ .
قَالَ حَتَّى لَوْ تَحَجَّفَ
الْإِنْسَانُ بِكُلِّ مَعْنًى وَأَمْسَكَ عَنْ كُلِّ قَوْلٍ لَمَا تَرَكُوهُ
وَيُفْصِحُ لِأَنَّهُمْ كَثْرَةٌ وَهُوَ وَاحِدٌ وَالْكَلَامُ شُجُونٌ ،
وَالْمَذَاهِبُ فُنُونٌ ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَنْطِقُ بِمَذْهَبٍ وَيُعَظِّمُ
شَخْصًا ، وَآخَرُ يَذُمُّ ذَلِكَ الشَّخْصَ وَالْمَذْهَبَ وَيَمْدَحُ غَيْرَهُ ،
وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَهِشَّ لِمَدْحِ مَنْ يَهْوَى ، وَيَعْبَسَ
لِذَمِّهِ ، وَيَنْفِرَ مِنْ ذَمِّ مَذْهَبٍ يَعْتَقِدُهُ فَيَكْشِفَ ذَلِكَ
.
فَالْعَاقِلُ مَنْ اجْتَهَدَ فِي تَفْوِيضِ أَمْرِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ فِي سَتْرِ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ وَكَشْفِ مَا يَجِبُ كَشْفُهُ ، وَلَا
يَعْتَمِدُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَتْعَبُ وَلَا يَبْلُغُ مِنْ ذَلِكَ
الْغَرَضَ .
قَالَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَهِشَّ بِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنْ كَانَتْ الْمُنَاظَرَةُ فِيهِمَا ، وَلَا
إلَى الْقَدَرِ وَلَا إلَى
نَفْيِهِ وَلَا حُدُوثِ الْعَالَمِ وَلَا قِدَمِهِ ، وَلَا النَّسْخِ وَلَا
الْمَنْعِ مِنْ النَّسْخِ ، وَالسُّكُونُ إلَى هَذَا وَبَرْدُ قَلْبِهِ يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ لَا يَعْتَقِدُ إذْ لَوْ كَانَ لِهَذَا اعْتِقَادٌ
بِحَرَكَةٍ لَهَشَّ إلَى نَاصِرِ مُعْتَقَدِهِ ، وَلَأَنْكَرَ عَلَى مُفْسِدِ
مُعْتَقَدِهِ .
فَالْوَيْلُ لِلْكَاتِمِ مِنْ الْمُتَكَشِّفِينَ ، وَإِرْضَاءُ
الْخَلْقِ بِالْمُعْتَقَدَاتِ وَبَالٌ فِي الْآخِرَةِ ، وَمُبَاغَتَتُهُمْ فِيهَا
وَمُكَاشَفَتُهُمْ بِهَا وَبَالٌ فِي الدُّنْيَا وَتَغْرِيرٌ بِالنَّفْسِ ، وَلَا
يَنْجُو مِنْهُمْ الْمُشَارِكُ لَهُمْ فِي الْحِيَلِ .
وَالْأَحْرَى
بِالْإِنْسَانِ أَنْ يَتَمَاسَكَ عَمَّا فِيهِ وَيَتْرُكَ فُضُولَ الْكَلَامِ ،
وَإِذَا تَوَسَّطَ اعْتَمَدَ عَلَى اللَّهِ فِي إصْلَاحِ دُنْيَاهُ ، وَإِذَا
قَصَدَ إظْهَارَ الْحَقَّ لِأَجْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَاَللَّهُ تَعَالَى
يَعْصِمُهُ وَيُسَلِّمُهُ وَمَا رَأَيْنَا مِنْ رَدِّ الْبِدَعِ إلَّا السَّلَامَةَ
.
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله
تَعَالَى : { إنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } أَيْ
الْمُتَفَرِّسِينَ .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا الْخَبَرَ
الْمَشْهُورَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اتَّقُوا
فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } وَقَدْ
رَوَى الْجُنَيْدُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْخَبَرَ وَهُوَ فِي تَرْجَمَتِهِ
.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا
هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ
وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ، وَلَا يُمْسِي إلَّا
فَقِيرًا وَلَا يُصْبِحُ إلَّا فَقِيرًا ، وَمَا أَقْبَلَ عَبْدٌ إلَى اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ بِقَلْبِهِ ، إلَّا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ
تَنْقَادُ إلَيْهِ بِالْوُدِّ وَالرَّحْمَةِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ خَيْرٍ
أَسْرَعَ } .
وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ عَنْ
شَدَّادٍ مَرْفُوعًا { الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ
الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ
هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } دَانَ نَفْسَهُ حَاسَبَهَا
فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَقَالَ ابْنُ
عَبْدُ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ : قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ
قَيْسٍ كَثْرَةُ الْأَمَانِيِّ مِنْ غَرُورِ الشَّيْطَانِ .
وَقَالَ يَزِيدُ
عَلَى الْمِنْبَرِ : ثَلَاثٌ يَحْلِقْنَ الْعَقْلَ وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى
الضَّعْفِ : سُرْعَةُ الْجَوَابِ وَطُولُ التَّمَنِّي وَالِاسْتِغْرَاقُ فِي
الضَّحِكِ وَقَالَ أَعْرَابِيٌّ : وَمَا الْعَيْشُ إلَّا فِي الْخُمُولِ مَعَ
الْغِنَى وَعَافِيَةٍ تَغْدُو بِهَا وَتَرُوحُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَوْلَا
مُنَى الْعَاشِقِينَ مَاتُوا أَسًى وَبَعْضُ الْمُنَى غَرُورُ مَنْ رَاقَبَ
النَّاسَ مَاتَ غَمَّا وَفَازَ بِاللَّذَّةِ الْجَسُورُ وَقَالَ آخَرُ : مَنْ
رَاقَبَ الْمَوْتَ لَمْ تَكْثُرْ أَمَانِيهِ وَلَمْ يَكُنْ طَالِبًا مَا لَيْسَ
يَعْنِيهِ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَمَوْقُوفًا
بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا : اُكْتُبِي لِي كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ
فَكَتَبَتْ إلَيْهِ " سَلَامٌ عَلَيْكَ مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ
النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ
بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَى النَّاسِ ، وَالسَّلَامُ
عَلَيْكَ " .
هَلْ يَفْضَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَاصِيًا بِأَوَّلِ مَرَّةٍ أَمْ بَعْدَ
التَّكْرَارِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَالثَّانِي مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ
وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ
الْأَوَّلَ ، وَاعْتَرَضَ عَلَى مَنْ قَالَ بِالثَّانِي : تُرَى آدَم هَلْ كَانَ
عَصَى قَبْلَ أَكْلِ الشَّجَرَةِ بِمَاذَا ؟ فَسَكَتَ .
فَصْلٌ ( أَسْبَابُ مَوَانِعِ الْعِقَابِ وَثَمَرَاتُ التَّوْحِيدِ وَالدُّعَاءِ
) ( وَالْمَأْثُورُ الْمَرْفُوعُ مِنْهُ ) .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ : الذُّنُوبُ تَزُولُ عُقُوبَاتُهَا
بِأَسْبَابٍ بِالتَّوْبَةِ وَبِالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَبِالْمَصَائِبِ
الْمُكَفِّرَةِ ، لَكِنَّهَا مِنْ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا ، وَكَذَلِكَ مَا يَحْصُلُ
فِي الْبَرْزَخِ مِنْ الشِّدَّةِ وَكَذَلِكَ مَا يَحْصُلُ فِي عَرَصَاتِ
الْقِيَامَةِ ، وَتَزُولُ أَيْضًا بِدُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ
، وَشَفَاعَةِ الشَّفِيعِ الْمُطَاعِ لِمَنْ شَفَعَ فِيهِ .
وَسُئِلَ مَا
السَّبَبُ فِي أَنَّ الْفَرَجَ يَأْتِي عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ بِالْخَلْقِ ؟
وَمَا الْحِيلَةُ فِي صَرْفِ الْقَلْبِ عَنْ التَّعَلُّقِ بِهِمْ وَتَعَلُّقِهِ
بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَقَالَ سَبَبُ هَذَا تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ :
تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَتَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ ، فَتَوْحِيدُ
الرُّبُوبِيَّةِ أَنَّهُ لَا خَالِقَ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا
يَسْتَقِلُّ شَيْءٌ سِوَاهُ بِإِحْدَاثِ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ ، بَلْ مَا شَاءَ
اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ إذَا قَدَّرَ
شَيْئًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ شَرِيكٍ مُعَاوِنٍ وَضِدٍّ مَعْرُوفٍ ، فَإِذَا
طُلِبَ مِمَّا سِوَاهُ إحْدَاثُ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ طُلِبَ مِنْهُمَا لَا
يَسْتَقِلُّ بِهِ وَلَا يَقْدِرُ وَحْدَهُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ : فَالرَّاجِي
مَخْلُوقًا طَالِبٌ بِقَلْبِهِ مَا يُرِيدُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ وَذَلِكَ
الْمَخْلُوقُ عَاجِزٌ عَنْهُ .
ثُمَّ هَذَا مِنْ الشِّرْكِ الَّذِي لَا
يَغْفِرُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَمِنْ كَمَالِ نِعْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إلَى
عِبَادِهِ أَنْ يَمْنَعَ تَحْصِيلَ مَطَالِبِهِمْ بِالشِّرْكِ حَتَّى يَصْرِفَ
قُلُوبَهُمْ إلَى التَّوْحِيدِ ، ثُمَّ إنْ وَحَّدَهُ الْعَبْدُ تَوْحِيدَ
الْإِلَهِيَّةِ حَصَلَتْ لَهُ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَى أَنْ قَالَ
فَمِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُنْزِلَ
بِهِمْ مِنْ الشِّدَّةِ وَالضَّرَرِ مَا يُلْجِئُهُمْ إلَى تَوْحِيدِهِ
فَيَدْعُونَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ ، وَيَرْجُونَهُ وَلَا يَرْجُونَ أَحَدًا سِوَاهُ ، وَتَتَعَلَّقُ
قُلُوبُهُمْ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ
وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ ، وَحَلَاوَةِ الْإِيمَانِ ، وَذَوْقِ طَعْمِهِ ،
وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الشِّرْكِ ، مَا هُوَ أَعْظَمُ نِعْمَةً عَلَيْهِمْ مِنْ
زَوَالِ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ وَالْجَدْبِ ، أَوْ حُصُولِ الْيُسْرِ ، أَوْ
زَوَالِ الْعُسْرِ فِي الْمَعِيشَةِ .
فَإِنَّ ذَلِكَ لَذَّةٌ بَدَنِيَّةٌ
وَنِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ قَدْ يَحْصُلُ مِنْهَا لِلْكَافِرِ أَعْظَمُ مِمَّا
يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ .
وَأَمَّا مَا يَحْصُلُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ
الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ وَالدِّينِ فَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُعَبَّرُ عَنْهُ
بِمَقَالٍ ، أَوْ يَسْتَحْضِرَ تَفْصِيلَهُ بَالٌ ، وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ ذَلِكَ
نَصِيبٌ بِقَدْرِ إيمَانِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : يَا ابْنَ آدَمَ
لَقَدْ بُورِكَ لَكَ فِي حَاجَةٍ أَكْثَرْتَ فِيهَا مِنْ قَرْعِ بَابِ سَيِّدِكَ
.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ : إنَّهُ لَيَكُونُ لِي إلَى اللَّهِ حَاجَةٌ
وَأَدْعُو فَيَفْتَحُ لِي مِنْ لَذِيذِ مَعْرِفَتِهِ وَحَلَاوَةِ مُنَاجَاتِهِ مَا
لَا أُحِبُّ مَعَهُ أَنْ يُعَجِّلَ قَضَاءَ حَاجَتِي خَشْيَةَ أَنْ تَنْصَرِفَ
نَفْسِي عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُرِيدُ إلَّا حَظَّهَا فَإِذَا قُضِيَ
انْصَرَفَتْ .
وَفِي بَعْضِ الْإِسْرَائِيلِيَّات : يَا ابْنَ آدَمَ الْبَلَاءُ
يَجْمَعُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ .
وَالْعَافِيَةُ تَجْمَعُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ
نَفْسِكَ .
وَهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ وَهُوَ مَوْجُودٌ مَحْسُوسٌ بِالْحِسِّ
الْبَاطِنِ لِلْمُؤْمِنِ وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا وَقَدْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا
يَعْرِفُ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَإِنَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ الذَّوْقِ
وَالْوَجْدِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ ذَوْقٌ وَحِسٌّ ، وَلَفْظُ
الذَّوْقِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُظَنَّ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مُخْتَصٌّ بِذَوْقِ
اللِّسَانِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِحْسَاسِ بِالْمُلَائِمِ وَالْمُنَافِي ،
كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْإِحْسَاسِ عَامٌّ فِيمَا يُحَسُّ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ ،
بَلْ وَبِالْبَاطِنِ .
وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَأَصْلُهُ الرُّؤْيَةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { هَلْ
تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ } .
وَهَذَا الْكَلَامُ بِتَمَامِهِ فِي آخِرِ
الْكَلَامِ عَلَى دَعْوَةِ ذِي النُّونِ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَى
سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا إلَهَ
إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ } وَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي
وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي
الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ { فَإِنَّهَا
لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ
} .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ لَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ الْحَلِيمُ الْعَظِيمُ ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ
الْعَظِيمُ ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرْضِ
رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ } وَعَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ .
قَالَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ
بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ } .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَهَمَّهُ الْأَمْرُ رَفَعَ طَرْفَهُ
إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فِي
الدُّعَاءِ قَالَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ } رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَإِسْنَادُ
الثَّانِي ضَعِيفٌ .
وَرَوَى النَّسَائِيُّ الْأَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ
بْنِ عَامِرٍ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَعَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَاتَلْتُ شَيْئًا
مِنْ قِتَالٍ ثُمَّ جِئْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْظُرُ مَا صَنَعَ فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ : يَا حَيُّ يَا
قَيُّومُ : يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ثُمَّ رَجَعْتُ إلَى الْقِتَالِ ثُمَّ جِئْتُ
فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ
ثُمَّ
ذَهَبْتُ إلَى الْقِتَالِ ثُمَّ جِئْتُ فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ
فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ } .
وَعَنْهُ قَالَ { عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا نَزَلَ بِي كَرْبٌ أَنْ أَقُولَ لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَبَارَكَ اللَّهُ
رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
رَوَاهُمَا النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ الثَّانِيَ
.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَا كَرَبَنِي أَمْرٌ إلَّا تَمَثَّلَ
لِي جِبْرِيلُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ قُلْ تَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي
لَا يَمُوتُ { وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ
وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } } رَوَاهُ الْحَاكِمُ .
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ { دَعْوَةُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا
تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ ، لَا
إلَهَ إلَّا أَنْتَ } وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ
تَقُولِيهِنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ : اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا }
وَفِي رِوَايَةٍ { أَنَّهَا تُقَالُ سَبْعَ مَرَّاتٍ } .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ { دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ
أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاك فِي الْمَسْجِدِ فِي
غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ؟ فَقَالَ : هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ
اللَّهِ قَالَ : أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى دَيْنَكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ
اللَّهِ قَالَ قُلْ إذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ
بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ،
وَأَعُوذُ
بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ
وَقَهْرِ الرِّجَالِ .
قَالَ : فَقُلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي } .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ { مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ
هَمٍّ فَرَجًا ، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَحْتَسِبُ } رَوَاهُنَّ أَبُو دَاوُد .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ حَدِيثَ
أَسْمَاءَ .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ
.
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُرْسَلًا وَإِسْنَادُ
الْمُتَّصِلِ جَيِّدٌ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغُدَانِيِّ عَنْ غَسَّانَ بْنِ عَوْفٍ عَنْ
الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ غَسَّانُ ضَعَّفَهُ
الْأَزْدِيُّ وَاخْتَلَطَ الْجُرَيْرِيُّ بِآخِرِهِ .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَا أَصَابَ عَبْدًا
هَمٌّ وَلَا حُزْنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ
أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِي حُكْمُكَ عَدْلٌ فِي قَضَاؤُكَ ،
أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي
كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي
عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي
وَنُورَ صَدْرِي وَجَلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ
حُزْنَهُ وَهَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَأَحْمَدُ وَفِيهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا ؟
قَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا .
وَرَوَى أَحْمَدُ
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي
زَائِدَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الدُّؤَلِيِّ قَالَ : قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ أَخُو حُذَيْفَةَ قَالَ حُذَيْفَةُ
يَعْنِي ابْنَ الْيَمَانِ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ يُصَلِّي }
.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يَحْيَى بْنِ
زَكَرِيَّا وَقَالَ ابْنُ أَخِي حُذَيْفَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ : كَذَا رَوَاهُ
شُرَيْحٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ يَحْيَى وَخَالَفَهُمَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ
وَخَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ فَرَوَيَاهُ عَنْ يَحْيَى وَقَالَا فِيهِ : قَالَ عَبْدُ
الْعَزِيزِ أَخُو حُذَيْفَةَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ لِحُذَيْفَةَ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ
الْهَمَذَانِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي قُدَامَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنِ أَخِي حُذَيْفَةَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ حُذَيْفَةَ
.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جَرِيرٍ وَقَالَ
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْيَمَانِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي عَبْدِ
الْعَزِيزِ لَا يُعْرَفُ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَمُحَمَّدٌ تَفَرَّدَ عَنْهُ
عِكْرِمَةُ .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَوَانِيُّ ثَنَا سَيَّارٌ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ سَمِعْت ثَابِتًا يَقُولُ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَصَابَتْ أَهْلَهُ خَصَاصَةٌ نَادَى أَهْلَهُ يَا
أَهْلَاهُ صَلُّوا صَلُّوا } قَالَ ثَابِتٌ : وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ
اللَّهِ عَلَيْهِمْ إذَا نَزَلَ بِهِمْ أَمْرٌ فَزِعُوا إلَى الصَّلَاةِ
.
الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى
شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الْكُسُوفِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ } .
وَرَوَى الْحَاكِمُ وَقَالَ
صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا
قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ كَانَ دَوَاءً مِنْ تِسْعَةٍ
وَتِسْعِينَ دَاءً أَيْسَرُهَا الْهَمُّ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهَا كَنْزٌ
مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ } وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ
أَنَّهَا بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُلُوبَ
تَضْعُفُ وَتَمْرَضُ وَرُبَّمَا مَاتَتْ بِالْغَفْلَةِ وَالذُّنُوبِ وِتْرِك
إعْمَالِهِ فِيمَا خُلِقَ لَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْمَطْلُوبَةِ شَرْعًا
وَأَعْظَمُ ذَلِكَ الشِّرْكُ ، وَتَحْيَا وَتَقْوَى وَتَصِحُّ بِالتَّوْحِيدِ ،
وَالْيَقَظَةِ وَإِعْمَالِهِ فِيمَا خُلِقَ لَهُ وَالضِّدُّ يَزُولُ بِضِدِّهِ
وَيَنْفَعِلُ عَنْهُ عَكْسَ مَا كَانَ مُنْفَعِلًا عَنْهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الْمُبَارَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ : رَأَيْت الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ
وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إدْمَانُهَا وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ
وَخَيْرٌ لِنَفْسِك عِصْيَانُهَا قَالَ تَعَالَى : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا
فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ
مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ
فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ { إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَذْنَبَ
نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ثُمَّ إذَا أَذْنَبَ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ
نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَبْقَى أَسْوَدَ مُرْبَدًّا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا
وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ } فَالْهَوَى أَعْظَمُ
الْأَدْوَاءِ وَمُخَالَفَتُهُ أَعْظَمُ الدَّوَاءِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ فُصُولِ
التَّدَاوِي .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:02

فِي دَوَاءِ الْعِشْقِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا ، وَخُلِقَتْ النَّفْسُ فِي
الْأَصْلِ جَاهِلَةً ظَالِمَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ
إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } .
فَلِجَهْلِهَا تَظُنُّ شِفَاءً فِي
اتِّبَاعِ هَوَاهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ أَعْظَمُ دَاءٍ فِيهِ تَلَفُهَا ، وَتَضَعُ
الدَّاءَ مَوْضِعَ الدَّوَاءِ وَالدَّوَاءَ مَوْضِعَ الدَّاءِ ، فَيَتَوَلَّدُ مِنْ
ذَلِكَ عِلَلٌ وَأَمْرَاضٌ ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ تُبَرِّئُ نَفْسَهَا وَتَلُومُ
رَبَّهَا عَزَّ وَجَلَّ بِلِسَانِ الْحَالِ ، وَقَدْ تُصَرِّحُ بِاللِّسَانِ وَلَا
تَقْبَلُ النُّصْحَ لِظُلْمِهَا وَجَهْلِهَا وَلِهَذَا كَانَ حَدِيثُ ابْنِ
عَبَّاسٍ فِي دُعَاءِ الْكَرْبِ مُشْتَمِلًا عَلَى كَمَالِ الرُّبُوبِيَّةِ
لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَيَسْتَلْزِمُ تَوْحِيدَهُ ، وَأَنَّهُ الَّذِي لَا

تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ وَالْخَوْفُ وَالرَّجَا إلَّا لَهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى ، وَفِيهِ الْعَظَمَةُ الْمُطْلَقَةُ وَهِيَ مُسْتَلْزِمَةٌ إثْبَاتَ
كُلِّ كَمَالٍ ، وَفِيهِ الْحِلْمُ مُسْتَلْزِمٌ كَمَالَ رَحْمَتَهُ وَإِحْسَانِهِ
فَمَعْرِفَةُ الْقَلْبِ بِذَلِكَ تُوجِبُ إعْمَالَهُ فِي أَعْمَالِ الْقُلُوبِ
الْمَطْلُوبَةِ شَرْعًا ، فَيَجِدُ لَذَّةً وَسُرُورًا يَدْفَعُ مَا حَصَلَ
وَرُبَّمَا حَصَلَ الْبَعْضُ بِحَسَبِ قُوَّةِ ذَلِكَ وَضَعْفِهِ كَمَرِيضٍ وَرَدَ
عَلَيْهِ مَا يُقَوِّي طَبِيعَتَهُ .
وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ فِي غَايَةِ
الْمُنَاسَبَةِ لِتَفْرِيجِ مَا حَصَلَ لِلْقَلْبِ ، وَكُلَّ مَا كَانَ
الْإِنْسَانُ أَشَدَّ اعْتِنَاءً بِذَلِكَ وَأَكْثَرَ ذَوْقًا وَمُبَاشَرَةً ظَهَرَ
لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَظْهَرْ لِغَيْرِهِ .
وَالْحَيَاةُ الْمُطْلَقَةُ
التَّامَّةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِكُلِّ صِفَةِ كَمَالٍ ، وَالْقَيُّومِيَّةُ
مُسْتَلْزِمَةٌ لِكُلِّ صِفَةِ فِعْلٍ ، وَكَمَالُهَا بِكِمَالِ الْحَيَاةِ ،
فَالتَّوَسُّلُ بِهَاتَيْنِ الصِّفَّتَيْنِ يُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ مَا يُضَادُّ
الْحَيَاةَ وَيَضُرُّ بِالْأَفْعَالِ .
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ
فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ : { وَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } وَفَاتِحَةِ آلِ عِمْرَانَ { الم اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا
هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } } .
صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ
.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَلِأَحْمَدَ : سَمِعْته
يَقُولُ { فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ : { اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ } { الم اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }
.
اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ } .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { أَنَّ رَجُلًا
دَعَا فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِأَنَّ لَك الْحَمْدَ لَا إلَهَ إلَّا
أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَقَدْ دَعَا اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا
سُئِلَ بِهِ أَعْطَى } .
وَفِي بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ مِنْ تَحْقِيقِ
التَّوْحِيدِ وَالِاعْتِمَادِ وَالتَّوَكُّلِ وَالرَّجَاءِ وَأَسْرَارِ
الْعُبُودِيَّةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ كُلِّ
ذَنْبٍ وَالتَّوَسُّلِ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ
وَالصَّلَاةُ أَمْرُهَا عَظِيمٌ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ
حَدِيثِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَفِيهِ كَلَامٌ عَنْ مُجَاهِدٍ { عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ وَقَدْ
شَكَا وَجَعَ بَطْنِهِ قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شِفَاءً } وَرُوِيَ
مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَهُ لِمُجَاهِدٍ قَالَ
الْبُخَارِيُّ قَالَ ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ أَبُو هُرَيْرَةَ
لَمْ يَكُنْ فَارِسِيًّا إنَّمَا مُجَاهِدٌ فَارِسِيٌّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ .
قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي
جَامِعِ الْمَسَانِيدِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّلَاةَ حَرَكَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ
تَتَحَرَّكُ مَعَهَا الْأَعْضَاءُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ ، وَقَدْ ذَكَرَ
الْأَطِبَّاءُ أَنَّ فِي الْمَشْيِ رِيَاضَةً قُوَّةً وَتَحْلِيلًا وَأَنَّ مِمَّا
يَحْفَظُ الصِّحَّةَ إتْعَابُ الْبَدَنِ قَلِيلًا ، وَيَحْصُلُ لِلنَّفْسِ
بِالصَّلَاةِ قُوَّةٌ وَانْشِرَاحٌ مَعَ ذَلِكَ فَتَقْوَى الطَّبِيعَةُ
فَيَنْدَفِعُ الْأَلَمُ ، وَالْجِهَادُ أَقْوَى فِي هَذَا الْمَعْنَى وَأَوْلَى
.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ
وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ
وَيُذْهِبُ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } .
وَعَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا { جَاهِدُوا فِي
اللَّهِ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ عَظِيمٌ يُنَجِّي
اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهَمِّ وَالْغَمِّ } رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ
إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
مَرْيَمَ الشَّامِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ .
وَعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { سَافِرُوا
تَصِحُّوا ، وَاغْزُوا تَسْتَغْنُوا } رَوَاهُ أَحْمَدُ L2378 مِنْ رِوَايَةِ
ابْنِ لَهِيعَةَ .
وَفِي مَعْنَاهُ الْحَجُّ لَأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ .
كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَوْله تَعَالَى : { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ } نَافِعَةٌ فِي ذَلِكَ .
قَالَ تَعَالَى { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ
النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا
وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ
اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ
وَاَللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا : قَالَهَا إبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ .
وَقَالَهَا
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا : { إنَّ النَّاسَ قَدْ
جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي السُّنَنِ عَنْ عَطِيَّةَ
الْعَوْفِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدْ الْتَقَمَ
الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْمَرَ فَيَنْفُخُ قَالُوا يَا
رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ
يَعْقُوبَ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَهُوَ
إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَمِنْ ذَلِكَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ
الطُّفَيْلِيِّ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا
الرَّادِفَةُ ، جَاءَ الْمَوْتُ
بِمَا فِيهِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ جَعَلْت صَلَاتِي
كُلَّهَا عَلَيْك قَالَ إذًا يَكْفِيك اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا أَهَمَّكَ
مِنْ دُنْيَاك وَآخِرَتِك } حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ .
وَمِنْ
ذَلِكَ أَنْ يَلْحَظَ أَنَّ انْتِظَارَ الْفَرَجِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عِبَادَةٌ
فَيَنْتَعِشُ بِذَلِكَ وَيُسَرُّ بِهِ فَفِي التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ
أَنْ يُسْأَلَ } ، { وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ } ، وَاعْلَمْ
أَنَّ الدَّوَاءَ إنَّمَا يَنْفَعُ غَالِبًا مَنْ تَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ
وَعَمِلَهُ بِاعْتِقَادٍ حَسَنٍ وَكُلَّمَا قَوِيَ الِاعْتِقَادُ وَحَسُنَ الظَّنُّ
كَانَ أَنْفَعَ .
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : غَرِيبٌ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
اُدْعُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ،
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ
لَاهٍ } .
وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ أَيُّهَا النَّاسُ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ
بِالْإِجَابَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ
ظَهْرِ قَلْب غَافِل } وَسَيَأْتِي فِي الدُّعَاءِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، إنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا
فَلَهُ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ { يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يُعَجِّلْ قَالُوا وَكَيْفَ
يُعَجِّلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ
فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ }
.
فَالْعَارِفُ
يَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ أَسْبَابِ الْإِجَابَةِ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَمَلُّ وَلَا يَسْأَمُ وَيَجْتَهِدُ فِي مُعَامَلَتِهِ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ وَقْتِ الشِّدَّةِ فَإِنَّهُ
أَنْجَحَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا { تَعَرَّفْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي
الشِّدَّةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ غَرِيبٌ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ فَلْيُكْثِرْ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ }
.
فَهَذِهِ الْأُمُورُ يَنْظُرُ فِيهَا الْعَارِفُ وَيَعْلَمُ أَنَّ عَدَمَ
إجَابَتِهِ إمَّا لِعَدَمِ بَعْضِ الْمُقْتَضَى أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ فَيَتَّهِمُ
نَفْسَهُ لَا غَيْرَهَا وَيَنْظُرُ فِي حَالِ سَيِّدِ الْخَلَائِقِ وَأَكْرَمِهِمْ
عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَيْفَ كَانَ اجْتِهَادُهُ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ
وَغَيْرِهَا ، وَيَثِقُ بِوَعْدِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ : {
اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } وَقَوْلِهِ : { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا
دَعَانِ } وَلِيَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى ، وَأَنَّ
مَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ عَلَى خَيْرٍ وَلَا بُدَّ ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يُجِبْ إلَى
دَعَوْتِهِ حَصَلَ لَهُ مِثْلُهَا وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَا
عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إلَّا آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ إيَّاهَا وَصَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ
بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةٍ .
قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ إذًا نُكْثِرُ قَالَ
اللَّهُ أَكْثَرُ } وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ وَفِيهِ {
إمَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا أَوْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، أَوْ يَصْرِفَ
عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا } وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّعَاءِ فِي الْجُمْلَةِ قَبْلَ آدَابِ
الْقِرَاءَةِ وَلَهُ مُنَاسَبَةٌ بِهَذَا .
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ
عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ شَكَا إلَيْهِ الْعُسْرَةَ فِي
أُمُورِهِ : أَلَا أَيُّهَا الْمَرْءُ الَّذِي فِي عُسْرِهِ أَصْبَحْ إذَا اشْتَدَّ
بِكَ الْأَمْرُ فَلَا تَنْسَ أَلَمْ نَشْرَحْ وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ مُكَاتَبًا
جَاءَهُ فَقَالَ إنِّي عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي قَالَ أَلَا
أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ أَدَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
عَنْكَ قَالَ بَلَى قَالَ قُلْ { اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ ،
وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ : يَا مُتَشَرِّدًا عَلَى
مَوْلَاهُ لَا تَنْعَلْ لَا تَغْضَبَنَّ عَلَى قَوْمٍ تُحِبُّهُمْ فَلَيْسَ
يُنْجِيكَ مِنْ أَحْبَابِكَ الْغَضَبُ وَلَا تُخَاصِمْهُمْ يَوْمًا وَإِنْ عَتَبُوا
إنَّ الْقُضَاةَ إذَا مَا خُوصِمُوا غَلَبُوا وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ
: وَاَللَّهِ مَا أَعْتَمِدُ عَلَى أَنِّي مُؤْمِنٌ بِصَلَاتِي وَصَوْمِي بَلْ
أَعْتَمِدُ إذَا رَأَيْتُ قَلْبِي فِي الشَّدَائِدِ يَفْزَعُ إلَيْهِ ، وَشُكْرِي
لِمَا أَنْعَمَ عَلَيَّ ، وَقَالَ قَدْ صُنْتُكَ بِكُلِّ مَعْنًى عَنْ أَنْ تَكُونَ
عَبْدًا لِعَبْدٍ وَأَعْلَمْتُكَ أَنِّي أَنَا الْخَالِقُ الرَّازِقُ فَتَرَكْتَنِي
وَقَبِلْتَ عَلَى الْعَبِيدِ ، كُلُّكُمْ تَسْأَلُونِي وَقْتَ جَدْبِ الْمَطَرِ ،
وَبَعْدَ الْإِجَابَةِ يَعْبُدُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا .
{ أَأَرْبَابٌ
مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } وَقَالَ أَيْضًا :
أَمَا تَسْتَحْيِي وَأَنْتَ تُعَلِّمُ كَلْبَ الصَّيْدِ يَأْخُذُ إبْقَاءً عَلَيْكَ
فَيَقْبَلُ تَعَلُّمَكَ وَتَكْسِرُ عَادِيَةَ طَبْعِهِ وَتُكَلِّبُ نَفْسَهُ عَنْ
الْفَرِيسَةِ وَهُوَ جَائِعٌ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا ، حَتَّى إذَا أَخَذْتَ الصَّيْدَ
إنْ شِئْتَ أَطْعَمْتَهُ وَإِنْ شِئْت حَرَمْتَهُ ، يَنْتَهِي حَالُك مَعِي وَأَنَا
الْمُنْعِمُ الَّذِي أَنْشَأْتُك وَغَذَّيْتُك وَرَبَّيْتُك
إنَّنِي كَلَّفْتُك أَنْ تُمْسِكَ نَفْسَكَ عَنْ الْبَحْثِ فِيمَا يُسْخِطُنِي ،
لَمْ تَضْبِطْ نَفْسَكَ بَلْ غَلَبَتْك عَلَى ارْتِكَابِ مَا نُهِيت وَعِصْيَانِ
مَا أُمِرْت ، بَلَغَتْ الصِّنَاعَةُ مِنْ هَذَا الْحَيَوَانِ الْخَسِيسِ أَنْ
يَأْتَمِرَ إذَا أُمِرَ ، وَيَنْزَجِرَ إذَا زُجِرَ ، عُلِّقَتْ الْآدَابُ
بِالْبَهِيمِ وَمَا تَعَلَّقَ بِقَلْبِك طُولُ الْعُمْرِ وَكَمَالُ الْعَقْلِ ،
تَنْشَطُ لِزَرْعِ نَوَاةٍ وَغَرْسِ فَسِيلَةٍ وَتَقْعُدُ مُنْتَظِرًا حَمْلَهَا ،
وَيَنْعَ ثَمَرِهَا ، وَرُبَّمَا دُفِنْت قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ عِشْت كَانَ مَاذَا
وَمَا قَدْرُ مَا يَحْصُلُ مِنْهَا ؟ وَأَنْتَ تَسْمَعُ قَوْلِي { ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ } وَقَوْلِي : { مَثَلُ الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ
سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ } هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنْ آيِ
الْقُرْآنِ لَا تَنْشَطُ أَنْ تَزْرَعَ عِنْدِي مَا تَجْنِي ثِمَارَهُ النَّافِعَةَ
عَلَى التَّأْبِيدِ ، هَذَا لِأَنَّك مُسْتَبْعِدٌ مَا ضَمِنْت فِي الْأُخْرَى ،
قَوِيُّ الْأَمَلِ فِي الدُّنْيَا ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْله تَعَالَى { مَنْ كَانَ
يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } وَتَسْمَعْ : { قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } .
وَأَنْتَ تُحَدِّقُ إلَى
الْمَحْظُورَاتِ تَحْدِيقَ مُتَوَسِّلٍ أَوْ مُتَأَسِّفٍ كَيْفَ لَا سَبِيلَ لَك
إلَيْهَا ، وَتَسْمَعْ قَوْله تَعَالَى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ }
.
تَهِشُّ لَهَا كَأَنَّهَا فِيكَ نَزَلَتْ ، وَتَسْمَعُ بَعْدَهَا { وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } فَتَطْمَئِنُّ أَنَّهَا لِغَيْرِك .
وَمِنْ أَيْنَ
ثَبَتَ هَذَا الْأَمْرُ ، وَمِنْ أَيْنَ جَاءَ الطَّمَعُ ، اللَّهَ اللَّهَ هَذِهِ
خُدْعَةٌ تَحُولُ بَيْنَك وَبَيْنَ التَّقْوَى .
وَقَالَ أَيْضًا الطِّبَاعُ
الرَّدِيَّةُ أَبَالِسَةُ الْإِنْسَانِ ، وَالْعُقُولُ وَالْأَدْيَانُ مَلَائِكَةُ
هَذَا الشَّأْنِ .
وَفِي خِلَالٍ تَعْتَلِجُ وَلَهَا أَخْلَاقٌ تَتَغَالَبُ
وَالشَّرَائِعُ مِنْ خَارِجِ هَذَا الْجِسْمِ لِمَصَالِحِ الْعَالَمِ وَمَا دَامَ
الْعَبْدُ فِي الْعِلَاجِ فَهُوَ طَالِبٌ ، فَإِذَا غَلَّبَ الْعَقْلَ
وَاسْتَعْمَلَ الشَّرْعَ فَهُوَ وَاصِلٌ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ
أَيْضًا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مُفْلِسٌ مِنْ الْوُجُودِ
فَكُلُّ أَحَدٍ يُرِيدُهُ لِنَفْسِهِ لَا لَهُ مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ وَصَدِيقٍ
وَخَادِمٍ ، وَلَيْسَ مَعَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى ، فَإِنْ خَذَلَهُ وَأَخَذَهُ بِذَنْبِهِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مُتَعَلِّقٌ
وَكَانَ الْهَلَاكُ الْكُلِّيُّ ، وَإِنْ لَطَفَ بِهِ وَقَرَّبَهُ إلَيْهِ لَمْ
يَضُرَّهُ انْقِطَاعُ كُلِّ مُنْقَطِعٍ عَنْهُ ، فَيَجْعَلُ الْعَاقِلُ شُغْلَهُ
خِدْمَةَ رَبِّهِ فَمَا لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ غَيْرُهُ ، وَلْيَكُنْ أَنِيسَهُ
وَمَوْضِعَ شَكْوَاهُ فَلَا تَلْتَفِتْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ إلَّا إلَيْهِ ، وَلَا
تُعَوِّلْ إلَّا عَلَيْهِ ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَعْقِدَ خِنْصَرَكَ إلَّا عَلَى
الَّذِي نَظَّمَهَا .
وَقَالَ تَأَمَّلْتُ إقْدَامَ أَكْثَرِ الْخَلْقِ عَلَى
الْمَعَاصِي فَإِذَا سَبَبُهُ حُبُّ الْعَاجِلِ وَالطَّمَعِ فِي الْعَفْوِ ،
وَإِنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ الصُّوفِيَّةِ إذَا مَاتَ لَهُمْ مَيِّتٌ كَيْفَ
يَعْمَلُونَ دَعْوَةً وَيَرْقُصُونَ وَيَقُولُونَ وَصَلَ إلَى اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ ، أَفَأَمِنُوا أَنْ يَكُونَ وَقَعَ فِي عَذَابٍ ، فَهَؤُلَاءِ سَدُّوا
بَابَ الْخَوْفِ وَعَمِلُوا عَلَى زَعْمِهِمْ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقِ وَمَا
كَانَ الْعُلَمَاءُ هَكَذَا .
فَصْلٌ ( وُجُوبُ حُبِّ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ مِمَّا يَتَحَبَّبُ إلَيْهِ مِنْ
نِعَمِهِ ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ قَالَ
يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { ابْنَ آدَمَ مَا أَنْصَفْتَنِي ، أَتَحَبَّبُ
إلَيْك بِالنِّعَمِ وَتَتَبَغَّضُ إلَيَّ بِالْمَعَاصِي ، خَيْرِي إلَيْك نَازِلٌ
وَشَرُّك إلَيَّ صَاعِدٌ } .
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ مَنْ نَقَلَهُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذُلِّ الْمَعَاصِي إلَى عِزِّ الطَّاعَةِ أَغْنَاهُ
بِلَا مَالٍ ، وَآنَسَهُ بِلَا أُنْسٍ ، وَأَعَزَّهُ بِلَا عَشِيرَةٍ .
أَخَذَهُ
مَحْمُودُ الْوَرَّاقُ فَقَالَ : هَذَا الدَّلِيلُ لِمَنْ أَرَادَ غِنًى يَدُومُ
بِغَيْرِ مَالِ وَأَرَادَ عِزًّا لَمْ تُوَطِّدْهُ الْعَشَائِرُ بِالْقِتَالِ
وَمَهَابَةً مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ وَجَاهًا فِي الرِّجَالِ فَلْيَعْتَصِمْ
بِدُخُولِهِ فِي عِزِّ طَاعَةِ ذِي الْجَلَالِ وَخُرُوجِهِ مِنْ ذِلَّةِ الْعَاصِي
لَهُ فِي كُلِّ حَالِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِنْ هَمْلَجَتْ بِهِمْ خُيُولُهُمْ
وَرَفْرَفَتْ بِهِمْ رَكَائِبُهُمْ ، إنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ فِي قُلُوبِهِمْ
أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ .
وَقَالَتْ
هِنْدُ : الطَّاعَةُ مَقْرُونَةٌ بِالْمَحَبَّةِ .
فَالْمُطِيعُ مَحْبُوبٌ
وَإِنْ نَأَتْ دَارُهُ ، وَقَلَّتْ آثَارُهُ ، وَالْمَعْصِيَةُ مَقْرُونَةٌ
بِالْبِغْضَةِ ، وَالْعَاصِي مَمْقُوتٌ وَإِنْ مَسَّتْك رَحْمَتُهُ وَأَنَا لَكَ
مَعْرُوفَهُ .
كَتَبَ ابْنُ السَّمَّاكِ إلَى أَخٍ لَهُ : أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ
الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ ، وَالْوُقُوفُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ ، وَأَقْبَحُ
الرَّغْبَةِ أَنْ تَطْلُبَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ ، وَحُكِيَ عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ مِثْلَهُ وَقَالَ مَحْمُودُ الْوَرَّاقُ وَيُنْسَبُ إلَى
الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا شِعْرًا : تَعْصِي الْإِلَهَ وَأَنْتَ
تُظْهِرُ حُبَّهُ هَذَا مُحَالٌ فِي الْقِيَاسِ بَدِيعُ لَوْ كَانَ حُبُّكَ
صَادِقًا لَأَطَعْتَهُ إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ يُطِيعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ
يَبْتَدِيك بِنِعْمَةٍ مِنْهُ وَأَنْتَ لِشُكْرِ ذَاكَ مُضِيعُ وَقَالَ أَبُو
الْعَتَاهِيَةِ : أَرَاك امْرَأً تَرْجُو مِنْ اللَّهِ عَفْوَهُ وَأَنْتَ عَلَى مَا
لَا
يُحِبُّ مُقِيمُ فَحَتَّى مَتَى تَعْصِي وَيَعْفُو إلَى مَتَى تَبَارَكَ رَبِّي
إنَّهُ لَرَحِيمُ .
فَصْلٌ ( فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ )
.
الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ كُلُّ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا ، وَالنَّهْيُ
عَنْ الْمُنْكَرِ وَهُوَ كُلُّ مَا يُنْهَى عَنْهُ شَرْعًا فَرْضُ عَيْنٍ وَهَلْ
هُوَ بِالشَّرْعِ أَوْ بِالْعَقْلِ ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ
ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ جُرْمًا وَشَاهَدَهُ وَعَرَفَ
مَا يُنْكَرُ وَلَمْ يَخَفْ سَوْطًا وَلَا عَصًا وَلَا أَذًى .
زَادَ فِي
الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يَزِيدُ عَلَى الْمُنْكَرِ أَوْ يُسَاوِيهِ وَلَا فِتْنَةَ
فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ أَهْلِهِ ، وَأَطْلَقَ الْقَاضِي
وَغَيْرُهُ سُقُوطَهُ بِخَوْفِ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَأَخْذِ الْمَالِ ،
وَإِنَّهُ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ فِي إسْقَاطِهِ بِالْعَصَا خِلَافًا
لِلْمُعْتَزِلَةِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ ، وَأَسْقَطَهُ الْقَاضِي
أَيْضًا بِأَخْذِ الْمَالِ الْيَسِيرِ قَالَ أَيْضًا وَقِيلَ لَهُ قَدْ
أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهِ شِرَاءَ الْمَاءِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ قَالَ
إنَّمَا أَوْجَبْنَا ذَلِكَ إذَا لَمْ تُجْحَفْ الزِّيَادَةُ بِمَالِهِ ، وَلَا
يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ هُنَا .
وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ
بِالتَّوَهُّمِ ، فَلَوْ قِيلَ لَهُ لَا تَأْمُرْ عَلَى فُلَانٍ بِالْمَعْرُوفِ
فَإِنَّهُ يَقْتُلُك لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ كَذَلِكَ قَالَ ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ
الْإِنْكَارُ لِظَنِّنَا زِيَادَةَ الْمُنْكَرِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ حَسَنًا
لِأَنَّ مَا أَزَالَ وُجُوبَهُ أَزَالَ حُسْنَهُ .
وَيُفَارِقُ هَذَا إذَا
ظَنَنَّا أَنَّ الْمُنْكَرَ لَا يَزُولُ وَأَنَّهُ يَحْسُنُ الْإِنْكَارُ وَإِنْ
لَمْ يَجِبْ كَمَا يُقَاتِلُ الْكُفَّارَ وَالْبُغَاةَ وَالْخَوَارِجَ وَإِنْ ظُنَّ
إقَامَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ .
انْتَهَى كَلَامُهُ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ
فَرْضَهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوَهُّمِ .
وَقَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ
الْإِنْكَارُ لِظَنِّنَا زِيَادَةَ الْمُنْكَرِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ
إلَّا بِالظَّنِّ .
وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ
اللَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرُوا الْخَوْفَ وَهُوَ ضِدُّ الْأَمْنِ ، وَقَدْ قَالُوا
يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ إذَا لَمْ
يُؤْمَنْ هُجُومُ الْعَدُوِّ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي آخِرِ الْإِرْشَادِ
مِنْ شُرُوطِ الْإِنْكَارِ أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا
يُفْضِي إلَى مَفْسَدَةٍ .
قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ
الْجَمَاعَةِ إذَا أَمَرْتَ أَوْ نَهَيْتَ فَلَمْ يَنْتَهِ فَلَا تَرْفَعْهُ إلَى
السُّلْطَانِ لِتُعَدِّيَ عَلَيْهِ فَقَدْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ إذَا آلَ إلَى
مَفْسَدَةٍ وَقَالَ أَيْضًا مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ
خَوْفَ التَّلَفِ ، وَكَذَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ .
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضٍ وُجُوبَ الْإِنْكَارِ
مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الْحَالِ وَغَيْرِهَا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { لَا
يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ أَنْ يَرَى أَمْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ ثُمَّ لَا يَقُولَ فِيهِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
مَا مَنَعَك أَنْ تَقُولَ فِيهِ ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ خَشِيتُ النَّاسَ ،
فَيَقُولُ فَأَنَا أَحَقُّ أَنْ يُخْشَى وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَمْنَعَنَّ
أَحَدَكُمْ هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ فِي حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إذَا
رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ أَوْ سَمِعَهُ } رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَزَادَ
فَبَكَى أَبُو سَعِيدٍ وَقَالَ وَاَللَّهِ قَدْ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا
.
وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِهِ { إنَّ أَحَدَكُمْ لَيُسْأَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
حَتَّى يَكُونَ فِيمَا يُسْأَلُ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ مَا مَنَعَك أَنْ تُنْكِرَ
الْمُنْكَرَ إذَا رَأَيْتَهُ ؟ فَمَنْ لَقَّنَهُ اللَّهُ حُجَّتَهُ قَالَ يَا رَبِّ
رَجَوْتُك وَخِفْتُ النَّاسَ } .
وَعَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا { لَا يَنْبَغِي
لِمُسْلِمٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ قِيلَ كَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ قَالَ يَتَعَرَّضُ
مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يُطِيقُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَقِيلَ إنْ زَادَ وَجَبَ الْكَفُّ ،
وَإِنْ تَسَاوَيَا سَقَطَ الْإِنْكَارُ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَأَمَّا
السَّبُّ وَالشَّتْمُ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ فِي السُّكُوتِ لِأَنَّ الْآمِرَ
بِالْمَعْرُوفِ يَلْقَى ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ
أَنَّهُ عُذْرٌ لِأَنَّهُ
أَذًى ، وَلِهَذَا يَكُونُ تَأْدِيبًا وَتَعْزِيرًا ، وَقَدْ قَالَ لَهُ أَبُو
دَاوُد وَيُشْتَمُ قَالَ يَحْتَمِلُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى لَا
يُرِيدُ أَنْ يَنْتَصِرَ بَعْدَ ذَلِكَ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
الصَّبْرُ عَلَى أَذَى الْخَلْقِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ
الْمُنْكَرِ إنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ لَزِمَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا تَعْطِيلُ
الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ .
وَإِمَّا حُصُولُ فِتْنَةٍ وَمَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْ
مَفْسَدَةِ تَرْكِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَوْ مِثْلِهَا أَوْ قَرِيبٍ مِنْهَا
وَكِلَاهُمَا مَعْصِيَةٌ وَفَسَادٌ قَالَ تَعَالَى : { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ
وَانْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ
الْأُمُورِ } .
فَمَنْ أَمَرَ وَلَمْ يَصْبِرْ أَوْ صَبَرَ وَلَمْ يَأْمُرْ أَوْ
لَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَصْبِرْ حَصَلَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ
مَفْسَدَةٌ وَإِنَّمَا الصَّلَاحُ فِي أَنْ يَأْمُرَ وَيَصْبِرَ ، وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ قَالَ { بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي يُسْرِنَا وَعُسْرِنَا
وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ
الْأَمْرَ أَهْلَهُ ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنَّا
لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ } .
{ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِتَالِ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ وَأَمَرَ بِالصَّبْرِ
عَلَى جَوْرِهِمْ وَنَهَى عَنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ } فَأَهْلُ الْبِدَعِ
مِنْ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ يَرَوْنَ
قِتَالَهُمْ وَالْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ إذَا فَعَلُوا مَا هُوَ ظُلْمٌ أَوْ مَا
ظَنُّوهُ هُمْ ظُلْمًا ، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَآخَرُونَ مِنْ الْمُرْجِئَةِ وَأَهْلِ الْفُجُورِ
قَدْ يَرَوْنَ تَرْكَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَرِ ظَنًّا
أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْفِتْنَةِ وَهَؤُلَاءِ يُقَابِلُونَك لِأُولَئِكَ
.
وَلِهَذَا ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ
الْمُصَنِّفُ فِي الْكَلَامِ وَأُصُولِ الدِّينِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ
وَرَاءَ النَّهْرِ مَا قَابَلَ بِهِ الْمُعْتَزِلَةَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَذَكَرَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ
عَنْ الْمُنْكَرِ سَقَطَ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، وَقَدْ صَنَّفَ الْقَاضِي أَبُو
يَعْلَى كِتَابًا مُفْرَدًا فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ
الْمُنْكَرِ كَمَا صَنَّفَ الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيّ ( فِي ) ذَلِكَ انْتَهَى
كَلَامُهُ قَالَ الْأَصْحَابُ : وَرَجَا حُصُولَ الْمَقْصُودِ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ
غَيْرُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي كِتَابِ الْمُعْتَمَدِ وَيَجِبُ
إنْكَارُ الْمُنْكَرِ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ فِي ظَنِّهِ زَوَالُهُ فِي إحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ نَقَلَهَا أَبُو الْحَارِثِ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ الرَّجُلِ يَرَى
مُنْكَرًا وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَيَسْكُتُ ؟ فَقَالَ إذَا رَأَى
الْمُنْكَرَ فَلْيُغَيِّرْهُ مَا أَمْكَنَهُ .
هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو
زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { مَا
عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ } .
وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى لَا يَجِبُ
حَتَّى يَعْلَمَ زَوَالَهُ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ يَرَى رَجُلًا
يُصَلِّي لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَلَا يُقِيمُ أَمْرَ صَلَاتِهِ
فَإِنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَقْبَلُ مِنْهُ أَمَرَهُ وَوَعَظَهُ حَتَّى يُحْسِنَ
صَلَاتَهُ .
وَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ هَانِئٍ : إذَا صَلَّى خَلْفَ مَنْ
يَقْرَأُ بِقِرَاءَةِ حَمْزَةَ فَإِنْ كَانَ يَقْبَلُ مِنْك فَانْهَهُ
.
وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ
هَلْ مِنْ شَرْطِ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي إزَالَةِ الْمُنْكَرِ
عَلَى رِوَايَتَيْنِ ( إحْدَاهُمَا ) .
لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ لِظَاهِرِ
الْأَدِلَّةِ ( وَالثَّانِيَةُ ) مِنْ شَرْطِهِ وَهِيَ قَوْلُ الْمُتَكَلِّمِينَ
لِبُطْلَانِ الْغَرَضِ ، وَكَذَا ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى
الظَّنِّ أَنَّ صَاحِبَ الْمُنْكَرِ يَزِيدُ فِي الْمُنْكَرِ .
وَقَالَ ابْنُ
عَقِيلٍ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَزُولُ فَرِوَايَتَانِ (
إحْدَاهُمَا ) يَجِبُ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ حَنْبَلٍ السَّابِقَةَ وَقَالَ فِي
رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الرَّجُلِ يَرَى مُنْكَرًا وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ
مِنْهُ هَلْ يَسْكُت ؟ فَقَالَ يُغَيِّرُ مَا أَمْكَنَهُ .
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ
لَمْ يَسْقُطْ وَقَالَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَالَ فِي
نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْإِنْكَارُ إذَا عَلِمَ
حُصُولَ الْمَقْصُودِ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ غَيْرُهُ ، وَعَنْهُ إذَا رَجَا حُصُولَهُ
وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقِيلَ يُنْكِرُهُ وَإِنْ أَيِسَ مِنْ
زَوَالِهِ أَوْ خَافَ أَذًى أَوْ فِتْنَةً وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ
يَجُوزُ الْإِنْكَارَ فِيمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ ، وَإِنْ خَافَ أَذًى قِيلَ لَا
، وَقِيلَ يَجِبُ ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ لَا
يَجِبُ وَيُخَيَّرُ فِي رَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَجِبُ
رَفْعُهُ إلَى الْإِمَامِ ، ثُمَّ احْتَجَّ الْقَاضِي بِحَدِيثِ عُقْبَةَ
وَسَيَأْتِي .
وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْإِنْكَارُ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ
جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ الْقَاضِي خِلَافًا لِأَكْثَرِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ
ذَلِكَ قَبِيحٌ وَمَكْرُوهٌ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) كَلِمَةُ
حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ .
( وَالثَّانِي ) إظْهَارُ الْإِيمَانِ عِنْدَ
ظُهُورِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ
أَوْ صَرِيحُهُ عَدَمُ رُؤْيَةِ الْإِنْكَارِ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ
وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ فُصُولِ اللِّبَاسِ .
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ هَلْ يَحْسُنُ الْإِنْكَارُ وَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ
تَرْكِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّهُ يَقْبُحُ بِهِ
قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَجْهُ الْأُولَى اخْتَارَهَا ابْن
بَطَّةَ وَالْوَجْهُ قَوْله تَعَالَى : { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك }
.
وَوَجْهُ الثَّانِيَةِ قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى
التَّهْلُكَةِ } انْتَهَى كَلَامُهُ وَذَكَرَ وَالِدُهُ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ
أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْمِحْنَةِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : إنْ عُرِضْت عَلَى
السَّيْفِ لَا أُجِيبُ ، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا إذَا أَجَابَ الْعَالِمُ
تَقِيَّةً وَالْجَاهِلُ بِجَهْلٍ فَمَتَى يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:04

وَقَالَ الْقَاضِي وَظَاهِرُ نَقْلِ ( ابْنِ هَانِئٍ وَلَا يَتَعَرَّضُ
لِلسُّلْطَانِ فَإِنَّ سَيْفَهُ مَسْلُولٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ قَالَ وَاحْتَجَّ
الْمُخَالِفُ بِأَنَّ الْمُضْطَرَّ لَوْ تَرَكَ أَكْلَ الْمَيْتَةِ حَتَّى مَاتَ
أَوْ تَحَمَّلَ الْمَرِيضُ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ حَتَّى ازْدَادَ مَرَضُهُ
أَثِمَ وَعَصَى وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ وُجُوبُ عَزِيمَةٍ كَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَسْقُطُ بِالضَّرَرِ الْمُتَوَهَّمِ
لِأَنَّ خَوْفَ الزِّيَادَةِ فِي الْمَرَضِ وَخَوْفِ التَّلَفِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ
مُتَوَهَّمٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ
فَرْضُهُ بِالتَّوَهُّمِ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ لَا تَأْمُرْ عَلَى فُلَانٍ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ لِذَلِكَ ، وَلِأَنَّ
مَنْفَعَةَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ تَخْتَصُّهُ وَمَنْفَعَةَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
تَعُمُّ ، وَلِأَنَّ سَبَبَ الْإِتْلَافِ هُنَاكَ بِمَعْنَى مِنْ جِهَتِهِ وَهُنَا
مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ ) .
قَالَ أَبُو دَاوُد سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ
يَقُولُ نَحْنُ نَرْجُو إنْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ ، وَإِنْ أَنْكَرَ
بِيَدِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ .
قَالَ عَبَّاسُ الْعَنْبَرِيُّ كُنْت مَارًّا مَعَ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِالْبَصْرَةِ قَالَ فَسَمِعْت رَجُلًا يَقُولُ لِرَجُلٍ يَا
ابْنَ الزَّانِي قَالَ : فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ يَا ابْنَ الزَّانِي قَالَ :
فَوَقَفْت وَمَضَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَالْتَفَتَ إلَيَّ فَقَالَ يَا أَبَا
الْفَضْلِ أَيُّ شَيْءٍ قَالَ ؟ قُلْت : قَدْ سَمِعْنَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْنَا
قَالَ : امْضِ لَيْسَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ .
تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْخَلَّالُ : مَا
يُوَسَّعُ عَلَى الرَّجُلِ فِي تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ
الْمُنْكَرِ إذَا رَأَى قَوْمًا سُفَهَاءَ .
وَقَالَ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ
أَبِي دَاوُد وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ قَالَ وَكَذَلِكَ نَقَلَ
أَبُو عَلِيٍّ الدِّينَوَرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَلَى الرَّجُلِ يَرَى مُنْكَرًا
أَيَجِبُ عَلَيْهِ
تَغْيِيرُهُ ؟ فَقَالَ إنْ غَيَّرَ بِقَلْبِهِ أَرْجُو ، وَذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ
الْعُكْبَرِيُّ ' عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا
قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ مَحْمُولٌ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ
بِهِ أَوْ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِنْكَارِ بِيَدِهِ .
قَالَ أَبُو دَاوُد سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ يَعْمَلُ
بِالْمُنْكَرِ لَا يَقْوَى يُنْكِرَ عَلَيْهِ ، وَضَعِيفٌ يَعْمَلُ بِالْمُنْكَرِ
أَيْضًا يَقْوَى يُنْكِرَ عَلَيْهِ قَالَ نَعَم يُنْكِرُ عَلَيْهِ .
فَصْلٌ ( مَرَاتِبُ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ ) .
وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى
مَنْ لَمْ يُعَيَّنْ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ وَالْحَاكِمُ
وَالْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ وَالْعَدْلُ وَالْفَاسِقُ وَقَالَ قَوْمٌ لَا يَجُوزُ
لِفَاسِقٍ الْإِنْكَارُ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ الْإِنْكَارُ إلَّا لِمَنْ
أَذِنَ لَهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ وَلِلْمُمَيِّزِ الْإِنْكَارُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ
لَكِنْ لَا يَجِبُ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْكَافِرُ مَمْنُوعٌ مِنْ
إنْكَارِ الْمُنْكَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ السُّلْطَةِ وَالْعِزِّ وَأَعْلَاهُ
بِالْيَدِ ثُمَّ بِاللِّسَانِ ، ثُمَّ بِالْقَلْبِ .
وَفِي الْحَدِيثِ
الصَّحِيحِ { لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ }
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ : مُرَادُهُ أَنَّهُ لَمْ
يَبْقَ بَعْدَ هَذَا الْإِنْكَارِ مَا يَدْخُلُ فِي الْإِيمَانِ حَتَّى يَفْعَلَهُ
الْمُؤْمِنُ بَلْ الْإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ آخِرُ حُدُودِ الْإِيمَانِ ، لَيْسَ
مُرَادُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُنْكِرْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ
خَرْدَلٍ وَلِهَذَا قَالَ : " لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ " فَجَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ
ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ فَكُلٌّ مِنْهُمْ فَعَلَ الْإِيمَانَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ
قَالَ وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ يَتَفَاضَلُونَ فِي الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ
عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِمْ مَعَ بُلُوغِ الْخِطَابِ إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ
.
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَكَذَا قَالَ فِي الْغُنْيَةِ بَعْدَ الْخَبَرِ
الْمَذْكُورِ وَيَعْنِي أَضْعَفَ فِعْلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ
قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ كَيْفَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ
الْمُنْكَرِ قَالَ : بِالْيَدِ وَبِاللِّسَانِ وَبِالْقَلْبِ هُوَ أَضْعَفُ قُلْت :
كَيْفَ بِالْيَدِ ؟ قَالَ : يُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ .
وَرَأَيْت أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ مَرَّ عَلَى صِبْيَانِ الْكِتَابِ يَقْتَتِلُونَ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ التَّغْيِيرُ بِالْيَدِ لَيْسَ بِالسَّيْفِ
وَالسِّلَاحِ .
قَالَ الْقَاضِي : وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ
الْإِنْكَارِ بِالْيَدِ إذَا لَمْ يُفْضِ إلَى الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ قَالَ
الْقَاضِي : وَيَجِبُ
فِعْلُ الْكَرَاهَةِ لِلْمُنْكَرِ كَمَا يَجِبُ إنْكَارُهُ .
وَعِنْدَ
الْمُعْتَزِلَةِ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ لَا يَفْعَلَ الْإِرَادَةَ لِأَنَّهُ قَدْ
يَخْلُو الْمُكَلَّفُ مِنْ فِعْلِ الْإِرَادَةِ لَهُ وَالْكَرَاهَةِ ، وَهَذَا
غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَخْلُوَ مِنْ فِعْلِ الضِّدَّيْنِ ، وَلِأَنَّ
الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِعْلَ الْكَرَاهَةِ بِقَلْبِهِ .
وَعَلَى
النَّاسِ إعَانَةَ الْمُنْكِرِ وَنَصْرَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَمَا اخْتَصَّ
عِلْمُهُ بِالْعُلَمَاءِ اخْتَصَّ إنْكَارُهُ بِهِمْ أَوْ بِمَنْ يَأْمُرُونَهُ
بِهِ مِنْ الْوُلَاةِ وَالْعَوَامِّ وَمَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ الْحِسْبَةَ
تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ وَلَهُ فِي ذَلِكَ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ
كَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ
السُّلْطَانِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ .
وَإِنْ دَعَا
الْإِمَامُ الْعَامَّةَ إلَى شَيْءٍ وَأُشْكِلَ عَلَيْهِمْ لَزِمَهُمْ سُؤَالُ
الْعُلَمَاءِ فَإِنْ أَفْتَوْا بِوُجُوبِهِ قَامُوا بِهِ ، وَإِنْ أَخْبَرُوا
بِتَحْرِيمِهِ امْتَنَعُوا مِنْهُ ، وَإِنْ قَالُوا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ
.
وَقَالَ الْإِمَامُ : يَجِبُ ، لَزِمَهُمْ طَاعَتُهُ كَمَا تَجِبُ طَاعَتُهُ
فِي الْحُكْمِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
وَهَلْ يَسْقُطُ الْإِثْمُ عَمَّنْ لَمْ
يَرْضَ بِالْمُنْكَرِ وَسَخِطَ الْإِنْكَارَ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ رَأْيٌ
لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ ، ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا أَنَّهُ
يَسْقُطُ أَنَّهُ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ .
فَصْلٌ ( فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ )
.
وَمَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا أُنْكِرَ عَلَيْهِ مُخَالَفَتَهُ بِلَا دَلِيلٍ
وَلَا تَقْلِيدٍ سَائِغٍ وَلَا عُذْرٍ كَذَا ذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةَ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : يَلْزَمُ كُلُّ مُقَلِّدٍ أَنْ
يَلْتَزِمَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فِي الْأَشْهَرِ وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَ أَهْلِهِ
، وَقِيلَ بِلَا ضَرُورَةٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَمْدَانَ رَحِمَهُ
اللَّهُ هَذَا يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا
مُعَيَّنًا ثُمَّ فَعَلَ خِلَافَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ لِعَالِمٍ آخَرَ
أَفْتَاهُ وَلَا اسْتِدْلَالَ بِدَلِيلٍ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِ
عُذْرٍ شَرْعِيٍّ يُبِيحُ لَهُ مَا فَعَلَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَّبِعًا
لِهَوَاهُ عَامِلًا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ فَاعِلًا لَلْمُحَرَّمِ
بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ وَهَذَا مُنْكَرٌ .
وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي
أَرَادَ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ
الشَّيْءَ وَاجِبًا أَوْ حَرَامًا ثُمَّ يَعْتَقِدَهُ غَيْرَ وَاجِبٍ وَلَا حَرَامٍ
بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا لِشُفْعَةِ الْجِوَارِ
فَيَعْتَقِدَ أَنَّهَا حَقٌّ لَهُ ثُمَّ إذَا طُلِبَتْ مِنْهُ شُفْعَةُ الْجِوَارِ
اعْتَقَدَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً .
أَوْ مِثْلُ مَنْ يَعْتَقِدُ إذَا
كَانَ أَخًا مَعَ جَدٍّ أَنَّ الْإِخْوَةَ تُقَاسِمُ الْجَدَّ ، فَإِذَا صَارَ
جَدًّا مَعَ أَخٍ اعْتَقَدَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ .
وَإِذَا
كَانَ لَهُ عَدُوٌّ يَفْعَلُ بَعْضَ الْأُمُورِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَشُرْبِ
النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ وَحُضُورِ السَّمَاعِ أَنَّ
هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْجَرَ وَيُنْكَرَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ
صَدِيقِهِ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي لَا
تُنْكَرُ ، فَمِثْلُ هَذَا مِمَّنْ يَكُونُ فِي اعْتِقَادِهِ حِلُّ الشَّيْءِ
وَحُرْمَتُهُ
وَوُجُوبُهُ وَسُقُوطُهُ بِحَسَبِ هَوَاهُ وَهُوَ مَذْمُومٌ مَجْرُوحٌ خَارِجٌ
عَنْ الْعَدَالَةِ .
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ
عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ أَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ رُجْحَانُ قَوْلٍ عَلَى
قَوْلٍ إمَّا بِالْأَدِلَّةِ الْمُفَصَّلَةِ إنْ كَانَ يَعْرِفُهَا أَوْ
يَفْهَمُهَا ، وَإِمَّا بِأَنْ يَرَى أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ أَعْلَمَ بِتِلْكَ
الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْآخَرِ وَهُوَ أَتْقَى لِلَّهِ فِيمَا يَقُولُهُ فَيَرْجِعُ
عَنْ قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ لِمِثْلِ هَذَا ، فَهَذَا يَجُوزُ بَلْ يَجِبُ وَقَدْ
نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الْعَامِّيُّ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَ
مَذْهَبًا مُعَيَّنًا يَأْخُذُ بِعَزَائِمِهِ وَرُخَصِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ
لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ،
وَالْجُمْهُورِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ لَا يُوجِبُونَ لَهُ ذَلِكَ ،
وَاَلَّذِينَ يُوجِبُونَهُ يَقُولُونَ إذَا الْتَزَمَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ
يَخْرُجَ عَنْهُ مَادَامَ مُلْتَزِمًا لَهُ أَوْ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّ
غَيْرَهُ أَوْلَى بِالِالْتِزَامِ عَنْهُ .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْتِزَامَ
الْمَذَاهِبِ وَالْخُرُوجَ عَنْهَا إنْ كَانَ لِغَيْرِ أَمْرٍ دِينِيٍّ مِثْلُ أَنْ
يَلْتَمِسَ مَذْهَبًا لِحُصُولِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ وَنَحْوِ
ذَلِكَ فَهَذَا مِمَّا لَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ بَلْ يُذَمُّ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ
الْأَمْرِ وَلَوْ كَانَ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا انْتَقَلَ عَنْهُ ،
وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُسْلِمُ لَا يُسْلِمُ إلَّا لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ ، أَوْ
يُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ إلَى امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا أَوْ
دُنْيَا يُصِيبُهَا .
قَالَ وَأَمَّا إنْ كَانَ انْتِقَالُهُ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى
مَذْهَبٍ لِأَمْرٍ دِينِيٍّ فَهُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ بَلْ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ
أَحَدٍ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ أَنْ لَا
يَعْدِلَ عَنْهُ وَلَا يَتْبَعَ أَحَدًا فِي مُخَالَفَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
فَإِنَّ اللَّهَ فَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ
قَالَ الْقَاضِي
فِيمَنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَخْتَلِفَ
اجْتِهَادُهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا
أَظْهَرَهُ لِيَنْفِيَ عَنْهُ الظَّنَّ وَالشُّبْهَةَ كَمَا يُنْكِرُ عَلَى مَنْ
أَكَلَ فِي رَمَضَانَ أَوْ طَعَامَ غَيْرِهِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ
عُذْرٌ قَالَ وَإِنْ عَلِمْنَا مَنْ حَالِ الْعَامِّيِّ أَنَّهُ قَلَّدَ مَنْ
يَسُوغُ اجْتِهَادُهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ وَإِلَّا أَنْكَرْنَا لِأَنَّهُ لَا
يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِمَا عِنْدَهُ كَذَا قَالَ ، وَالْأَوْلَى أَنَّا لَا
نُنْكِرُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يُقَلِّدُ مَعَ الظَّنِّ فِيهِ نَظَرٌ
.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُعْتَقَدِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ
الْفِعْلَ الْوَاقِعَ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ أَمْ غَيْرُ
جَائِزٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ وَلَا يَنْهَى وَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي
.
وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ عَقِبَ حَدِيثِ عَائِشَةَ إنَّ
نَاسًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَسَمَّوْا عَلَيْهِ أَمْ لَا قَالَ :
{ سَمُّوا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَكُلُوا } .
قَالُوا : وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
التَّصَرُّفَاتِ وَالْأَفْعَالَ تُحْمَلُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ إلَى
أَنْ يَقُومَ دَلِيلُ الْفَسَادِ .
فَصْلٌ ( عَلَى مَنْ وَمَتَى يَجُوزُ الْإِنْكَارُ ؟ ) .
وَلَا إنْكَارَ
فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ الْفُرُوعِ عَلَى مَنْ اجْتَهَدَ فِيهِ أَوْ
قَلَّدَ مُجْتَهِدًا فِيهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ وَصَرَّحُوا
بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَمَثَّلُوهُ بِشُرْبِ يَسِيرِ النَّبِيذِ وَالتَّزَوُّجِ
بِغَيْرِ وَلِيٍّ ، وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَكْلِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ
.
وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُمْ مَعَ قَوْلِهِمْ يُحَدُّ شَارِبُ النَّبِيذِ
مُتَأَوِّلًا وَمُقَلِّدًا أَعْجَبُ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ يَكُونُ وَعْظًا
وَأَمْرًا وَنَهْيًا وَتَعْزِيرًا وَتَأْدِيبًا وَغَايَتُهُ الْحَدُّ ، فَكَيْفَ
يُحَدُّ وَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ أَمْ كَيْفَ يَفْسُقُ عَلَى رِوَايَةٍ وَلَا
يُنْكَرُ عَلَى فَاسِقٍ ؟ وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْعَ
امْرَأَتِهِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ يَسِيرِ الْخَمْرِ عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ
لِاعْتِقَادِهَا إبَاحَتَهُ ثُمَّ ذَكَرَ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي
أَكْلِ الثُّومِ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَنْعَهَا لِكَرَاهَةِ رَائِحَتِهِ قَالَ وَعَلَى
هَذَا الْحُكْمِ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً تَعْتَقِدُ إبَاحَةَ يَسِيرِ النَّبِيذِ
هَلْ لَهُ مَنْعُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ .
وَذَكَرَ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةٍ
مُفْرَدَةٍ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى غَيْرِهِ الْعَمَلَ
بِمَذْهَبِهِ فَإِنَّهُ لَا إنْكَارَ عَلَى الْمُجْتَهَدَاتِ .
انْتَهَى
كَلَامُهُ .
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ لَا يَنْبَغِي
لِلْفَقِيهِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِهِ .
وَلَا يُشَدِّدُ
عَلَيْهِمْ وَقَالَ مُهَنَّا سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ
هَذَا النَّبِيذَ يَتْبَعْ فِيهِ شُرْبَ مَنْ شَرِبَهُ فَلْيَشْرَبْهُ وَحْدَهُ
.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَةِ
الْمَيْمُونِيِّ فِي الرَّجُلِ يَمُرّ بِالْقَوْمِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ
بِالشِّطْرَنْجِ يَنْهَاهُمْ وَيَعِظهُمْ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد سَمِعْتُ
أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ رَجُل مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ
فَنَهَاهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَأَخَذَ الشِّطْرَنْج فَرَمَى بِهِ فَقَالَ قَدْ
أَحْسَن وَقَالَ فِي رِوَايَة أَبِي طَالِبٍ
فِيمَنْ يَمُرّ بِالْقَوْمِ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ يَقْلِبهَا عَلَيْهِمْ
إلَّا أَنْ يُغَطُّوهَا وَيَسْتُرُوهَا .
وَصَلَّى أَحْمَدُ يَوْمًا إلَى جَنْب
رَجُل لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ فَقَالَ يَا هَذَا أَقِمْ صُلْبك
وَأَحْسِنْ صَلَاتَكَ ، نَقَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ .
وَقَالَ
الْمَرُّوذِيُّ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ دَخَلْتُ عَلَى رَجُلٍ وَكَانَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ بَعَثَ بِي إلَيْهِ بِشَيْءٍ فَأَتَى بِمُكْحُلَةٍ رَأْسُهَا
مُفَضَّض فَقَطَعْتُهَا فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَتَبَسَّمَ وَأَنْكَرَ عَلَى
صَاحِبهَا وَفِي التَّبْصِرَةِ لِلْحَلْوَانِيِّ لِمَنْ تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ ،
أَوْ أَكَلَ مَتْرُوك التَّسْمِيَة ، أَوْ تَزَوَّجَ بِنْته مِنْ زِنًا أَوْ أُمَّ
مَنْ زَنَى بِهَا احْتِمَال تُرَدُّ شَهَادَته ، وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون
فِيمَا قَوِيَ دَلِيلُهُ أَوْ كَانَ الْقَوْل خِلَاف خَبَر وَاحِد ، وَإِذَا نَقَضَ
الْحُكْم لِمُخَالَفَتِهِ خَبَر الْوَاحِد أَوْ إجْمَاعًا ظَنِّيًّا أَوْ قِيَاسًا
جَلِيًّا فَمَا نَحْنُ فِيهِ مِثْله وَأَوْلَى ، وَحَمَلَ الْقَاضِي وَابْنُ
عَقِيلٍ رِوَايَة الْمَيْمُونِيِّ عَلَى أَنَّ الْفَاعِل لَيْسَ مِنْ أَهْل
الِاجْتِهَاد وَلَا هُوَ مُقَلِّد لِمَنْ يَرَى ذَلِكَ .
وَعَنْ أَحْمَدَ
رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ لَا يُنْكَرُ عَلَى الْمُجْتَهِد بَلْ عَلَى الْمُقَلِّد
فَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ
الصَّلَاة فِي جُلُود الثَّعَالِب قَالَ : إذَا كَانَ مُتَأَوِّلًا أَرْجُو أَنْ
لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يُنْهَى وَيُقَال لَهُ إنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْهَا .
وَفِي
الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ رَابِعٌ قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : مَا
ضَعُفَ الْخِلَاف فِيهِ وَكَانَ ذَرِيعَة إلَى مَحْظُورٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
كَرِبَا النَّقْدِ الْخِلَافُ فِيهِ ضَعِيف وَهُوَ ذَرِيعَة إلَى رِبَا النَّسَاء
الْمُتَّفَق عَلَى تَحْرِيمِهِ وَكَنِكَاحِ الْمُتْعَة وَرُبَّمَا صَارَتْ
ذَرِيعَةً إلَى اسْتِبَاحَةِ الزِّنَا فَيَدْخُلُ فِي إنْكَارِ الْمُحْتَسِبِ
بِحُكْمِ وِلَايَتِهِ .
ثُمَّ ذَكَرَ الْقَاضِي كَلَام أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ
بَطَّةَ فِي نِكَاح
الْمُتْعَة ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْره مَا يَدُلّ عَلَى
أَنَّهُ يَسُوغ التَّقْلِيد فِي نِكَاح الْمُتْعَة .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ
فِي نِكَاح الْمُتْعَة وَيُكْرَه تَقْلِيد مَنْ يُفْتِي بِهَا وَقَالَ فِي
الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي مَوْضِع آخَرَ الْمُجَاهَرَةُ بِإِظْهَارِ
النَّبِيذ كَالْخَمْرِ وَلَيْسَ فِي إرَاقَته غُرْم ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ
فِي رِوَايَة مُهَنَّا ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ يُنْكَر عَلَى مَنْ
يُسِيء فِي صَلَاته بِتَرْكِ الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود مَعَ
أَنَّهَا مِنْ مَسَائِل الْخِلَاف وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ يَجِب أَنْ
يَأْمُرهُ وَيَعِظهُ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَاشْتِغَال الْمُعْتَكِف
بِإِنْكَارِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاء وَتَعْرِيفهَا أَفْضَل مِنْ نَافِلَة يَقْتَصِر
عَلَيْهَا ، وَذَكَرَ أَيْضًا فِي الْمُنْكَرَات غَمْس الْيَد وَالْأَوَانِي
النَّجِسَة فِي الْمِيَاه الْقَلِيلَة قَالَ : فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَالِكِيّ لَمْ
يُنْكِر عَلَيْهِ بَلْ يَتَلَطَّف بِهِ وَيَقُول لَهُ يُمْكِنُكَ أَنْ لَا
تُؤْذِيَنِي بِتَفْوِيتِ الطَّهَارَة عَلَيَّ .
وَفِي الْمَسْأَلَة قَوْلٌ
خَامِس قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالصَّوَاب مَا عَلَيْهِ جَمَاهِير
الْمُسْلِمِينَ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْر يُجْلَد شَارِبه وَلَوْ شَرِبَ قَطْرَة
وَاحِدَة لِتَدَاوٍ أَوْ غَيْر تَدَاوٍ وَقَالَ فِي كِتَابِ " بُطْلَانِ
التَّحْلِيلِ " قَوْلهمْ وَمَسَائِل الْخِلَاف لَا إنْكَار فِيهَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ
فَإِنَّ الْإِنْكَار إمَّا أَنْ يَتَوَجَّه إلَى الْقَوْل بِالْحُكْمِ أَوْ
الْعَمَل أَمَّا الْأَوَّل فَإِنْ كَانَ الْقَوْل يُخَالِف سُنَّة أَوْ إجْمَاعًا
قَدِيمًا وَجَبَ إنْكَاره وِفَاقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنْكَر
بِمَعْنَى بَيَان ضَعْفه عِنْد مَنْ يَقُول الْمُصِيب وَاحِد وَهُمْ عَامَّةُ
السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ .
وَأَمَّا الْعَمَل إذَا كَانَ عَلَى خِلَاف سُنَّة
أَوْ إجْمَاع وَجَبَ إنْكَاره أَيْضًا بِحَسَبِ الْإِنْكَار كَمَا ذَكَرنَا مِنْ
حَدِيث شَارِب النَّبِيذ الْمُخْتَلَف فِيهِ وَكَمَا يُنْقَض حُكْم الْحَاكِم إذَا
خَالَفَ سُنَّة وَإِنْ كَانَ قَدْ اتَّبَعَ بَعْض الْعُلَمَاء وَأَمَّا إذَا لَمْ
يَكُنْ فِي
الْمَسْأَلَة سُنَّة وَلَا إجْمَاع وَلِلِاجْتِهَادِ فِيهَا مَسَاغ فَلَا
يُنْكَرُ عَلَى مَنْ عَمِلَ بِهَا مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا .
وَإِنَّمَا
دَخَلَ هَذَا اللَّبْس مِنْ جِهَة أَنَّ الْقَائِل يَعْتَقِد أَنَّ مَسَائِل
الْخِلَاف هِيَ مَسَائِل الِاجْتِهَاد كَمَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ طَوَائِف مِنْ
النَّاسِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّة أَنَّ مَسَائِل الِاجْتِهَاد مَا لَمْ
يَكُنْ فِيهَا دَلِيلٌ يَجِب الْعَمَل بِهَا وُجُوبًا ظَاهِرًا مِثْل حَدِيثٍ
صَحِيحٍ لَا مُعَارِض لَهُ مِنْ جِنْسه فَيَسُوغ إذَا عُدِمَ ذَلِكَ الِاجْتِهَاد
لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّة الْمُقَارِبَة أَوْ لِخَفَاءِ الْأَدِلَّة فِيهَا وَلَيْسَ
فِي ذِكْر كَوْنِ الْمَسْأَلَة قَطْعِيَّة طَعْنٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا مِنْ
الْمُجْتَهِدِينَ كَسَائِرِ الْمَسَائِل الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَف وَقَدْ
تَيَقَّنَا صِحَّة أَحَد الْقَوْلَيْنِ فِيهَا مِثْل كَوْنِ الْحَامِل
الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِ الْحَمْل ، وَأَنَّ الْجِمَاع
الْمُجَرَّد عَنْ إنْزَال يُوجِب الْغُسْل ، وَأَنَّ رِبَا الْفَضْل وَالْمُتْعَة
حَرَام وَذَكَرَ مَسَائِل كَثِيرَة .
وَقَالَ أَيْضًا فِي مَكَان آخَر : إنَّ
مَنْ أَصَرَّ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُقَاتَلُ أَيْضًا فِي
أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ مَنْ اسْتَحَبَّهَا ، وَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَهَا
فَإِنَّهُ عِنْده يُقَاتَل وَيُفَسَّق إذَا قَامَ الدَّلِيل عِنْدَهُ الْمُبِيح
لِلْمُقَاتَلَةِ وَالتَّفْسِيق كَالْبُغَاةِ بَعْد زَوَال الشُّبْهَة .
وَقَالَ
أَيْضًا : يُعِيد مَنْ تَرَكَ الطُّمَأْنِينَة وَمَنْ لَمْ يُوَقِّت الْمَسْح نَصَّ
عَلَيْهِ بِخِلَافِ مُتَأَوِّل لَمْ يَتَوَضَّأ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ
عَلَى رِوَايَتَيْنِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّة وَالْآثَار فِيهِ .
وَذَكَر
الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْمُخْتَلَف فِيهِ لَا إنْكَار
فِيهِ قَالَ لَكِنْ إنْ نَدَبَهُ عَلَى جِهَة النَّصِيحَة إلَى الْخُرُوج مِنْ
الْخِلَاف فَهُوَ حَسَنٌ مَحْبُوب مَنْدُوب إلَى فِعْلِهِ بِرِفْقِ وَذَكَر غَيْره
مِنْ الشَّافِعِيَّة فِي الْمَسْأَلَة وَجْهَيْنِ وَذَكَرَ مَسْأَلَة الْإِنْكَار
عَلَى مَنْ كَشَفَ فَخْذَهُ وَأَنَّ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ .
فَصْل ( النُّصُوص فِي وُجُوب الْأَمْر بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي
عَنْ الْمُنْكَر ) .
قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيز
بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر فِي مَوَاضِع وَعَنْ
حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { وَاَلَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ
أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ
عِنْدِهِ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَحَسَّنَهُ .
وَمَعْنَى أَوْشَكَ أَسْرَعَ .
وَعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ مَرْفُوعًا { مَا مِنْ قَوْمٍ يَكُونُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مَنْ يَعْمَلُ
بِالْمَعَاصِي هُمْ أَعَزُّ مِنْهُ وَأَمْنَعُ لَمْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ إلَّا
أَصَابَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَذَابٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ
.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ { يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَقْرَءُونَ
هَذِهِ الْآيَةَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا
يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } .
وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا
الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ
تَعَالَى بِعَذَابٍ مِنْهُ } إسْنَادٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ .
وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ
عَنْ عَمْرو بْنِ حَارِثَةَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ عَنْ أَبِي
ثَعْلَبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ : { بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ
الْمُنْكَرِ حَتَّى إذَا رَأَيْت شُحًّا مُطَاعًا ، وَهَوًى مُتَّبَعًا ، وَدُنْيَا
مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ، فَعَلَيْك بِنَفْسِك وَدَعْ
عَنْك الْعَوَامَّ ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ
الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا
يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ : أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ : لَا بَلْ
أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ } عُتْبَةُ مُخْتَلَف فِيهِ وَبَاقِيه جَيِّد رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَن غَرِيب وَابْنُ مَاجَهْ وَزَادَ بَعْد
قَوْله بِرَأْيِهِ { وَرَأَيْت أَمْرًا لَا يُدَانُ لَك بِهِ فَعَلَيْك
بِخُوَيْصَةِ نَفْسِك } وَذَكَرَهُ .
وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ
وَغَيْرهمْ مِنْ حَدِيث حُذَيْفَةَ { فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ
وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ ، وَالصِّيَامُ ،
وَالصَّدَقَةُ ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ }
.
وَعَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَة حَدَّثَنِي رَجُل مِنْ أَصْحَاب
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَنْ يَهْلِكَ النَّاسُ أَوْ يُعْذَرُوا مِنْ
أَنْفُسِهِمْ } إسْنَادٌ جَيِّد رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
يُقَال
أَعْذَرَ فُلَان مِنْ نَفْسِهِ إذَا أَمْكَنَ مِنْهَا يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا
يَهْلِكُونَ حَتَّى تَكْثُر ذُنُوبُهُمْ وَعُيُوبهمْ فَيَسْتَوْجِبُونَ الْعُقُوبَة
وَيَكُون لِمَنْ يُعَذِّبهُمْ عُذْرًا كَأَنَّهُمْ قَامُوا بِعُذْرِهِ فِي ذَلِكَ
وَيُرْوَى بِفَتْحِ الْيَاء مَنْ عَذَرْته وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَحَقِيقَة
عَذَرْتُهُ مَحَوْتُ الْإِسَاءَة وَطَمَسْتُهَا وَيَتَعَلَّق بِالصِّدْقِ
وَالْكَذِب مَا يَتَعَلَّق بِالْحَقِّ وَالْبَاطِل وَلَهُ تَعَلُّق بِهَذَا
.
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { لَمَّا وَقَعَتْ
بَنُو إسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا
فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ وَوَاكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ فَضَرَبَ اللَّهُ
قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُد وَعِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } .
وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ : لَا
وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطُرُوهُمْ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا }
رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَلِأَبِي
دَاوُد { ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنْ الْغَدِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَمْنَعُهُ
ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ
ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ثُمَّ قَالَ : { لُعِنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُد } إلَى قَوْلِهِ {
فَاسِقُونَ } ثُمَّ قَالَ : كَلًّا وَاَللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ
وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ
قَصْرًا } زَادَ فِي رِوَايَةٍ { أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ
عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ } وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ هَذَا الْمَعْنَى .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيب
.
وَرَوَيَاهُ أَيْضًا مُرْسَلًا وَإِسْنَاد هَذَا الْخَبَر ثِقَات وَأَبُو
عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَع مِنْ أَبِيهِ عِنْدهمْ .
وَعَنْ الْعُرْسِ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا عُمِلَتْ
الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا وَكَرِهَهَا فِي رِوَايَةٍ
فَأَنْكَرَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا ، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ
كَمَنْ شَهِدَهَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ مُغِيرَةَ بْنِ زِيَادٍ
الْمُوصِلِيِّ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ .
وَرَوَى هُوَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ
حَدِيث أَبِي سَعِيدٍ { أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ
جَائِرٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظه مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَاد وَقَالَ حَسَنٌ
غَرِيب .
وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ { أَنَّ
رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْجِهَادِ
أَفْضَلُ قَالَ : كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ } وَهُوَ لِأَحْمَدَ
وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ وَفِي السُّنَّة أَحَادِيث قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ قَالَ لِي عَبْدُ الْوَهَّابِ : أَنْتَ كَيْف اسْتَخَرْت أَنْ
تُقِيمَ بِسَامِرَةَ ؟ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِأَبِي عَبْدِ
اللَّهِ .
فَقَالَ : فَلِمَ لَمْ تَقُلْ لَهُ فَكَانَ يَد لِلْأَسِيرِ مِمَّنْ
يَخْدِمُهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : لَا
نَزَالُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ فِي النَّاسِ مَنْ يُنْكِر عَلَيْنَا .
فَصْل ( الْإِنْكَار الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب وَالْمُشْتَرَط فِيهِ إذْن
الْحَاكِم ) .
وَالْإِنْكَار فِي تَرْك الْوَاجِب وَفِعْلِ الْحَرَام وَاجِب
وَفِي تَرْك الْمَنْدُوب وَفِعْلِ الْمَكْرُوه مَنْدُوب ذَكَره الْأَصْحَاب
وَغَيْرهمْ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي آخِر كِتَابِ الْإِرْشَادِ وَقَالَ
أَيْضًا غَيْره : فَمِنْ الْقَبِيح مَا يَقْبُح مِنْ كُلّ مُكَلَّف عَلَى وَجْهٍ
دُونَ وَجْهٍ كَالرَّمْيِ بِالسِّهَامِ وَاِتِّخَاذِ الْحَمَامِ وَالْعِلَاجِ
بِالسِّلَاحِ لِأَنَّ تَعَاطِيَ ذَلِكَ لِمَعْرِفَةِ الْحِرَابِ وَالتَّقَوِّي
عَلَى الْعَدُوِّ ، وَلِيُرْسِلَ عَلَى الْحَمَامِ الْكُتُبَ وَالْمُهِمَّاتِ
لِحَوَائِجِ السُّلْطَانِ وَالْمُسْلِمِينَ حَسَنٌ لَا يَجُوزُ إنْكَارُهُ وَإِنْ
قَصَدَ بِذَلِكَ الِاجْتِمَاعَ عَلَى الْفِسْقِ وَاللَّهْوَ وَمُعَامَلَةَ ذَوِي
الرِّيَبِ وَالْمَعَاصِي فَذَلِكَ قَبِيحٌ يَجِبُ إنْكَارُهُ .
وَمَنْ تَرَكَ
مَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ بِلَا عُذْرٍ زَادَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ "
ظَاهِرٍ " وَجَبَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ ، وَلِلنِّسَاءِ الْخُرُوجُ لِلْعِلْمِ
وَيُنْكَرُ عَلَى مَنْ تَرَكَ الْإِنْكَارَ الْمَطْلُوبَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ
.
وَلَا يُنْكِرُ أَحَدٌ بِسَيْفٍ إلَّا مَعَ سُلْطَانٍ وَقَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ : الضَّرْبُ بِالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ
فِيهِ إشْهَارُ سِلَاحٍ أَوْ سَيْفٍ يَجُوزُ لِلْآحَادِ بِشَرْطِ الضَّرُورَةِ
وَالِاقْتِصَارِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أَعْوَانٍ
يُشْهِرُونَ السِّلَاحَ لِكَوْنِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِنْكَارِ بِنَفْسِهِ
فَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي
إلَى الْفِتَنِ وَهَيَجَانِ الْفَسَادِ ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ إذْنُ
الْإِمَامِ .
فَصْل ( فِي الْإِنْكَار عَلَى السُّلْطَان وَالْفَرْق بَيْنَ الْبُغَاة
وَالْإِمَام الْجَائِرِ ) .
وَلَا يُنْكِر أَحَد عَلَى سُلْطَان إلَّا وَعْظًا
لَهُ وَتَخْوِيفًا أَوْ تَحْذِيرًا مِنْ الْعَاقِبَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
فَإِنَّهُ يَجِب وَيَحْرُم بِغَيْرِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْره
وَالْمُرَاد وَلَمْ يَخَفْ مِنْهُ بِالتَّخْوِيفِ وَالتَّحْذِير وَإِلَّا سَقَطَ
وَكَانَ حُكْم ذَلِكَ كَغَيْرِهِ .
قَالَ حَنْبَلٌ : اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ
بَغْدَادَ فِي وِلَايَةِ الْوَاثِقِ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَقَالُوا لَهُ :
إنَّ الْأَمْرَ قَدْ تَفَاقَمَ وَفَشَا يَعْنُونَ إظْهَار الْقَوْلِ بِخَلْقِ
الْقُرْآنِ وَغَيْر ذَلِكَ وَلَا نَرْضَى بِإِمْرَتِهِ وَلَا سُلْطَانه ،
فَنَاظَرَهُمْ فِي ذَلِكَ وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْإِنْكَارِ بِقُلُوبِكُمْ وَلَا
تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَة وَلَا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا
تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمْ ، وَانْظُرُوا فِي
عَاقِبَةِ أَمْرِكُمْ ، وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيح بَرٌّ أَوْ يُسْتَرَاح مِنْ
فَاجِر وَقَالَ لَيْسَ هَذَا صَوَاب ، هَذَا خِلَاف الْآثَار .
وَقَالَ
الْمَرُّوذِيُّ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَأْمُر بِكَفِّ الدِّمَاء وَيُنْكِر
الْخُرُوج إنْكَارًا شَدِيدًا وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ
الْكَفُّ ؛ لِأَنَّا نَجِدُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
مَا صَلَّوْا فَلَا } خِلَافًا لِلْمُتَكَلِّمِينَ فِي جَوَاز قِتَالِهِمْ
كَالْبُغَاةِ قَالَ الْقَاضِي : وَالْفَرْق بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَة الظَّاهِر
وَالْمَعْنَى ، أَمَّا الظَّاهِر فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بِقِتَالِ
الْبُغَاة بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ } .
وَفِي مَسْأَلَتِنَا
أَمْرٌ بِالْكَفِّ عَنْ الْأَئِمَّة بِالْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَة ، وَأَمَّا
الْمَعْنَى فَإِنَّ الْخَوَارِج يُقَاتَلُونَ بِالْإِمَامِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا
يَحْصُل قِتَالهمْ بِغَيْرِ إمَام فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَمْ يَجُزْ الْجِهَاد
بِغَيْرِ إمَام انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ إنَّ الْجَمَاعَةَ حَبْلُ اللَّهِ
فَاعْتَصِمُوا مِنْهُ بِعُرْوَتِهِ الْوُثْقَى لِمَنْ دَانَا كَمْ يَدْفَعُ اللَّهُ
بِالسُّلْطَانِ مُعْضِلَةً فِي دِينِنَا رَحْمَةً مِنْهُ وَدُنْيَانَا لَوْلَا
الْخِلَافَةُ لَمْ تُؤْمَنْ لَنَا سُبُلٌ وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْبًا لِأَقْوَانَا
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِابْنِهِ يَا بُنَيّ احْفَظْ عَنِّي مَا أُوصِيكَ
بِهِ : إمَامٌ عَدْلٌ خَيْرٌ مِنْ مَطَرٍ وَبْلٍ وَأَسَدٌ حَطُومٌ خَيْرٌ مِنْ
إمَامٍ ظَلُومٍ ، وَإِمَامٌ ظَلُومٌ غَشُومٌ خَيْرٌ مِنْ فِتْنَةٍ تَدُومُ
.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ
الْمُنْكَر مَعَ السَّلَاطِينِ التَّعْرِيف وَالْوَعْظ ، فَأَمَّا تَخْشِينُ
الْقَوْلِ نَحْو يَا ظَالِم يَا مَنْ لَا يَخَاف اللَّهَ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ
يُحَرِّك فِتْنَة يَتَعَدَّى شَرُّهَا إلَى الْغَيْر لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ لَمْ
يَخَفْ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِز عِنْد جُمْهُور الْعُلَمَاء قَالَ :
وَاَلَّذِي أَرَادَ الْمَنْع مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُود إزَالَة الْمُنْكَر
وَحَمْلُ السُّلْطَان بِالِانْبِسَاطِ عَلَيْهِ عَلَى فِعْلِ الْمُنْكَر أَكْثَر
مِنْ فِعْلِ الْمُنْكَر الَّذِي قُصِدَ إزَالَته قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : لَا يُتَعَرَّض لِلسُّلْطَانِ فَإِنَّ سَيْفَهُ مَسْلُول
وَعَصَاهُ .
فَأَمَّا مَا جَرَى لِلسَّلَفِ مِنْ التَّعَرُّض لِأُمَرَائِهِمْ
فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَهَابُونَ الْعُلَمَاء فَإِذَا انْبَسَطُوا عَلَيْهِمْ
احْتَمَلُوهُمْ فِي الْأَغْلَب ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيث عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ
: { إذَا اسْتَشَاطَ السُّلْطَانُ ، تَسَلَّطَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ }
.
وَوَعَظَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسمِائَةٍ
حَضَرَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَضِيءُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَقَالَ لَوْ أَنِّي مَثُلْت
بَيْنَ يَدَيْ السُّدَّةِ الشَّرِيفَةِ لَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كُنْ
لِلَّهِ سُبْحَانَهُ مَعَ حَاجَتك إلَيْهِ ، كَمَا كَانَ لَك مَعَ غِنَاهُ عَنْك ،
إنَّهُ لَمْ يَجْعَل أَحَدًا فَوْقَكَ ، فَلَا تَرْضَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَشْكَرَ
لَهُ مِنْك ، فَتَصَدَّقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِصَدَقَاتِ وَأَطْلَقَ
مَحْبُوسِينَ .
وَوَعَظَ أَيْضًا فِي هَذِهِ السَّنَة وَالْخَلِيفَة حَاضِر
قَالَ : وَبَالَغْتُ فِي وَعْظِ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا حَكَيْتُهُ لَهُ
أَنَّ الرَّشِيدَ قَالَ لِشَيْبَانَ : عِظْنِي .
فَقَالَ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ لَأَنْ تَصْحَبَ مَنْ يُخَوِّفك حَتَّى تُدْرِك الْأَمْن خَيْرٌ لَك
مِنْ أَنْ تَصْحَبَ مَنْ يُؤَمِّنَكَ حَتَّى تُدْرِك الْخَوْف قَالَ فَسِّرْ لِي
هَذَا قَالَ مَنْ يَقُولُ لَكَ أَنْتَ مَسْئُول عَنْ الرَّعِيَّة فَاتَّقِ اللَّه ،
أَنْصَحُ لَكَ مِمَّنْ يَقُولُ أَنْتُمْ أَهْلُ بَيْتٍ مَغْفُورٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ
قَرَابَة نَبِيِّكُمْ ، فَبَكَى الرَّشِيدُ حَتَّى رَحِمَهُ مَنْ حَوْله ، فَقُلْت
لَهُ فِي كَلَامِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنْ تَكَلَّمْت خِفْتُ مِنْكَ ،
وَإِنْ سَكَتّ خِفْتُ عَلَيْكَ ، وَأَنَا أُقَدِّم خَوْفِي عَلَيْك عَلَى خَوْفِي
مِنْكَ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَوَعَظَ شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ الْمَنْصُورَ
فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْعَل فَوْقَكَ أَحَدًا ، فَلَا
تَجْعَل فَوْقَ شُكْرِكَ شُكْرًا .
وَدَخَلَ ابْنُ السَّمَّاكِ عَلَى الرَّشِيدِ
فَقَالَ لَهُ تَكَلَّمَ وَأَوْجِزْ ، فَقَالَ : إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى
نَفْسِي الدُّخُول إلَيْك فَغَضِبَ الرَّشِيدُ وَقَالَ : لَتَخْرُجَنَّ مِمَّا
قُلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِك وَأَصْنَعَن قَالَ : أَنْتَ وَلِيُّ اللَّهِ فِي
عِبَادِهِ فَإِنْ أَنَا لَمْ أَنْصَحْ لَكَ فِيهِمْ وَأَصْدُقْك عَنْهُمْ خِفْتُ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ اتَّقِ اللَّهَ فِي رَعِيَّتِكَ ، وَخَفْ
الْمَرْجِعَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَمْ أَرَ أَحْسَن مِنْ وَجْهِكَ فَلَا
تُجَمِّلْهُ لِجَهَنَّمَ حَطَبًا .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:06

وَقَالَ بَعْضهمْ : رُبّ هَالِكٍ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَمَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ
عَلَيْهِ ، وَمُسْتَدْرَج بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ وَقَالَ الْفُضَيْلُ إذَا قِيلَ
لَك أَتَخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَاسْكُتْ ، فَإِنَّك إنْ جِئْت بِلَا جِئْت
بِأَمْرٍ عَظِيمٍ وَهَوْلٍ ، وَإِنْ قُلْت نَعَم فَالْخَائِف لَا يَكُون عَلَى مَا
أَنْتَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : كُلُّ مَا يُكْرَه الْمَوْتُ مِنْ
أَجْلِهِ فَاتْرُكْهُ لَا يَضُرَّك مَتَى مِتَّ وَقَالَ سُفْيَانُ : يَنْبَغِي
لِمَنْ وَعَظَ أَنْ لَا يُعَنِّف ،
وَلِمَنْ وُعِظَ أَنْ لَا يَأْنَف ، وَيُذَكِّر مَنْ يَعِظهُ وَيُخَوِّفهُ مَا
يُنَاسِب الْحَال وَمَا يَحْصُل بِهِ الْمَقْصُود ، وَلَا يُطِيل ، وَلِكُلِّ
مَقَامٍ مَقَالٌ ، وَلِكُلِّ فَنٍّ رِجَالٌ .
وَالْآيَات وَالْأَخْبَار
الْمُتَعَلِّقَة بِالظُّلْمِ وَالْأَمْر بِالْعَدْلِ وَالتَّقْوَى وَالْكَفِّ عَنْ
الْمُحَرَّمَات مَعَ اخْتِلَافِهَا كَثِيرَة مَشْهُورَة .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ
أَوْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ : { كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ،
فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ،
وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْهُ ،
وَالْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْهُ } .
قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : حَدَّثَنِي أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنِي
إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ لُقْمَانَ بْنِ
عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ عَشَرَةٍ فَمَا
فَوْقَ ذَلِكَ إلَّا أَتَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدُهُ
مَغْلُولَةٌ إلَى عُنُقِهِ فَكَّهُ بِرُّهُ ، أَوْ أَوْثَقَهُ إثْمُهُ ، أَوَّلُهَا
مَلَامَةٌ ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ ، وَآخِرُهَا خِزْيٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
إسْنَاد حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَعَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا { مَا
مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إلَّا جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَدُهُ مَغْلُولَةٌ
إلَى عُنُقِهِ حَتَّى يُطْلِقَهُ الْحَقُّ أَوْ يُوبِقَهُ } وَعَنْ سَعْدِ بْنِ
عُبَادَةَ مَرْفُوعًا مَعْنَاهُ رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَإِسْنَادهمَا ضَعِيف لَكِنْ
لِهَذَا الْمَعْنَى طُرُق يَعْضُد بَعْضهَا بَعْضًا .
وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ
حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ الْإِمَارَةِ { نِعْمَتْ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتْ
الْفَاطِمَةُ } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَظُنّهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ فَذَكَرَ مِنْهُمْ
الْإِمَامَ الْعَادِلَ } .
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْمُقْسِطُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ
يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ
يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا } .
وَقَدْ ذَكَرْتُ
مَا فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {
ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ فَذَكَرَ مِنْهُمْ الْإِمَامَ الْعَادِلَ }
.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ
أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ
دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ
لَا يَنْقُصُ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا } ، وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَنَّ
سُنَّةَ خَيْرٍ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ
اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةَ
شَرٍّ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ
اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ
وَغَيْرُهُ وَيَأْتِي بَعْد نَحْو كُرَّاسَيْنِ مَا لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِم
مِنْ النُّصْحِ وَغَيْرِهِ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ
بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لَا يُصْلِحُ هَذَا
الْأَمْرَ إلَّا شِدَّةٌ فِي غَيْرِ عُنْفٍ ، وَلِينٌ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ
.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمْ يُقِمْ أَمْرَ النَّاسِ إلَّا امْرُؤٌ
حَصِيفُ الْعُقْدَةِ ، بَعِيد الْغَوْرِ ، لَا يَطَّلِعُ النَّاسُ مِنْهُ عَلَى
عَوْرَةٍ .
وَلَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ .
وَعَنْهُ أَيْضًا
لَا يُقِيمُ أَمْرَ اللَّهِ فِي النَّاسِ إلَّا رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِهِ
كَلِمَةً يَخَافُ اللَّهَ فِي النَّاسِ وَلَا يَخَافُ النَّاسَ فِي اللَّهِ
.
وَلِعَلَيَّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي
أَوَّل كِتَابٍ كَتَبَهُ : أَمَّا بَعْد فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ
قَبْلكُمْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا الْحَقَّ حَتَّى اُشْتُرِيَ ، وَبَسَطُوا الْجَوْرَ
حَتَّى اُفْتُدِيَ .
وَقَالَ مَجَاعَةُ بْنُ مَرَارَةَ الْحَنَفِيُّ لِأَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ : إذَا كَانَ الرَّأْيُ عِنْد مَنْ لَا يُقْبَل مِنْهُ
وَالسِّلَاح عِنْد مَنْ لَا يَسْتَعْمِلُهُ وَالْمَال عِنْد مَنْ لَا يُنْفِقهُ
ضَاعَتْ الْأُمُور .
وَقَالَ عَلِيٌّ الْمُلْك وَالدِّين أَخَوَانِ لَا غِنًى
لِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَر فَالدِّينُ أُسٌّ وَالْمُلْك حَارِسٌ فَمَا لَمْ يَكُنْ
لَهُ أُسٌّ فَمَهْدُوم وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَارِسٌ فَضَائِعٌ .
وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مِنْ الْمُلُوك مَنْ إذَا مُلِّكَ زَهَّدَهُ اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ فِيمَا فِي يَدَيْهِ ، وَرَغَّبَهُ فِيمَا فِي يَد غَيْره ، وَأَشْرَبَ
قَلْبَهُ الْإِشْفَاقَ عَلَى مَنْ عِنْده ، فَهُوَ يُحْسَد عَلَى الْقَلِيل
وَيَتَسَخَّط الْكَثِير وَمِنْ كَلَام الْفُرْسِ : لَا مُلْكَ إلَّا بِرِجَالٍ ،
وَلَا رِجَالَ إلَّا بِمَالٍ ، وَلَا مَالَ إلَّا بِعِمَارَةِ ، وَلَا عِمَارَةَ
إلَّا بِعَدْلٍ .
وَمِنْ كَلَامِهِمْ أَيْضًا الْمَلِك الَّذِي يَأْخُذ
أَمْوَالَ رَعِيَّتِهِ وَيُجْحِفَ بِهِمْ مِثْل مَنْ يَأْخُذُ الطِّينَ مِنْ
أُصُولِ حِيطَانِهِ فَيُطَيِّن بِهِ سُطُوحه فَيُوشِكُ أَنْ تَقَع عَلَيْهِ
السُّطُوح .
وَمِنْ كَلَام أَرِسْطُوطَالِيس الْعَالَم بُسْتَانٌ سِيَاجُهُ
الدَّوْلَة ، الدَّوْلَة سُلْطَان تَحْيَا بِهِ السُّنَّة ، السُّنَّة سِيَاسَةٌ ،
السِّيَاسَة يَسُوسُهَا الْمَلِكُ ، وَالْمَلِك رَاعٍ يَعْضُدْهُ الْجَيْشُ ،
الْجَيْشُ أَعْوَانٌ يُكَلِّفهُمْ الْمَال ، الْمَالُ رِزْقٌ تَجْمَعهُ الرَّعِيَّة
، الرَّعِيَّةُ عَبِيدٌ يَتَعَبَّدهُمْ الْعَدْل ، الْعَدْلُ مَأْلُوفٌ وَهُوَ
صَلَاح الْعَالَم .
كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إلَى الْحَجَّاجِ
أَنْ صِفْ لِي الْفِتْنَة حَتَّى كَأَنِّي أَرَاهَا رَأْيَ الْعَيْن فَكَتَبَ لَهُ
لَوْ كُنْتُ شَاعِرًا لَوَصَفْتُهَا لَكَ فِي شِعْرِي وَلَكِنِّي أَصِفُهَا لَكَ
بِمَبْلَغِ عِلْمِي وَرَأْيِي : الْفِتْنَةُ تُلَقَّحُ بِالنَّجْوَى ، وَتُنْتَجُ
بِالشَّكْوَى ، فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهُ قَالَ إنَّ ذَلِكَ لَكَمَا وَصَفْت
فَخُذْ مَنْ قِبَلَكَ
مِنْ الْجَمَاعَة وَأَعْطِهِمْ عَطَايَا الْفُرْقَة ، وَاسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ
بِالْفَاقَةِ .
فَإِنَّهَا نِعْمَ الْعَوْنُ عَلَى الطَّاعَةِ ، فَأُخْبِرَ
بِذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَى
لِسَبِيلِهِ .
لَمَّا أَرَادَ عَمْرٌو الْمَسِير إلَى مِصْرَ قَالَ
لِمُعَاوِيَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِيكَ قَالَ أَجَل
فَأَوْصِنِي قَالَ اُنْظُرْ فَاقَةَ الْأَحْرَار فَاعْمَلْ فِي سَدِّهَا ،
وَطُغْيَان السَّفَلَة فَاعْمَلْ فِي قَمْعِهَا ، وَاسْتَوْحِشْ مِنْ الْكَرِيم
الْجَائِع وَاللَّئِيم الشَّبْعَانِ ، فَإِنَّمَا يَصُول الْكَرِيم إذَا جَاعَ ،
وَاللَّئِيمُ إذَا شَبِعَ .
قَالَ بَعْض الْحُكَمَاء : الرَّعِيَّة لِلْمَلِكِ
كَالرُّوحِ لِلْجَسَدِ ، فَإِذَا ذَهَبَ الرُّوحُ فَنِيَ الْجَسَد قَالَ
الْإِسْكَنْدَرُ لِأَرِسْطُوطَالِيسَ أَوْصِنِي قَالَ اُنْظُرْ مَنْ كَانَ لَهُ
عَبِيدٌ فَأَحْسَنَ سِيَاسَتَهُمْ فَوَلِّهِ الْجُنْدَ ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ
ضَيْعَةٌ فَأَحْسَنَ تَدْبِيرَهَا فَوَلِّهِ الْخَرَاج وَقَالَ بَعْض الْحُكَمَاء :
لَا تُصَغِّرْ أَمْرَ مَنْ جَاءَك يُحَارِبك ، فَإِنَّك إنْ ظَفِرْتَ لَمْ تُحْمَد
، وَإِنْ عَجَزْتَ لَمْ تُعْذَر .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي إذَا صَلُحَا صَلُحَ النَّاسُ : الْأُمَرَاءُ
وَالْعُلَمَاءُ } وَفِي خَبَر آخَر عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ
عَلَامَةُ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ عَلَيْهِمْ
خِيَارَهُمْ ، وَأَنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِمْ الْغَيْثَ فِي أَوَانِهِ ، وَعَلَامَةُ
سَخَطِهِ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ شِرَارَهُمْ وَيُنْزِلَ عَلَيْهِمْ الْغَيْثَ
فِي غَيْرِ أَوَانِهِ .
كَتَبَ عَامِل إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ :
إنَّ مَدِينَتَنَا قَدْ احْتَاجَتْ إلَى مَرَمَّةٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ :
حَصِّنْ مَدِينَتَكَ بِالْعَدْلِ وَنَقِّ طُرُقَهَا مِنْ الْمَظَالِمِ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ صِفْ
لِي الْعَدْلَ يَا ابْنَ كَعْبٍ قُلْت بَخٍ بَخٍ سَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ كُنْ
لِصَغِيرِ النَّاسِ أَبًا ، وَلِكَبِيرِهِمْ ابْنًا ، وَلِلْمِثْلِ مِنْهُمْ أَخًا
، وَلِلنِّسَاءِ
كَذَلِكَ ، وَعَاقِبْ النَّاسَ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ عَلَى قَدْرِ
احْتِمَالِهِمْ وَلَا تَضْرِبَنَّ لِغَضَبِك سَوْطًا وَاحِدًا فَتَكُونَ مِنْ
الْعَادِينَ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ { يَوْمٌ مِنْ إمَامٍ عَادِلٍ أَفْضَلُ مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ
صَبَاحًا أَحْوَجَ مَا تَكُونُ الْأَرْضُ إلَيْهِ } وَمِنْ الْأَمْثَال فِي
السُّلْطَان إذَا رَغِبَ الْمَلِكُ عَنْ الْعَدْلِ رَغِبَتْ الرَّعِيَّة عَنْ
الطَّاعَة : لَا صَلَاحَ لِلْخَاصَّةِ مَعَ فَسَادِ الْعَامَّة .
لَا نِظَامَ
لِلدَّهْمَاءِ ، مَعَ دَوْلَة الْغَوْغَاء الْمُلْك عَقِيمٌ الْمُلْك يُبْقِي عَلَى
الْكُفْر وَلَا يُبْقِي عَلَى الظُّلْم سُكْر السُّلْطَان أَشَدُّ مِنْ سُكْرِ
الشَّرَاب قَالَ الشَّاعِرُ : تَخَافُ عَلَى حَاكِمٍ عَادِلٍ وَنَرْجُو فَكَيْفَ
بِمَنْ يَظْلِمُ إذَا جَارَ حُكْمُ امْرِئٍ مُلْحِدٍ عَلَى مُسْلِمٍ هَكَذَا
الْمُسْلِمُ وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْمُعَلِّم إذَا لَمْ يَعْدِل بَيْنَ
الصِّبْيَانِ كُتِبَ مِنْ الظَّلَمَة .
وَقَالَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ : إنِّي
وَهَبْتُ لِظَالِمِي ظُلْمِي وَعَفَوْتُ ذَاكَ لَهُ عَلَى عِلْمِي وَرَأَيْتُهُ
أَسْدَى إلَيَّ يَدًا فَأَبَانَ مِنْهُ بِجَهْلِهِ حِلْمِي قَالَ أَيْضًا : اصْبِرْ
عَلَى الظُّلْمِ وَلَا تَنْتَصِرْ فَالظُّلْمُ مَرْدُودٌ عَلَى الظَّالِمِ وَكِلْ
إلَى اللَّهِ ظَلُومًا فَمَا رَبِّي عَنْ الظَّالِمِ بِالنَّائِمِ وَقَالَ آخَرُ :
وَمَا مِنْ يَدٍ إلَّا يَدُ اللَّهِ فَوْقَهَا وَمَا مِنْ ظَالِمٍ إلَّا سَيُبْلَى
بِظَالِمِ وَقَالَ كَعْبٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيْلٌ
لِسُلْطَانِ الْأَرْضِ مِنْ سُلْطَانِ السَّمَاءِ ، فَقَالَ عُمَرُ إلَّا مَنْ
حَاسَبَ نَفْسَهُ ، فَقَالَ كَعْبٌ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهَا لَكَذَلِكَ
إلَّا مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ ، مَا بَيْنَهُمَا حَرْفٌ يَعْنِي فِي التَّوْرَاةِ
.
وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ : أَمَا وَاَللَّهِ إنَّ الظُّلْمَ لُؤْمٌ وَمَا
زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ إلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي وَعِنْدَ
اللَّهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ سَتَعْلَمُ فِي الْحِسَابِ إذَا الْتَقَيْنَا غَدًا
عِنْدَ الْإِلَهِ مَنْ الْمَلُومُ وَكَتَبَ بِهَا مَعَ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ
بْنِ بَرْمَكَ وَقَالَ الشَّاعِرُ : إذَا جَارَ الْأَمِيرُ وَكَاتِبَاهُ
وَقَاضِي الْأَرْضِ دَاهَنَ فِي الْقَضَاءِ فَوَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ
لِقَاضِي الْأَرْضِ مِنْ قَاضِي السَّمَاءِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث
أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ } وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ
يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ
حَسَن صَحِيح .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ
مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ
أَحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ } رَوَاهُ مُسْلِم وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ لَأَنْ يُخْطِئَ الْإِمَامُ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ
يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَأَنْ أَنْدَمَ عَلَى
الْعَفْوِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَنْدَمَ عَلَى الْعُقُوبَةِ ، كَانَ يُقَال
لِي أَوْلَى النَّاس بِالْعَفْوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَة ، وَأَنْقَصُ
النَّاسِ عَقْلًا مَنْ ظَلَمَ مَنْ هُوَ دُونَهُ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَيْسَ الشَّدِيدُ
بِالصُّرَعَةِ إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ }
وَذَكَرْتُ فِي مَكَان آخَر مَا تَكَرَّرَ مِنْ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا
تَغْضَبْ } وَقَوْله { إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ
، وَإِنْ كَانَ جَالِسًا فَلْيَضْطَجِعْ } وَقَدْ قِيلَ : { أَوْحَى اللَّهُ
تَعَالَى إلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ اُذْكُرْنِي عِنْدَ غَضَبِكَ أَذْكُرْك
عِنْدَ غَضَبِي فَلَا أَمْحَقُكَ فِيمَنْ أَمْحَقُ ، وَإِذَا ظُلِمْتَ فَارْضَ
بِنُصْرَتِي لَك فَإِنَّهَا خَيْرٌ مِنْ نُصْرَتِكَ لِنَفْسِك } .
{ وَقَالَ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : يُبَاعِدُك مِنْ غَضَبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ
لَا
تَغْضَبَ } .
وَقَدْ ذَكَرْتُ مَعْنَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَامُ :
أُعْطِينَا مَا أُعْطِيَ النَّاسُ وَمَا لَمْ يُعْطَوْا ، وَعَلِمْنَا مَا عَلِمَ
النَّاس وَمَا لَمْ يَعْلَمُوا ، فَلَمْ نَرَ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ الْعَدْلِ فِي
الرِّضَا وَالْغَضَبِ ، وَالْقَصْدِ فِي الْغِنَى وَالْفَقْر وَخَشْيَةِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ } .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنَّمَا يُعْرَفُ الْحِلْمُ سَاعَةَ الْغَضَب
وَكَانَ يَقُول أَوَّلُ الْغَضَبِ جُنُون وَآخِره نَدَم وَلَا يُقَوَّمُ الْغَضَب
بِذُلِّ الِاعْتِذَار وَرُبَّمَا كَانَ الْعَطَب فِي الْغَضَب وَقِيلَ
لِلشَّعْبِيِّ لِأَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ السَّرِيعُ الْغَضَب سَرِيع الْفَيْئَة
وَيَكُونُ بَطِيءُ الْغَضَب بَطِيءَ الْفَيْئَة قَالَ لِأَنَّ الْغَضَب كَالنَّارِ
فَأَسْرَعُهَا وُقُودًا أَسْرَعُهَا خُمُودًا .
أَرَادَ الْمَنْصُورُ خَرَاب
الْمَدِينَةِ لِإِطْبَاقِ أَهْلهَا عَلَى حَرْبه مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ إنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُعْطِيَ فَشَكَرَ ، وَإِنَّ
أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اُبْتُلِيَ فَصَبَرَ ، وَإِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ قَدَرَ فَغَفَرَ ، وَقَدْ جَعَلَك اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نَسْلِ
الَّذِينَ يَعْفُونَ وَيَصْفَحُونَ .
فَطَفِئَ غَضَبُهُ وَسَكَتَ
.
وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا بِالْقُرْبِ مِنْ نِصْفِ الْكِتَاب فِي
الْخُلُق الْحَسَن وَالْحِلْم وَنَحْو ذَلِكَ .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ
فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ أَحَدٌ إلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ لِيَزْدَادَ
شُكْرًا ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ
لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً } قَالَ فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُنْعَمَ
عَلَيْهِ إذَا بُولِغَ فِي الْإِحْسَان إلَيْهِ فَإِنَّ مِنْ تَمَام الْإِحْسَان
أَنْ يَشْعُر قَدْرَ أَكْثَر الَّذِي خَلَصَ فِيهِ لِيَكُونَ عَلَيْهِ مِنْ
جِهَتَيْنِ ، بِأَنْ وَقَاهُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الشَّرَّ وَغَمَسَهُ فِي الْخَيْر ، كَمَا أَنَّ
الْكَافِر إذَا اشْتَدَّ بِهِ الِانْتِقَام أُرِيَ مَقَامَ الْفَوْزِ الَّذِي
فَاتَهُ لِتُضَاعَفَ حَسْرَتُهُ مِنْ طَرَفَيْنِ : مَا هُوَ فِيهِ وَتَوَالِي
حَسَرَاتِهِ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ الْخَيْر لِيَكُونَ غَمُّهُ مِنْ كِلَا
جَانِبَيْهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ قَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم
قَوْلًا بِمَحْضَرٍ مِنْ السُّلْطَان فِي الِاحْتِدَاد عَلَيْهِ وَأَخَذَ بَعْضُ
مَنْ حَضَرَ يَتَرَفَّق وَيُسَكِّن غَضَبه وَلَمْ يَكُ مَحِلّه بِحَيْثُ يَشْفَع
فِي مِثْل ذَلِكَ الْعَالِم ، فَالْتَفَتَ الْعَالِم فَقَالَ لِلشَّافِعِ يَا هَذَا
غَضَبُ هَذَا الصَّدْر وَكَلَامُهُ إيَّايَ بِمَا يَشُقُّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ
شَفَاعَتك إلَيْهِ ، فَإِنَّ غَضَبَهُ لَا يَغُضُّ مِنِّي وَهُوَ سُلْطَانِي ،
وَشَفَاعَتك فِي غَضَاضَةٌ عَلَيَّ وَكَانَ الْقَائِل حَنْبَلِيًّا فَأَفْحَمَ
الشَّافِعَ وَأَرْضَى السُّلْطَان .
وَقَالَ أَيْضًا غَضِبَ بَعْض الصُّوفِيَّةِ
عَلَى الْأَمِير فِي طَرِيق الْحَجّ فَقَالَ حَنْبَلِيّ بِلِسَانِ الْقَوْم
.
قَبِيحٌ بِنَا أَنْ نَخْرُجَ وَنَرْجِعَ مُطَاوَعَةً لِلنُّفُوسِ وَهَلْ
خَرَجْنَا إلَّا وَقَدْ قَتَلْنَا النُّفُوس ؟ فَرَجَعَ مَعَهُ وَأَطَاعَهُ فَقَالَ
سُبْحَان اللَّه لَوْ خُوطِبُوا بِلِسَانِ الشَّرِيعَةِ مِنْ آيَةٍ أَوْ خَبَرٍ مَا
اسْتَجَابُوا فَلَمَّا خُوطِبُوا بِكَلِمَتَيْنِ مِنْ الطَّرِيقَة أَسْرَعُوا
الْإِجَابَة فَمَا أَحْسَن قَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ
رَسُولٍ إلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } .
وَفِي حَوَاشِي
تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى ذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ فِي كِتَابِ
السُّلْطَانِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ أَنَّ عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ رَجُل يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ عِظْنِي قَالَ مُسْتَوْصٍ أَنْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ : لَا تُهْلِك
النَّاسَ عَنْ نَفْسِكَ فَإِنَّ الْأَمْر يَصِلُ إلَيْك دُونَهُمْ ، وَلَا تَقْطَع
النَّهَار بِكَذَا وَكَذَا فَإِنَّهُ مَحْفُوظٌ عَلَيْك مَا غَفَلْتَ ، وَإِذَا
أَسَأْت فَأَحْسِنْ فَإِنِّي لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشَدَّ طَلَبًا وَلَا أَسْرَعَ
إدْرَاكًا مِنْ حَسَنَةٍ
حَدِيثَةٍ لِذَنْبٍ قَدِيمٍ .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { نِعْمَتْ الْهَدِيَّةُ وَنِعْمَتْ الْعَطِيَّةُ
الْكَلِمَةُ مِنْ كَلَامِ الْحِكْمَةِ يَسْمَعُهَا الرَّجُلُ فَيَنْطَوِي عَلَيْهَا
حَتَّى يُهْدِيَهَا إلَى أَخِيهِ } وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
قَوْله تَعَالَى : { ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } .
قَالَ الصَّبْرُ
عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْعَفْوُ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ فَإِذَا عَصَمَهُمْ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي
الْخَرَاجِ اتِّخَاذُ الْوَزِيرِ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَامِرٍ الْمُرِّيُّ
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَرَادَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ بِالْأَمِيرِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ إنْ نَسِيَ
ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ
غَيْرَ ذَلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ ، إنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ ، وَإِنْ
ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ } حَدِيثٌ حَسَنٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَزُهَيْرٌ تُكُلِّمَ
فِيهِ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ .
وَيَأْتِي فِي آدَابِ الْأَكْلِ فِي الضَّيْفِ
قِصَّةُ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهَذَا وَيَأْتِي
أَيْضًا فِي الِاسْتِئْذَانِ وَأَيْضًا فِي الشَّفَاعَةِ بِالْقُرْبِ مِنْ نِصْفِ
الْكِتَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ فِي ابْنِ
السَّمَّاكِ الْوَاعِظِ .
يَا وَاعِظَ النَّاسِ قَدْ أَصْبَحْتَ مُتَّهَمًا إذْ
عِبْتَ مِنْهُمْ أُمُورًا أَنْتَ آتِيهَا كَلَابِسِ الصَّوْتِ مِنْ عُرْيٍ
وَعَوْرَتُهُ لِلنَّاسِ بَادِيَةٌ مَا إنْ يُوَارِيهَا وَأَعْظَمُ الْإِثْمِ بَعْدَ
الشِّرْكِ تَعْلَمُهُ فِي كُلِّ نَفْسٍ عَمَاهَا عَنْ مَسَاوِيهَا عِرْفَانُهَا
بِعُيُوبِ النَّاسِ تُبْصِرُهَا مِنْهُمْ وَلَا تُبْصِرُ الْعَيْبَ الَّذِي فِيهَا
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْإِسْكَنْدَرِ لَهُ : قَدْ بَسَطَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
مُلْكَكَ
وَعَظَّمَ سُلْطَانَكَ فَبِأَيِّ الْأَشْيَاء أَنْتَ أَسَرُّ ؟ بِمَا نِلْت مِنْ
أَعْدَائِك ، أَوْ بِمَا بَلَغْتَ مِنْ سُلْطَانك ؟ فَقَالَ كِلَاهُمَا عِنْدِي
يَسِير ، وَأَعْظَم مَا أُسَرُّ بِهِ مَا اسْتَنَنْتُ فِي الرَّعِيَّة مِنْ
السُّنَن الْجَمِيلَة وَالشَّرَائِع الْحَسَنَة .
وَلَمَّا مَاتَ
الْإِسْكَنْدَرُ قَالَ نَادِبه : حَرَّكَنَا الْإِسْكَنْدَرُ بِسُكُونِهِ قَالَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَانَ يُقَال مَنْ أَحَبَّكَ نَهَاك وَمَنْ أَبْغَضَكَ
أَغْرَاك .
وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ يَسَارٍ
كَتَبَ إلَى بَعْض الْوُلَاة : لَا تَشْرَهَنَّ فَإِنَّ الذُّلَّ فِي الشَّرَهِ
وَالْعِزُّ فِي الْحِلْمِ لَا فِي الطَّيْشِ وَالسَّفَهِ وَقُلْ لِمُغْتَبِطٍ فِي
التِّيهِ مِنْ حُمْقٍ لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا فِي التِّيهِ لَمْ تَتُهْ لِلتِّيهِ
مَفْسَدَةٌ لِلدِّينِ مَنْقَصَةٌ لِلْعَقْلِ مَهْلَكَةٌ لِلْعِرْضِ فَانْتَبِهْ

فَصْل ( فِي الْإِنْكَار عَلَى غَيْر الْمُكَلَّف لِلزَّجْرِ وَالتَّأْدِيب )
وَلَا يُنْكِر عَلَى غَيْر مُكَلَّف إلَّا تَأْدِيبًا لَهُ وَزَجْرًا قَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ الْمُنْكَر أَعْظَم مِنْ الْمَعْصِيَة وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَحْذُورَ
الْوُقُوع فِي الشَّرْع فَمَنْ رَأَى صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا يَشْرَب الْخَمْرَ
فَعَلَيْهِ أَنْ يُرِيقَ خَمْرَهُ وَيَمْنَعهُ كَذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعهُ
مِنْ الزِّنَا ، انْتَهَى كَلَامُهُ قَالَ الْمَرُّذِويُّ لِأَحْمَدَ الطُّنْبُور
الصَّغِير يَكُونُ مَعَ الصَّبِيّ ؟ قَالَ يُكْرَه أَيْضًا ، إذَا كَانَ مَكْشُوفًا
فَاكْسِرْهُ .
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْكَلَام عَلَى حَدَّثَ
ابْنُ عُمَرَ { أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَسَمِعَ زَمَّارَةَ رَاعٍ وَسَدَّ أُذُنَيْهِ } قَالَ : لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ
الرَّقِيقَ كَانَ بَالِغًا فَلَعَلَّهُ كَانَ صَغِيرًا دُونَ الْبُلُوغِ
وَالصِّبْيَانُ رُخِّصَ لَهُمْ فِي اللِّعْب مَا لَمْ يُرَخَّص فِيهِ لِلْبَالِغِ
.
انْتَهَى كَلَامُهُ وَذَكَرَ الْأَصْحَاب وَغَيْرهمْ أَنَّ سَمَاع الْمُحَرَّم
بِدُونِ اسْتِمَاعه ، وَهُوَ قَصْد السَّمَاع لَا يَحْرُم .
وَذَكَرَ الشَّيْخُ
تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا وَزَادَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ : وَإِنَّمَا
سَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُذُنَهُ مُبَالَغَةً فِي
التَّحَفُّظ فَسَنَّ بِذَلِكَ أَنَّ الِامْتِنَاع عَنْ أَنْ يَسْمَع ذَلِكَ خَيْرٌ
مِنْ السَّمَاع .
وَفِي الْمُغْنِي جَوَابٌ آخِرُهُ أَنَّهُ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ
إلَى مَعْرِفَة انْقِطَاع الصَّوْت ، وَكَذَا قَالَ فِي الْفُنُونِ وَأُبِيحَ
لِضَرُورَةِ الِاسْتِعْلَام كَمَا لَوْ أَرْسَلَ الْحَاكِم إلَى أَهْل الزَّمْرِ
مَنْ يَسْتَمِع لَهُ وَيَسْتَلْهِم خَبَرهمْ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَسْتَمِعَ
لِضَرُورَةِ الِاسْتِعْلَام وَكَالنَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّات لِلْحَاجَةِ .

فَصْل ( فِي الْإِنْكَار عَلَى أَهْلِ السُّوقِ ) .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ
مَنْ تَيَقَّنَ أَنَّ فِي السُّوقِ مُنْكَرًا يَجْرِي عَلَى الدَّوَام أَوْ فِي
وَقْتٍ مُعَيَّن وَهُوَ قَادِر عَلَى تَغْيِيره لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُسْقِط
ذَلِكَ عَنْهُ بِالْقُعُودِ فِي بَيْتِهِ بَلْ يَلْزَمهُ الْخُرُوج وَإِنْ قَدَرَ
عَلَى تَغْيِير الْبَعْض لَزِمَهُ .
فَصْل ( الْإِنْكَار عَلَى أَهْل الذِّمَّة ) .
إذَا فَعَلَ أَهْلُ
الذِّمَّةِ أَمْرًا مُحَرَّمًا عِنْدهمْ غَيْر مُحَرَّم عِنْدنَا لَمْ نَتَعَرَّضْ
لَهُمْ وَنَدَعُهُمْ وَفِعْلَهُمْ سَوَاء أَسَرُّوهُ أَوْ أَظْهَرُوهُ .
هَذَا
ظَاهِر قَوْل أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى
مَنَعَنَا مِنْ قِتَالِهِمْ وَالتَّعَرُّضِ لَهُمْ إذَا الْتَزَمُوا الْجِزْيَة
وَالصَّغَار وَهُوَ جَرَيَان أَحْكَام الْمُسْلِمِينَ ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُود
إقَامَة أَمْر الْإِسْلَام وَهُوَ حَاصِل لَا أَمْرِ دِينِهِمْ الْمُبَدَّل
الْمُغَيَّر ، وَلِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ بِإِنْكَارِ ذَلِكَ وَالتَّعَرُّض
لَهُمْ فِيهِ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيل وَالْأَصْل عَدَمه لِأَنَّ مَنْ كَانَ
مِنْهُمْ فَاسِقًا فِي دِينه قَدْ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَام
الدُّنْيَا فَلَا تَصِحّ شَهَادَته مُطْلَقًا وَلَا وَصِيَّته إلَى غَيْره وَلَا
وَصِيَّة غَيْرِهِ إلَيْهِ .
وَإِنْ فَعَلُوا أَمْرًا مُحَرَّمًا عِنْدنَا فَمَا
فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ غَضَاضَة عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُمْنَعُونَ مِنْهُ وَيَدْخُل
فِيهِ نِكَاح مُسْلِمَة وَيَدْخُل فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي جُزْءٍ لَهُ
أَنَّهُمْ إنْ تَبَايَعُوا بِالرِّبَا فِي سُوقِنَا مُنِعُوا لِأَنَّهُ عَائِد
بِفَسَادِ نَقْدِنَا فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّا لَا نَمْنَعهُمْ فِي غَيْرِ سُوقِنَا ،
وَالْمُرَاد إنْ اعْتَقَدُوا حِلَّهُ .
وَفِي الِانْتِصَار فِيمَا إذَا عُقِدَ
عَلَى مُحَرَّم هَلْ يَحِلّ ؟ إنَّ أَهْلَ الذِّمَّة لَوْ اعْتَقَدُوا بَيْع
دِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ يَتَخَرَّج أَنْ يُقَرُّوا عَلَى وَجْهٍ لَنَا ، فَظَاهِر
هَذَا بَلْ صَرِيحه أَنَّ الْأَشْهَر مَنْعُهُمْ مُطْلَقًا لِأَنَّهُمْ
كَالْمُسْلِمِينَ فِي تَحْرِيم الرِّبَا عَلَيْهِمْ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَاب
الرِّبَا وَيَدْخُل فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَفِي هَذَا الْجُزْء أَنَّهُ لَا
يَجُوز أَنْ يَتَعَلَّمُوا الرَّمْي وَكَذَا يُمْنَعُونَ مِمَّا يَتَأَذَّى
الْمُسْلِمُونَ بِهِ كَإِظْهَارِ الْمُنْكَر مِنْ الْخَمْر وَالْخِنْزِير
وَأَعْيَادِهِمْ وَصَلِيبِهِمْ وَضَرْبِ النَّاقُوس وَغَيْر ذَلِكَ ، وَكَذَا إنْ
أَظْهَرُوا بَيْعَ مَأْكُولٍ فِي نَهَارِ رَمَضَان كَالشِّوَاءِ مُنِعُوا ذَكَرَهُ
الْقَاضِي فِي الْجُزْء
الْمَذْكُور أَيْضًا .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَا إذَا
أَظْهَر أَحَد مِنْ أَهْل الذِّمَّة الْأَكْلَ فِي رَمَضَان بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
يُنْهَوْنَ عَنْهُ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْمُنْكَرَات فِي دِين الْإِسْلَام كَمَا
يُنْهَوْنَ عَنْ إظْهَار شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِير انْتَهَى
كَلَامه .
وَإِنْ تَرَكُوا التَّمَيُّز عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَحَد أَرْبَعَة
أَشْيَاء : لِبَاسُهُمْ وَشُعُورُهُمْ وَرُكُوبهمْ وَكُنَاهُمْ أُلْزِمُوا بِهِ
وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ نِكَاح مَحْرَم بِشَرْطَيْنِ ( أَحَدهمَا ) أَنْ لَا
يَرْتَفِعُوا إلَيْنَا ( وَالثَّانِي ) أَنْ يَعْتَقِدُوا حِلَّهُ فِي دِينهمْ ؛
لِأَنَّ مَا لَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ لَيْسَ مِنْ دِينهمْ فَلَا يُقَرُّونَ
عَلَيْهِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة ، وَهَذَا الْحُكْم مِنْ أَصْحَابنَا فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَة بِهَذَا التَّعْلِيل دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلّ أَمْرٍ مُحَرَّم
عِنْدنَا إذَا فَعَلُوهُ غَيْرَ مُعْتَقِدِينَ حِلَّهُ يُمْنَعُونَ مِنْهُ
وَيُوَافِق هَذَا الْمَعْنَى قَوْلهمْ لَا يَلْزَم الْإِمَام إقَامَة الْحُدُود
عَلَيْهِمْ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمه خَاصَّةً سَوَاءٌ كَانَ الْحَدُّ
وَاجِبًا عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ أَمْ لَا اسْتِدْلَالًا بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي رَجْمِهِ الْيَهُودِيَّيْنِ الزَّانِيَيْنِ
وَلِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي دِينِهِمْ .
وَقَدْ الْتَزَمُوا حُكْم الْإِسْلَام
وَذَلِكَ لِأَنَّ تَحْرِيمه عِنْدنَا مَعَ اعْتِقَادهمْ تَحْرِيمه يَصِير مُنْكَرًا
فَيَتَنَاوَلهُ أَدِلَّة الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر ،
وَلِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا الصَّغَار وَهُوَ جَرَيَان أَحْكَام الْمُسْلِمِينَ
عَلَيْهِمْ إلَّا فِيمَا اعْتَقَدُوا إبَاحَته وَمَا ذُكِرَ مِنْ إنْكَار مَا هُوَ
مُحَرَّم عَلَيْهِمْ عِنْدنَا مَعَ اعْتِقَادهمْ تَحْرِيمه أَعَمُّ مِنْ أَنْ
يَكُونَ التَّحْرِيم عَامًّا لَنَا وَلَهُمْ ، أَوْ عَلَيْهِمْ خَاصَّة فِي
مِلَّتهمْ وَقَرَّرَتْ شَرِيعَتُنَا تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِمْ ، وَذَلِكَ لِاتِّفَاقِ
الْمِلَّتَيْنِ عَلَى تَحْرِيمه كَمَا لَوْ كَانَ التَّحْرِيم عَامًّا لَنَا
وَلَهُمْ لِعَدَمِ أَثَر اخْتِصَاصهمْ بِالتَّحْرِيمِ ، إذْ لَا يُشْتَرَط فِي
إنْكَار الْمُحَرَّم
أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيم عَامًّا لِلْفَاعِلِ وَلِغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا
نَمْنَعهُمْ مِنْ تَبَايُعِهِمْ الشُّحُوم الْمُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ فِي دِينهمْ
لِأَكْلِهَا أَوْ لِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَهَا بَاقٍ عِنْد الْإِمَامِ
أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِهَذَا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز لَنَا
أَنْ نُطْعِمَهُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الشُّحُوم وَعَلَى هَذَا تَحْرُم إعَانَتهمْ
عَلَى ذَلِكَ وَالشَّهَادَة فِيهِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ
وَالْمَيْتَةَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ
بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ ؟ فَقَالَ لَا ، هُوَ حَرَامٌ
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ
قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ
الشُّحُومَ أَجْمَلُوهَا فَبَاعُوهَا جُمْلَةً } وَأَجْمَلَهُ أَيْ أَذَابَهُ
.
وَثَبَتَ فِي السُّنَن مِنْ حَدِيث ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ إذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ }
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْره ، وَالْمُرَاد مَا الْمَقْصُود مِنْهُ الْأَكْل
فَيَتْبَعهُ غَيْره وَتَحْرِيمه عَامٌّ فَلَا يُرَدُّ عَبْد وَحَيَوَان مُحَرَّم
وَمَوْطُوءَة الْأَب يَرِثُهَا ابْنه وَنَحْو ذَلِكَ ، وَاخْتَارَ أَبُو الْوَفَاءِ
ابْنُ عَقِيلٍ نَسْخَ تَحْرِيمِ هَذِهِ الشُّحُوم جَزَمَ بِهِ فِي كِتَاب
الرِّوَايَتَيْنِ لَهُ ، وَفِيهِ نَظَر .
وَفِي الْمُفِيدِ مِنْ كُتُبِ
الْحَنَفِيَّة فِي بَاب الْغَصْب : وَيُمْنَع الذِّمِّيُّ مِنْ كُلِّ مَا يُمْنَع
الْمُسْلِم مِنْهُ إلَّا شُرْبَ الْخَمْر وَأَكْل الْخِنْزِير لِأَنَّ ذَلِكَ
مُسْتَثْنًى فِي عُقُودِهِمْ ، وَلَوْ غَنُّوا وَضَرَبُوا بِالْعِيدَانِ مُنِعُوا
كَمَا يُمْنَع الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُسْتَثْنَ فِي عُقُودِهِمْ .

فَصْل ( فِي تَحْقِيق دَار الْإِسْلَام وَدَار الْحَرْب ) .
فَكُلّ دَار
غَلَبَ عَلَيْهَا أَحْكَام الْمُسْلِمِينَ فَدَارُ الْإِسْلَام وَإِنْ غَلَبَ
عَلَيْهَا أَحْكَام الْكُفَّار فَدَارُ الْكُفْر وَلَا دَارَ لِغَيْرِهِمَا وَقَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَسُئِلَ عَنْ مَارِدِينَ هَلْ هِيَ دَارُ حَرْب أَوْ
دَار إسْلَام ؟ قَالَ : هِيَ مُرَكَّبَة فِيهَا الْمَعْنَيَانِ لَيْسَتْ
بِمَنْزِلَةِ دَار الْإِسْلَام الَّتِي يَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ
لِكَوْنِ جُنْدهَا مُسْلِمِينَ ، وَلَا بِمَنْزِلَةِ دَار الْحَرْب الَّتِي
أَهْلهَا كُفَّار ، بَلْ هِيَ قِسْمٌ ثَالِث يُعَامَل الْمُسْلِمُ فِيهَا بِمَا
يَسْتَحِقّهُ وَيُعَامَل الْخَارِج عَنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَام بِمَا يَسْتَحِقَّهُ
.
وَالْأَوَّل هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْأَصْحَاب وَاَللَّهُ
أَعْلَم .
فَصْل ( مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ الْآمِرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي
عَنْ الْمُنْكَر ) .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون الْآمِر بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَر مُتَوَاضِعًا ، رَفِيقًا فِيمَا يَدْعُو إلَيْهِ
شَفِيقًا رَحِيمًا غَيْرَ فَظٍّ وَلَا غَلِيظ الْقَلْب ، وَلَا مُتَعَنِّتًا ،
حُرًّا وَيَتَوَجَّه أَنَّ الْعَبْد مِثْله وَإِنْ كَانَ الْحُرّ أَكْمَلَ ،
عَدْلًا فَقِيهًا ، عَالِمًا بِالْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّات شَرْعًا ،
دَيِّنًا نَزِهًا ، عَفِيفًا ذَا رَأْيٍ وَصَرَامَة وَشِدَّة فِي الدِّين ،
قَاصِدًا بِذَلِكَ وَجْه اللَّهِ عَزَّ جَلَّ ، وَإِقَامَة دِينه ، وَنُصْرَة
شَرْعِهِ ، وَامْتِثَال أَمْرِهِ ، وَإِحْيَاء سُنَنِهِ ، بِلَا رِيَاء وَلَا
مُنَافَقَة وَلَا مُدَاهَنَة غَيْر مُتَنَافِس وَلَا مُتَفَاخِر ، وَلَا مِمَّنْ
يُخَالِف قَوْلُهُ فِعْلَهُ ، وَيُسَنُّ لَهُ الْعَمَل بِالنَّوَافِلِ
وَالْمَنْدُوبَات وَالرِّفْق ، وَطَلَاقَة الْوَجْه وَحُسْن الْخُلُقِ عِنْد
إنْكَاره ، وَالتَّثْبِيت وَالْمُسَامَحَة بِالْهَفْوَةِ عِنْد أَوَّل مَرَّة
.
قَالَ حَنْبَلٌ إنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُول وَالنَّاس
يَحْتَاجُونَ إلَى مُدَارَاة وَرِفْق ، الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ بِلَا غِلْظَة
إلَّا رَجُل مُعْلَن بِالْفِسْقِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْك نَهْيُهُ وَإِعْلَامه
لِأَنَّهُ يُقَال لَيْسَ لِفَاسِقٍ حُرْمَة فَهَؤُلَاءِ لَا حُرْمَةَ لَهُمْ
.
وَسَأَلَهُ مُهَنَّا هَلْ يَسْتَقِيم أَنْ يَكُون ضَرْبًا بِالْيَدِ إذَا
أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ الرِّفْق .
وَنَقَلَ يَعْقُوبُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ
الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
يَقُولُونَ مَهْلًا رَحِمكُمْ اللَّه .
وَنَقَلَ مُهَنَّا يَنْبَغِي أَنْ
يَأْمُرَ بِالرِّفْقِ وَالْخُضُوع قُلْت كَيْف قَالَ إنْ أَسْمَعُوهُ مَا يَكْرَه
لَا يَغْضَبْ فَيُرِيد أَنْ يَنْتَصِر لِنَفْسِهِ .
وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ
إذَا أَمَرْتُهُ بِمَعْرُوفٍ فَلَمْ يَنْتَهِ قَالَ دَعْهُ إنْ زِدْت عَلَيْهِ
ذَهَبَ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَصِرْت مُنْتَصِرًا لِنَفْسِك فَتَخْرُج إلَى
الْإِثْم ، فَإِذَا أَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْك وَإِلَّا فَدَعْهُ
.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنِي
الْمَيْمُونِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ عَنْ فُرَاتِ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ
عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لَهُ يَا أَبَتِ مَا
يَمْنَعك أَنْ تَمْضِي لِمَا تُرِيدهُ مِنْ الْعَدْل فَوَاَللَّهِ مَا كُنْت
أُبَالِي لَوْ غَلَتْ بِي وَبِك الْقُدُور فِي ذَلِكَ قَالَ يَا بُنَيّ إنِّي
إنَّمَا أُرَوِّض النَّاسَ رِيَاضَةَ الصَّعْبِ ، إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْيِي
الْأَمْرَ مِنْ الْعَدْل فَأُؤَخِّرَ ذَلِكَ حَتَّى أَخْرُجَ مِنْهُ طَمَعًا مِنْ
طَمَع الدُّنْيَا فَيَنْفِرُوا مِنْ هَذِهِ وَيَسْكُنُوا لِهَذِهِ
.
وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسَ
قَالَ صَلَّى بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَوْمًا جُوَيْنٌ فَكَانَ إذَا سَجَدَ جَمَعَ
ثَوْبه بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَكُنْت بِجَنْبِهِ فَلَمَّا صَلَّيْنَا قَالَ لِي
وَقَدْ خَفَضَ مِنْ صَوْته قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا }
فَلَمَّا قُمْنَا قَالَ لِي جُوَيْنٌ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ يَقُولُ لَك قُلْت قَالَ
لِي كَذَا وَكَذَا وَمَا أَحْسِبُ الْمَعْنَى إلَّا لَك .
وَرَوَى الْخَلَّالُ
قِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ الرَّجُل يَرَى مِنْ الرَّجُل الشَّيْءَ
وَيُبَلِّغهُ عَنْهُ أَيَقُولُ لَهُ ؟ قَالَ هَذَا تَبْكِيت وَلَكِنْ تَعْرِيض
وَقَدْ رَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا {
لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ ثَلَاثُ
خِصَالٍ عَالِمًا بِمَا يَأْمُرُ ، عَالِمًا بِمَا يَنْهَى ، رَفِيقًا فِيمَا
يَأْمُرُ ، رَفِيقًا فِيمَا يَنْهَى } .
وَعَنْ أُسَامَةَ مَرْفُوعًا { يُؤْتَى
بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ
بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ فِي الرَّحَا فَيَجْتَمِعُ
إلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلَانُ مَالَكَ ؟ أَلَمْ تَكُنْ
تَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ بَلَى كُنْت آمُرُ
بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ ، وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ } .
رَوَاهُ
أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ { مَرَرْت لَيْلَةَ
أُسْرِيَ بِي بِأَقْوَامٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ قُلْت مَنْ
هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لَا
يَفْعَلُونَ } وَهَذِهِ الزِّيَادَة لِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيث أَنَسٍ وَفِيهِ قَالَ {
خُطَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا مِمَّنْ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ
وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ }
الِانْدِلَاق الْخُرُوج ، وَالْأَقْتَاب الْأَمْعَاء .
.
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ
{ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى يُتْرَكُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ
عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ إذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ
قُلْنَا وَمَا ظَهَرَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا قَالَ الْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ
وَالْفَاحِشَةُ فِي كِبَارِكُمْ وَالْعِلْمُ فِي رَذَالَتِكُمْ } قَالَ زَيْدٌ
تَفْسِيره إذَا كَانَ الْعِلْم فِي الْفَاسِق رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ
.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مَنْ لَمْ يَقْطَع الطَّمَع مِنْ النَّاس مِنْ
شَيْئَيْنِ لَمْ يَقْدِر عَلَى الْإِنْكَار ( أَحَدهمَا ) مِنْ لُطْفٍ يَنَالُونَهُ
بِهِ ( وَالثَّانِي ) عَنْ رِضَاهُمْ عَنْهُ وَثَنَائِهِمْ عَلَيْهِ قَالَ
الْخَلَّالُ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ يَا أَبَا حَفْصٍ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الْمُؤْمِن بَيْنَهُمْ
مِثْل الْجِيفَة ، وَيَكُون الْمُنَافِق يُشَارُ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ ، فَقُلْت
وَكَيْف يُشَارُ إلَى الْمُنَافِق بِالْأَصَابِعِ ؟ قَالَ صَيَّرُوا أَمْرَ اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ فُضُولًا قَالَ الْمُؤْمِن إذَا رَأَى أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ
نَهْيًا عَنْ مُنْكَر لَمْ يَصْبِر حَتَّى يَأْمُر وَيَنْهَى .
يَعْنِي قَالُوا
هَذَا فُضُول ، قَالَ وَالْمُنَافِق كُلّ شَيْء يَرَاهُ قَالَ بِيَدِهِ عَلَى
أَنْفِهِ فَيُقَال نِعَم الرَّجُل لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُضُول عَمَلٌ ،
وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُول إذَا رَأَيْتُمْ الْيَوْم شَيْئًا
مُسْتَوِيًا فَتَعَجَّبُوا .
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْره : وَيَجِب أَنْ يَبْدَأ وَقَالَ بَعْضهمْ وَيَبْدَأ
فِي إنْكَاره بِالْأَسْهَلِ ، وَيَعْمَل بِظَنِّهِ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَزُلْ
الْمُنْكَر الْوَاجِب زَادَ بِقَدْرِ الْحَاجَة ، فَإِنْ لَمْ يَنْفَع أَغْلَظَ
فِيهِ ، فَإِنْ زَالَ وَإِلَّا رَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْر ابْتِدَاء إنْ
أَمِنَ حَيْفه فِيهِ ، لَكِنْ يُكْرَه .
وَسَيَأْتِي كَلَامه فِي نِهَايَة
الْمُبْتَدِئِينَ مَنْ قَدَر عَلَى إنْهَاءِ الْمُنْكَر إلَى السُّلْطَان أَنْهَاهُ
، وَإِنْ خَافَ فَوْتَهُ قَبْل إنْهَائِهِ أَنْكَرَهُ هُوَ ، وَتَقَدَّمَتْ
رِوَايَة أَبِي طَالِبٍ : وَيَحْرُم أَخْذُ مَال عَلَى حَدٍّ أَوْ مُنْكَرٍ
اُرْتُكِبَ .
وَنَقَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيهِ الْإِجْمَاع أَنَّ
تَعْطِيل الْحَدّ بِمَالٍ يُؤْخَذ أَوْ غَيْره لَا يَجُوز ، وَلِأَنَّهُ مَال سُحْت
خَبِيث .
وَظَاهِر قَوْله جَوَاز الْمُعَاقَبَة بِالْمَالِ مَعَ إقَامَة الْحَدّ
، وَشُرُوط رَفْعِهِ إلَى وَلِيِّ الْأَمْر أَنْ يَأْمَن مِنْ حَيْفه فِيهِ
وَيَكُون قَصْده فِي ذَلِكَ النُّصْح لَا الْغَلَبَة .
وَقَالَ فِي نِهَايَةِ
الْمُبْتَدِئِينَ : يَفْعَل فِيهِ مَا يَجِب أَوْ يُسْتَحَبّ لَا غَيْرُ قَالَ
وَقِيلَ لَا يَجُوز رَفْعُهُ إلَى ا
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:12

السُّلْطَان يُظَنُّ عَادَةً أَنَّهُ لَا يَقُوم بِهِ أَوْ يَقُوم بِهِ عَلَى غَيْر
الْوَجْه الْمَأْمُور ، كَذَا قَالَ وَلَيْسَ الْمَذْهَبُ خِلَاف هَذَا الْقَوْل
.
قَالَ وَيُخَيَّر فِي رَفْعِ مُنْكَرٍ غَيْرِ مُتَعَيَّن عَلَيْهِ وَنَصَّ
أَحْمَدُ فِي رِوَايَة الْجَمَاعَة عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعهُ إلَى السُّلْطَان
إنْ تَعَدَّى فِيهِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ قَالَ : قَالَ أَحْمَدُ
إنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يُقِيمُ الْحَدّ فَارْفَعْهُ .
قَالَ الْخَلَّالُ :
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَشْرَسَ قَالَ مَرَّ بِنَا سَكْرَانُ فَشَتَمَ رَبَّهُ
فَبَعَثْنَا إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَسُولًا وَكَانَ مُخْتَفِيًا فَقُلْنَا
أَيْشٍ السَّبِيلُ فِي هَذَا ؟ سَمِعْنَاهُ يَشْتُم رَبَّهُ أَتَرَى أَنْ نَرْفَعهُ
إلَى السُّلْطَان ؟ فَبَعَثَ إلَيْنَا إنْ أَخَذَهُ السُّلْطَان أَخَافُ أَنْ لَا
يُقِيمَ عَلَيْهِ الَّذِي يَنْبَغِي وَلَكِنْ أَخِيفُوهُ حَتَّى يَكُون مِنْكُمْ
شَبِيهًا بِالْهَارِبِ ، فَأَخَفْنَاهُ فَهَرَبَ
.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْكَحَّالِ : أَذْهَبُ إلَى السُّلْطَان قَالَ لَا
إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَنْهَاهُ وَقَالَ لِيَعْقُوبَ انْهَهُمْ وَاجْمَعْ
عَلَيْهِمْ قُلْت السُّلْطَان قَالَ لَا .
وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ يَعِظهُمْ
وَيَنْهَاهُمْ قُلْت قَدْ فَعَلَ فَلَمْ يَنْتَهُوا قَالَ يَسْتَعِين عَلَيْهِمْ
بِالْجِيرَانِ ، فَأَمَّا السُّلْطَان فَلَا ، إذَا رَفَعَهُمْ إلَى السُّلْطَان
خَرَجَ الْأَمْر مِنْ يَده أَمَا عَلِمْتَ قِصَّةَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ،
وَنَقَلَ هَذَا الْمَعْنَى جَمَاعَة وَنَقَلَ مُثَنَّى فِي أَخَوَيْنِ يَحِيف
أَحَدهمَا عَلَى أَخِيهِ هَلْ تَجُوز قَطِيعَته أَمْ يَرْفُق بِهِ وَيَنْصَح قَالَ
إذَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَر مِنْ هَذَا وَسَتَأْتِي
رِوَايَة حَنْبَلٍ .
فَإِنْ انْتَهَى وَإِلَّا أَنْهِ أَمْرَهُ إلَى السُّلْطَان
حَتَّى يَمْنَعهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : وَشَكَوْت إلَى أَبِي عَبْدِ
اللَّهِ جَارًا لَنَا يُؤْذِينَا بِالْمُنْكَرِ قَالَ تَأْمُرهُ بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ قُلْت قَدْ تَقَدَّمْتُ إلَيْهِ مِرَارًا فَكَأَنَّهُ يَمْحَل ، فَقَالَ
أَيُّ شَيْءٍ عَلَيْك إنَّمَا هُوَ عَلَى نَفْسه أَنْكِرْ بِقَلْبِك وَدَعْهُ قُلْت
لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَيُسْتَعَان بِالسُّلْطَانِ عَلَيْهِ قَالَ لَا رُبَّمَا
أَخَذَ مِنْهُ الشَّيْء وَيَتْرُك وَقَالَ مُثَنَّى الْأَنْبَارِيُّ قُلْت لِأَبِي
عَبْدِ اللَّهِ : مَا تَقُول إذَا ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا بِحَضْرَتِي أَوْ شَتَمَهُ
، فَأَرَادَنِي أَنْ أَشْهَدَ لَهُ عِنْد السُّلْطَان قَالَ : إنْ خَافَ أَنْ
يَتَعَدَّى عَلَيْهِ لَمْ يَشْهَد وَإِنْ لَمْ يَخَفْ شَهِدَ .
وَاَلَّذِي
يَتَحَصَّل مِنْ كَلَام الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ هَلْ يَجِب رَفْعُهُ إلَى
السُّلْطَان بِعِلْمِهِ أَنَّهُ يُقِيمهُ عَلَى الْوَجْه الْمَأْمُور أَمْ لَا ؟
فِيهِ رِوَايَتَانِ فَإِنْ لَمْ يَجِب فَهَلْ يَلْزَمهُ أَنْ يَسْتَعِين فِي ذَلِكَ
بِالْجَمِيعِ عَلَيْهِ بِالْجِيرَانِ أَوْ غَيْرهمْ أَمْ لَا ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ
.
وَرِوَايَة أَبِي طَالِبٍ يُكْرَه وَيَسْقُطُ وُجُوبُ الرَّفْع بِخَوْفِهِ
أَنْ لَا يُقِيمهُ عَلَى الْوَجْه الْمَأْمُور عَلَى نَصّ أَحْمَدَ ، وَظَاهِره
أَيْضًا لَا يَجُوز لِعِلْمِهِ عَادَةً أَنَّهُ لَا يُقِيمهُ عَلَى الْوَجْه
الْمَأْمُور ، فَظَاهِر كَلَام جَمَاعَة جَوَازه ، وَأَطْلَق بَعْضهمْ رَفْعُهُ
إلَى وَلِيِّ الْأَمْر بِلَا تَفْصِيل وَاَللَّه أَعْلَم ، لَكِنْ قَدْ قَالَ
الْأَصْحَاب مَنْ عِنْده شَهَادَةٌ بِحَدٍّ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُقِيمهَا
.
وَلَعَلَّ كَلَام الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْأَمْر بِرَفْعِهِ عَلَى
الِاسْتِحْبَاب وَعَلَى كُلّ تَقْدِير فَهُوَ مُخَالِف لِكَلَامِ الْأَصْحَاب إلَّا
أَنْ يَتَأَوَّل عَلَى جَوَاز الرَّفْع وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ مِنْ هَذَا
الْكَلَام ، وَلَعَلَّهُ أَمْرٌ بَعْد حَظْر فَيَكُون لِلْإِبَاحَةِ ، فَيَكُون
رَفْعُهُ لِأَجْلِ الْحَدّ مُبَاح وَرَفْعُهُ لِأَجْلِ إنْكَار الْمُنْكَر وَاجِب
أَوْ مُسْتَحَبّ وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمَ .
وَلَهُ كَسْرُ آلَةِ اللَّهْو وَصُوَر الْخَيَال وَدُفِّ الصُّنُوج وَشَقُّ
وِعَاء الْخَمْر وَكَسْرُ دَنِّهِ إنْ تَعَذَّرَ الْإِنْكَار بِدُونِهِ ، وَقِيلَ
مُطْلَقًا ، كَذَا فِي الرِّعَايَةِ ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ
الْحَارِثِ فِي زِقّ الْخَمْر : يَحُلُّهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِر عَلَى حَلِّهِ
يَشُقّهُ .
وَظَاهِره أَنَّهُ لَا يَجُوز كَسْرُهُ عَلَى إرَاقَته قَالَهُ
الْقَاضِي وَهَذِهِ اخْتِيَاره وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ فِي الرَّجُل يَرَى
مُسْكِرًا فِي قِنِّينَةٍ أَوْ قِرْبَة : يَكْسِرهُ ، وَظَاهِره جَوَاز الْكَسْر
.
وَأَصَحّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إبَاحَة إتْلَاف وِعَاء
الْخَمْر وَعَدَم ضَمَانه مُطْلَقًا وَذَكَرَهُ جَمَاعَة وَعَلَى هَذَا لَا ضَمَان
وَعَلَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى يَضْمَن إنْ لَمْ يَتَعَذَّر .
وَذَكَرَ صَاحِبُ
النَّظْمِ : إنَّمَا يَضْمَن إذَا مَا يَطْهُر بِغَسْلِهِ فَقَطْ كَذَا قَالَ ،
وَيُقْبَل قَوْل الْمُنْكِر فِي التَّعَذُّر لِتَيَقُّنِ الْمُنْكَر وَالشَّكّ فِي
مُوجِب التَّضْمِين .
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَال إنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ
وَظَاهِرُ حَالٍ عُمِلَ بِهَا ، وَإِلَّا اُحْتُمِلَ مَا قَالَ وَاحْتُمِلَ
الضَّمَانُ لِلشَّكِّ فِي وُجُود السَّبَب الْمُسْقِط لِلضَّمَانِ وَالْأَصْل
عَدَمه قَالَ الْمَرُّوذِيِّ : وَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قُلْت أَمُرُّ فِي
السُّوق فَأَرَى الطُّبُول تُبَاع أَكْسِرُهَا ؟ قَالَ : مَا أَرَاك تَقْوَى إنْ
قَوِيت يَا أَبَا بَكْرٍ قُلْت : أُدْعَى أُغَسِّل الْمَيِّتَ فَأَسْمَعُ صَوْت
الطَّبْل قَالَ إنْ قَدَرْتَ عَلَى كَسْرِهِ وَإِلَّا فَاخْرُجْ .
سَأَلْت أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ عَنْ كَسْرِ الطُّنْبُور قَالَ : تُكْسَر وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ
لِأَحْمَدَ وَالدُّفّ الَّذِي يَلْعَب الصِّبْيَان بِهِ قَالَ : يُرْوَى عَنْ
أَصْحَاب عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتْبَعُونَ الْأَزِقَّة يُخْرِجُونَ
الدُّفُوف .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَكَذَا كَسْر آلَة التَّنْجِيم
وَالسِّحْر وَالتَّعْزِيم وَالطَّلْسَمَات وَتَمْزِيق كُتُب ذَلِكَ وَنَحْوه
يَعْنِي إنَّ لَهُ إتْلَاف ذَلِكَ مُطْلَقًا ، وَمُرَاده وَمُرَاد غَيْره فِي هَذَا
وَمِثْله أَنَّهُ يَجِب إتْلَافه لِأَنَّهُ مُنْكَر .
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ
اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ
رِوَايَة مَا هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
يَحِلّ وَكَذَا كِتَابَته وَقِرَاءَته وَتَرْكه إنْ وُجِدَ لَا يَمْحِي أَثَره
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ لَا تَخْتَلِف الرِّوَايَة إذَا كَسَرَ عُودًا أَوْ
مِزْمَارًا أَوْ طَبْلًا لَمْ يَضْمَن قِيمَته لِصَاحِبِهِ وَاخْتَلَفَتْ
الرِّوَايَة فِي كَسْرِ الدُّفِّ هَلْ عَلَيْهِ الضَّمَان عَلَى رِوَايَتَيْنِ
.
وَيَحْرُم التَّكَسُّب بِذَلِكَ وَنَحْوه وَيُؤَدَّب الْآخِذ وَالْمُعْطِي
وَالْإِعْطَاءُ عَلَيْهِ وَتَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمه وَلَوْ بِلَا عِوَض وَالْعَمَلُ
بِهِ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَآلَات
اللَّهْو لَا يَجُوز اتِّخَاذهَا وَلَا الِاسْتِئْجَار عَلَيْهَا عِنْد الْأَئِمَّة
الْأَرْبَعَة انْتَهَى كَلَامه .
نَقَلَ مُهَنَّا فِي رَجُلٍ دَخَلَ مَنْزِلَ
رَجُلٍ فَرَأَى قِنِّينَةً فِيهَا نَبِيذٌ يَنْبَغِي أَنْ يُلْقِي فِيهَا مِلْحًا
أَوْ شَيْئًا يُفْسِدُهُ قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا صَحِيح لِأَنَّ بِالْإِفْسَادِ
قَدْ زَالَ الْمُنْكَر .
قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ وَيُؤْخَذ مِنْ كَلَام غَيْره
: وَالْبَيْض وَالْجَوْز لِلْقِمَارِ يُتْلِف مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يَنْفَعهُ فِي
قِمَاره عَادَةً ، فَإِنْ زَادَ ضَمِنَهُ .
فَصْل ( فِي الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الْخَمْر هَلْ يُتْلَف أَوْ يُحْرَق )
.
قَطَعَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الْخَمْر لَا يُتْلَف
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ : اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة فِيمَنْ تِجَارَته
فِي الْخَمْر هَلْ يُحْرَق بَيْتُهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا يُحْرَق (
وَالثَّانِيَة ) لَا يُحْرَق وَجْهُ الْأُولَى اخْتَارَهَا ابْنُ بَطَّةَ مَا
رَوَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ ، قَالَتْ : وَجَدَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَيْت رَجُل مَنْ ثَقِيفٍ شَرَابًا فَأَمَرَ
بِهِ عُمَرُ فَحَرَقَ بَيْته وَكَانَ يُدْعَى رُوَيْشِدًا ، فَقَالَ عُمَرُ : إنَّك
فُوَيْسِقٌ .
وَقَالَ الْحَارِثُ شَهِدَ قَوْمٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْد عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ يَصْطَنِعَ الْخَمْرَ فِي بَيْته فَيَشْرَبهَا وَيَبِيعهَا ،
فَأَمَرَ بِهَا فَكُسِرَتْ وَحَرَقَ بَيْتَهُ وَأَنْهَبَ مَالَهُ ثُمَّ جَلَدَهُ
وَنَفَاهُ رَوَاهُمَا ابْنُ بَطَّةَ قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَحْمَدَ رَجُلٌ
مُسْلِمٌ وُجِدَ فِي بَيْتِهِ خَمْرٌ قَالَ : يُرَاقُ الْخَمْرُ وَيُؤَدَّب وَإِنْ
كَانَتْ تِجَارَته يُحْرَق بَيْتُهُ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِرُوَيْشِدٍ .
قَالَ
إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ وَجْه الثَّانِيَة أَنَّهَا كَبِيرَة فَلَا يُحْرَق بَيْتُ
فَاعِلهَا عَلَيْهَا كَبَقِيَّةِ الْكَبَائِر .
قَالَ حَنْبَل : سَمِعْتُ أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَمَّنْ يَعْمَل الْمُسْكِر وَيَبِيعهُ تَرَى أَنْ يُحَوَّل
مِنْ الْجِوَار قَالَ أَرَى أَنْ يُوعَظ فِي ذَلِكَ وَيُقَال لَهُ فَإِنْ انْتَهَى
وَإِلَّا أُنْهِيَ أَمْرُهُ إلَى السُّلْطَان حَتَّى يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ ذَكَرَ
الْقَاضِي الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:15

فَصْل ( فِي الْمُعَالَجَة بِالرُّقَى وَالْعَزَائِم ) .
قَالَ أَحْمَدُ
رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَة الْبِرْوَاطِيِّ فِي الرَّجُل يَزْعُم أَنَّهُ
يُعَالِج الْمَجْنُونَ مِنْ الصَّرَعِ بِالرُّقَى وَالْعَزَائِم وَيَزْعُم أَنَّهُ
يُخَاطِب الْجِنَّ وَيُكَلِّمُهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْدِمُهُ قَالَ مَا أُحِبُّ
لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلهُ ، تَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ .
قَالَ الْمَرْوَزِيُّ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَالرَّجُلُ يُدْعَى فَيَرَى
سِتْرًا عَلَيْهِ تَصَاوِيرُ قَالَ : لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ قُلْت : قَدْ نَظَرْتُ
إلَيْهِ كَيْف أَصْنَعُ أَهْتِكهُ ؟ قَالَ يَحْرِق شَيْءَ النَّاسِ ؟ وَلَكِنْ إنْ
أَمْكَنَك خَلْعُهُ خَلَعْتَهُ قُلْت : فَالرَّجُل يَكْتَرِي الْبَيْت يَرَى فِيهِ
تَصَاوِيرَ تَرَى أَنْ يَحُكَّهُ قَالَ نَعَمْ قُلْت : فَإِنْ دَخَلْتُ حَمَّامًا
فَرَأَيْت فِيهِ صُورَة تَرَى أَنْ أَحُكَّ الرَّأْسَ قَالَ نَعَمْ قَالَ ابْنُ
عَقِيلٍ فِي الْفُنُون : وَسُئِلَ هَلْ يَجُوز تَحْرِيق الثِّيَاب الَّتِي
عَلَيْهَا الصُّوَر قَالَ : لَا يَجُوز لِأَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَفَارِشَ
بِخِلَافِ غَيْرِهَا .
فَصْل ( فِي النَّظَر إلَى مَا يُخْشَى مِنْهُ الْوُقُوعُ فِي الضَّلَال
وَالشُّبْهَة ) وَيَحْرُم النَّظَر فِيمَا يُخْشَى مِنْهُ الضَّلَال وَالْوُقُوع
فِي الشَّكِّ وَالشُّبْهَة ، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى
الْمَنْع مِنْ النَّظَر فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكَلَام وَالْبِدَع الْمُضِلَّة
وَقِرَاءَتِهَا وَرِوَايَتِهَا وَقَالَ فِي رِوَايَة الْمَرُّوذِيِّ لَسْتَ
بِصَاحِبِ كَلَامٍ فَلَا أَرَى الْكَلَام فِي شَيْء إلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِ
اللَّهِ أَوْ حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَوْ عَنْ التَّابِعِينَ فَأَمَّا غَيْر
ذَلِكَ فَالْكَلَام فِيهِ غَيْرُ مَحْمُود رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَقَالَ فِي
رِوَايَة أَحْمَدَ بْنِ أَصْرَمَ لِرَجُلٍ إيَّاكَ وَمُجَالَسَةَ أَصْحَاب
الْخُصُومَاتِ وَالْكَلَامِ وَقَالَ فِي رِوَايَته أَيْضًا لِرَجُلٍ لَا يَنْبَغِي
الْجِدَالُ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُنَصِّبَ نَفْسَكَ وَتَشْتَهِر
بِالْكَلَامِ لَوْ كَانَ هَذَا خَيْرًا لَتَقَدَّمَنَا فِيهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ جَاءَك مُسْتَرْشِد فَأَرْشِدْهُ
.
رَوَاهُمَا أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ :
عَلَيْكُمْ بِالسُّنَّةِ وَالْحَدِيث وَمَا يَنْفَعكُمْ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْخَوْضَ
وَالْمِرَاءَ فَإِنَّهُ لَا يُفْلِح مَنْ أَحَبَّ الْكَلَام وَقَالَ لِي أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ لَا تُجَالِسْهُمْ وَلَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ وَقَالَ
أَيْضًا وَذَكَر أَهْل الْبِدَع فَقَالَ : لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ ،
يُجَالِسَهُمْ وَلَا يُخَالِطَهُمْ وَلَا يَأْنَسَ بِهِمْ ، وَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ
الْكَلَام لَمْ يَكُنْ آخِرُ أَمْرِهِ إلَّا إلَى بِدْعَة لِأَنَّ الْكَلَام لَا
يَدْعُو إلَى خَيْر ، عَلَيْكُمْ بِالسُّنَنِ وَالْفِقْه الَّذِي تَنْتَفِعُونَ
بِهِ وَدَعُوا الْجِدَالَ وَكَلَامَ أَهْلِ الْبِدَع وَالْمِرَاءِ ، أَدْرَكْنَا
النَّاسَ وَمَا يَعْرِفُونَ هَذَا وَيُجَانِبُونَ أَهْلَ الْكَلَامِ .
وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُول كَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ خَبَرٌ قَلَّدَهُ وَخَيْرُ خَصْلَة فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
يَشْتَهِي
الْكَلَام إنَّمَا كَانَتْ هِمَّتُهُ الْفِقْهَ وَقَالَ فِي رِوَايَته أَيْضًا
وَكَتَبَ إلَيْهِ رَجُلٌ يَسْأَلهُ عَنْ مُنَاظَرَة أَهْلِ الْكَلَامِ ،
وَالْجُلُوس مَعَهُمْ قَالَ وَاَلَّذِي كُنَّا نَسْمَع وَأَدْرَكْنَا عَلَيْهِ مَنْ
أَدْرَكْنَا مِنْ سَلَفِنَا مِنْ أَهْل الْعِلْم أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ
الْكَلَامَ وَالْخَوْضَ مَعَ أَهْل الزَّيْغ وَإِنَّمَا الْأَمْر فِي التَّسْلِيم
وَالِانْتِهَاء إلَى مَا فِي كِتَابِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُوله لَا
تَعَدَّى ذَلِكَ .
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ
عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ؛
مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ وَهُوَ
يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَمَا يَزَالُ بِهِ بِمَا مَعَهُ مِنْ الشُّبَهِ حَتَّى
يَتْبَعَهُ } إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث حُمَيْدِ بْنِ
هِلَالٍ .
وَقَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ يَقُول : مَا نَاظَرْتُ أَهْلَ الْكَلَام إلَّا مَرَّةً وَأَنَا
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ .
وَقَالَ الرَّبِيعُ سَمِعْتُ
الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُول : لَأَنْ يَبْتَلِيَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ الْعَبْدَ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الشِّرْكَ بِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ
الْأَهْوَاءِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْهُ لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا
فِي الْأَهْوَاءِ مِنْ الْكَلَامِ لَفَرُّوا مِنْهُ كَمَا يَفِرُّونَ مِنْ
الْأَسَدِ .
وَقَالَ أَيْضًا مَا أَحَدٌ ارْتَدَى بِالْكَلَامِ فَأَفْلَحَ ،
وَسَأَلَهُ الْمُزَنِيّ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنْ عِلْمِ الْكَلَام فَقَالَ لَهُ :
أَيْنَ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فِي الْفُسْطَاطِ ، فَقَالَ
لِي : أَنْتَ فِي تَارَانَ .
وَتَارَانُ مَوْضِعٌ فِي بَحْرِ الْقُلْزُمِ لَا
تَكَاد تَسْلَم مِنْهُ سَفِينَة ثُمَّ أَلْقَى عَلَيَّ مَسْأَلَةً فِي الْفِقْهِ
فَأَجَبْت فِيهَا فَأَدْخَلَ عَلَيَّ شَيْئًا أَفْسَدَ جَوَابِي ، فَأَجَبْت
بِغَيْرِ ذَلِكَ فَأَدْخَلَ شَيْئًا أَفْسَدَ جَوَابِي فَجَعَلَ كُلَّمَا جِئْتُ
بِشَيْءٍ ، أَفْسَدَهُ ، ثُمَّ قَالَ لِي : هَذَا الْفِقْه الَّذِي فِيهِ
الْكِتَابُ وَالسُّنَّة وَأَقَاوِيلُ النَّاسِ يَدْخُلهُ مِثْل هَذَا فَكَيْفَ
الْكَلَامُ فِي رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي الْجِدَال فِيهِ كُفْرٌ ؟ فَتَرَكْتُ
الْكَلَامَ وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْفِقْه .
وَقَالَ أَيْضًا : حُكْمِي فِي أَهْلِ
الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَيُحْمَلُوا عَلَى الْإِبِلِ وَيُطَافَ
بِهِمْ فِي الْقَبَائِل وَالْعَشَائِر ، وَيُنَادَى عَلَيْهِمْ هَذَا جَزَاءُ مَنْ
تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّة وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلَامِ .
وَقَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إمَّا مِنْ عِنْدِهِ أَوْ حِكَايَةً عَنْ
الشَّافِعِيِّ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى بِكُتُبِهِ مِنْ الْعِلْمِ لِآخَرَ ،
وَكَانَ فِيهَا كُتُبُ الْكَلَامِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ مِنْ الْعِلْمِ .
وَقَالَ نُوحٌ الْجَامِعُ : قُلْتُ : لِأَبِي حَنِيفَةَ
فِيمَا أَحْدَثَ النَّاسُ فِي الْكَلَامِ مِنْ الْأَعْرَاضِ وَالْأَجْسَامِ فَقَالَ
: مَقَالَاتُ الْفَلَاسِفَةِ ، عَلَيْكَ بِطَرِيقِ السَّلَفِ وَإِيَّاكَ وَكُلَّ
مُحْدَثَةٍ .
وَقَالَ عَبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ الْعَطَّارُ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : أُصُولُ
السُّنَّةِ عِنْدَنَا التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ ، وَتَرْكُ الْبِدَعِ ،
وَكُلُّ بِدْعَةٍ فَهِيَ ضَلَالَةٌ ، وَتَرْكُ الْخُصُومَاتِ ، وَالْجُلُوسِ مَعَ
أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ ، وَتَرْكُ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ .
وَالْخُصُومَاتِ
فِي الدِّينِ إلَى أَنْ قَالَ لَا تُخَاصِمْ أَحَدًا وَلَا تُنَاظِرْهُ ، وَلَا
تَتَعَلَّمْ الْجِدَالَ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَدَرِ وَالرُّؤْيَةِ
وَالْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا مِنْ السُّنَنِ مَكْرُوهٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَا يَكُونُ
صَاحِبُهُ إنْ أَصَابَ بِكَلَامِهِ السُّنَّةَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى
يَدَعَ الْجِدَالَ .
وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ غَالِبٍ الْوَرَّاقُ : قُلْت
لِأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ
لَيْسَ فِيهِ مَنْ يَعْرِفُ السُّنَّةَ غَيْرِي ، فَيَتَكَلَّمُ مُتَكَلِّمٌ
مُبْتَدِعٌ أَرُدُّ عَلَيْهِ قَالَ : لَا تَنْصِبْ نَفْسَكَ لِهَذَا ، أَخْبِرْ
بِالسُّنَّةِ وَلَا تُخَاصِمْ ، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ الْقَوْلَ .
فَقَالَ : مَا
أَرَاك إلَّا مُخَاصِمًا .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ : وَجْهُ قَوْلِ
إمَامِنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَرَادَ
اللَّهُ بِقَوْمٍ شَرًّا أَلْقَى بَيْنَهُمْ الْجَدَلَ وَحَزَبَ عَنْهُمْ الْعَمَلَ
} .
وَقِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : تُجَادِلُ ؟ فَقَالَ : لَسْتُ فِي شَكٍّ
مِنْ دِينِي .
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ : كُلَّمَا جَاءَ رَجُلٌ أَجْدَلُ
مِنْ رَجُلٍ تَرَكْنَا مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ
السَّلَامُ لِجَدَلِهِ ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي }
الْخَبَرُ .
وَرَوَى أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ فِي كِتَابِ
الِانْتِصَارُ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : {
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي
أَهْلُ الْبِدَعِ } ، وَذَكَرَ أَبُو الْمُظَفَّرِ فِيهِ قِيلَ لِلْإِمَامِ مَالِكِ
بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَمَا الْبِدَعُ قَالَ : أَهْلُ الْبِدَعِ
الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَكَلَامِهِ
وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَلَا يَسْكُتُونَ عَمَّا سَكَتَ عَنْهُ الصَّحَابَةُ
وَالتَّابِعُونَ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عَلَيْكَ بِآثَارِ مَنْ سَلَفَ ،
وَإِنْ رَفَضَكَ النَّاسُ ، وَإِيَّاكَ وَآرَاءَ الرِّجَالِ ، وَإِنْ زَخْرَفُوا
لَك الْقَوْلَ ، فَلْيَحْذَرْ كُلُّ مَسْئُولٍ وَمُنَاظِرٍ مِنْ الدُّخُولِ فِيمَا
يُنْكِرُهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ .
وَلْيَجْتَهِدْ فِي اتِّبَاعِ السُّنَّةِ
وَاجْتِنَابِ الْمُحْدَثَاتِ كَمَا أُمِرَ .
انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الْحُسَيْنِ
.
وَقَالَ رَجُلٌ لِأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ أُكَلِّمُك بِكَلِمَةٍ ، قَالَ
لَا وَلَا بِنِصْفِ كَلِمَةٍ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إذَا أَرَادَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْمٍ شَرًّا فَتَحَ عَلَيْهِمْ الْجِدَالَ ، وَمَنَعَهُمْ
الْعَمَلَ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَيْسَ هَذَا الْجَدَلُ مِنْ الدِّينِ بِشَيْءٍ
.
وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الْمِرَاءُ فِي الْعِلْمِ يُقَسِّي
الْقُلُوبَ وَيُوَرِّثُ الضَّغَائِنَ .
وَرَوَى أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ أَبِي
غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إلَّا
أُوتُوا الْجَدَلَ ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } }
.
وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ
ابْنُ مَعِينٍ فِي أَبِي غَالِبٍ : صَالِحُ الْحَدِيثِ وَوَثَّقَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ : ابْنُ عَدِيٍّ لَا بَأْسَ بِهِ .
وَقَالَ ابْنُ
سَعْدٍ : مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ، وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ
: لَيْسَ بِقَوِيٍّ ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، وَقَالَ مُوسَى
بْنُ هَارُونَ الْحَمَّالُ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ أَحْمَدَ : لَا تُجَالِسْ
أَصْحَابَ الْكَلَامِ وَإِنْ ذَبُّوا عَنْ السُّنَّةِ ، وَقَالَ فِي رِسَالَتِهِ
إلَى مُسَدَّدٍ : وَلَا تُشَاوِرْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فِي دِينِك ،
وَلَا تُرَافِقْهُ فِي سَفَرِك .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ يَقُولُ : مَنْ تَعَاطَى الْكَلَامَ لَا يُفْلِحُ ، وَمَنْ تَعَاطَى
الْكَلَامَ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَتَجَهَّمَ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي
الْفُنُونِ : قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُحَقِّقِينَ إذَا كَانَتْ مَجَالِسُ
النَّظَرِ الَّتِي تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ عَقَدْتُمُوهَا لِاسْتِخْرَاجِ
الْحَقَائِقِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى عَوَائِرِ الشُّبَهِ وَإِيضَاحِ الْحُجَجِ
لِصِحَّةِ الْمُعْتَقَدِ مَشْحُونَةً بِالْمُحَابَاةِ لِأَرْبَابِ الْمَنَاصِبِ
تَقَرُّبًا ، وَلِلْعَوَامِّ تَخَوُّنًا ، وَلِلنُّظَرَاءِ تَعَمُّلًا وَتَجَمُّلًا
، فَهَذَا فِي النَّظَرِ الظَّاهِرِ ، ثُمَّ إذَا عَوَّلْتُمْ بِالْأَفْكَارِ
فَلَاحَ دَلِيلٌ يَرُدُّكُمْ عَنْ مُعْتَقَدِ الْأَسْلَافِ وَالْإِلْفِ وَالْعُرْفِ
وَمَذْهَبِ الْمَحَلَّةِ وَالْمَنْشَأِ خَوَّنْتُمْ اللَّائِحَ ، وَأَطْفَأْتُمْ
مِصْبَاحَ الْحَقِّ الْوَاضِحَ ،
إخْلَادًا إلَى مَا أَلِفْتُمْ ، فَمَتَى تَسْتَجِيبُونَ إلَى دَاعِيَةِ
الْحَقِّ ؟ وَمَتَى يُرْجَى مِنْكُمْ الْفَلَاحُ فِي دَرْكِ الْبُغْيَةِ مِنْ
مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ ، وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى وَالنَّفْسِ ، وَالْخَلَاصُ مِنْ
الْغِشِّ ؟ هَذَا وَاَللَّهِ هُوَ الْإِيَاسُ مِنْ الْخَيْرِ ، وَالْإِفْلَاسُ مِنْ
إصَابَةِ الْحَقِّ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ مِنْ مُصِيبَةٍ
عَمَّتَ الْعُقَلَاءَ فِي أَدْيَانِهِمْ ، مَعَ كَوْنِهِمْ عَلَى غَايَةِ
التَّحْقِيقِ ، وَتَرْكِ الْمُحَابَاةِ فِي أَمْوَالِهِمْ ، مَا ذَاكَ إلَّا ؛
لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشَمُّوا رِيحَ الْيَقِينِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْضُ الشَّكِّ ،
وَمُجَرَّدُ التَّخْمِينِ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:17

وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ : قَلَّ مَا رَأَيْت مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ مَنْ اشْتَغَلَ
بِالْكَلَامِ فَأَفْلَحَ ، يَفُوتُهُ الْفِقْهُ وَلَا يَصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ
الْكَلَامِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَرْبَهَارِيُّ فِي كِتَابِهِ
شَرْحُ السُّنَّةِ : وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السُّنَّةِ قِيَاسٌ ، وَلَا
تُضْرَبُ لَهَا الْأَمْثَالُ ، وَلَا يُتَّبَعُ فِيهَا الْأَهْوَاءُ ، وَهُوَ
التَّصْدِيقُ بِآثَارِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا كَيْفٍ
وَلَا شَرْحٍ ، وَلَا يُقَالُ : لِمَ وَكَيْفَ ؟ فَالْكَلَامُ وَالْخُصُومَةُ
وَالْجِدَالُ وَالْمِرَاءُ مُحْدَثٌ يَقْدَحُ الشَّكَّ فِي الْقَلْبِ ، وَإِنْ
أَصَابَ صَاحِبُهُ الْحَقَّ وَالسُّنَّةَ وَالْحَقَّ ، إلَى أَنْ قَالَ وَإِذَا
سَأَلَك رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ مُسْتَرْشِدٌ
فَكَلِّمْهُ وَأَرْشِدْهُ ، وَإِنْ جَاءَك يُنَاظِرُك فَاحْذَرْهُ ، فَإِنَّ فِي
الْمُنَاظَرَةِ الْمِرَاءَ وَالْجِدَالَ وَالْمُغَالَبَةَ وَالْخُصُومَةَ
وَالْغَضَبَ وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ جَمِيعِ هَذَا ، وَهُوَ يُزِيلُ عَنْ الطَّرِيقِ
الْحَقِّ وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ فُقَهَائِنَا وَعُلَمَائِنَا أَنَّهُ
جَادَلَ أَوْ نَاظَرَ أَوْ خَاصَمَ وَقَالَ الْبَرْبَهَارِيُّ الْمُجَالَسَةُ
لِلْمُنَاصَحَةِ فَتْحُ بَابِ الْفَائِدَةِ ، وَالْمُجَالَسَةُ لِلْمُنَاظَرَةِ
غَلْقُ بَابِ الْفَائِدَةِ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ تَذَكَّرُوا الْحَدِيثَ
فَإِنَّ حَيَاتَهُ الْمُذَاكَرَةُ ، وَفِي شَرْحِ خُطْبَةِ مُسْلِمٍ
بِالْمُذَاكَرَةِ يَثْبُتُ الْمَحْفُوظُ وَيَتَحَرَّرُ ، وَيَتَأَكَّدُ
وَيَتَقَرَّرُ ، وَيُذَاكَرُ مِثْلُهُ فِي الرُّتْبَةِ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ
، وَمُذَاكَرَةُ حَاذِقٍ فِي الْفَنِّ سَاعَةً أَنْفَعُ مِنْ الْمُطَالَعَةِ
وَالْحِفْظِ سَاعَاتٍ بَلْ أَيَّامٍ وَلْيَتَحَرَّ الْإِنْصَافَ ، وَيَقْصِدُ
الِاسْتِفَادَةَ أَوْ الْإِفَادَةَ لَا يَتَرَفَّعُ عَلَى صَاحِبِهِ .
وَقَدْ
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي خُطْبَةِ الْإِرْشَادِ : وَأَعْتَذِرُ عَنْ لَوْمِ بَعْضِ
أَهْلِ زَمَانِنَا بِقَوْلِهِمْ الِاشْتِغَالُ بِغَيْرِ الْأُصُولِ وَالسُّكُوتُ
عَنْهَا أَحْرَى فَإِنَّ هَذَا قَوْلُ جَاهِلٍ بِمَحَلِّ الْأُصُولِ مُنْحَرِفٍ
عَنْ الصَّوَابِ وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا قَالَ أَحْمَدُ كُنَّا نَسْكُتُ حَتَّى
دُفِعْنَا إلَى الْكَلَامِ فَتَكَلَّمْنَا .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : قَالَ
رَجُلٌ لِابْنِ عَقِيلٍ تَرَى لِي أَنْ أَقْرَأَ عِلْمَ الْكَلَامِ ؟ فَقَالَ :
الدِّينُ النَّصِيحَةُ أَنْتَ الْآنَ عَلَى مَا بِك مُسْلِمٌ سَلِيمٌ وَإِنْ لَمْ
تَنْظُرْ فِي الْجُزْءِ وَتَعْرِفُ الصُّفْرَةَ وَلَا عَرَفْت الْخَلَا وَالْمَلَا
وَالْجَوْهَرَ وَالْعَرَضَ وَهَلْ يَبْقَى الْعَرَضُ زَمَانَيْنِ ؟ وَهَلْ
الْقُدْرَةُ مَعَ الْفِعْلِ أَوْ قَبْلَهُ ؟ وَهَلْ الصِّفَاتُ زَائِدَةٌ عَلَى
الذَّاتِ ؟ وَهَلْ الِاسْمُ عَيْنُ الْمُسَمَّى أَوْ غَيْرُهُ ؟ وَإِنِّي أَقْطَعُ
أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَاتُوا وَمَا عَرَفُوا ذَلِكَ ،
فَإِنْ رَأَيْت طَرِيقَةَ الْمُتَكَلِّمِينَ أَجْوَدَ مِنْ طَرِيقَةِ أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ فَبِئْسَ الِاعْتِقَادُ ، وَقَدْ أَفْضَى عِلْمُ الْكَلَامِ بِأَرْبَابِهِ
إلَى الشُّكُوكِ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ ابْنُ
عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : قَوْلُ مُعْتَزِلِيٍّ لَا مُسْلِمَ إلَّا مَنْ اعْتَقَدَ
وُجُودَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ :
إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهَّلَ مَا قَدْ
صَعَّبْتَهُ فَقَنَعَ مِنْ النَّاسِ بِدُونِ ذَلِكَ ، وَيَقُولُ لِلْأَمَةِ : "
أَيْنَ اللَّهُ ؟ " فَتُشِيرُ إلَى السَّمَاءِ فَيَقُولُ : " إنَّهَا مُؤْمِنَةٌ "

فَتَرَكَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْإِثْبَاتِ إلَى أَنْ قَالَ : إنَّ مَذْهَبَ
الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مُعْتَقَدِهِمْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ ،
وَإِنَّ هَذَا يَنْعَطِفُ عَلَى السَّلَفِ الصَّالِحِ بِالتَّكْفِيرِ ، وَإِنَّا
نُحَقِّقُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرَهُمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ
يَكُنْ إيمَانُهُمْ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ ، وَأَبُو
هَاشِمٍ فَخَجِلَ ثُمَّ قَالَ : الْقَوْمُ كَانُوا يَعْرِفُونَ وَلَا
يَتَكَلَّمُونَ ، فَقِيلَ لَهُ : الْقَوْمُ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ الْجِدَالِ
وَالْجِدَالُ شُبَهُ الْمُتَكَلِّمِينَ .
وَقَالَ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ
لَهُ يَتَكَلَّمُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : اعْرَفْنِي بِمَا تَعَرَّفْت ،
وَلَا تَطْلُبْنِي مِنْ حَيْثُ كَتَمْت وَاقْتَطَعْت ، أَنَا قَطَعْت بَعْضَ
مَخْلُوقَاتِي وَعَنْ عِلْمِك حَيْثُ وَقَفْتُك : فَلَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْ
لَطِيفَةٍ فِيكَ فَقُلْتَ : مَا الرُّوحُ : فَقُلْتُ مُجِيبًا لَك مِنْ أَمْرِي ،
وَقَصُرَتْ عَنْ عِلْمِك وَعِلْمِ مَنْ سَأَلَك عَنْهَا فَقُلْت { وَمَا أُوتِيتُمْ
مِنْ الْعِلْمِ إلَّا قَلِيلًا } .
قُلْت لِرَسُولِي فِي السَّاعَةِ : {
أَيَّانَ مُرْسَاهَا } .
فَكَانَ جَوَابُ السَّائِلِ وَالْمَسْئُولِ : { قُلْ
إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلَّا هُوَ } تَجِيءُ
بَعْدَهَا تَبْحَثُ عَنِّي مَنْ لَمْ يَرْضَك لِإِيقَافِك عَلَى بَعْضِك وَهُوَ
يَصِفُك تَبْحَثُ عَنْ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ ، أَمَا كَفَاكَ قَوْلِي : { وَإِذَا
سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ
} .
فَعَرَّفَك نَفْسَك وَنَفْسَهُ عِنْدَ سُؤَالِك عَنْهُ بِأَنَّهُ مُجِيبٌ
لِدَعْوَتِك ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُطْلَبَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ ، فَإِنَّك لَا تَجِدُ
إلَّا مَا يُوَرِّثُك خَبَالًا ، أَتَطْمَعُ أَنْ تَكْشِفَ حِجَابًا أَرْخَاهُ ؟
أَوْ تَقِفَ عَلَى سِرٍّ غَطَّاهُ ؟ عِلْمٌ قَصَرَهُ خَالِقُهُ عَنْ دَرْكِ بَعْضِ
مَخْلُوقَاتِهِ الَّتِي فِيك تُرِيدُ أَنْ تَطَّلِعَ بِهِ عَلَى كُنْهِ بَارِيك ،
وَاَللَّهِ إنَّ مَوْتَك أَحْسَنُ مِنْ حَيَاتِك .
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ
رَحِمَهُ اللَّهُ سُؤَالَ فِرْعَوْنَ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ لِمُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمُحَاجَّةَ نُمْرُودَ عَلَيْهِ
اللَّعْنَةُ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، ثُمَّ قَالَ : فَالرُّسُلُ
صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ مُحِيلُونَ عِنْدَ السُّؤَالِ
وَالْجِدَالِ فِي تَعْرِيفِهِ عَلَى أَفْعَالِهِ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُصْغَى
إلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : وَقَفْت عَلَى نُعُوتِ ذَاتِهِ ؟ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ فَضْلًا عَنْ
أَنْ أُحْصِيَ نَعْتَكَ } ، وَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ عَنْ
الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا
خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } .
فَهَلْ يَحْسُنُ بَعْدَ هَذَا
كُلِّهِ أَنْ تَلْتَفِتَ إلَى مَنْ قَالَ : إنِّي وَقَفْتُ عَلَى نُعُوتِهِ ؟ إلَّا
أَنْ يُرِيدَ بِهَا تَتَلَقَّاهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَيُعْمَلُ عَلَيْهِ
عَلَى شَرْطِ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } وَتُمْسِكُ عَمَّا لَمْ يَرِدْ بِهِ
نَقْلٌ ، أَوْ عَمَّا وَرَدَ بِهِ نَقْلٌ ضَعِيفٌ .
وَقَالَ أَيْضًا فِي مَكَان
آخَرَ مِنْ الْفُنُونِ : قَدْ رَجَعْت إلَى مُعْتَقَدِي فِي الْمَكْتَبِ مُتَّبِعًا
لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَأَبْرَأُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كُلِّ
قَوْلٍ حَدَثَ بَعْدَ أَيَّامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ .
وَقَالَ أَيْضًا : كُلُّ يَوْمٍ
تَمُوتُ مِنْك شَهْوَةٌ وَلَا تَحْيَا مِنْك مَعْرِفَةٌ ، وَاعَجَبًا يَخْتَلِفُ
النَّاسُ فِي مَاهِيَّةِ الْعَقْلِ وَلَا يَدْرُونَ ، فَكَيْفَ يُقْدِمُونَ عَلَى
الْكَلَامِ فِي خَالِقِ الْعَقْلِ ، وَقَالَ أَيْضًا : قَدْ تَكَرَّرَ مِنْ كَثِيرٍ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا سِيَّمَا أَصْحَابُنَا قَوْلُهُمْ : مَذْهَبُ
الْعَجَائِزِ أَسْلَمُ فَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّهُ كَلَامُ جَهْلٍ ، وَلَوْ فَطِنُوا
لِمَا قَالُوا لَاسْتَحْسَنُوا وَقْعَ الْكَلِمَةِ وَإِنَّمَا هِيَ كَلِمَةٌ
صَدَرَتْ عَنْ عُلُوِّ رُتْبَةٍ فِي النَّظَرِ ، حَيْثُ انْتَهَوْا إلَى غَايَةٍ
هِيَ مُنْتَهَى الْمُدَقِّقِينَ فِي النَّظَرِ ، فَلَمَّا لَمْ يَشْهَدُوا مَا
يَشْفِي الْعَقْلَ مِنْ التَّعْلِيلَاتِ وَالتَّأْوِيلَاتِ بِالِاعْتِرَاضِ فِي

أَصْلِ الْوَضْعِ ، وَقَفُوا مَعَ الْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ مَرَاسِمُ الشَّرْعِ
، وَجَنَحُوا عَنْ الْقَوْلِ بِالتَّعْلِيلِ ، فَإِذَا سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ ،
وَقَفُوا مَعَ الِامْتِثَالِ حِينَ عَجَزَ أَهْلُ التَّعْلِيلِ فَقَدْ أَعْطَوْا
الطَّاعَةَ حَقَّهَا ، وَلَقَدْ عَلَّلَ قَوْمٌ فَمَنَعُوا الْعَقْلَ عَنْ
الْإِصْغَاءِ إلَى ذَلِكَ الْإِذْعَانِ بِالْعَجْزِ .
وَوَجَدْت فِي كِتَابٍ
لِوَلَدِ وَلَدِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ
وَكَلَامَ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ قَالَ : وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ عِلْمَ
الْكَلَامِ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ ، وَتَجُوزُ الْمُنَاظَرَةُ فِيهِ
وَالْمُحَاجَّةُ لِأَهْلِ الْبِدَعِ ، وَوَضْعُ الْكُتُبِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ
، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَئِمَّةُ التَّحْقِيقِ الْقَاضِي ، وَالتَّمِيمِيُّ فِي
جَمَاعَةِ الْمُحَقِّقِينَ وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ
قَوْلٍ يُسْنَدُ إلَيْهِ بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ
الْمَرُّوذِيِّ إذَا اشْتَغَلَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ، وَاعْتَزَلَ ، وَسَكَتَ
عَنْ الْكَلَامِ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ ، فَالصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ لِنَفْسِهِ ،
وَإِذَا تَكَلَّمَ كَانَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلُ .
وَقَدْ
صَنَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ كِتَابًا فِي
الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ فِي مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ
وَغَيْرِهِ ، وَاحْتَجَّ فِيهِ بِدَلَائِلِ الْعُقُولِ ، وَهَذَا الْكِتَابُ
رَوَاهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِهِ ، وَمَا
تَمَسَّكَ بِهِ الْأَوَّلُونَ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ فَهُوَ مَنْسُوخٌ قَالَ
أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : قَدْ كُنَّا نَأْمُرُ بِالسُّكُوتِ فَلَمَّا
دُعِينَا إلَى أَمْرٍ مَا كَانَ بُدٌّ لَنَا أَنْ نَدْفَعَ ذَلِكَ ، وَنُبَيِّنَ
مِنْ أَمْرِهِ مَا يَنْفِي عَنْهُ مَا قَالُوهُ .
ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
.
وَبِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ رُسُلِهِ الْجِدَالُ ، وَلِأَنَّ بَعْضَ
اخْتِلَافِهِمْ حَقٌّ ، وَبَعْضَهُ بَاطِلٌ وَلَا سَبِيلَ إلَى التَّمْيِيزِ
بَيْنَهُمْ إلَّا بِالنَّظَرِ فَعَلِمْت صِحَّتَهُ .
وَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَافِظُ سَمِعْت الْإِمَامَ أَبَا
إسْمَاعِيلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيَّ بِهَرَاةَ يَقُولُ :
عُرِضْت عَلَى السَّيْفِ خَمْسَ مَرَّاتٍ ، لَا يُقَالُ لِي : ارْجِعْ عَنْ
مَذْهَبِك ، لَكِنْ يُقَالُ : لِي اُسْكُتْ عَمَّنْ خَالَفَك ، فَأَقُولُ : لَا
أَسْكُتُ .
وَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ وَحَكَى لَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ
السُّلْطَانَ أَلْبَ أَرْسِلَانَ حَضَرَ هَرَاةَ ، وَحَضَرَ مَعَهُ وَزِيرُهُ أَبُو
عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ، فَاجْتَمَعَ أَئِمَّةُ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ
أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لِلشِّكَايَةِ مِنْ
الْأَنْصَارِيِّ وَمُطَالَبَتِهِ بِالْمُنَاظَرَةِ ، فَاسْتَدْعَاهُ الْوَزِيرُ
فَلَمَّا حَضَرَ قَالَ : إنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ اجْتَمَعُوا لِمُنَاظَرَتِك ،
فَإِنْ يَكُنْ الْحَقُّ مَعَك رَجَعُوا إلَى مَذْهَبِك ، وَإِنْ يَكُنْ الْحَقُّ
مَعَهُمْ إمَّا أَنْ تَرْجِعَ ، وَإِمَّا أَنْ تَسْكُت عَنْهُمْ ، فَقَامَ
الْأَنْصَارِيُّ وَقَالَ : أَنَا أُنَاظِرُ عَلَى مَا فِي كُمِّي ، فَقَالَ : وَمَا
فِي كُمِّك ، فَقَالَ : كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَشَارَ إلَى كُمِّهِ
الْيُمْنَى ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَشَارَ إلَى كُمِّهِ الْيُسْرَى ، وَكَانَ فِيهِ الصَّحِيحَانِ ، فَنَظَرَ إلَى
الْقَوْمِ كَالْمُسْتَفْهِمِ لَهُمْ ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يُمْكِنُهُ أَنْ
يُنَاظِرَهُ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ .
قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ : سَمِعْت
الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ : إذَا ذَكَرْت التَّفْسِيرَ فَإِنَّمَا أَذْكُرُهُ مِنْ
مِائَةٍ وَسَبْعَةِ تَفَاسِيرَ قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ : وَجَرَى وَأَنَا بَيْنَ
يَدَيْهِ كَلَامٌ ، فَقَالَ : أَنَا أَحْفَظُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ
أَسْرُدُهَا سَرْدًا ، وَقَطُّ مَا ذَكَرَ فِي مَجْلِسِهِ حَدِيثًا إلَّا
بِإِسْنَادِهِ ، وَكَانَ يُشِيرُ إلَى صِحَّتِهِ وَسَقَمِهِ ، قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ
سَمِعْت الْإِمَامَ أَبَا إسْمَاعِيلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ
الْأَنْصَارِيَّ يُنْشِدُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِهَرَاةَ فِي يَوْمِ مَجْلِسِهِ :
أَنَا حَنْبَلِيٌّ مَا حَيِيت وَإِنْ أَمُتْ فَوَصِيَّتِي لِلنَّاسِ أَنْ
يَتَحَنْبَلُوا وَسَمِعْته يُنْشِدُ أَيْضًا :
إذَا الْعُودُ لَمْ يُثْمِرْ وَلَمْ يَكُ أَصْلُهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ اعْتَدَّهُ
النَّاسُ فِي الْحَطَبِ وَرَوَى الْحَافِظُ عَبْدُ الْقَادِرِ الرَّهَاوِيُّ فِي
تَارِيخِ الْمَادِحِ وَالْمَمْدُوحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ
الصَّيْدَلَانِيِّ عَنْ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَا أَبُو يَعْقُوبَ
أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَسْنَوَيْهِ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الشَّامِيَّ سَمِعْت سَلَمَةَ بْنَ شَبِيبٍ سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ سَمِعْت
سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ : تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عِنْدَ ذِكْرِ
الصَّالِحِينَ قِيلَ لِسُفْيَانَ : عَمَّنْ هَذَا ؟ قَالَ : عَنْ الْعُلَمَاءِ
.
وَقَالَ فِي الْفُنُونِ : مَا عَلَى الشَّرِيعَةِ أَضَرُّ مِنْ
الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُتَصَوَّفِينَ ، فَهَؤُلَاءِ يُفْسِدُونَ الْعُقُولَ
بِتَوَهُّمَاتِ شُبُهَاتِ الْعُقُولِ ، وَهَؤُلَاءِ يُفْسِدُونَ الْأَعْمَالَ
وَيَهْدِمُونَ قَوَانِينَ الْأَدْيَانِ ، قَالَ وَقَدْ خَبَرْت طَرِيقَ
الْفَرِيقَيْنِ غَايَةُ هَؤُلَاءِ الشَّكُّ ، وَغَايَةُ هَؤُلَاءِ الشَّطْحُ ،
وَالْمُتَكَلِّمُونَ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ ؛ لِأَنَّ
الْمُتَكَلِّمِينَ قَدْ يَرُدُّونَ الشَّكَّ ، وَالصُّوفِيَّةُ يُوهِمُونَ
التَّشْبِيهَ وَالْأَشْكَالَ ، وَالثِّقَةُ بِالْأَشْخَاصِ ضَلَالٌ ، مَا لِلَّهِ
طَائِفَةٌ أَجَلُّ مِنْ قَوْمٍ حَدَّثُوا عَنْهُ ، وَمَا أَحْدَثُوا وَعَوَّلُوا
عَلَى مَا رَوَوْا لَا عَلَى مَا رَأَوْا .
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي
الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي : وَعِلْمُ الْكَلَامِ الْمَذْمُومُ هُوَ أُصُولُ
الدِّينِ إذَا تُكُلِّمَ فِيهِ بِالْمَعْقُولِ الْمَحْضِ ، أَوْ الْمُخَالِفِ
لِلْمَنْقُولِ الصَّرِيحِ الصَّحِيحِ ، فَإِنْ تُكُلِّمَ فِيهِ بِالنَّقْلِ فَقَطْ
، أَوْ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ الْمُوَافِقِ لَهُ فَهُوَ أُصُولُ الدِّينِ ،
وَطَرِيقَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لَمْ
يَذُمَّ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ الْكَلَامَ لِمُجَرَّدِ مَا فِيهِ مِنْ
الِاصْطِلَاحَاتِ الْمُوَلَّدَةِ كَلَفْظِ الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ وَالْجِسْمِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ ، بَلْ لِأَنَّ الْمَعَانِي الَّتِي يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِهَذِهِ
الْعِبَارَاتِ فِيهَا مِنْ الْبَاطِلِ الْمَذْمُومِ فِي
الْأَدِلَّةِ وَالْأَحْكَامِ مَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ لِاشْتِمَالِ هَذِهِ
الْأَلْفَاظِ عَلَى مَعَانٍ مُجْمَلَةٍ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَمَا قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي وَصْفِهِ لِأَهْلِ الْبِدَعِ : هُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي
الْكِتَابِ مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ ، مُتَّفِقُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ
يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْكَلَامِ ، وَيُلْبِسُونَ عَلَى جُهَّالِ
النَّاسِ بِمَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ مِنْ الْمُتَشَابِهِ .
فَإِذَا عَرَفْت
الْمَعَانِي الَّتِي يَقْصِدُونَهَا بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وُزِنَتْ
بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، بِحَيْثُ يُثْبَتُ الْحَقُّ الَّذِي أَثْبَتَهُ
الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَيُنْفَى الْبَاطِلُ الَّذِي نَفَاهُ الْكِتَابُ
وَالسُّنَّةُ بِخِلَافِ مَا سَلَكَهُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ مِنْ التَّكَلُّمِ
بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا فِي الْمَسَائِلِ ، وَالْوَسَائِلِ
مِنْ غَيْرِ بَيَانِ التَّفْصِيلِ وَالتَّقْسِيمِ ، الَّذِي هُوَ مِنْ الصِّرَاطِ
الْمُسْتَقِيمِ ، فَهَذَا مِنْ مُثَارَاتِ الشُّبْهَةِ .
قَالَ : وَيَجِبُ عَلَى
كُلِّ أَحَدٍ الْإِيمَانُ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إيمَانًا عَامًّا مُجْمَلًا ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَعْرِفَةَ مَا جَاءَ
بِهِ الرَّسُولُ عَلَى التَّفْصِيلِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ، فَإِنَّهُ دَاخِلٌ
فِي التَّبْلِيغِ بِمَا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَعَقْلِهِ وَفَهْمِهِ
وَعِلْمِ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَحِفْظِ الذِّكْرِ ، وَالدُّعَاءِ إلَى
الْخَيْرِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ انْتَهَى
كَلَامُهُ .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ : يَا أَصْحَابَنَا لَا
تَشْتَغِلُوا بِالْكَلَامِ فَلَوْ عَرَفْت أَنَّ الْكَلَامَ يَبْلُغُ بِي إلَى مَا
بَلَغَ مَا اشْتَغَلْت بِهِ وَقَالَ نَحْوَ هَذَا الشِّهْرِسْتَانِيّ صَاحِبُ
الْمَحْصُولِ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : قُلْت : لِأَحْمَدَ اسْتَعَرْت مِنْ صَاحِبِ
الْحَدِيثِ كِتَابًا يَعْنِي فِيهِ أَحَادِيثُ رَدِيَّةٌ تَرَى أَنْ أُحْرِقَهُ
أَوْ أَخْرِقَهُ قَالَ : نَعَمْ .
وَلَا يَجُوزُ تَحْرِيقُ الثِّيَابِ الَّتِي
عَلَيْهَا الصُّوَرُ وَلَا الْمَرْقُومَةِ لِلْبَسْطِ وَالدَّوْسِ ، وَلَا كَسْرُ
حُلِيِّ الرِّجَالِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِمْ إنْ صَلُحَ لِلنِّسَاءِ ، وَلَمْ
تَسْتَعْمِلْهُ الرِّجَالُ .
فَصْلٌ ( فِي وُجُوبِ إبْطَالِ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ ، وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ
عَلَى بُطْلَانِهَا ) .
قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدَئِينَ : وَيَجِبُ
إنْكَارُ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ ، وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَى إبْطَالِهَا
سَوَاءٌ قَبِلَهَا قَائِلُهَا ، أَوْ رَدَّهَا ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى إنْهَاءِ
الْمُنْكَرِ إلَى السُّلْطَانِ أَنْهَاهُ ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَهُ قَبْلَ
إنْهَائِهِ أَنْكَرَهُ هُوَ .
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي
الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِيهِ : وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ : قُلْت لِأَبِي
عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي إمَامَنَا أَحْمَدَ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَرَى
لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَيَسْكُتَ عَنْ الْكَلَامِ
فِي أَهْلِ الْبِدَعِ ؟ فَكَلَحَ فِي وَجْهِهِ ، وَقَالَ إذَا هُوَ صَامَ وَصَلَّى
وَاعْتَزَلَ النَّاسَ أَلَيْسَ إنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ ؟ قُلْت : بَلَى قَالَ :
فَإِذَا تَكَلَّمَ كَانَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلُ .
وَقَالَ
أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ كَانَ أَيُّوبُ يُقَدِّمُ الْجَرِيرِيَّ عَلَى
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُخَاصِمُ الْقَدَرِيَّةَ ، وَكَانَ
أَيُّوبُ لَا يُعْجِبُهُ أَنْ يُخَاصِمَهُمْ لَمْ يَكُونُوا أَصْحَابَ خُصُومَةٍ
يَقُولُ : لَا تَضَعْهُمْ فِي مَوْضِعِ تَخَاصُمِهِمْ ، وَكَانَ الْجَرِيرِيُّ لَا
يُخَاصِمُهُمْ .
فَصْلٌ ( أَهْلُ الْحَدِيثِ هُمْ الطَّائِفَةُ النَّاجِيَةُ الْقَائِمُونَ عَلَى
الْحَقِّ ) .
وَنَصَّ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ
الْحَدِيثِ هُمْ الطَّائِفَةُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : لَا تَزَالُ
طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ } وَنَصَّ أَيْضًا عَلَى
أَنَّهُمْ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرَ ، وَكَذَا قَالَ
يَزِيدُ بْنُ هَارُونُ .
وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى
أَبْدَالًا فِي الْأَرْضِ قِيلَ : مَنْ هُمْ ؟ قَالَ إنْ لَمْ يَكُونُوا أَصْحَابَ
الْحَدِيثِ فَلَا أَعْرِفُ لِلَّهِ أَبْدَالًا .
وَقَالَ أَيْضًا عَنْهُمْ : إنْ
لَمْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ النَّاسَ فَلَا أَدْرِي مَنْ النَّاسُ ؟ وَنَقَلَ
نُعَيْمُ بْنُ طَرِيفٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ : صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى يَغْرِسُ غَرْسًا
يُشْغِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ } قَالَ هُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ .
وَرَوَى
الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : عَلَيْكُمْ
بِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ صَوَابًا .
وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ : مَنْ أَرَادَ الْحَدِيثَ خَدَمَهُ .
قَالَ الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ : قَدْ خَدَمَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
فَرَحَلَ فِيهِ وَحَفِظَهُ وَعَمِلَ بِهِ وَعَلَّمَهُ وَحَمَلَ شَدَائِدَهُ
.
وَهُوَ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ : مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ ، وَمَنْ تَفَقَّهَ
نَبُلَ قَدْرُهُ ، وَمَنْ كَتَبَ الْحَدِيثَ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ ، وَمَنْ تَعَلَّمَ
اللُّغَةَ رَقَّ طَبْعُهُ ، وَمَنْ تَعَلَّمَ الْحِسَابَ جَزِلَ رَأْيُهُ ، وَمَنْ
لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ لَمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُهُ .
وَقَدْ مَدَحَ الْحَدِيثَ
وَأَهْلَهُ بِالشِّعْرِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَتًى فِي مَجْلِسِ أَبِي زُرْعَةَ
الرَّازِيِّ ، وَمِنْهُمْ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ الشِّيرَازِيُّ ،
وَمِنْهُمْ أَبُو عَامِرٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَسَوِيُّ ، وَمِنْهُمْ
أَبُو مُزَاحِمٍ الْخَاقَانِيُّ ، وَمِنْهُمْ أَبُو ظَاهِرٍ بْنُ سُلْفَةَ ،
وَمِنْهُمْ أَبُو الْكَرَمِ خَمِيسُ بْنُ عَلِيٍّ
الْوَاسِطِيُّ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَكَانَ مِنْ كِبَارِ
الْعُلَمَاءِ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَنَاقِبِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ
وَقَدْ وَقَعَ لِي بِخَطِّهِ .
وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي
عُتْبَةَ الْخَوْلَانِيِّ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ { : لَا يَزَالُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَغْرِسُ فِي هَذَا
الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ } قَالَ أَحْمَدُ فِي تَفْسِيرِ
هَذَا الْحَدِيثِ : هُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ يُنْشِدُ : إذَا رَأَيْت شَبَابَ الْحَيِّ قَدْ نَشَئُوا لَا
يَحْمِلُونَ قِلَالَ الْحِبْرِ وَالْوَرَقَا وَلَا تَرَاهُمْ لَدَى الْأَشْيَاخِ
فِي حِلَقٍ يَعُونَ مِنْ صَالِحِ الْأَخْبَارِ مَا اتَّسَقَا فَعَدِّ عَنْهُمْ
وَدَعْهُمْ إنَّهُمْ هَمَجُ قَدْ بَدَّلُوا بِعُلُوِّ الْهِمَّةِ الْحُمُقَا
وَقَالَ الْمُزَنِيّ : قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ يَا أَبَا إبْرَاهِيمَ الْعِلْمُ
جَهْلٌ عِنْدَ أَهْلِ الْجَهْلِ ، كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ جَهْلٌ عِنْدَ أَهْلِ
الْعِلْمِ ، ثُمَّ أَنْشَدَ الشَّافِعِيُّ لِنَفْسِهِ : وَمَنْزِلَةُ الْفَقِيهِ
مِنْ السَّفِيهِ كَمَنْزِلَةِ السَّفِيهِ مِنْ الْفَقِيهِ فَهَذَا زَاهِدٌ فِي
قُرْبِ هَذَا وَهَذَا فِيهِ أَزْهَدُ مِنْهُ فِيهِ إذَا غَلَبَ الشَّقَاءُ عَلَى
السَّفِيهِ تَنَطَّعَ فِي مُخَالَفَةِ الْفَقِيهِ قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ
وَهَذَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا
يَعْرِفُ الْفَضْلَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ أُولُوا الْفَضْلِ } ثُمَّ رَوَى
بِإِسْنَادِهِ مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ ، وَهُوَ مَشْهُورٌ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا دَخَلَ مِصْرَ أَتَاهُ جُلُّ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ فَابْتَدَأَ يُحَلِّفُ أَصْحَابَ مَالِكٍ
فِي مَسَائِلَ فَتَنَكَّرُوا لَهُ وَجَفَوْهُ فَأَنْشَأَ يَقُولُ .
وَفِي
رِوَايَةٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ لَمَّا دَخَلَ الشَّافِعِيُّ
مِصْرَ أَوَّلَ قُدُومِهِ إلَيْهَا جَفَاهُ النَّاسُ فَلَمْ يَجْلِسْ إلَيْهِ
أَحَدٌ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ قَدِمَ مَعَهُ : لَوْ قُلْت شَيْئًا يَجْتَمِعُ
إلَيْك بِهِ النَّاسُ ،
فَقَالَ إلَيْك عَنِّي وَأَنْشَدَ يَقُولُ : أَأَنْثُرُ دُرًّا بَيْنَ سَارِحَةِ
النَّعَمْ أَأَنْظِمُ مَنْثُورًا لِرَاعِيَةِ الْغَنَمْ لَعَمْرِي لَإِنْ ضُيِّعْتُ
فِي شَرِّ بَلْدَةٍ فَلَسْت مُضَيِّعًا بَيْنَهُمْ غُرَرَ الْكَلِمْ فَإِنْ فَرَّجَ
اللَّهُ اللَّطِيفُ بِلُطْفِهِ وَصَادَفْت أَهْلًا لِلْعُلُومِ وَلِلْحِكَمْ
بَثَثْتُ مُفِيدًا وَاسْتَفَدْتُ وِدَادَهُمْ وَإِلَّا فَمَخْزُونٌ لَدَيَّ
وَمُكْتَتَمْ وَمَنْ مَنَحَ الْجُهَّالَ عِلْمًا أَضَاعَهُ وَمَنْ مَنَعَ
الْمُسْتَوْجِبِينَ فَقَدْ ظَلَمْ .
وَحَكَى ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ
الْعَرَبِ أَنَّهَا تَقُولُ : مَنْ أَمَّلَ رَجُلًا هَابَهُ ، وَمَنْ جَهِلَ
شَيْئًا عَابَهُ ، وَسَيَأْتِي فِي أَنَّ مِنْ الْعِلْمِ " لَا أَدْرِي " قَوْلُهُ
: عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَإِنَّ مِنْ الْقَوْلِ عِيًّا } .
وَقَالَ ابْنُ
عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : يَقُولُ الشَّاعِرُ : أُحِبُّ الْمَكَانَ الْقَفْرَ مِنْ
أَجْلِ أَنَّنِي أُصَرِّحُ فِيهِ بِاسْمِهِ غَيْرَ مُعْجَمِ وَاكَمَدَاهُ مِنْ
مَخَافَةِ الْأَعْيَارِ ، وَاحَصْرَاهُ مِنْ أَجْلِ اسْتِمَاعِ ذِي الْجَهَالَةِ
لِلْحَقِّ وَالْإِنْكَارِ ، وَاَللَّهِ مَا زَالَ خَوَاصُّ عِبَادِ اللَّهِ
يَتَطَلَّبُونَ لِنُزُوحِهِمْ بِمُنَاجَاتِهِمْ رُءُوسَ الْجِبَالِ وَالْبَرَارِي
وَالْقِفَارِ ، لِمَا يَرَوْنَ مِنْ اسْتِزْرَاءِ الْمُنْكِرِينَ بِشَأْنِهِمْ مِنْ
الْأَغْمَارِ ، إلَى أَنْ قَالَ : فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يُنْكِرَ
تَضْلِيعَ أَحْوَالِهِ ، وَتَكْدِيرَ عَيْشِهِ .
وَقَالَ : الْجُهَّالُ
يَفْرَحُونَ بِسُوقِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَ أَلْفُ أَقْرَعَ يَزْعَقُونَ
عَلَى بَقَرَةِ هَرَّاسٍ لَقَوِيَ قَلْبُهُ بِمَا يَعْتَقِدُ أُولَئِكَ ،
وَيَنْفِرُ قَلْبُهُ مِنْ أَدِلَّةِ الْمُحَقِّقِينَ ، بَهِيمَةٌ فِي طِبَاعِ
الْجُهَّالِ لَا تَزُولُ بِمُعَالَجَةٍ .
وَقَالَ : وَيْلٌ لِعَالِمٍ لَا
يَتَّقِي الْجُهَّالَ بِجَهْدِهِ ، قَالَ : وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّحَرُّزُ
مِنْ مَضَارِّ الدُّنْيَا الْوَاقِعَةِ مِنْ جُهَّالِ أَهْلِهَا بِالتَّقِيَّةِ ،
وَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَحْلِفُ بِالْمُصْحَفِ لِأَجْلِ حَبَّةٍ ، وَيَضْرِبُ
بِالسَّيْفِ مَنْ لَقِيَ بِعَصَبِيَّتِهِ ، وَيَرَى قَنَاةً مُلْقَاةً فِي
الْأَرْضِ فَيُنَكِّبُ عَنْ
أَخْذِهَا ، وَالْوَيْلُ لِمَنْ رَأَوْهُ أَكَبَّ رَغِيفًا عَلَى وَجْهِهِ ،
أَوْ تَرَكَ نَعْلَهُ مَقْلُوبَةً ظَهْرُهَا إلَى السَّمَاءِ ، أَوْ دَخَلَ
مَشْهَدًا بِمَدَاسِهِ ، أَوْ دَخَلَ وَلَمْ يُقَبِّلْ الضَّرِيحَ إلَى أَنْ قَالَ
: هَلْ يَسُوغُ لِعَاقِلٍ أَنْ يُهْمِلَ هَؤُلَاءِ وَلَا يَفْزَعُ مِنْهُمْ كُلَّ
الْفَزَعِ ؟ وَيَتَجَاهَلُ كُلَّ التَّجَاهُلِ فِي الْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ
مِنْهُمْ فَإِنَّ الذُّنُوبَ مِمَّا تُقْبَلُ التَّوْبَةُ عَنْهَا وَلَا إقَالَةَ
لِلْعَالِمِ مِنْ شَرِّ هَؤُلَاءِ إذَا زَلَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَكْرَهُونَ
وَيُنْكِرُونَ ، وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ هَوَانٌ ، وَأَبَى إلَّا إهْمَالَهُمْ ،
نَظَرًا إلَيْهِمْ بِعَيْنِ الِازْدِرَاءِ لَهُمْ ، فَقَدْ ضَيَّعَ نَفْسَهُ ،
فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ أَهْوَنُ ، وَهُمْ مِنْهُ أَكْثَرُ ، وَعَلَى الْإِضْرَارِ
بِهِ أَقْدَرُ ، وَهَلْ تَقَعُ الْمَكَارِهُ بِالْمُسْلِمِ إلَّا مِنْ هَؤُلَاءِ
وَأَمْثَالِهِمْ ؟ فَإِذَا احْتَشَمَ الْإِنْسَانُ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ
تَوْقِيرًا لَهُمْ وَتَعْظِيمًا ، أَوْجَبَ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ احْتِشَامَ
هَؤُلَاءِ تَحَدُّرًا وَاتِّقَاءَ فَتْكِهِمْ ، وَهَلْ طَاحَتْ دِمَاءُ
الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ إلَّا بِأَيْدِي هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ ؟
حَيْثُ رَأَوْا مِنْ التَّحْقِيقِ مَا يُنْكِرُونَ ، فَصَالُوا لِمَا قَدَرُوا
عَلَيْهِ ، وَغَالُوا لِمَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ ، فَهُمْ بَيْنَ قَاتِلٍ
لِلْمُتَّقِينَ مُكَاشَفَةً حَالَ الْقُدْرَةِ ، أَوْ غِيلَةً حَالَ الْعَجْزِ ،
فَاسْمَعْ هَذَا سَمْعَ قَابِلٍ فَإِنَّهُ قَوْلٌ مِنْ نَاصِحٍ خَبِيرٍ
بِالْعَالِمِ ، وَلَا تُهَوِّنْ بِهِمْ فَتُهَوِّنَ بِنَفْسِك ، وَيَطِيحُ دَمُك
مِمَّا رَأَيْت مِنْ جَهْلِهِمْ ، إنَّهُمْ يَعْنِي لَا يَرَوْنَ الْحِيَلَ الَّتِي
وَضَعَهَا الْعُلَمَاءُ عَلَى مَا دَلَّهُمْ عَلَيْهَا الشَّرْعُ كَبَيْعِ
الصِّحَاحِ بِفِضَّةٍ قِرَاضَةً لِيَخْرُجَ مِنْ الرِّبَا أَخْذًا لِذَلِكَ مِنْ
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { بِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِ
بِثَمَنِهِ } وَيَقُولُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ هَذَا خِدَاعٌ لِلَّهِ تَعَالَى ،
وَيَعْدِلُ إلَى بَيْعِ الدِّينَارِ الصَّحِيحِ بِدِينَارٍ وَنِصْفٍ قِرَاضَةً ،
وَيَرَى أَنَّ الرِّبَا الصَّرِيحَ خَيْرٌ مِنْ التَّسَيُّبِ الْحَلَالِ بِطَرِيقِ
الشَّرْعِ
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:30

الرِّبَا الصَّرِيحَ خَيْرٌ مِنْ التَّسَيُّبِ الْحَلَالِ بِطَرِيقِ الشَّرْعِ إلَى
أَنْ قَالَ إنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ اللَّحْمِ الَّذِي تُصَدِّقَ
بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ : { هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ } طَرِيقٌ
مُسْتَعْمَلٌ ، وَيَتَعَيَّنُ فِي كُلِّ عَيْنٍ تَحْرُمُ فِي حَقِّنَا لِمَعْنًى
إذَا مَلَكَهَا مَنْ تُبَاحُ لَهُ لِمَعْنًى مُبِيحٍ وَنَقَلَهَا ذَلِكَ إلَيْنَا
بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ مَلَكْنَاهَا ، وَالْعَامَّةُ لَا تَرْضَى ذَلِكَ ، وَتَذُمُّ
الْعَالِمَ الَّذِي يَسْلُكُ هَذَا الْمَسْلَكَ .
وَسَمِعَ وَكِيعُ بْنُ
الْجَرَّاحِ كَلَامَ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَحَرَكَتَهُمْ ، فَقَالَ :
يَا أَصْحَابَ الْحَدِيثِ مَا هَذِهِ الْحَرَكَةُ عَلَيْكُمْ بِالْوَقَارِ
.
وَرَأَى الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِهِمْ
بَعْضُ الْخِفَّةِ فَقَالَ : هَكَذَا تَكُونُونَ يَا وَرَثَةَ الْأَنْبِيَاءِ ؟
.

وَقَالَ سُفْيَانُ : سَمَاعُ الْحَدِيثِ عِزٌّ لِمَنْ أَرَادَ بِهِ
الدُّنْيَا ، وَرَشَادٌ لِمَنْ أَرَادَ بِهِ الْآخِرَةَ ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ
بْنُ مَرْوَانَ لِلشَّعْبِيِّ : يَا شَعْبِيُّ عَهْدِي بِك وَإِنَّك لَغُلَامٌ فِي
الْكُتَّابِ فَحَدِّثْنِي فَمَا بَقِيَ مَعِي شَيْءٌ إلَّا وَقَدْ مَلِلْته سِوَى
الْحَدِيثِ الْحَسَنِ ، وَأَنْشَدَ : وَمَلِلْت إلَّا مِنْ لِقَاءِ مُحَدِّثٍ
حَسَنِ الْحَدِيثِ يَزِيدُنِي تَعْلِيمَا وَقَالَ الْقَاضِي الْمُعَافِي بْنُ
زَكَرِيَّا الْجَرِيرِيُّ لِتَفَقُّهِهِ عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ
الطَّبَرِيِّ قَالَ : نَظِيرُ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الرُّومِيِّ .
وَلَقَدْ
سَئِمْت مَآرِبِي وَكَانَ أَطْيَبَهَا الْحَدِيثُ إلَّا الْحَدِيثَ فَإِنَّهُ
مِثْلُ اسْمِهِ أَبَدًا حَدِيثُ وَبَعْضُ النَّاسِ يَتْرُكُ الصِّفَاتِ
الْمَطْلُوبَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ لِحُصُولِ الرُّتَبِ الْعَالِيَةِ اتِّكَالًا
عَلَى حَسَبِهِ وَنَسَبِهِ ، وَفِعْلِ آبَائِهِ فَهَذَا أَعْمَى فَلِلَّهِ دَرُّ
الْقَائِلِ : لَسْنَا وَإِنْ كَرُمَتْ أَوَائِلُنَا أَبَدًا عَلَى الْأَحْسَابِ
نَتَّكِلُ نَبْنِي كَمَا كَانَتْ أَوَائِلُنَا تَبْنِي وَنَفْعَلُ مِثْلَ مَا
فَعَلُوا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ تَمَثَّلَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ ،
وَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ فِي قَوْلِهِ : يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ كُنْ أَخَا
أَدَبِ مِنْ عَجَمٍ كُنْت أَوْ مِنْ الْعَرَبِ إنَّ الْفَتَى مَنْ يَقُولُ
هَأَنَذَا لَيْسَ الْفَتَى مَنْ يَقُولُ كَانَ أَبِي وَأَحْسَنَ ابْنُ الرُّومِيِّ
فِي قَوْلِهِ : فَلَا تَفْتَخِرْ إلَّا بِمَا أَنْتَ فَاعِلٌ وَلَا تَحْسَبَنَّ
الْمَجْدَ يُورَثُ بِالنَّسَبِ فَلَا لَا يَسُودُ الْمَرْءُ إلَّا بِفِعْلِهِ
وَإِنْ عَدَّ آبَاءً كِرَامًا ذَوِي حَسَبِ إذَا الْعُودُ لَمْ يُثْمِرْ وَإِنْ
كَانَ شُعْبَةً مِنْ الثَّمَرَاتِ اعْتَدَّهُ النَّاسُ فِي الْحَطَبِ وَقَدْ قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ فِي عَصَمَ : وَقَوْلُهُ : مَا وَرَاءَك يَا عِصَامُ
؟ هُوَ اسْمُ حَاجِبِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، وَفِي الْمَثَلِ كُنْ
عِصَامِيًّا وَلَا تَكُنْ عِظَامِيًّا يُرِيدُونَ بِهِ قَوْلُهُ : نَفْسُ عِصَامٍ
سَوَّدَتْ

عِصَامَا وَصَيَّرَتْهُ مَلِكًا هُمَامَا وَعَلَّمَتْهُ الْكَرَّ
وَالْإِقْدَامَا وَلِلْأَصْلِ تَأْثِيرٌ ، وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ
عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ : مَنْ طَابَ أَصْلُهُ حَسُنَ مَحْضَرُهُ ، وَبَعْضُ
النَّاسِ يَحْتَجُّ لِتَرْكِهِ بِكِبَرِ السِّنِّ ، أَوْ عَدَمِ الذَّكَاءِ ، أَوْ
الْقِلَّةِ وَالْفَقْرِ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَمِنْ ذَلِكَ وَسْوَاسُ
الشَّيْطَانِ يُثَبِّطُونَ بِهَا .
وَمَنْ نَظَرَ فِي حَالِ السَّلَفِ
وَجَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْخَلَفِ وَجَدَهُمْ لَا يَلْتَفِتُونَ إلَى هَذِهِ
الْأَعْذَارِ ، وَلَا يُعَرِّجُونَ عَلَيْهَا ، وَقَدْ قِيلَ وَمَنْ يَجْتَهِدْ فِي
نَيْلِ أَمْرٍ وَيَصْطَبِرْ يَنَلْهُ وَإِلَّا بَعْضَهُ إنْ تَعَسَّرَا فَمَا دُمْت
حَيًّا فَاطْلُبْ الْعِلْمَ وَالْعُلَى وَلَا تَأْلُ جُهْدًا أَنْ تَمُوتَ
فَتُعْذَرَا وَلَكِنْ يَنْبَغِي اغْتِنَامُ أَوْقَاتِ الْفَرَاغِ فَإِنَّهُ
أَقْرَبُ إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : { نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ
النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ .
وَذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ النَّحَّاسُ قَوْلَ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ :
بَادِرْ إذَا الْحَاجَاتُ يَوْمًا أَمْكَنَتْ بِوُرُودِهِنَّ مَوَارِدَ الْآفَاتِ
كَمْ مِنْ مُؤَخِّرِ حَاجَةٍ قَدْ أَمْكَنَتْ لِغَدٍ وَلَيْسَ غَدٌ لَهُ بِمُوَاتِ
تَأْتِي الْحَوَادِثُ حِينَ تَأْتِي جَمَّةً وَنَرَى السُّرُورَ يَجِيءُ فِي
الْفَلَتَاتِ وَكَانَ الشَّاشِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْفَقِيهُ
الشَّافِعِيُّ الْمَشْهُورُ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِمِائَةٍ يُنْشِدُ
: تَعَلَّمْ يَا فَتَى وَالْعُودُ رَطْبٌ وَطِينُك لَيِّنٌ وَالطَّبْعُ قَابِلْ
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : إنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ
الدِّينَوَرِيَّ الْحَنْبَلِيَّ تِلْمِيذَ أَبِي الْخَطَّابِ الْمُتَوَفَّى فِي
سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ قَالَ أَنْشَدَنِي : أَخِي لَنْ
تَنَالَ الْعِلْمَ إلَّا بِسِتَّةٍ سَأُنْبِيكَ عَنْ مَكْنُونِهَا بِبَيَانِ
ذَكَاءٍ وَحِرْصٍ وَاجْتِهَادٍ وَبُلْغَةٍ وَإِرْشَادِ أُسْتَاذٍ وَطُولِ زَمَانِ
قَالَ وَأَنْشَدَنِي رَحِمَهُ

اللَّهُ تَعَالَى : تَمَنَّيْت أَنْ تُمْسِي
فَقِيهًا مُنَاظِرًا بِغَيْرِ عَنَاءٍ وَالْجُنُونُ فُنُونُ وَلَيْسَ اكْتِسَابُ
الْمَالِ دُونَ مَشَقَّةٍ تَلَقَّيْتهَا فَالْعِلْمُ كَيْفَ يَكُونُ قَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ : مَا يَتَنَاهَى فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا عَاشِقٌ ، وَالْعَاشِقُ
يَنْبَغِي أَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْمَكَارِهِ .
وَمِنْ ضَرُورَةِ الْمُتَشَاغِلِ
بِهِ الْبُعْدُ عَنْ الْكَسْبِ ، وَقَدْ فُقِدَ التَّفَقُّدُ لَهُمْ مِنْ
الْأُمَرَاءِ وَمِنْ الْإِخْوَانِ ، وَلَازَمَهُمْ الْفَقْرُ ، وَالْفَضَائِلُ
يُنَادَى عَلَيْهَا : { هُنَالِكَ اُبْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا
زِلْزَالًا شَدِيدًا } فَلَمَّا أَجَابَتْ مَرَارَةُ الِابْتِلَاءِ قَالَتْ : لَا
تَحْسَبْ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى
تَلْعَقَ الصَّبِرَا ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَشَأْنِهِ وَقَالَ : فَمَا شَاعَ لَهُ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ جُزَافًا ، وَلَا
تَرَدَّدَتْ الْأَقْدَامُ إلَى قَبْرِهِ إلَّا لِمَعْنًى عَجِيبٍ ، فَيَا لَهُ
ثَنَاءً مَلَأَ الْآفَاقَ وَجَمَالًا زَيَّنَ الْوُجُودَ ، وَعِزًّا نَسَخَ كُلَّ
ذُلٍّ ، هَذَا فِي الْعَاجِلِ ، وَثَوَابُ الْآجِلِ لَا يُوصَفُ ، وَتَلْمَحُ
قُبُورَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لَا تُعْرَفُ وَلَا تُزَارُ ، تَرَخَّصُوا
وَتَأَوَّلُوا وَخَالَطُوا السَّلَاطِينَ فَذَهَبَتْ بَرَكَةُ الْعِلْمِ وَمُحِيَ
الْجَاهُ ، وَوَرَدُوا عِنْدَ الْمَوْتِ حِيَاضَ النَّدَمِ ، فَيَالَهَا حَسَرَاتٍ
لَا تَتَلَافَى ، وَخُسْرَانًا لَا يَنْجَبِرُ ، كَانَتْ صُحْبَةُ اللَّذَّاتِ
كَطَرْفَةِ عَيْنٍ ، وَلَازَمَ الْأَسَفُ دَائِمًا .
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ
: يَا نَفْسُ مَا هُوَ إلَّا صَبْرُ أَيَّامِ كَأَنَّ مُدَّتَهَا أَضْغَاثُ
أَحْلَامِ يَا نَفْسُ جُوزِي عَنْ الدُّنْيَا مُبَادِرَةً وَخَلِّ عَنْهَا فَإِنَّ
الْعَيْشَ قُدَّامِي ثُمَّ أَيُّهَا الْعَالِمُ الْفَقِيرُ أَيَسُرُّك مُلْكُ
سُلْطَانٍ مِنْ السَّلَاطِينِ ، وَأَنَّ مَا تَعْلَمُهُ مِنْ الْعِلْمِ لَا
تَعْلَمُهُ ؟ كَلًّا مَا أَظُنُّ الْمُتَيَقِّظَ يُؤْثِرُ هَذَا ، ثُمَّ أَنْتَ
إذَا وَقَعَ لَك خَاطِرٌ مُسْتَحْسَنٌ ، أَوْ مَعْنًى عَجِيبٌ تَجِدُ لَذَّةً لَا
يَجِدُهَا مُلْتَذٌّ بِاللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ ،

فَقَدْ حُرِمَ مِنْ
رِزْقِ اللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ مَا قَدْ رُزِقْت .
وَقَدْ شَارَكْتَهُمْ فِي
قِوَامِ الْعَيْشِ ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْفُضُولُ الَّتِي إذَا حُذِفَتْ لَمْ
تَكَدْ تَضُرُّ ، ثُمَّ هِيَ عَلَى الْمُخَاطَرَةِ فِي بَابِ الْآخِرَةِ غَالِبًا
وَأَنْتَ عَلَى السَّلَامَةِ فِي الْأَغْلَبِ ، فَتَلَمَّحْ يَا أَخِي عَوَاقِبَ
الْأَحْوَالِ ، وَاقْمَعْ الْكَسَلَ الْمُثَبِّطَ عَنْ الْفَضَائِلِ
.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَضَائِلَ لَا تُنَالُ بِالْهُوَيْنَا ، فَبَارَكَ
اللَّهُ لِأَهْلِ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ ، فَنَحْنُ الْأَغْنِيَاءُ وَهُمْ
الْفُقَرَاءُ ، فَإِنْ عَمَّرُوا دَارًا سَخَّرُوا الْفَعَلَةَ ، وَإِنْ جَمَعُوا
مَالًا فَمِنْ وُجُوهٍ لَا تَصْلُحُ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَخَافُ أَنْ
يُقْتَلَ أَوْ يُعْزَلَ أَوْ يُسَمَّ ، فَعَيْشُهُمْ نَغَصٌ ، الْعِزُّ فِي
الدُّنْيَا لَنَا لَا لَهُمْ ، وَإِقْبَالُ الْخَلْقِ عَلَيْنَا ، وَفِي الْآخِرَةِ
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ تَفَاوُتٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَالْعَجَبُ
لِمَنْ شَرُفَتْ نَفْسُهُ حَتَّى طَلَبَ الْعِلْمَ إذْ لَا تَطْلُبُهُ إلَّا نَفْسٌ
شَرِيفَةٌ كَيْفَ يَذِلُّ لِنَذْلٍ ، مَا عِزُّهُ إلَّا بِالدُّنْيَا ، وَلَا
فَخْرُهُ إلَّا بِالْمَسْكَنَةِ ، وَقَالَ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا عَيْشٌ إلَّا
لِعَالِمٍ أَوْ زَاهِدٍ قَالَ وَإِذَا قَنَعَا بِمَا يَكُفُّ لَمْ يَتَمَنْدَلْ
بِهِمَا سُلْطَانٌ ، وَلَمْ يُسْتَخْدَمَا بِالتَّرْدَادِ إلَى بَابِهِ ، وَلَمْ
يَحْتَجْ الزَّاهِدُ إلَى تَصَنُّعٍ ، وَالْعَيْشُ اللَّذِيذُ الْمُنْقَطِعُ
الَّذِي لَا يُتَمَنْدَلُ بِهِ وَلَا يُحْمَلُ مِنْهُ ، وَمَا أَكْثَرَ تَفَاوُتَ
النَّاسِ فِي الْفَهْمِ حَتَّى الشُّعَرَاءُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : هَمُّهَا
الْعِطْرُ وَالْفِرَاشُ وَيَعْلُو هَا لُجَيْنٌ وَلُؤْلُؤٌ مَنْظُومُ وَهَذَا
قَاصِرٌ فَإِنَّهُ لَوْ فَعَلَتْ هَذَا سَوْدَاءُ لِحُسْنِهَا ، إنَّمَا الْمَادِحُ
هُوَ الْقَائِلُ : أَلَمْ تَرَ أَنِّي كُلَّمَا جِئْت زَائِرًا وَجَدْت بِهَا
طِيبًا وَإِنْ لَمْ تَطَيَّبْ وَكَقَوْلِ الْآخَرِ : أَدْعُو إلَى هَجْرِهَا
قَلْبِي فَيَتْبَعُنِي حَتَّى إذَا قُلْت هَذَا صَادِقٌ نَزَعَا وَلَوْ كَانَ
صَادِقًا فِي الْمَحَبَّةِ لَمَا كَانَ لَهُ قَلْبٌ يُخَاطِبُهُ ، وَإِذَا
خَاطَبَهُ فِي الْهَجْرِ .
لَمْ يُوَافِقْهُ ، إنَّمَا الْمُحِبُّ الصَّادِقُ
هُوَ الْقَائِلُ : يَقُولُونَ لَوْ عَاتَبْت قَلْبَك لَارْعَوَى فَقُلْت وَهَلْ
لِلْعَاشِقَيْنِ قُلُوبُ انْتَهَى كَلَامُهُ وَالْبَيْتُ الثَّانِي لِامْرِئِ
الْقَيْسِ قَالَهُ فِي أُمِّ جُنْدُبٍ .
وَقَالَ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ السِّرُّ
الْمَصُونُ : مِثْلُ الْمُحِبِّ لِلْعِلْمِ مِثْلُ الْعَاشِقِ ، فَإِنَّ الْعَاشِقَ
يَهْتَمُّ

بِمَعْشُوقِهِ ، وَيَهِيمُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ الْمُحِبُّ
لِلْعِلْمِ ، فَكَمَا أَنَّ الْعَاشِقَ يَبِيعُ أَمْلَاكَهُ ، وَيُنْفِقُهَا عَلَى
مَعْشُوقِهِ فَيَفْتَقِرُ كَذَلِكَ مُحِبُّ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَسْتَغْرِقُ فِي
طَلَبِهِ الْعُمُرَ فَيَذْهَبُ مَالُهُ ، وَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْكَسْبِ ، فَإِذَا
احْتَاجَ دَخَلَ فِي مُدَاخِلٍ صَعْبَةٍ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَعَلَّقُ
بِالسَّلَاطِينِ إمَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي أَشْغَالِهِمْ ، أَوْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ
وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَطْلُبُ مِنْ الْعَوَامّ الْبُخَلَاءِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ
يَرْجِعُ عَنْ الْجِدِّ فِي الْعِلْمِ إلَى الْكَسْبِ .

وَقَدْ كَانَ
لِلْعُلَمَاءِ قَدِيمًا حَظٌّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يُغْنِيهِمْ ، وَكَانَ فِيهِمْ
مَنْ يَعِيشُ فِي ظِلِّ سُلْطَانٍ كَأَبِي عُبَيْدٍ مَعَ ابْنِ طَاهِرٍ ،
وَالزَّجَّاجِ مَعَ ابْنِ وَهْبٍ ، ثُمَّ كَانَ لِلْعُلَمَاءِ مَنْ يُرَاعِيهِمْ
مِنْ الْإِخْوَانِ حَتَّى قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : لَوْلَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ
مَا اتَّجَرْت ، وَكَانَ يُبْعَثُ بِالْمَالِ إلَى الْفُضَيْلِ وَغَيْرِهِمْ ،
ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَصَارَ أَقْوَامٌ مِنْ التُّجَّارِ يَفْتَقِدُونَ
الْعُلَمَاءَ بِالزَّكَاةِ فَيَنْدَفِعُ الزَّمَانُ ، وَقَدْ وَصَلْنَا إلَى
زَمَانٍ تَقَطَّعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَسْبَابُ حَتَّى لَوْ احْتَاجَ الْعَالِمُ
فَطَلَبَ لَمْ يُعْطَ ، فَأَوْلَى النَّاسِ بِحِفْظِ الْمَالِ وَتَنْمِيَةِ
الْيَسِيرِ مِنْهُ وَالْقَنَاعَةِ بِقَلِيلِهِ تَوْفِيرًا لِحِفْظِ الدِّينِ
وَالْجَاهِ ، وَالسَّلَامَةِ مِنْ مِنَنِ الْعَوَامّ الْأَرَاذِلِ الْعَالِمُ
الَّذِي فِيهِ دِينٌ وَلَهُ أَنَفَةٌ مِنْ الذُّلِّ .
وَقَدْ قَالَ مَنْصُورُ
بْنُ الْمُعْتَمِرِ : إنَّ الرَّجُلَ لَيَسْقِينِي شُرْبَةً مِنْ مَاءٍ فَكَأَنَّهُ
دَقَّ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِي ، وَقَدْ كَانَ أَقْوَامٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا
افْتَقَرُوا لَا يَرَوْنَ سُؤَالَ النَّاسِ فَيَخْرُجُونَ إلَى جَبَلٍ فَيَمُوتُونَ
فِيهِ .
فَإِذَا اتَّفَقَ لِلْعَالِمِ عَائِلَةٌ ، وَحَاجَاتٌ وَكَفَّتْ أَكُفُّ
النَّاسِ عَنْهُ ، وَمَنَعَتْهُ أَنَفَتُهُ مِنْ الذُّلِّ هَلَكَ ، فَالْأَوْلَى
لِمِثْلِ هَذَا ( الْعَالِمِ ) فِي هَذَا الزَّمَانِ الْمُظْلِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ
فِي كَسْبٍ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ نَسَخَ بِأُجْرَةٍ ،
وَيُدَبِّرُ مَا يُحَصِّلُ لَهُ ، وَيَدَّخِرُ الشَّيْءَ لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ
لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى نَذْلٍ .
وَقَدْ يَتَّفِقُ لِلْعَالِمِ مِرْفَقٌ ،
فَيُنْفِقُ ، وَلَا يَدَّخِرُ عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْحَالِ وَنِسْيَانًا لِمَا
يَجُوزُ وُقُوعُهُ مِنْ انْقِطَاعِ الْمِرْفَقِ وَطَبْعًا فِي نَفْسِهِ مِنْ
الْبَذْلِ وَالْكَرَمِ ، فَيُخْرِجُ مَا فِي يَدِهِ فَيَنْقَطِعُ مِرْفَقُهُ
فَيُلَاقِي مِنْ الضَّرَرِ ، أَوْ مِنْ الذُّلِّ مَا يَكُونُ الْمَوْتُ دُونَهُ
.
فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَى الْحَالِ
الْحَاضِرَةِ

، بَلْ يُصَوِّرُ كُلَّ مَا يَجُوزُ وُقُوعُهُ .
وَأَكْثَرُ
النَّاسِ لَا يَنْظُرُونَ فِي الْعَوَاقِبِ ، فَكَمْ مِنْ مُخَاصِمٍ سَبَّ وَشَتَمَ
وَطَلَّقَ ، فَلَمَّا أَفَاقَ نَدِمَ ، وَقَدْ كَانَ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ
يَزْهَدُ وَدَفَنَ كُتُبَهُ فَلَمْ يَصْبِرْ عَنْ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَ مِنْ
حِفْظِهِ فَغَلِطَ فَضَعَّفُوهُ ، وَقَدْ تَزَهَّدَ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، فَأَخْرَجُوا
مَا بِأَيْدِيهِمْ ، ثُمَّ احْتَاجُوا فَدَخَلُوا فِي مَكْرُوهَاتٍ ، وَكَانَ
الشِّبْلِيُّ يَقْدِرُ عَلَى خَمْسِينَ أَلْفًا فَتَزَهَّدَ ، وَفَرَّقَهَا
فَنَزَلَ بِهِ قَوْمٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ فَبَعَثَ إلَى بَعْضِ أَرْبَابِ
الدُّنْيَا يَطْلُبُ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ يَا شِبْلِيُّ : اُطْلُبْ مِنْ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَالَ لَهُ : أَنَا أَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ،
وَأَطْلُبُ الدُّنْيَا مِنْ خَسِيسٍ مِثْلِك ، فَبَعَثَ إلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ
.
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:32

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : إنْ كَانَ بَعَثَ إلَيْهِ اتِّقَاءَ ذَمِّهِ فَقَدْ أَكَلَ
الشِّبْلِيُّ الْحَرَامَ ، وَقَدْ تَزَهَّدَ أَبُو حَامِدٍ الطُّوسِيُّ ، وَأَقَامَ
سِنِينَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ عَادَ إلَى وَطَنِهِ فَبَنَى دَارًا
كَبِيرَةً وَغَرَسَ بُسْتَانًا .
فَمِثْلُ هَذَا الْمُتَزَهِّدِ الْمُخْرِجِ
لِمَالِهِ كَمُعِيرٍ لِبَاسَهُ ، كَمِثْلِ مَاءٍ عُمِلَ لَهُ سَكْرٌ فَإِنَّهُ
يَمْنَعُهُ مِنْ الْجَرَيَانِ ، ثُمَّ يُعْمَلُ فِي بَاطِنِ السَّكْرِ إلَى أَنْ
يَنْقُبَ ، وَلِهَذَا كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا رَأَى
شُبَّانًا قَدْ تَنَسَّكُوا يَقُولُ : الْمَوْتُ الْمَوْتُ جَاءَهُمْ ، خَوْفًا
مِنْ تَغْيِيرِ حَالِهِمْ .
وَكَذَلِكَ مُخْرِجُ الْمَالِ فِي حَالِ الْغِنَى
إذَا لَمْ يَحْسِبْ وُقُوعَ الْفَقْرِ .
وَقَدْ رَأَيْنَا أَبَا الْحَسَنِ
الْغَزْنَوِيَّ وَقَدْ بَنَى لَهُ رِبَاطًا بِبَغْدَادَ وَوُقِفَتْ عَلَيْهِ
قَرْيَةٌ فَكَانَ يَقُولُ : يَدْخُلُ لِي فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَةُ آلَافٍ
وَسِتُّ مِائَةِ دِينَارٍ فَأَلْفٌ وَمِائَتَانِ لِي وَلِأَوْلَادِي ، وَأَلْفٌ
وَمِائَتَانِ لِأَهْلِ الرِّبَاطِ ، وَأَلْفٌ وَمِائَتَانِ لِلْمَجْلِسِ ، فَكَانَ
يُعْطِي الْعُلَمَاءَ وَالْقُرَّاءَ وَالزُّهَّادَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ أَحَدٌ
حَتَّى إنَّهُ أَفْطَرَ فِي

رَمَضَانَ عِنْدَ الْوَزِيرِ أَبِي الْقَاسِمِ
الزَّيْنِيِّ ، فَبَعَثَ إلَيْهِ خِلْعَةً قَبْلَ الْعِيدِ وَهَذِهِ عَادَتُهُمْ
فِيمَنْ يُفْطِرُ عِنْدَهُمْ فَحَدَّثَنِي الْحَاجِبُ أَنَّهُ حَمَلَهَا إلَيْهِ
فَقَالَ : لَا أَقْبَلُ ، قَالَ : فَقَبَّحْت لَهُ هَذَا وَبَالَغْت حَتَّى قَبِلَ
عَلَى مَضَضٍ .
وَكَانَ يَقُولُ : عُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسَةُ آلَافِ دِينَارٍ
فَدَفَعْتهَا بِهَذِهِ الْأَصَابِعِ الْخَمْسِ ، وَقُلْت : لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا
، وَكَانَ يَظُنُّ دَوَامَ مَا هُوَ فِيهِ فَاتَّفَقَ مَوْتُ السُّلْطَانِ
مَسْعُودٍ فَأُحْضِرَ بَابَ الْحَاكِمِ وَوُكِّلَ بِهِ وَأُخِذَتْ مِنْهُ
الْقَرْيَةُ فَافْتَقَرَ ، فَحَدَّثَنِي مَحَاسِنُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ : كَانَ
بَيْنَ الْغَزْنَوِيِّ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْمُلَقَّبِ شَيْخُ الشُّيُوخِ
وَحْشَةٌ .
فَلَمَّا افْتَقَرَ الْغَزْنَوِيُّ بَعَثَ مَعِي إلَيْهِ بِمِائَةِ
دِينَارٍ وَرُقْعَةٍ بِكَارَاتِ دَقِيقٍ فَجِئْت بِهَا إلَيْهِ ، فَقَالَ : لَا
أَقْبَلُ ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيَّ لِانْبِسَاطٍ كَانَ
بَيْنَنَا ، فَقَالَ لِي : أَغْنِنِي أَنْتَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَخَمْسِ
كَارَاتٍ ، فَالصِّبْيَانُ جِيَاعٌ ، وَكَانَ يَقُولُ : مِنْ النَّاسِ مَنْ يُحِبُّ
الْمَوْتَ فَمَاتَ قَرِيبًا .
وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ
دِجْلَةَ قُرًى .

وَالْحَازِمُ مَنْ يَحْفَظُ مَا فِي يَدِهِ كَمَا قَالَ
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : مَنْ كَانَ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ فَلْيَجْعَلْهُ
فِي قَرْنِ ثَوْرٍ فَإِنَّهُ زَمَانٌ مَنْ احْتَاجَ فِيهِ كَانَ أَوَّلُ مَا
يَبْذُلُ دِينَهُ .
وَقَدْ كَانَ صَالِحُ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ تَوَلَّى
الْقَضَاءَ بِأَصْبَهَانَ فَلَمَّا قُرِئَ عَهْدُهُ بَكَى وَقَالَ ابْنُ عَيْنٍ
أَبِي تَرَانِي وَعَلَيَّ السَّوَادُ ؟ وَلَكِنْ مَا تَوَلَّيْت حَتَّى رَكِبَنِي
الدَّيْنُ وَكَثُرَ الْعِيَالُ ، وَكَذَلِكَ يُحْكَى عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ
وَغَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ .
وَقَدْ كَانَ الْمُتَوَكِّلُ يَبْعَثُ إلَى
أَوْلَادِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْأُلُوفَ ، وَإِنَّمَا كَانَ صَالِحٌ سَخِيًّا ،
فَالسَّخِيُّ الَّذِي لَا يَحْسَبُ إلَّا خَيْرًا لَا يَفِي سَخَاؤُهُ بِمَا
يَلْقَى إذَا افْتَقَرَ .

وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي حَقِّ
الْكَرِيمِ جِهَادٌ لِأَنَّهُ قَدْ أَلِفَ الْكَرَمَ ، كَمَا أَنَّ إخْرَاجَ مَا
فِي يَدِ الْبَخِيلِ جِهَادٌ .
فَإِنَّمَا يَسْتَعِينُ الْكَرِيمُ عَلَى
الْإِمْسَاكِ بِذِكْرِ الْحَاجَةِ إلَى الْأَنْذَالِ قِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ :
لِمَ حَفِظَتْ الْفَلَاسِفَةُ الْمَالَ ؟ فَقَالَ : لِئَلَّا يَقِفُوا مَوَاقِفَ
لَا تَلِيقُ بِهِمْ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَقَدْ رَأَيْت أَنَا
بِبَغْدَادَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ، وَدَخَلَ فَكَانَ
الْخَلْقُ يَتَقَرَّبُونَ إلَى السَّلَاطِينِ وَيَطْلُبُونَ مِنْهُمْ وَهُوَ لَا
يُبَالِي فَكُنْت أَغْبِطُهُ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَنْ احْتَاجَ إلَى
السَّلَاطِينِ يُذِلُّونَهُ وَيَحْتَقِرُونَهُ وَرُبَّمَا مَنَعُوهُ ، فَإِنْ
أَعْطَوْهُ أَخَذُوا مِنْ دِينِهِ أَكْثَرَ قَالَ الرَّشِيدُ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ
: أَتَيْنَاك فَانْتَفَعْنَا وَأَتَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فَلَمْ نَنْتَفِعْ
بِهِ ، وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ : قَدْ كُنْت أُوتِيت فَهْمًا فِي
الْقُرْآنِ فَلَمَّا أَخَذْت مِنْ مَالِ أَبِي جَعْفَرٍ حُرِمْت ذَلِكَ .
وَإِنْ
احْتَاجَ الْإِنْسَانُ إلَى الْعَوَامّ بَخِلُوا فَإِنْ أَعْطَوْا تَضَجَّرُوا
وَمَنُّوا .
وَقَلَّ مَنْ رَأَيْنَاهُ يُنَافِقُ ، أَوْ يُرَائِي ، أَوْ
يَتَوَاضَعُ لِصَاحِبِ دُنْيَا إلَّا لِأَجْلِ الدُّنْيَا .
وَالْحَاجَةُ
تَدْعُو إلَى كُلِّ مِحْنَةٍ ، قَالَ بِشْرٌ الْحَافِيُّ : لَوْ أَنَّ لِي
دَجَاجَةً أَعُولُهَا خِفْت أَنْ أَكُونَ عَشَّارًا عَلَى الْجِسْرِ : فَيَنْبَغِي
لِلْعَاقِلِ أَنْ يَجْمَعَ هَمُّهُ لِيُقْبِلَ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ
بِقَلْبٍ فَارِغٍ مِنْ الْهَمِّ وَبَعْدُ فَإِذَا صَدَقَتْ نِيَّةُ الْعَبْدِ ،
وَقَصْدُهُ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَحَفِظَهُ مِنْ الذُّلِّ وَدَخَلَ فِي
قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }
.
وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنُ عَقِيلٍ نَحْوَ ثُلُثَيْ الْكِتَابِ فِي إخْرَاجِ
الْمَالِ وَالْكَرَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ أَيْضًا فِي كِتَابِ
السِّرُّ الْمَصُونُ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ سِبَاقِ
وَتَحْصِيلِ

الْفَضَائِلِ ، وَأَنَّهُ كُلَّمَا عَلَتْ مَرْتَبَتُهُ فِي
عِلْمٍ وَعَمَلٍ زَادَتْ الْمَرْتَبَةُ فِي دَارِ الْجَزَاءِ ، انْتَهَبَ
الزَّمَانَ ، وَلَمْ يُضَيِّعْ لَحْظَةً وَلَمْ يَتْرُكْ فَضِيلَةً تُمْكِنُهُ
إلَّا حَصَّلَهَا ، وَمَنْ وُفِّقَ لِهَذَا فَلْيَبْتَكِرْ زَمَانَهُ بِالْعِلْمِ ،
وَلْيُصَابِرْ كُلَّ مِحْنَةٍ وَفَقْرٍ ، إلَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَا يُرِيدُ ،
وَلْيَكُنْ مُخْلِصًا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ عَامِلًا بِهِ حَافِظًا لَهُ ، فَإِمَّا
أَنْ يَفُوتَهُ الْإِخْلَاصُ فَذَاكَ تَضْيِيعُ زَمَانٍ وَخُسْرَانُ الْجَزَاءِ ،
وَإِمَّا أَنْ يَفُوتَهُ الْعَمَلُ بِهِ فَذَاكَ يُقَوِّي الْحُجَّةَ عَلَيْهِ
وَالْعِقَابَ لَهُ ، وَإِمَّا جَمَعَهُ مِنْ غَيْرِ حِفْظٍ ، فَإِنَّ الْعِلْمَ مَا
كَانَ فِي الصُّدُورِ لَا فِي الْقِمْطَرِ .
وَمَتَى أَخْلَصَ فِي طَلَبِهِ
دَلَّهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَى أَنْ قَالَ : وَلْيَبْعُدْ عَنْ
مُخَالَطَةِ الْخَلْقِ مَهْمَا أَمْكَنَ خُصُوصًا الْعَوَامَّ ، وَلْيَصُنْ
نَفْسَهُ مِنْ الْمَشْيِ فِي الْأَسْوَاقِ فَرُبَّمَا وَقَعَ الْبَصَرُ عَلَى
فِتْنَةٍ ، وَلْيَجْتَهِدْ فِي مَكَان لَا يَسْمَعُ فِيهِ أَصْوَاتَ النَّاسِ ،
وَلْيُزَاحِمْ الْقُدَمَاءَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ مُنْتَهِبًا
الزَّمَانَ فِي كُلِّ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ
مَارٌّ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى الْعَيْشِ مَعَهُ ، وَعِنْدَهُ وَإِنَّ
أَيَّامَ الدُّنْيَا أَيَّامُ سَفَرٍ صَبَرَ عَلَى تَفَثِ السَّفَرِ وَوَسَخِهِ
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَدْ قَالَ أَيْضًا : لَوْ صَدَقْت فِي الطَّلَبِ ، (
لَوَقَعْتَ ) عَلَى كَنْزِ الذَّهَبِ ، وَلَوْ وَجَدُوك مُسْتَقِيمًا ، مَا
تَرَكُوك سَقِيمًا شِعْرٌ : وَرُبَّمَا غُوفِصَ ذُو غَفْلَةٍ أَصَحُّ مَا كَانَ
وَلَمْ يَسْقَمْ يَا وَاضِعَ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ خَاطَبَك الْقَبْرُ وَلَمْ
تَفْهَمْ خَاضُوا أَمْرَ الْهَوَى فِي فُنُونٍ فَزَادَهُمْ فِي اسْمِ هَوَاهُمْ
حَرْفَ نُونِ وَقَالَ أَيْضًا : اعْلَمْ أَنَّ الرَّاحِلَةَ لَا تُنَالُ
بِالرَّاحَةِ وَمَعَالِي الْأُمُورِ لَا تُنَالُ بِالرَّاحَةِ ، فَمَنْ زَرَعَ
حَصَدَ ، وَمَنْ جَدَّ وَجَدَ : تَفَانَى الرِّجَالُ عَلَى حُبِّهَا وَمَا
يَحْصُلُونَ عَلَى طَائِلِ لَا

يُعْجِبَنَّك لِينُهَا فَجِلْدُ الْحَيَّةِ
كَالْحَرِيرِ ، وَلَقَدْ رَأَيْت كَيْفَ غَرَّتْ غَيْرَك وَالْعَاقِلُ بَصِيرٌ
.
أَتَرَى يَنْفَعُ هَذَا الْعِتَابُ ؟ أَتَرَى يُسْمَعُ لِهَذَا الْعَذَلِ
جَوَابٌ ؟ إذَا أَقْلَقَهُمْ الْخَوْفُ نَاحُوا ، وَإِذَا أَزْعَجَهُمْ الْوَجْدُ
صَاحُوا ، وَإِذَا غَلَبَهُمْ الشَّوْقُ بَاحُوا .
شِعْرٌ : وَحُرْمَةِ الْوُدِّ
مَا لِي عَنْكُمْ عِوَضُ وَلَيْسَ وَاَللَّهِ لِي فِي غَيْرِكُمْ غَرَضُ وَمِنْ
حَدِيثِي بِكُمْ قَالُوا بِهِ مَرَضُ فَقُلْت لَا زَالَ عَنِّي ذَلِكَ الْمَرَضُ
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ بَعْدَ جَمْعِهِ لِطُرُقٍ
وَأَسَانِيدَ أَظُنُّهُ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ
وَهُوَ تَابِعِيٌّ إمَامٌ عَابِدٌ أَنَّهُ قَالَ : لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ
بِرَاحَةِ الْجِسْمِ وَقَدْ قِيلَ .
لَيْسَ الْيَتِيمُ الَّذِي قَدْ مَاتَ
وَالِدُهُ إنَّ الْيَتِيمَ يَتِيمُ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ
كَمَا قَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمَذْكُورِ
فَيَنْبَغِي لِلْمَشَايِخِ الْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ ، وَالصَّبْرُ عَلَى مَا يَكُونُ
مِنْهُمْ وَاللُّطْفُ بِهِمْ ، لِئَلَّا يَتَضَاعَفَ أَلَمُهُمْ وَهَمُّهُمْ ،
فَيَضْعُفَ الصَّبْرُ ، وَتَحْصُلَ النَّفْرَةُ عَنْ الْعِلْمِ ، وَاسْتِحْبَابُ
ذَلِكَ مِنْ الطَّلَبَةِ أَوْلَى بِهِمْ وَالْأَدَبُ وَالتَّلَطُّفُ وَمَا
يُعِينُهُمْ عَلَى الْمَقْصُودِ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا جَاءَكَ
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ
عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ {
بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا ، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا } .
وَفِي
مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ }
وَقَدْ ذَكَرْت قَوْلَهُ لِمُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى حِينَ بَعَثَهُمَا إلَى
الْيَمَنِ { : بَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا ، وَيَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا ،
وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا } ، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ يَقُولُ : مَرْحَبًا
بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا
إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ أَبِي سُوَيْدٍ
عَنْ

عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ قَالَ { : عَلِّمُوا وَلَا تُعَنِّفُوا فَإِنَّ الْمُعَلِّمَ خَيْرٌ مِنْ
الْمُعَنِّفِ } .
حُمَيْدٌ لَهُ مَنَاكِيرُ تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ
وَغَيْرُهُ ، وَيَأْتِي قَبْلَ ذِكْرِ الْكَرَمِ وَالْبُخْلِ فِي فُضُولِ الْكَسْبِ
قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْبَاقِي الْحَنْبَلِيِّ : يَجِبُ عَلَى
الْمُعَلِّمِ أَنْ لَا يُعَنِّفَ ، وَعَلَى الْمُتَعَلِّمِ أَنْ لَا يَأْنَفَ
.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ : كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا جَاءَهُ أَصْحَابُهُ قَالَ
: أَنْتُمْ جَلَاءُ قَلْبِي .
وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ فُصُولِ الْعِلْمِ قَوْلُ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : تَوَاضَعُوا لِمَنْ عَلَّمَكُمْ ، وَتَوَاضَعُوا
لِمَنْ تُعَلِّمُونَ ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ جَبَّارِي الْعُلَمَاءِ ، وَيَأْتِي
بَعْدَهُ فِي فَصْلٍ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : قَوْلُ عُمَرَ لَا تَعْلَمْ الْعِلْمَ
لِتُمَارِيَ بِهِ ، وَلَا لِتُرَائِيَ بِهِ ، وَلَا لِتُبَاهِيَ بِهِ ، وَلَا
تَتْرُكْهُ حَيَاءً مِنْ طَلَبِهِ وَلَا زَهَادَةً فِيهِ ، وَلَا رِضَاءً
بِالْجَهَالَةِ ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ : مَنْ رَقَّ وَجْهُهُ رَقَّ
عِلْمُهُ ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ
لِحَلْقَةٍ قَدْ جَلَسُوا إلَى جَانِبِ الْكَعْبَةِ فَلَمَّا قَضَى طَوَافُهُ
جَلَسَ إلَيْهِمْ ، وَقَدْ نَحَّوْا الْفِتْيَانَ عَنْ مَجْلِسِهِمْ ، فَقَالَ :
لَا تَفْعَلُوا أَوْسِعُوا لَهُمْ وَأَدْنُوهُمْ وَأَلْهِمُوهُمْ ، فَإِنَّهُمْ
الْيَوْمَ صِغَارُ قَوْمٍ يُوشِكُ أَنْ يَكُونُوا كِبَارَ قَوْمٍ آخَرِينَ قَدْ
كُنَّا صِغَارَ قَوْمٍ أَصْبَحْنَا كِبَارَ آخَرِينَ .
وَهَذَا صَحِيحٌ لَا
شَكَّ فِيهِ ، وَالْعِلْمُ فِي الصِّغَرِ أَثْبَتُ فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ
بِصِغَارِ الطَّلَبَةِ لَا سِيَّمَا الْأَذْكِيَاءِ الْمُتَيَقِّظِينَ
الْحَرِيصِينَ عَلَى أَخْذِ الْعِلْمِ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ عَلَى
ذَلِكَ صِغَرُهُمْ أَوْ فَقْرُهُمْ وَضَعْفُهُمْ مَانِعًا مِنْ مُرَاعَاتِهِمْ ،
وَالِاعْتِنَاءِ بِهِمْ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ قَرِيبًا كَلَامُ
الشَّاشِيِّ .
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ ( طَرِيقَيْنِ ) عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { : مَنْ تَعَلَّمَ

الْقُرْآنَ فِي شَبِيبَتِهِ
اخْتَلَطَ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ ، وَمَنْ تَعَلَّمَهُ فِي كِبَرِهِ فَهُوَ
يَتَفَلَّتُ مِنْهُ وَلَا يَتْرُكْهُ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ } ، وَلِآخِرِهِ
شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ
قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ فَهُوَ مِمَّنْ أُوتِيَ الْحُكْمَ صَبِيًّا .
وَرَوَاهُ
بَعْضُهُمْ مَرْفُوعًا .
وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : الْعِلْمُ فِي
الصِّغَرِ ، كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ
إسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ مُرْسَلًا " مَنْ تَعَلَّمَ وَهُوَ
شَابٌّ كَانَ كَرَسْمٍ فِي حَجَرٍ ، وَمَنْ تَعَلَّمَ فِي الْكِبَرِ كَانَ
كَالْكَاتِبِ عَلَى ظَهْرِ الْمَاءِ " وَقَالَ عَلْقَمَةُ : مَا تَعَلَّمْته
وَأَنَا شَابٌّ فَكَأَنَّمَا أَقْرَأهُ مِنْ دَفْتَرٍ .
وَقَدْ تَوَاتَرَ
تَعْظِيمُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَايَةً حَتَّى بُهِرَ الْأَعْدَاءُ كَمَا فِي حَدِيثِ صُلْحِ
الْحُدَيْبِيَةِ وَغَيْرِهِ ، وقَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } .
وَقَوْلُ عُمَرَ {
جَلَسْنَا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ
كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ } { وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَعُونَ
بَابَهُ بِالْأَظَافِيرِ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِمِ عَنْ
الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ الْحَافِظِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ
الزَّبْيَقِيِّ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى الْمُنْقِرِيِّ حَدَّثَنَا
الْأَصْمَعِيُّ حَدَّثَنَا كَيْسَانُ مَوْلَى هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامٍ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ
وَرَوَيْنَاهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : " مِنْ السُّنَّةِ أَنْ
يُوَقَّرَ أَرْبَعَةٌ : الْعَالِمُ ، وَذُو الشَّيْبَةِ ، وَالسُّلْطَانُ ،
وَالْوَالِدُ ، وَمِنْ الْجَفَاءِ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ وَالِدَهُ بِاسْمِهِ "
.
وَرَوَى

الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ
خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ مَرْفُوعًا { ثَلَاثٌ مِنْ تَوْقِيرِ جَلَالِ اللَّهِ ذُو الشَّيْبَةِ
فِي الْإِسْلَامِ ، وَحَامِلُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَحَامِلُ الْعِلْمِ
مَنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا } خَالِدٌ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ
وَالْأَكْثَرُ .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : أَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرِكَابِ زَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ ، وَقَالَ : هَكَذَا يُصْنَعُ بِالْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ
مُجَاهِدٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخَذَ لَهُ بِالرِّكَابِ ، وَأَخَذَ اللَّيْثُ
بِرِكَابِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ : كُنَّا نَهَابُ
إبْرَاهِيمَ كَمَا نَهَابُ الْأَمِيرَ ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ مَعَ مَالِكٍ
.
وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ : يَأْبَى الْجَوَابَ فَمَا يُرَاجَعُ هَيْبَةً
وَالسَّائِلُونَ نَوَاكِسُ الْأَذْقَانِ أَدَبُ الْوَقَارِ وَعِزُّ سُلْطَانِ
التُّقَى فَهُوَ الْأَمِيرُ وَلَيْسَ ذَا سُلْطَانِ وَقَالَ الرَّبِيعُ وَاَللَّهِ
مَا اجْتَرَأْت أَنْ أَشْرَبَ الْمَاءَ وَالشَّافِعِيُّ يَنْظُرُ هَيْبَةً لَهُ
.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا رَأَيْت رَجُلًا مِنْ
أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَكَأَنَّمَا رَأَيْت رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ ارْحَمُوا
عَزِيزَ قَوْمٍ ذَلَّ ، وَغَنِيَّ قَوْمٍ افْتَقَرَ ، وَعَالِمًا بَيْنَ جُهَّالٍ ،
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ .
وَقَالَ ابْنُ
طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَافِظُ : سَمِعْت أَبَا إسْمَاعِيلَ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيَّ يَعْنِي شَيْخَ الْإِسْلَامِ سَمِعْت أَبَا
الْفَضْلِ الْجَارُودِيَّ يَقُولُ : رَحَلْت إلَى أَبِي الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيِّ
إلَى أَصْبَهَانَ فَلَمَّا دَخَلْت عَلَيْهِ قَرَّبَنِي وَأَدْنَانِي ، وَكَانَ
يَتَعَسَّرُ عَلَيَّ فِي الْأَخْذِ فَقُلْت لَهُ يَوْمًا : أَيُّهَا الشَّيْخُ لِمَ
تَتَعَسَّرُ عَلَيَّ وَتَبْذُلُ لِلْآخَرِينَ قَالَ : لِأَنَّك تَعْرِفُ قَدْرَ
هَذَا الشَّأْنِ وَهَؤُلَاءِ لَا يَعْرِفُونَ قَدْرَهُ .
قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ
:

سَمِعْت أَبَا إسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيَّ الْحَافِظَ يَقُولُ : رَأَيْت
فِي حَضَرِي وَسَفَرِي حَافِظًا وَنِصْفَ حَافِظٍ ، فَالْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيُّ ، وَالْآخَرُ أَبُو الْفَضْلِ
الْجَارُودِيُّ ، وَكَانَ إذَا حَدَّثَ عَنْ الْجَارُودِيِّ يَقُولُ : حَدَّثَنَا
إمَامُ الْمَشْرِقِ .
وَفِي تَارِيخِ الْمَادِحِ وَالْمَمْدُوحِ لِلْحَافِظِ
عَبْدِ الْقَادِرِ الرَّهَاوِيِّ أَنَّ الْجَارُودِيَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ ، وَإِنَّ أَبَا إسْمَاعِيلَ
الْأَنْصَارِيَّ كَانَ إذَا حَدَّثَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيِّ
قَالَ : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ وَكَانَ أَحْفَظُ الْبَشَرِ .
قَالَ
ابْنُ طَاهِرٍ رَحَلْت مِنْ مِصْرَ إلَى نَيْسَابُورَ لِأَجْلِ أَبِي الْقَاسِمِ
الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُحِبِّ صَاحِبِ أَبِي الْحُسَيْنِ
الْخَفَّافِ ، فَلَمَّا دَخَلْت عَلَيْهِ قَرَأْت فِي أَوَّلِ مَجْلِسٍ جُزْأَيْنِ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّرَّاجِ فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ حَلَاوَةً
وَاعْتَقَدْت أَنِّي نِلْته بِغَيْرِ تَعَبٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيَّ
وَلَا طَالَبَنِي بِشَيْءٍ هُوَ كُلُّ حَدِيثٍ مِنْ الْجُزْأَيْنِ يَسْوَى رِحْلَةً
، وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا فِي فُصُولِ الْقِيَامِ وَبَعْدَهَا قَبْلَ
فُصُولِ الْعِلْمِ وَفِي فُصُولِ الْعِلْمِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
.
وَقَدْ قِيلَ : وَلَقَدْ ضَرَبْنَا فِي الْبِلَادِ فَلَمْ نَجِدْ أَحَدًا
سِوَاك إلَى الْمَكَارِمِ يُنْسَبُ فَاصْبِرْ لِعَادَتِنَا الَّتِي عَوَّدْتَنَا
أَوْ لَا فَأَرْشِدْنَا إلَى مَنْ نَذْهَبُ وَقَالَ آخَرُ : لَا تَلْحَقَنَّك
ضَجْرَةٌ مِنْ سَائِلٍ فَلَخَيْرُ يَوْمِك أَنْ تُرَى مَسْئُولَا لَا تَجْبَهَنْ
بِالْمَنْعِ وَجْهَ مُؤَمِّلِ فَبَقَاءُ عِزِّك أَنْ تُرَى مَأْمُولَا وَاعْلَمْ
بِأَنَّك صَائِرٌ مَثَلًا فَكُنْ مَثَلًا يَرُوقُ السَّامِعِينَ جَمِيلَا وَقَالَ
آخَرُ : وَإِذَا الْحَبِيبُ أَتَى بِذَنْبٍ وَاحِدٍ جَاءَتْ مَحَاسِنُهُ بِأَلْفِ
شَفِيعِ وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا : وَرُبَّمَا كَانَ مَكْرُوهُ النُّفُوسِ إلَى
مَحْبُوبِهَا سَبَبًا مَا مِثْلُهُ سَبَبُ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ
الدَّجَاجِيُّ

الْحَنْبَلِيُّ فِي آخِرِ أَبْيَاتٍ لَهُ : فَجُدْ بِلُطْفِ
عَطْفِك وَأَغْنِهِ بِجَمَالِ وَجْهِك عَنْ سُؤَالِ شَفِيعِ .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:33

فَصْلٌ ( حُكْمُ هَجْرِ أَهْلِ الْمَعَاصِي ) .
يُسَنُّ هَجْرُ مَنْ جَهَرَ
بِالْمَعَاصِي الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ وَالِاعْتِقَادِيَّة قَالَ أَحْمَدُ
فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَهُوَ
يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَمْ يَأْثَمْ إنْ هُوَ جَفَاهُ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَإِلَّا
كَيْفَ يَتَبَيَّنُ لِلرَّجُلِ مَا هُوَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَرَ مُنْكِرًا وَلَا
جَفْوَةً مِنْ صَدِيقٍ ؟ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : يَكُونُ فِي سَقْفِ الْبَيْتِ
الذَّهَبُ يُجَانَبُ صَاحِبُهُ ؟ يُجْفَى صَاحِبُهُ وَقَدْ اُشْتُهِرَتْ
الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي هَجْرِهِ مَنْ أَجَابَ فِي الْمِحْنَةِ إلَى أَنْ مَاتَ ،
وَقِيلَ : يَجِبُ أَنْ ارْتَدَعَ بِهِ وَإِلَّا كَانَ مُسْتَحَبًّا ، وَقِيلَ :
يَجِبُ هَجْرُهُ مُطْلَقًا إلَّا مِنْ السَّلَامِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
وَقِيلَ : تَرْكُ السَّلَامِ عَلَى مَنْ جَهَرَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى يَتُوبَ
مِنْهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَيُكْرَهُ لِبَقِيَّةِ النَّاسِ تَرْكُهُ ، وَظَاهِرُ
مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ تَرْكُ الْكَلَامِ وَالسَّلَامِ مُطْلَقًا .
قَالَ
أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ وَقِيلَ لَهُ : يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ لَا
يُكَلِّمَ أَحَدًا ؟ فَقَالَ : نَعَمْ إذَا عَرَفْت مِنْ أَحَدٍ نِفَاقًا فَلَا
تُكَلِّمْهُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَافَ عَلَى
الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ لَا يُكَلِّمُوهُمْ قُلْت
: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَيْفَ يُصْنَعُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَالَ أَمَّا
الْجَهْمِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ فَلَا ، قِيلَ لَهُ : فَالْمُرْجِئَةُ قَالَ :
هَؤُلَاءِ أَسْهَلُ إلَّا الْمُخَاصِمَ مِنْهُمْ فَلَا تُكَلِّمْهُ ، وَنَقَلَ
الْمَيْمُونِيُّ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِ
الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا بِالْمَدِينَةِ حِينَ خَافَ عَلَيْهِمْ
النِّفَاقَ ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ خِفْنَا عَلَيْهِ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ اتَّهَمَهُمْ بِالنِّفَاقِ ، وَكَذَا مَنْ
اُتُّهِمَ بِالْكُفْرِ لَا بَأْسَ أَنْ يُتْرَكَ كَلَامُهُ .
قَالَ الْقَاضِي
وَقَدْ أَخَذَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ

عَنْهَا فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ فِي رِوَايَةِ مُثَنَّى
الْأَنْبَارِيِّ ، وَقَدْ سَأَلَهُ أَكْثَرَ مَا يُعْرَفُ فِي الْمُجَانَبَةِ
فَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَامَهَا ، وَالسَّلَامَ عَلَيْهَا حِينَ ذُكِرَ مَا
ذُكِرَ كَذَا حَكَاهُ ، وَلَمْ أَجِدْ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ هَذَا بَلْ كَانَ
قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَنْ تَذْهَبَ إلَى بَيْتِ أَبِيهَا إذَا دَخَلَ
عَلَيْهَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ : " كَيْفَ تِيكُمْ ؟ " فَفِي هَذَا تَرْكُ
اللُّطْفِ فَقَطْ ، وَأَمَّا قِصَّةُ كَعْبٍ فَفِيهَا تَرْكُ السَّلَامِ
وَالْكَلَامِ ، وَلِهَذَا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَأَقُولُ : هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ ؟ وَإِنَّهُ
سَلَّمَ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ
مِمَّنْ شَرَحَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي هَجْرِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي
بِتَرْكِ الْكَلَامِ ، وَالسَّلَامِ بِخَوْفِ الْمَعْصِيَةِ .
وَفِي رِوَايَةِ
مُثَنَّى الْمَذْكُورَةِ وَاَلَّتِي قَبْلهَا إبَاحَةُ الْهَجْرِ وَتَرْكُ
الْكَلَامِ وَالسَّلَامِ بِخَوْفِ الْمَعْصِيَةِ ، وَرِوَايَةُ الْمَيْمُونِيِّ
تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ صَرِيحَةٌ فِي النُّشُوزِ عَلَى
تَحْرِيمِهِ .
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ قِصَّةِ الْإِفْكِ عَنْ
أَنَسٍ { أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِهِ فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَذْهَبَ فَيَضْرِبَ
عُنُقَهُ فَذَهَبَ فَوَجَدَهُ يَغْتَسِلُ فِي رَكِيٍّ وَهِيَ الْبِئْرُ فَرَآهُ
مَجْبُوبًا فَتَرَكَهُ } فَلَعَلَّ مَعْنَاهُ : اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ إنْ
ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَحُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ .
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
قِيلَ : لَعَلَّهُ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ بِغَيْرِ الزِّنَا وَحَرَكَةِ الزِّنَا ،
وَكَفَّ عَنْهُ عَلِيٌّ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِالزِّنَا ، وَقَدْ
عَلِمَ انْتِفَاءَ الزِّنَا .
قَالَ الْقَاضِي : وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ فِي
هِجْرَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ قِصَّةَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ
وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهَجْرِهِ ،
ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ
رِوَايَةِ الْآجُرِّيِّ ، وَلَمْ أَجِدْ هَذَا فِي قِصَّةِ حَاطِبٍ بَلْ فِيهَا فِي
صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: صَدَقَ وَلَا تَقُولُوا لَهُ إلَّا خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
: إنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي أَضْرِبْ
عُنُقَهُ فَقَالَ : يَا عُمَرُ وَمَا يُدْرِيك لَعَلَّ اللَّهَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى
أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ
فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ } ، وَفِي
بَعْضِ طُرُقِهِ " فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ " كَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي بَعْضِ
طُرُقِهِ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ سَأَلَهُ فِي قَتْلِهِ مَرَّتَيْنِ .
قَالَ
الْقَاضِي وَرَوَى الْآجُرِّيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { : لِكُلِّ
أُمَّةٍ مَجُوسٌ وَإِنَّ مَجُوسَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَدَرِيَّةُ فَلَا
تَعُودُوهُمْ إذَا مَرِضُوا وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ إذَا مَاتُوا } .
قَالَ
الْقَاضِي هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي الْهَجْرِ .
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ
حَدِيثِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا مَعْنَاهُ ، وَرُوِيَ
أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا مَعْنَاهُ وَلَيْسَ فِيهِ " لِكُلِّ أُمَّةٍ
مَجُوسٌ " ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْقَدَرِ وَلَا
تُنَاكِحُوهُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَفِيهِ حَكِيمُ بْنُ
شَرِيكٍ الْهُذَلِيُّ تَفَرَّدَ عَنْهُ عَطَاءُ بْنُ دِينَارٍ وَوَثَّقَهُ ابْنُ
حِبَّانَ .
قَالَ الْقَاضِي : وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ
رَأَى رَجُلًا يَضْحَكُ فِي جِنَازَةٍ .
فَقَالَ : أَتَضْحَكُ مَعَ الْجِنَازَةِ
؟ لَا أُكَلِّمُك أَبَدًا .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : كَانَ
لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ امْرَأَةٌ فِي خُلُقِهَا سُوءٌ ، فَكَانَ يَهْجُرُهَا
السَّنَةَ وَالْأَشْهُرَ ، فَتَتَعَلَّقُ بِثَوْبِهِ فَتَقُولُ : أَنْشُدُك
بِاَللَّهِ يَا ابْنَ مَالِكٍ أَنْشُدُك

بِاَللَّهِ يَا ابْنَ مَالِكٍ فَمَا
يُكَلِّمُهَا .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ وَقِيلَ لَهُ : إنَّ قَوْمًا
يُكَذِّبُونَ بِالشَّفَاعَةِ وَقَوْمًا يُكَذِّبُونَ بِعَذَابِ الْقَبْرِ ، قَالَ :
لَا تُجَالِسُوهُمْ وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ جَعَلَ
فِي عَضُدِهِ خَيْطًا مِنْ الْحُمَّى : لَوْ مِتَّ وَهَذَا عَلَيْك لَمْ أُصَلِّ
عَلَيْك ، وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ قِيلَ لِسَمُرَةَ : إنَّ ابْنَك
أَكَلَ طَعَامًا حَتَّى كَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ ، قَالَ : لَوْ مَاتَ مَا صَلَّيْت
عَلَيْهِ ، وَبِإِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنْ لَا
تُجَالِسُوا صَبِيغًا .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ
: إنْ أَتَيْتُك بِرَجُلٍ يَتَكَلَّمُ فِي الْقَدَرِ ؟ فَقَالَ : لَوْ أَتَيْتَنِي
بِهِ لَأَوْجَعْت رَأْسَك ، ثُمَّ قَالَ : لَا تُكَلِّمْهُمْ وَلَا تُجَالِسْهُمْ
.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لِأَيُّوبَ : لَا تُجَالِسْ طَلْقَ بْنَ
حَبِيبٍ فَإِنَّهُ مُرْجِئٌ ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ لِرَجُلٍ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ فِي
الْإِرْجَاءِ : إذَا قُمْت مِنْ عِنْدِنَا فَلَا تَعُدْ إلَيْنَا .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ : لَا تُجَالِسُوا أَصْحَابَ الْقَدَرِ وَلَا
تُمَارُوهُمْ ، وَكَانَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ إذَا جَلَسَ يَقُولُ : مَنْ كَانَ
قَدَرِيًّا فَلْيَقُمْ ، وَعَنْ طَاوُسٍ وَأَيُّوبَ ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ
أَبِي السُّوَارِ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ مَعْنَى ذَلِكَ ، قَالَ
الْقَاضِي هُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ .
وَقَالَ وَلِأَنَّ
كُلَّ مَعْصِيَةٍ حَلَّ بِهَا الْهَجْرُ لَمْ تَتَقَدَّرْ بِالثَّلَاثِ ، أَوْ
نَقُولُ جَازَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ دَلِيلُهُ هَجْرُ الزَّوْجِ
لِزَوْجَتِهِ عِنْدَ إظْهَارِ النُّشُوزِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاهْجُرُوهُنَّ
فِي الْمَضَاجِعِ } .
قَالَ وَإِنَّمَا لَمْ يُهْجَرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ
لِأَنَّا عَقَدْنَاهَا مَعَهُمْ لِمَصْلَحَتِنَا بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ ، فَلَوْ
قُلْنَا : يُهْجَرُونَ زَالَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ .
وَأَمَّا أَهْلُ
الْحَرْبِ فَفِي الِامْتِنَاعِ مِنْ كَلَامِهِمْ ضَرَرٌ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى
تَرْكِ مُبَايَعَتِهِمْ وَشِرَائِهِمْ ،

وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَإِنَّ
الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَايَنَتْهُمْ بِالْحُرُوبِ وَالْقِتَالِ ،
وَأَيُّ هَجْرٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا ؟ وَذَكَرَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ
رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ النَّظَرِ فِي كُتُبِ الْمُبْتَدِعَةِ قَالَ :
كَانَ السَّلَفُ يَنْهَوْنَ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالنَّظَرِ فِي
كُتُبِهِمْ وَالِاسْتِمَاعِ لِكَلَامِهِمْ إلَى أَنْ قَالَ : وَإِذَا كَانَ
أَصْحَابُ النَّبِيِّ وَمَنْ اتَّبَعَ سُنَّتَهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ
وَالْأَعْصَارِ مُتَّفِقِينَ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ،
وَتَرْكِ عِلْمِ الْكَلَامِ ، وَتَبْدِيعِ أَهْلِهِ وَهِجْرَانِهِمْ ، وَالْخَبَرِ
بِزَنْدَقَتِهِمْ ، وَبِدْعَتِهِمْ ، فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِهِ وَأَنْ لَا
يَلْتَفِتَ إلَيْهِ مُلْتَفِتٌ ، وَلَا يَغْتَرَّ بِهِ أَحَدٌ .
وَقَالَ أَبُو
دَاوُد لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : أَرَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ
السُّنَّةِ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ أَتْرُكُ كَلَامَهُ قَالَ : لَا
أَوْ تُعْلِمُهُ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي رَأَيْته مَعَهُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ فَإِنْ
تَرَكَ كَلَامَهُ فَكَلِّمْهُ ، وَإِلَّا فَأَلْحِقْهُ بِهِ .
قَالَ ابْنُ
مَسْعُودٍ : الْمَرْءُ بِخِدْنِهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْفَضْلِ الصَّيْدَاوِيُّ : قَالَ لِي أَحْمَدُ إذَا سَلَّمَ الرَّجُلُ عَلَى
الْمُبْتَدِعِ فَهُوَ يُحِبُّهُ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { : أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟
أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ } وَيَجِبُ الْإِغْضَاءُ عَمَّنْ سَتَرَهَا
وَكَتَمَهَا .
زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَقَّ عَلَيْهِ إشَاعَتُهَا
عَنْهُ .
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ قُلْت : لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ اطَّلَعْنَا مِنْ
رَجُلٍ عَلَى فُجُورٍ ، وَهُوَ يَتَقَدَّمُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ أَخْرُجُ مِنْ
خَلْفِهِ قَالَ : اُخْرُجْ مِنْ خَلْفِهِ خُرُوجًا لَا تَفْحُشْ عَلَيْهِ
.
وَقَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : إذَا عُلِمَ مِنْ الرَّجُلِ
الْفُجُورُ أَنُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ ؟ قَالَ : لَا بَلْ يُسْتَرُ عَلَيْهِ إلَّا
أَنْ يَكُونَ دَاعِيَةً ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ

فِي مَعْنَى الدَّاعِيَةِ
مَنْ اُشْتُهِرَ وَعُرِفَ بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ
أَسَرَّ الْمَعْصِيَةَ ، وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْقَاضِي فِيمَنْ أَتَى مَا
يُوجِبُ حَدًّا إنْ شَاعَ مِنْهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَذْهَبَ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ
لِيَأْخُذَهُ بِهِ ، وَإِلَّا سَتَرَ نَفْسَهُ .
وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي :
فَإِنْ كَانَ يَسْتَتِرُ بِالْمَعَاصِي فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا
يُهْجَرُ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : لَيْسَ لِمَنْ يَسْكَرُ وَيُقَارِفُ
شَيْئًا مِنْ الْفَوَاحِشِ حُرْمَةٌ وَلَا صِلَةٌ إذَا كَانَ مُعْلِنًا بِذَلِكَ
مُكَاشِفًا .
قَالَ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ الْمُجَانَبَةِ : أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ يَهْجُرُ أَهْلَ الْمَعَاصِي وَمَنْ قَارَفَ الْأَعْمَالَ الرَّدِيَّةَ ،
أَوْ تَعَدَّى حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
مَعْنَى الْإِقَامَةِ عَلَيْهِ ، أَوْ الْإِضْرَارِ ، وَأَمَّا مَنْ سَكِرَ أَوْ
شَرِبَ أَوْ فَعَلَ فِعْلًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَحْظُورَةِ ، ثُمَّ لَمْ
يُكَاشِفْ بِهَا ، وَلَمْ يُلْقِ فِيهَا جِلْبَابَ الْحَيَاءِ ، فَالْكَفُّ عَنْ
أَعْرَاضِهِمْ ، وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْإِمْسَاكُ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ ،
وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ أَسْلَمُ .
وَكَلَامُ الشَّيْخِ مُوَفَّقِ الدِّينِ
السَّابِقُ يَقْتَضِي أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّاعِيَةِ إلَى الْبِدْعَةِ
وَغَيْرِهِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إجْمَاعُ السَّلَفِ ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ فِي
عِيَادَةِ الْمُبْتَدِعِ الدَّاعِيَةِ رِوَايَتَيْنِ ، وَتَرْكُ الْعِيَادَةِ مِنْ
الْهَجْرِ ، وَاعْتَبَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْمَصْلَحَةَ ، وَذَكَرَ
أَيْضًا أَنَّ الْمُسْتَتِرَ بِالْمُنْكَرِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ ، وَيُسْتَرُ
عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ فُعِلَ مَا يَنْكَفُّ بِهِ إذَا كَانَ أَنْفَعَ
فِي الدِّينِ ، وَإِنَّ الْمُظْهِرَ لِلْمُنْكَرِ يَجِبُ أَنْ يُعَاقَبَ
عَلَانِيَةً بِمَا يَرْدَعُهُ عَنْ ذَلِكَ .
وَيَنْبَغِي لِأَهْلِ الْخَيْرِ
أَنْ يَهْجُرُوهُ مَيِّتًا إذَا كَانَ فِيهِ كَفٌّ لِأَمْثَالِهِ فَيَتْرُكُونَ
تَشْيِيعَ جِنَازَتِهِ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ
وُجُوبُ الْإِغْضَاءِ ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْإِنْكَارِ
سِرًّا

جَمْعًا بَيْنَ الْمَصَالِحِ ، وَكَلَامُهُمْ ظَاهِرٌ ، أَوْ صَرِيحٌ
فِي وُجُوبِ السَّتْرِ عَلَى هَذَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخَلَّالِ السَّابِقِ
يُسْتَحَبُّ ، وَلَمْ أَجِدْ بَيْنَ الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ خِلَافًا فِي
أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا لَهُ أَنْ يُقِيمَهَا عِنْدَ
الْحَاكِمِ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُقِيمَهَا لِقَوْلِهِ : عَلَيْهِ السَّلَامُ
{ مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } ، فَدَلَّ
هَذَا عَلَى أَنَّ سَتْرَهُ لَا يَجِبُ ، وَأَنَّهُ يُنْكَرُ عَلَيْهِ بِطَرِيقَةٍ
، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَشْهُورًا
بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ أَمْ لَا ، وَلَا يَتَوَجَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ
الْقَاضِي فِي الْمُقِرِّ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ
نَشِيطٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : مَنْ رَأَى
عَوْرَةً فَسَتَرَهَا كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً } حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يَحْيَى ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ
حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ نَشِيطٍ عَنْ { كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ
أَبَا الْهَيْثَمِ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ دُحَيْنًا كَاتِبَ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ قَالَ : كَانَ لِي جِيرَانٌ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَنَهَيْتهمْ فَلَمْ
يَنْتَهُوا ، فَقُلْت لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ : إنَّ جِيرَانَنَا هَؤُلَاءِ
يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ ، وَإِنِّي نَهَيْتهمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَأَنَا دَاعٍ
لَهُمْ الشُّرَطَ ، فَقَالَ : دَعْهُمْ ، ثُمَّ رَجَعْت إلَى عُقْبَةَ مَرَّةً
أُخْرَى فَقُلْت : إنَّ جِيرَانَنَا قَدْ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ شُرْبِ
الْخَمْرِ ، وَأَنَا دَاعٍ لَهُمْ الشُّرَطَ ، فَقَالَ : وَيْحَك دَعْهُمْ فَإِنِّي
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مَعْنَى
حَدِيثِ مُسْلِمٍ .
قَالَ أَبُو دَاوُد : قَالَ هِشَامُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ
لَيْثٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ : لَا تَفْعَلْ ، وَلَكِنْ
عِظْهُمْ

وَتَهَدَّدْهُمْ } كَعْبٌ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ لَمْ يَرْوِ عَنْ
أَبِي الْهَيْثَمِ غَيْرُهُ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي أَبِي الْهَيْثَمِ لَا
يُعْرَفُ .
وَقَدْ رَوَى خَبَرَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ ، وَقَالَ ابْنُ
عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ آثَرُوا فِرَاقَ
نُفُوسِهِمْ لِأَجْلِ مُخَالَفَتِهَا لِلْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، فَهَذَا
يَقُولُ : زَنَيْت فَطَهِّرْنِي ، وَنَحْنُ لَا نَسْخُو أَنْ نُقَاطِعَ أَحَدًا
فِيهِ لِمَكَانِ الْمُخَالَفَةِ .
وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } قَالَ : وَأَمَّا السَّتْرُ الْمَنْدُوبُ
إلَيْهِ هُنَا فَالْمُرَادُ بِهِ السَّتْرُ عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَنَحْوِهِمْ
مِمَّنْ لَيْسَ هُوَ مَعْرُوفًا بِالْأَذَى وَالْفَسَادِ ، وَأَمَّا الْمَعْرُوفُ
بِذَلِكَ ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُسْتَرَ عَلَيْهِ ، بَلْ تُرْفَعُ قِصَّتُهُ
إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ مَفْسَدَةً ؛ لِأَنَّ
السَّتْرَ عَلَى هَذَا يُطَمِّعُهُ فِي الْإِيذَاءِ وَالْفَسَادِ وَانْتِهَاكِ
الْحُرُمَاتِ وَجَسَارَةِ غَيْرِهِ عَلَى مِثْلِ فِعْلِهِ ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي
سَتْرِ مَعْصِيَةٍ وَقَعَتْ وَانْقَضَتْ ، أَمَّا مَعْصِيَةٌ رَآهُ عَلَيْهَا ،
وَهُوَ بَعْدُ مُتَلَبِّسٌ ، فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِإِنْكَارِهَا عَلَيْهِ
وَمَنْعُهُ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ ، فَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا ، فَإِنْ
عَجَزَ لَزِمَهُ رَفْعُهَا إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى
ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ .
وَأَمَّا جَرْحُ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالْأُمَنَاءِ
عَلَى الصَّدَقَاتِ وَالْأَوْقَافِ وَالْأَيْتَامِ وَنَحْوِهِمْ فَيَجِبُ عِنْدَ
الْحَاجَةِ ، وَلَا يَحِلُّ السَّتْرُ عَلَيْهِمْ إذَا رَأَى مِنْهُمْ مَا يَقْدَحُ
فِي أَهْلِيَّتِهِمْ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ ، بَلْ مِنْ
النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ .
قَالَ الْعُلَمَاءُ
فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي يُسْتَرُ فِيهِ : هَذَا السَّتْرُ مَنْدُوبٌ
فَلَوْ رَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَأْثَمْ بِالْإِجْمَاعِ
،

لَكِنْ هَذَا الْأَوْلَى وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ مَا هُوَ
مَكْرُوهٌ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَإِذَا لَمْ يَأْثَمْ بِرَفْعِ فَاعِلِ
مَعْصِيَةٍ انْقَضَتْ فَرَفَعَ مَنْ هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهَا ابْتِدَاءً مِثْلَهُ ،
أَوْ أَوْلَى وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ وَلِمَا
يَأْتِي .
وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ قِصَّةَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ
فِيهَا هَتْكُ سَتْرِ الْمَفْسَدَةِ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ ، أَوْ كَانَ فِي
السَّتْرِ مَفْسَدَةٌ ، وَإِنَّ الْأَحَادِيثَ فِي السُّنَنِ تُحْمَلُ عَلَى مَا
إذَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ ، وَلَا تَفُوتُ بِهِ مَصْلَحَةٌ .
وَقَدْ
ذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ
يَتَجَسَّسَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ : فَإِنْ اطَّلَعَ مِنْهُ
عَلَى رِيبَةٍ وَجَبَ أَنْ يَسْتُرَهَا وَيَعِظُهُ مَعَ ذَلِكَ وَيُخَوِّفُهُ
بِاَللَّهِ تَعَالَى .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { كُلُّ
أُمَّتِي مُعَافًى إلَّا الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنْ الْإِجْهَارِ أَنْ
يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحُ ، وَقَدْ سَتَرَهُ عَلَيْهِ
اللَّهُ ، فَيَقُولُ : يَا فُلَانُ عَمِلْت الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ
بَاتَ يَسْتُرُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ } .
فِي نُسَخٍ مُعْتَمَدَةٍ أَوْ مُعْظَمِ النُّسَخِ {
مُعَافَاةً } يَعُودُ إلَى الْأُمَّةِ .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ { وَإِنَّ مِنْ
الْمُجَاهَرَةِ } وَفِي بَعْضِهَا { وَإِنَّ مِنْ الْجِهَارِ } يُقَالُ : جَهَرَ
بِأَمْرِهِ وَأَجْهَرَ وَجَاهَرَ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ :
سُؤَالٌ عَنْ قَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَجَبَتْ } ،
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ذَلِكَ مِمَّا أُلْقِيَ
إلَيْهِ مِنْ الْوَحْيِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا ظَهَرَ لَهُ حِينَ
غُفِرَ شَرُّهُ لِخَيْرِهِ ( وَالثَّالِثُ ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِسْرَارُهُ
بِالشَّرِّ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ : مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ
الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ

بِسَتْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوَجَبَتْ
لَهُ الْمَغْفِرَةُ بِطَاعَةِ الشَّرْعِ بِاسْتِسْرَارِهِ لِسَتْرِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ ، فَجَازَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَا
سَتَرَهُ عَنْ الْخَلْقِ طَاعَةً لِلْحَقِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
.

فَصْلٌ ( فِي هَجْرِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ وَالدَّاعِي
إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ ) .
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْهَجْرِ وَقَالَ
أَحْمَدُ فِي مَكَان آخَرَ : وَيَجِبُ هَجْرُ مَنْ كَفَرَ ، أَوْ فَسَقَ بِبِدْعَةٍ
، أَوْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ ، أَوْ مُفَسِّقَةٍ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ
الرَّدِّ عَلَيْهِ ، أَوْ خَافَ الِاغْتِرَارَ بِهِ ، وَالتَّأَذِّي دُونَ غَيْرِهِ
وَقِيلَ : يَجِبُ هَجْرُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
السَّابِقِ ، وَقَطَعَ ابْنُ عَقِيلٍ بِهِ فِي مُعْتَقَدِهِ قَالَ لِيَكُونَ ذَلِكَ
كَسْرًا لَهُ وَاسْتِصْلَاحًا وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَيْضًا : إذَا
أَرَدْت أَنْ تَعْلَمَ مَحَلَّ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ فَلَا تَنْظُرْ
إلَى زِحَامِهِمْ فِي أَبْوَابِ الْجَوَامِعِ ، وَلَا ضَجِيجِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ
بِلَبَّيْكَ ، وَإِنَّمَا اُنْظُرْ إلَى مُوَاطَأَتِهِمْ أَعْدَاءَ الشَّرِيعَةِ ،
عَاشَ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ وَالْمَعَرِّيُّ عَلَيْهِمَا لَعَائِنُ اللَّهِ
يَنْظِمُونَ وَيَنْثِرُونَ ، هَذَا يَقُولُ : حَدِيثُ خُرَافَةَ وَالْمَعَرِّيُّ
يَقُولُ : تَلَوْا بَاطِلًا وَجَلَوْا صَارِمًا وَقَالُوا صَدَقْنَا فَقُلْنَا
نَعَمْ يَعْنِي بِالْبَاطِلِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَعَاشُوا سِنِينَ
وَعُظِّمَتْ قُبُورُهُمْ وَاشْتُرِيَتْ تَصَانِيفُهُمْ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى
بُرُودَةِ الدِّينِ فِي الْقَلْبِ .
وَهَذَا الْمَعْنَى قَالَهُ الشَّيْخُ
تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الْخَلَّالُ
: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَّ
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ رَافِضِيُّ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ
.
قَالَ : لَا وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ ابْنُ
حَامِدٍ : يَجِبُ عَلَى الْخَامِلِ ، وَمَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى خُلْطَتِهِمْ ،
وَلَا يَلْزَمُ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى خُلْطَتِهِمْ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ
ابْنُ تَمِيمٍ : وَهِجْرَانُ أَهْلِ الْبِدَعِ كَافِرِهِمْ وَفَاسِقِهِمْ
الْمُتَظَاهِرِينَ بِالْمَعَاصِي ، وَتَرْكُ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ فَرْضُ
كِفَايَةٍ ، وَمَكْرُوهٌ لِسَائِرِ النَّاسِ ، وَقِيلَ : لَا

يُسَلِّمُ
أَحَدٌ عَلَى فَاسِقٍ مُعْلِنٍ وَلَا مُبْتَدِعٍ مُعْلِنٍ دَاعِيَةٍ ، وَلَا
يَهْجُرُ مُسْلِمًا مَسْتُورًا غَيْرَهُمَا مِنْ السَّلَامِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ .
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو
الْحُسَيْنِ فِي التَّمَامِ : لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ وَفِي وُجُوبِ هَجْرِ
أَهْلِ الْبِدَعِ وَفُسَّاقِ الْمِلَّةِ أَطْلَقَ كَمَا تَرَى ، وَظَاهِرُهُ
أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُجَاهِرِ ، وَغَيْرِهِ فِي الْمُبْتَدِعِ
وَالْفَاسِقِ قَالَ : وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ ،
وَالْأَجْنَبِيِّ إذَا كَانَ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَأَمَّا إذَا كَانَ
الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ كَالْقَذْفِ وَالسَّبِّ وَالْغِيبَةِ وَأَخْذِ مَالِهِ غَصْبًا
وَنَحْوِ ذَلِكَ نَظَرْت ، فَإِنْ كَانَ الْمُهَاجِرُ وَالْفَاعِلُ لِذَلِكَ مِنْ
أَقَارِبِهِ وَأَرْحَامِهِ لَمْ تَجُزْ هِجْرَتُهُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ ،
فَهَلْ تَجُوزُ هِجْرَتُهُ أَمْ لَا ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَهَذَا لَفْظُ
وَالِدِهِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ :
وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ غَيْرَهُ ، فَهَلْ تَجُوزُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَقَالَ
: قَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَعْنَى هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ فِي رِوَايَةِ
الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ ابْنَةِ عَمٍّ لَهُ تَنَالُ
مِنْهُ وَتَظْلِمُهُ وَتَشْتُمُهُ وَتَقْذِفُهُ فَقَالَ : سَلِّمْ عَلَيْهَا إذَا
لَقِيتهَا اقْطَعْ الْمُصَارَمَةَ ، الْمُصَارَمَةُ شَدِيدَةٌ ، وَهَذَا يَدُلُّ
عَلَى مَنْعِ الْهَجْرِ لِأَقَارِبِهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
الْمَرُّوذِيِّ : وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : إنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ
الْخَيْرِ قَدْ تَرَكْت كَلَامَهُ لِأَنَّهُ قَذَفَ مَسْتُورًا بِمَا لَيْسَ مِنْهُ
وَلِي قَرَابَةٌ يَسْكَرُونَ ، فَقَالَ : اذْهَبْ إلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ حَتَّى
تُكَلِّمَهُ وَدَعْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْكَرُونَ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى
جَوَازِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَقِّ
الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِكَلَامِ الْقَاذِفِ ، وَمَنَعَهُ مِنْ
كَلَامِ الشَّارِبِ مَعَ كَوْنِهِ قَرَابَةً لَهُ .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ
ذُكِرَ الطُّوسِيُّ ،

فَقَالَ : صَاحِبُ صَلَاةٍ وَخَيْرٍ ، فَقِيلَ : لَهُ
تُكَلِّمُهُ ؟ فَنَفَضَ يَدَهُ .
وَقَالَ : إنَّمَا أَنْكَرْت عَلَيْهِ
كَلَامَهُ فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ يَعْنِي بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَقَالَ : إنَّهُ
قِيلَ : مِنْ أُمِّ جَعْفَرٍ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ لِحَقِّ
آدَمِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ هَجَرَ الطُّوسِيَّ مَعَ صَلَاحِهِ لِكَلَامِهِ فِي بِشْرٍ
وَذَلِكَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ .
قَالَ الْقَاضِي : وَإِنَّمَا كَرِهَ أَحْمَدُ
هِجْرَةَ الْأَقَارِبِ لِحَقِّ نَفْسِهِ لِلْأَخْبَارِ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ ،
وَإِنَّمَا أَجَازَهَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَمَنَعَهَا فِي حَقِّ
الْغَيْرِ عَلَى رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ
حَقَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَضْيَقُ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الْعَفْوُ وَحَقُّ
الْآدَمِيِّ أَخَفُّ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْعَفْوُ ، وَيُبَيِّنُ هَذَا قَوْلُ
النَّبِيِّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَدَيْنُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى .
} وَكَلَامُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّهُ
لَا فَرْقَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مَوَاضِعَ ، وَهُوَ
الْأَوْلَى وَالْأَخْبَارُ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ تُخَصُّ بِأَدِلَّةِ الْهَجْرِ ،
وَحَقُّ الْآدَمِيِّ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى
الْمُسَاهَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:36

فَصْلٌ ( لَا تَجُوزُ الْهِجْرَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَمَّا يُوجِبُ الْهِجْرَةَ
) .
قَالَ الْقَاضِي : وَلَا تَجُوزُ الْهِجْرَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِمَا
تُوجِبُ الْهِجْرَةَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُزَاحِمٍ مُوسَى بْنِ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَاقَانَ فَقَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ مُكْرَمٍ
الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا مُثَنَّى بْنُ جَامِعٍ الْأَنْبَارِيُّ قَالَ : ذَكَرَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَعْنِي حَدِيثَ الْمُثَنَّى { كَانَ لَا يَأْخُذُ بِالْقِرْفِ وَلَا
يُصَدِّقُ أَحَدًا عَلَى أَحَدٍ } فَقَالَ : إلَى هَذَا أَذْهَبُ أَنَا أَوْ هَذَا
مَذْهَبِي ابْنُ مُكْرَمٍ يَشُكُّ وَرَوَى أَبُو مُزَاحِمٍ حَدَّثَنِي ابْنُ
مُكْرَمٍ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ
عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : { كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْخُذُ بِالْقِرْفِ وَلَا
يُصَدِّقُ أَحَدًا عَلَى أَحَدٍ } .
فَإِنْ قِيلَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُهْجَرَ
بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّهُ يَكْسِبُ التُّهْمَةَ كَمَا يَجُوزُ الْحَبْسُ
بِالتُّهْمَةِ لِخَبَرِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ {
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ }
.
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَحَنْبَلٍ { : حَبَسَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تُهْمَةٍ } .
قِيلَ :
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ
حَقًّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ وَبِالْبَدَنِ ، وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ ظَاهِرُهُمَا
الْعَدَالَةُ ، وَلَمْ يَعْرِفْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَدَالَتَهُمَا فِي الْبَاطِنِ فَحَبَسَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ لِيَسْأَلَ عَنْ
عَدَالَتِهِمَا فِي الْبَاطِنِ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا تُهْمَةٌ فِي حَقِّ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي مَسْأَلَتِنَا انْتَهَى كَلَامُ
الْقَاضِي .
وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى
ظَاهِرِهِ فِي الْحَبْسِ فِي تُهْمَةٍ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْهَجْرُ بِخَبَرِ
الْوَاحِدِ وَفِي

الْمَسْأَلَتَيْنِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
.
وَالْقِرْفُ التُّهْمَةُ يُقَالُ : قَرِفْته بِكَذَا إذَا أَضَفْته إلَيْهِ
وَعِبْته وَاتَّهَمْته .
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ عِنْدَ
ذِكْرِ الْغِيبَةِ إخْبَارُ ابْنِ مَسْعُودٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِاَلَّذِي قَالَ مِنْ الْأَنْصَارِ : إنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا
أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ ،
أَظُنُّهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَظِيرُهُ إخْبَارُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ
لِلنَّبِيِّ عَنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ
، وَفِيهِ أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْمُنَافِقِينَ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : إذَا كَانَ لَك أَخٌ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَلَا
تُمَارِهِ وَلَا تَسْمَعْ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ ، فَرُبَّمَا قَالَ لَك مَا لَيْسَ
فِيهِ فَحَالَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ ، وَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْوُشَاةَ كَثِيرٌ إنْ
أَطَعْتَهُمْ لَا يَرْقُبُونَ بِنَا إلًّا وَلَا ذِمَمَا الْإِلُّ اُخْتُلِفَ فِيهِ
، وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِهَذَا الْبَيْتِ عَلَى أَنَّهُ الْقَرَابَةُ
وَقِيلَ أَيْضًا : لَقَدْ كَذَبَ الْوَاشُونَ مَا بُحْت عِنْدَهُمْ بِسِرٍّ وَلَا
رَاسَلْتُهُمْ بِرَسُولِ أَيْ : بِرِسَالَةٍ اسْتَشْهَدَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ
فِي قَوْله تَعَالَى : { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إنَّا رَسُولُ رَبِّ
الْعَالَمِينَ } الْمَعْنَى إنَّا رِسَالَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَيْ : ذَوُو
رِسَالَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ .
وَقَالَ ابْنُ
قُتَيْبَةَ : الرَّسُولُ يَكُونُ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
هَؤُلَاءِ ضَيْفِي } وقَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا } وَرَوَى
الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ فِي مَجْلِسِ مُسْلِمِ بْنِ
قُتَيْبَةَ ، فَتَنَاوَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ ، فَقَالَ لَهُ سَلْمُ يَا
هَذَا أَوْحَشْتنَا مِنْ نَفْسِك ، وَآيَسْتَنَا مِنْ مَوَدَّتِك ، وَدَلَلْتنَا
عَلَى عَوْرَتِك سَلْمٌ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ
مِائَتَيْنِ .
فَصْلٌ مَنْ عِنْدَهُ سَمَّاعٌ لِمُبْتَدِعٍ فَطَلَبَهُ دَفَعَهُ
إلَيْهِ لَعَلَّ اللَّهَ

يُنْقِذُ بِهِ .
نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ ،
وَحَضَرَ زِنْدِيقٌ مَجْلِسَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ : هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ كَبْشُ الزَّنَادِقَةِ ، فَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : مَنْ أَمَرَكُمْ بِهَذَا عَمَّنْ أَخَذْتُمْ هَذَا ؟ دَعُوا
النَّاسَ يَأْخُذُونَ الْعِلْمَ وَيَنْصَرِفُونَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُخَالِفُ
هَذَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ .

فَأَمَّا هَجْرُ الْمُسْلِمِ
الْعَدْلِ فِي اعْتِقَادِهِ وَأَفْعَالِهِ فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يُكْرَهُ
وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
رَحِمَهُ اللَّهُ : اقْتِصَارُهُ فِي الْهِجْرَةِ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَيْسَ
بِجَيِّدٍ بَلْ مِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ الْكَبِيرَةُ مَا فِيهِ
حَدٌّ فِي الدُّنْيَا ، أَوْ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ .
وَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ { : فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ }
.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ هُنَا ، لَا فَرْقَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
، وَأَكْثَرَ وَكَلَامُهُمْ فِي النُّشُوزِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَذَلِكَ لِظَاهِرِ
مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ
الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا ، وَلَا تَبَاغَضُوا ، وَلَا
تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا
يَحْقِرُهُ .
التَّقْوَى هَهُنَا وَيُشِيرُ إلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ، كُلُّ
الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ } ، وَفِيهِمَا
أَوْ فِي مُسْلِمٍ { وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَهْجُرُوا } .
وَفِي نُسْخَةٍ
مُعْتَمَدَةٍ { وَلَا تُهَاجِرُوا وَلَا تُقَاطِعُوا ، إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
لَا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إلَى أَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلَى
قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ } التَّدَابُرُ الْمُعَادَاةُ وَالْمُقَاطَعَةُ ؛
لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُوَلِّي صَاحِبَهُ دُبُرَهُ ، وَالتَّحَسُّسُ بِالْحَاءِ
قِيلَ : الِاسْتِمَاعُ لِحَدِيثِ قَوْمٍ وَبِالْجِيمِ التَّفْتِيشُ عَنْ
الْعَوْرَاتِ ، وَقِيلَ : بِالْحَاءِ تَطْلُبُهُ لِنَفْسِك وَبِالْجِيمِ لِغَيْرِك
، وَقِيلَ : هُمَا بِمَعْنًى ، وَهُوَ طَلَبُ مَعْرِفَةِ مَا غَابَ ، وَحَالَ وَلَا
تَهْجُرُوا وَلَا تُهَاجِرُوا بِمَعْنًى ، وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ الْهِجْرَةِ
، وَقَطْعِ الْكَلَامِ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ أَنْ

يَكُونَ " لَا تَهْجُرُوا "
أَيْ : لَا تَتَكَلَّمُوا بِالْهُجْرِ بِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ الْكَلَامُ
الْقَبِيحُ .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
{ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَخُونُهُ وَلَا يَكْذِبُهُ } ، وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ بِمَعْنَى بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ مَرْفُوعًا { الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا
يُسْلِمُهُ } .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ } ، وَفِي لَفْظٍ { تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي
كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ
بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ ،
فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا } وَفِي رِوَايَةٍ { إلَّا
الْمُتَهَاجِرَيْنِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ الشَّحْنَاءُ الْعَدَاوَةُ كَأَنَّهُ شَحَنَ
قَلْبَهُ بُغْضًا أَيْ : مَلَأَهُ ، وَكَلَامُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ
عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلْخَبَرِ { لَا يَحِلُّ
لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ } .
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
قَالَ الْعُلَمَاءُ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إنَّمَا عُفِيَ عَنْهَا فِي
الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَجْبُولٌ مِنْ الْغَضَبِ وَسُوءِ الْخُلُقِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَعُفِيَ عَنْهَا فِي الثَّلَاثِ لِيَزُولَ ذَلِكَ الْعَارِضُ
وَسَيَأْتِي كَلَامُ أَبِي دَاوُد بَعْدَ هَذَا الْخَبَرِ يُوَافِق هَذَا ، وَقِيلَ
: إنَّ الْخَبَر لَا يَدُلُّ عَلَى الْهِجْرَةِ فِي الثَّلَاثَةِ .
قَالَ فِي
شَرْحِ مُسْلِمٍ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِالْمَفْهُومِ : وَيَتَوَجَّهُ
أَوَّلًا أَنَّ الْخَبَرَ فِي الْهَجْرِ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ
.
وَاَلَّذِي ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ
وَغَيْرُهُمَا اسْتِحْبَابُ هِجْرَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ
وَالْفُسَّاقِ أَطْلَقُوا وَلَمْ يُفَرِّقُوا .

فَصْلٌ ( فِي زَوَالِ
الْهَجْرِ وَمَسَائِلُ فِي الْغِيبَةِ وَمَتَى تُبَاحُ بِالسَّلَامِ )
.
وَالْهَجْرُ الْمُحَرَّمُ يَزُولُ بِالسَّلَامِ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ
وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَزَادَ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتْرُكَ كَلَامَهُ بَعْدَ
السَّلَامِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَالْهِجْرَانُ الْجَائِزُ
هَجْرُ ذَوِي الْبِدَعِ أَوْ مُجَاهِرٍ بِالْكَبَائِرِ وَلَا يَصِلُ إلَى
عُقُوبَتِهِ ، وَلَا يُقْدِمُ عَلَى مَوْعِظَتِهِ ، أَوْ لَا يَقْبَلُهَا ، وَلَا
غِيبَةَ فِي هَذَيْنِ فِي ذِكْرِ حَالِهِمَا قَالَ فِي الْفُصُولِ لِيَحْذَرْ
مِنْهُ ، أَوْ يَكْسِرْهُ عَنْ الْفِسْقِ وَلَا يَقْصِدُ بِهِ الْإِزْرَاءَ عَلَى
الْمَذْكُورِ ، وَالطَّعْنَ فِيهِ وَلَا فِيمَا يُشَاوَرُ فِيهِ مِنْ النِّكَاحِ
أَوْ الْمُخَاطَبَةِ .
قَالَ أَبُو طَالِبٍ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
الرَّجُلِ يَسْأَلُ الرَّجُلَ يَخْطُبُ إلَيْهِ فَيَسْأَلُ عَنْهُ فَيَكُونُ رَجُلَ
سَوْءٍ ، فَيُخْبِرُهُ { مِثْلَ مَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لِفَاطِمَةَ : مُعَاوِيَةُ عَائِلٌ ، وَأَبُو جَهْمٍ عَصَاهُ
عَلَى عَاتِقِهِ } .
يَكُونُ غِيبَةً إنْ أَخْبَرَهُ قَالَ : { الْمُسْتَشَارُ
مُؤْتَمَنٌ } يُخْبِرُهُ بِمَا فِيهِ وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَلَكِنْ يَقُولُ : مَا
أَرْضَاهُ لَك وَنَحْوُ هَذَا حَسَنٌ .
وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ
سَأَلَ ، أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَعْنَى الْغِيبَةِ يَعْنِي فِي النَّصِيحَةِ
قَالَ : إذَا لَمْ تُرِدْ عَيْبَ الرَّجُلِ .
وَقَالَ الْخَلَّالُ : أَخْبَرَنِي
حَرْبٌ سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ : إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ
فَلَيْسَتْ لَهُ غِيبَةٌ أَخْبَرَنَا أَبُو عُتْبَةَ ثَنَا ضَمْرَةُ أَنْبَأَنَا
ابْنُ شَوْذَبٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : لَيْسَ لِلْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ بِفِسْقِهِ
غِيبَةٌ .
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ : إنَّمَا
الْغِيبَةُ لِمَنْ لَمْ يُعْلِنْ بِالْمَعَاصِي وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ
بْنِ زِيَادٍ فِي رَجُلٍ صَاحِبِ قَيْنَاتٍ وَمَعَازِفَ يُؤْذِي أَهْلَ الْمَسْجِدِ
إذَا ذَكَرَ مَا فِيهِ لَا يَضُرُّ ؛ لِأَنَّهُ

قَدْ أَعْلَنَ لَا يَضُرّهُ
إذَا حَدَّثَ النَّاسَ عَنْهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ
لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : الْغِيبَةُ أَنْ يَقُولَ فِي الرَّجُلِ مَا فِيهِ قَالَ :
نَعَمْ .
قُلْت : حَدِيثُ بَهْزٍ قَالَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ وَلَفْظُهُ {
أَتَرْغَبُونَ عَنْ ذِكْرِ الْفَاسِقِ كَيْ يَعْرِفَهُ النَّاسُ ؟ اُذْكُرُوهُ }
ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَخَبَرُ بَهْزٍ هَذَا لَهُ طُرُقٌ عَنْهُ ، وَهِيَ
ضَعِيفَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَأَمْثَلُهَا الْجَارُودُ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ
مَتْرُوكٌ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةُ الْمَجَالِسِ
عَنْ النَّبِيِّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ثَلَاثَةٌ لَا غِيبَةَ
فِيهِمْ الْفَاسِقُ الْمُعْلِنُ بِفِسْقِهِ ، وَشَارِبُ الْخَمْرِ ، وَالسُّلْطَانُ
الْجَائِرُ } قَالَ : وَقَالَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ : مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ
الْحَيَاءِ فَلَا غِيبَةَ فِيهِ .
وَقَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ فُرَافِصَةَ قُلْت
لِمُجَاهِدٍ : الرَّجُلُ يَكُونُ وَقَّاعًا فِي النَّاسِ فَأَقَعُ فِيهِ أَلَهُ
غِيبَةٌ قَالَ : لَا قُلْت : مَنْ ذَا الَّذِي تَحْرُمُ غِيبَتُهُ قَالَ : رَجُلٌ
خَفِيفُ الظَّهْرِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، خَفِيفُ الْبَطْنِ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ ، أَخْرَسُ اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ ، فَهَذَا حَرَامُ
الْغِيبَةِ ، وَمَنْ كَانَ سِوَى ذَلِكَ فَلَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا غِيبَةَ فِيهِ ،
فَهَذِهِ فِي غَيْرِ النَّصِيحَةِ .
وَرِوَايَةُ الْكَحَّالِ تَحْرِيمُ
الْغِيبَةِ مُطْلَقًا ، وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعْلِنِ
وَغَيْرِهِ ، وَظَاهِرُ الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ أَنَّ مَنْ جَازَ هَجْرُهُ
جَازَتْ غِيبَتُهُ ، وَمُرَادُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَنْ لَا فَلَا ،
وَرِوَايَةُ الْكَحَّالِ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ لَقَبٍ كَالْأَعْمَشِ ،
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ ، وَأَنَّ رِوَايَةَ الْأَثْرَمِ
تَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِهِ .
وَقَدْ احْتَجَّ
الْبُخَارِيُّ عَلَى غِيبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَأَهْلِ الرِّيَبِ بِقَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي { عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ لَمَّا اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ :
بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ } وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا
خَبَرُ

عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ فِي إنْكَارِ الْمُنْكَرِ الْمَظْنُونِ ،
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ تَخَلَّفَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ ،
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِتَبُوكَ { : مَا
فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : مُعَاذُ
بْنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْت ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ } ، فَفِيهِ الطَّعْنُ
بِالِاجْتِهَادِ وَالظَّنِّ ، وَأَنَّ مَنْ ظَنَّ غَلَطَ الطَّاعِنِ رَدَّ عَلَيْهِ
، وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَاحِدٍ
مِنْهُمَا وَمِنْ الْغِيبَةِ لِلتَّظَلُّمِ قَوْله تَعَالَى : { لَا يُحِبُّ
اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إلَّا مَنْ ظُلِمَ } .
وَقَالَ
ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ { : وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ
فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ؛ } لِقُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ
عَلَى الْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ قَالَ : وَعَلَى هَذَا أَرَى قَوْله تَعَالَى
: { لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إلَّا مَنْ ظُلِمَ }
.
أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْجِنْسِ لَيْسَ بِمُنْقَطِعٍ كَمَا كَانَ
يَقُولُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الزُّبَيْدِيُّ .
وَذَلِكَ أَنَّ
الْمَظْلُومَ إذَا شَكَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى اقْتَضَى عَدْلُ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ الْإِيقَاعَ بِظَالِمِهِ فَيُحِبُّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ
يَجْهَرَ الْمَظْلُومُ بِالشَّكْوَى لِيَكُونَ الْمُقَدَّرُ وَالْإِيقَاعُ
بِالظَّالِمِ مَبْسُوطَ الْعُذْرِ عِنْدَ الْخَلْقِ ، وَزَاجِرًا لِأَمْثَالِهِ
عَنْ أَمْثَالِ فَاعِلِهِ ، وَإِنَّمَا يُمْهِلُ الظَّالِمَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ
الْخَلْقَ إذَا مَلَكَ أَحَدُهُمْ مَمْلُوكِينَ فَجَنَى عَلَى أَحَدِهِمْ جِنَايَةً
، فَإِنَّ أَرْشَهَا لِسَيِّدِهِ ، فَالْخَلْقُ مِلْكٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ،
فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ ، فَلَوْلَا هَذِهِ الْحَالَةُ لَمَا كُنْت أَطْمَعُ
لِلظَّالِمِ أَنْ يُؤَخَّرَ الْإِيقَاعُ بِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ .
انْتَهَى
كَلَامُهُ .
وَالْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ : إلَّا أَنْ
يَدْعُوَ الْمَظْلُومُ

عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ
أَرْخَصَ لَهُ .
وَعَنْ الْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ إلَّا أَنْ يَنْتَصِرَ
الْمَظْلُومُ مِنْ ظَالِمِهِ .
وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنْ يُخْبِرَ الْمَظْلُومُ
بِظُلْمِ مَنْ ظَلَمَهُ .
وَعَنْهُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَجْهَرَ الضَّيْفُ
بِذَمِّ مَنْ يَضِيفُهُ .
وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَجَمَاعَةٌ
مِنْ التَّابِعِينَ بِفَتْحِ الظَّاءِ قَالَ ثَعْلَبُ : هِيَ مَرْدُودَةٌ عَلَى {
مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ } ؟ { إلَّا مَنْ ظُلِمَ } وَقِيلَ :
الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَجْهَرَ الظَّالِمُ بِالسُّوءِ ظُلْمًا ، وَقِيلَ : إلَّا
أَنْ يَجْهَرُوا بِالسُّوءِ لِلظَّالِمِ .
فَعَلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ
مُنْقَطِعٌ ، وَمَعْنَاهُ لَكِنْ الْمَظْلُومُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْهَرَ
لِظَالِمِهِ بِالسُّوءِ ، وَلَكِنْ يَجْهَرُ بِالسُّوءِ وَاجْهَرُوا لَهُ
بِالسُّوءِ .
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ { مَنْ ظُلِمَ } أَيْ : أَقَامَ عَلَى
النِّفَاقِ فَيُجْهَرُ لَهُ بِالسُّوءِ حَتَّى يَنْزِعَ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ هِنْدٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ } ، وَقَوْلُ الْحَضْرَمِيِّ
أَوْ الْكِنْدِيِّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ : {
لَك يَمِينُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّهُ رَجُلٌ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي }
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : وَفِيهِ أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إذَا قَالَ
لِصَاحِبِهِ : إنَّهُ ظَالِمٌ ، أَوْ فَاجِرٌ أَوْ نَحْوُهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ
مِنْهُ ، وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ
يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ وَيَتَأَوَّلُ الْخَبَرَ .
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ الشَّرِيدِ مَرْفُوعًا { لَيُّ الْوَاجِدِ
ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ } قَالَ أَحْمَدُ : قَالَ وَكِيعٌ عِرْضُهُ
شِكَايَتُهُ وَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ ، وَلَعَلَّ مِنْ هَذَا مَا جَرَى بَيْنَ
الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ لَمَّا تَحَاكَمَا فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَكَانَ كُلٌّ
مِنْهُمَا مُتَأَوِّلًا مَعْذُورًا فِي قَوْلِهِ لِلْآخَرِ ، فَإِنَّهُ أُشْكِلَ
عَلَى جَمَاعَةٍ حَتَّى أَسْقَطَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الْحَدِيثِ ،

وَهُوَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَسَعْدٌ
وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَا قِيلَ ، لَكِنْ كَانَ الْقَوْلُ فِي
الْوَجْهِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الِاسْتِعَانَةِ
بِالْجِيرَانِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى إزَالَةِ الْمُنْكَرِ ، وَفِي الْخَبَرِ
الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ { خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو فُلَانٍ } الْحَدِيثُ
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : فِيهِ جَوَازُ تَفْضِيلِ الْقَبَائِلِ وَالْأَشْخَاصِ
بِغَيْرِ مُجَازَفَةٍ وَلَا هَوًى وَلَا يَكُونُ هَذَا غِيبَةً .
وَهَذَا
صَحِيحٌ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:38

وَلَيْسَتْ الْغَيْرَةُ عُذْرًا فِي غِيبَةٍ وَنَحْوِهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ
أَحْمَدَ ، وَالْأَصْحَابِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ،
وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ فَإِنَّهُ قَالَ : قَلَّ أَنْ
يَصِحَّ رَأْيٌ مَعَ فَوْرَةِ طَبْعٍ ، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ إلَى حِينِ
الِاعْتِدَالِ ، وَهُوَ أَيْضًا مَعْنَى مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
، فَإِنَّهُ اخْتَارَ أَنْ لَا يَقَعَ طَلَاقٌ مِنْ غَضَبٍ حَتَّى تَغَيَّرَ ،
وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ كَالْمُكْرَهِ ، وَذَلِكَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ
خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاحَ لِذَلِكَ فَقَالَ :
اللَّهُمَّ هَالَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ ، فَقُلْت : وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ
مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءُ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ
فَأَبْدَلَك اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا } ؟ الْغَيْرَةُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ مَصْدَرُ
غَارَ الرَّجُلُ يَغَارُ غَيْرَةً وَغَيْرًا وَغَارًا .
وَالْغِيرَةُ بِكَسْرِ
الْغَيْنِ الْمِيرَةُ وَالنَّفْعُ .
.
وَقَوْلُهَا : حَمْرَاءُ الشِّدْقَيْنِ
أَيْ : لَمْ يَبْقَ بِشِدْقِهَا بَيَاضُ شَيْءٍ مِنْ الْأَسْنَانِ قَدْ سَقَطَتْ
مِنْ الْكِبَرِ .
قَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ :
الْغَيْرَةُ مُسَامَحٌ لِلنِّسَاءِ فِيهَا لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِنَّ فِيهَا لِمَا
جُبِلْنَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَلِهَذَا لَمْ يَزْجُرْ عَائِشَةَ وَقَالَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ : عِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ جَرَى مِنْ عَائِشَةَ لِصِغَرِ سِنِّهَا
، وَأَوَّلِ شُبَيْبِهَا ، وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ حِينَئِذٍ ، كَذَا
قَالَ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ الْإِنْكَارَ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا كَسَائِرِ
الْمُحَرَّمَاتِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{ إنِّي أَعْرِفُ إذَا كُنْت رَاضِيَةً عَنِّي وَإِذَا كُنْت عَلَيَّ غَضْبَى
قَالَتْ : فَقُلْت : وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : أَمَّا إذَا كُنْت
عَنِّي رَاضِيَةً

فَإِنَّك تَقُولِينَ : لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ ، وَإِذَا
كُنْت غَضْبَى قُلْت : لَا وَرَبِّ إبْرَاهِيمَ قُلْت : أَجَلْ وَاَللَّهِ يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إلَّا اسْمَك } قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ :
مُغَاضَبَةُ عَائِشَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مِمَّا
سَبَقَ مِنْ الْغَيْرَةِ الَّتِي عُفِيَ عَنْهَا لِلنِّسَاءِ فِي كَثِيرٍ مِنْ
الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ انْفِكَاكِهِنَّ مِنْهَا حَتَّى قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ
مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ : يَسْقُطُ عَنْهَا الْحَدُّ إذَا قَذَفَتْ زَوْجَهَا
بِالْفَاحِشَةِ عَلَى جِهَةِ الْغَيْرَةِ قَالَ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَا تَدْرِي
الْغَيْرَاءُ أَعْلَى الْوَادِي مِنْ أَسْفَلِهِ } قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ :
وَلَوْلَا ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي ذَلِكَ مِنْ
الْحَرَجِ مَا فِيهِ ، لِأَنَّ الْغَضَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهَجْرَهُ كَبِيرَةٌ .
عَظِيمَةٌ وَلِهَذَا قَالَتْ لَا أَهْجُرُ
إلَّا اسْمَك .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَلْبَهَا وَحُبَّهَا كَمَا كَانَ ،
وَإِنَّمَا الْغَيْرَةُ فِي النِّسَاءِ لِفَرْطِ الْمَحَبَّةِ .
انْتَهَى
كَلَامُهُ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا
خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ ، فَطَارَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ
وَحَفْصَةَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ جَمِيعًا ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ اللَّيْلُ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ مَعَهَا
فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ : أَلَا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي
وَأَرْكَبُ بَعِيرَك فَتَنْظُرِينَ ، وَأَنْظُرُ قُلْت : بَلَى فَرَكِبَتْ حَفْصَةُ
عَلَى بَعِيرِ عَائِشَةَ وَرَكِبَتْ عَائِشَةُ عَلَى بَعِيرِ حَفْصَةَ فَجَاءَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَمَلِ عَائِشَةَ
وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ سَارَ مَعَهَا حَتَّى نَزَلُوا ،
فَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ فَغَارَتْ فَلَمَّا نَزَلَتْ جَعَلَتْ تَجْعَلُ
رِجْلَيْهَا بَيْنَ الْإِذْخِرِ وَتَقُولُ يَا رَبِّ

سَلِّطْ عَلَيَّ
عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي ، رَسُولُك وَلَا أَسْتَطِيعُ أَقُولَ لَهُ
شَيْئًا } .
قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : هَذَا
الَّذِي فَعَلَتْهُ ، وَقَالَتْهُ حَمَلَهَا عَلَيْهِ فَرْطُ الْغَيْرَةِ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَمْرَ
الْغَيْرَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَمَا قَالَهُ لَا يُوَافِقُ
مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ .
وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْأَزْرَقَ عَنْ عُقْبَةَ مَرْفُوعًا { : غَيْرَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُحِبُّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالْأُخْرَى يُبْغِضُهَا اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ : الْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ يُحِبُّهَا اللَّهُ ، وَالْغَيْرَةُ
فِي غَيْرِهَا يُبْغِضُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالْمَخِيلَةُ إذَا تَصَدَّقَ
الرَّجُلُ يُحِبُّهَا ، وَالْمَخِيلَةُ فِي الْكِبْرِ يُبْغِضُهَا اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ وَقَالَ : ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ،
وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ } .
وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَكَرَ الْغَيْرَةَ فَقَطْ .
قِيلَ : يَحْيَى لَمْ
يَسْمَعْ مِنْ زَيْدٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْغَيْرَةَ مَنْهِيٌّ
عَنْهَا ، وَيُوَافِقهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ :
أَوْصِنِي قَالَ : لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ عَلَيْهِ قَالَ : لَا تَغْضَبْ } وَرَوَى
أَحْمَدُ غَيْرَ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، وَفِي بَعْضِهَا مِنْ رِوَايَةِ
حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ الرَّجُلَ
قَالَ : فَفَكَّرْت حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
قَالَ ، فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ : { عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا ، وَإِذَا
غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ ثَلَاثًا } .
وَرُوِيَ عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَاذَا يُبَاعِدُنِي مِنْ غَضَبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ لَا تَغْضَبْ }
.
فَنَهْيُهُ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِهِ تَحْتَ الْوُسْعِ وَإِلَّا لَمْ
يَنْهَ عَنْ الْمُحَالِ ، وَمَا كَانَ سَبَبُهُ مُحَرَّمًا أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ
تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ مَعَ وُجُودِ الْعَقْلِ إلَّا الْمُكْرَهَ
لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ ، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذَا السَّبَب إنْ لَمْ
يَكُنْ مَعْذُورًا فِيهِ ، وَزَالَ عَقْلُهُ كَانَ كَزَوَالِهِ بِبَنْجٍ وَنَحْوِهِ
عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ عِنْدَنَا ، وَإِلَّا كَانَ كَسُكْرٍ مَعْذُورٍ فِيهِ ،
وَنَوْمٍ وَنَحْوِهِ ، وَقَدْ { أَتَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحْمِلُهُ فَوَجَدَهُ غَضْبَانَ ، وَحَلَفَ
لَا يَحْمِلُهُمْ وَكَفَّرَ } .
الْحَدِيثَ .
{ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ
ضَالَّةِ الْإِبِلِ ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ ، وَاحْمَرَّ
وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ : مَا لَكَ وَلَهَا ؟ دَعْهَا } الْحَدِيثُ وَهُمَا فِي
الصَّحِيحَيْنِ .
{ وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ
فَأَهْدَى بَعْضُهُنَّ إلَيْهِ طَعَامًا فَضَرَبَتْ يَدَ الْخَادِمِ ، فَسَقَطَتْ
الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ الطَّعَامَ وَيَقُولُ : غَارَتْ أُمُّكُمْ
ثُمَّ أَتَى بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَهَا إلَى
الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا ، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي
كَسَرَتْهَا .
} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ
، فَصَارَتْ قَضِيَّةً مَنْ كَسَرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ
.
وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا { أَخَذَتْنِي رِعْدَةٌ مِنْ شِدَّةِ الْغَيْرَةِ ، فَكَسَرْتُ
الْإِنَاءَ ، ثُمَّ نَدِمْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا كَفَّارَةُ مَا
صَنَعْتُ ؟ فَقَالَ : إنَاءٌ مِثْلُ إنَاءٍ ، وَطَعَامٌ مِثْلُ طَعَامٍ }
.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي بَابِ تَرْكِ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ
الْبُنَانِيِّ عَنْ سُمَيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ { اعْتَلَّ بَعِيرٌ
لِصَفِيَّةَ

بِنْتِ حُيَيٍّ ، وَعِنْدَ زَيْنَبَ فَضْلُ ظَهْرٍ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْنَبِ : أَعْطِيهَا
بَعِيرَكِ فَقَالَتْ : أَنَا أُعْطِي تِلْكَ الْيَهُودِيَّةَ ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَجَرَهَا ذَا الْحِجَّةِ
وَالْمُحَرَّمَ وَبَعْضَ صَفَرٍ .
} سُمَيَّةُ تَفَرَّدَ عَنْهَا ثَابِتٌ ؛
وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ
الْجَوَابُ عَمَّا تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْإِنْكَارَ
اخْتَصَرَهُ الرَّاوِي ، وَأَنَّهُ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ النَّبِيِّ
فَاكْتَفَى بِهِ .
وَالْحَدِيثُ الْأَخِيرُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ بِذَلِكَ ، وَظَهَرَ أَيْضًا الْجَوَابُ
عَمَّا قَالَ الْبُخَارِيُّ : بَابُ إذَا لَطَمَ الْمُسْلِمُ يَهُودِيًّا عِنْدَ
الْغَضَبِ ، ثُمَّ رَوَى قِصَّةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمَّا سَمِعَ الْيَهُودِيَّ
يَقُولُ : وَاَلَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ ، فَغَضِبَ فَلَطَمَهُ ،
وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ
الْغَضَبَ مَعَ وُجُودِ الْعَقْلِ لَا يُسَامَحُ بِسَبَبِهِ فِي الْأَفْعَالِ هَذَا
إنْ لَمْ يَكُنْ جَزَاءُ هَذَا الْفِعْلِ اخْتَصَرَهُ الرَّاوِي مِنْ هَذِهِ
الْقِصَّةِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَوُضُوحِهِ ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ،
وَلِهَذَا فَهِمَ الْبُخَارِيُّ خِلَافَهُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ { ابْن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ
عَنْ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَذَكَرَ الْقِصَّةَ ، { وَدُخُولَ عُمَرَ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلَهُ : لَوْ رَأَيْتَنَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ ، وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا
الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا
يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ ، فَغَضِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي يَوْمًا ، فَإِذَا
هِيَ تُرَاجِعُنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي فَقَالَتْ : مَا تُنْكِرُ أَنْ
أُرَاجِعَكَ فَوَاَللَّهِ إنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ

صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ ، وَتَهْجُرُهُ إحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إلَى
اللَّيْلِ ، فَقُلْتُ : قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ وَخَسِرَ
أَفَتَأْمَنُ إحْدَاهُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا لِغَضَبِ
رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ
.
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ : لَا يَغُرَّنَّكِ
أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْسَمَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكِ فَتَبَسَّمَ أُخْرَى فَقُلْتُ : أَسْتَأْنِسُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " فَجَلَسْتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فِي الْبَيْتِ
فَوَاَللَّهِ مَا رَأَيْت فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ إلَّا أُهُبًا ثَلَاثَةً
فَقُلْتُ : اُدْعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِك ،
فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ ، فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ قَالَ : أَوَ فِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ
الْخَطَّابِ ؟ ، أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا فَقُلْتُ : اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَانَ قَدْ
أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ
عَلَيْهِنَّ ، حَتَّى عَاتَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَوْجِدَتِهِ أَيْ :
غَضَبِهِ } .

وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : وَيُكْرَهُ
هَجْرُ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ
أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالْفُسَّاقِ الْمُدْمِنِينَ عَلَى ذَلِكَ
انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَالْأَوْلَى التَّحْرِيمُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ { : لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ
لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا ، وَيُعْرِضُ هَذَا ، وَخَيْرُهُمَا
الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ } وَفِي رِوَايَةٍ " فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ
هَذَا " .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ " يَصُدُّ " بِضَمِّ
الصَّادِ يُعْرِضُ أَيْ : يُوَلِّيهِ عُرْضَهُ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ : جَانِبَهُ
.
وَرَوَى أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ
أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنْ الْحَقِّ مَا
دَامَا عَلَى إصْرَارِهِمَا ، وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا يَكُونُ سَبْقُهُ بِالْفَيْءِ
كَفَّارَةً لَهُ ، فَإِنْ سَلَّمَ فَلَمْ يَقْبَلْ وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلَامَهُ
رَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ ، وَإِنْ مَاتَا
عَلَى إصْرَارِهِمَا لَمْ يَدْخُلَا الْجَنَّةَ جَمِيعًا أَبَدًا } إسْنَادُهُ
جَيِّدٌ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ
يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلَاثٌ ، فَلْيَلْقَهُ
فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ ، فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَدْ اشْتَرَكَا فِي
الْأَجْرِ ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بِالْإِثْمِ ، وَخَرَجَ
الْمُسْلِمُ مِنْ الْهِجْرَةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ سَعِيدٍ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ أَبَا عَامِرٍ أَخْبَرَهُمْ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنِ هِلَالٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ ،
وَقَالَ : " إذَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا
فِي شَيْءٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ غَطَّى وَجْهَهُ عَنْ رَجُلٍ انْتَهَى
كَلَامُهُ " .

أَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ
عَمْرٍو وَهِلَالٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ ابْنِهِ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ
وَبَاقِيهِ جَيِّدٌ .
وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ " فَإِنْ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ " حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ
عُثْمَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ
عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا فَذَكَرَهُ وَفِيهِ " فَإِذَا
لَقِيَهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ
بَاءَ بِإِثْمِهِ " حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { السَّلَامُ يَقْطَعُ الْهِجْرَانَ } وَذَكَرَ
النَّوَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ، وَمَنْ
وَافَقَهُمَا يَزُولُ الْهَجْرُ الْمُحَرَّمُ بِالسَّلَامِ ، وَقَالَ أَحْمَدُ
وَابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيِّ إنْ كَانَ يُؤَدِّيهِ لَمْ يَقْطَعْ السَّلَامُ
هِجْرَتَهُ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْتُ أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ السَّلَامِ يَقْطَعُ الْهِجْرَانَ ؟ فَقَالَ : قَدْ
يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَقَدْ صَدَّ عَنْهُ ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ :
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ
هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا } فَإِذَا كَانَ قَدْ عَوَّدَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ ، وَأَنْ
يُصَافِحَهُ ، ثُمَّ قَالَ : إلَّا أَنَّهُ مَا كَانَ مِنْ هِجْرَانٍ فِي شَيْءٍ
يُخَالَفُ عَلَيْهِ فِيهِ الْكُفْرُ فَهُوَ جَائِزٌ ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قِصَّةِ كَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ حِين خَافَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فِيهِمْ : " لَا
تُكَلِّمُوهُمْ " قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : عُمَرُ قَالَ فِي صَبِيغٍ : لَا
تُجَالِسُوهُ ، قَالَ : الْمُجَالَسَةُ الْآنَ غَيْرُ الْكَلَامِ قُلْتُ لِأَبِي
عَبْدِ اللَّهِ : كَانَ لِي جَارٌ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أُسَلِّمُ عَلَيْهِ ؟
فَسَكَتَ ، وَقَدْ قَالَ لِي فِي بَعْضِ هَذَا الْكَلَامِ : لَا تُسَلِّمْ عَلَيْهِ
وَلَا تُجَالِسْهُ .

قَالَ الْقَاضِي : فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ
الْهِجْرَةِ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ بَلْ يَعُودُ إلَى حَالِهِ مَعَ الْمَهْجُورِ
قَبْلَ الْهِجْرَةِ ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْأَثْرَمِ وَقَوْلَ أَحْمَدَ فِي
رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ لَا يُكَلِّمُ
الرَّجُلَ أَيُجَرِّبُهُ السَّلَامَ مِنْ الصَّرْم ؟ فَقَالَ : أَتَخَوَّفُ مِنْ
أَجْلِ أَنَّهُمَا يَصُدُّ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ ، وَقَدْ كَانَا
مُتَآنِسَيْنِ يَلْقَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالْبِشْرِ إلَّا أَنْ يَتَخَوَّفَ
مِنْهُ نِفَاقًا قَالَ : وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ أَحْمَدُ خَارِجًا مِنْ
الْهِجْرَةِ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ حَتَّى يَعُودَ إلَى عَادَتِهِ مَعَهُ فِي
الِاجْتِمَاعِ وَالْمُؤَانَسَةِ ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ لَا تَزُولُ إلَّا
بِعَوْدِهِ إلَى عَادَتِهِ مَعَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي وَتَقَدَّمَ قَوْلُ
أَحْمَدَ فِي الَّذِي تَشْتُمُهُ ابْنَةُ عَمِّهِ إذَا لَقِيَهَا : سَلِّمْ
عَلَيْهَا اقْطَعْ الْمُصَارَمَةَ ؟ فَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّلَامَ يَقْطَعُهَا
مُطْلَقًا ، وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْهَجْرَ مُحَرَّمٌ لَا يَزُولُ
بِغَيْرِ ذَلِكَ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيّ ،
وَيَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْكِتَابَةَ
وَالْمُرَاسَلَةَ كَلَامًا أَنْ يَزُولَ الْهَجْرُ الْمُحَرَّمُ بِهَا .
ثُمَّ
وَجَدْت ابْنَ عَقِيلٍ ذَكَرَهُ وَلِلشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ قَالَ الشَّيْخُ
مُحْيِي الدِّينِ النَّوَاوِيُّ : وَأَصَحُّهُمَا يَزُولُ لِزَوَالِ الْوَحْشَةِ
.
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ : لَا تَلْتَمِسْ مِنْ
مَسَاوِي النَّاسِ مَا سَتَرُوا فَيَكْشِفَ اللَّهُ سِتْرًا مِنْ مَسَاوِيكَا
وَاذْكُرْ مَحَاسِنَ مَا فِيهِمْ إذَا ذُكِرُوا وَلَا تَعِبْ أَحَدًا مِنْهُمْ
بِمَا فِيكَا وَاسْتَغْنِ بِاَللَّهِ عَنْ كُلٍّ فَإِنَّ بِهِ غِنًى لِكُلٍّ وَثِقْ
بِاَللَّهِ يَكْفِيكَا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُخْتَارِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ : وَلَا
غِيبَةَ لِظَالِمٍ وَلَا لِفَاسِقٍ وَلَا إثْمَ فِي السَّعْيِ بِهِ وَلَا غِيبَةَ
إلَّا لِمَعْلُومٍ وَلَا غِيبَةَ لِأَهْلِ قَرْيَةٍ ،

وَكَذَا ذَكَرَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ، وَخَالَفَ فِيهِ
بَعْضُهُمْ ذَكَرَهُ النَّوَاوِيُّ فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ ، وَالْأَوَّلُ
مَأْثُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ ، وَلَمْ يَذْكُر أَصْحَابُنَا هَذَا ، وَالظَّاهِرُ
أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ هَذَا فَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ إنْ عَرَفَ بَعْدَ
الْبَحْثِ لَمْ يَجُزْ ، وَإِلَّا جَازَ فَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ ، وَذَكَرَ فِي
الْمُحِيطِ أَنَّ الْغِيبَةَ حَرَامٌ إلَّا فِي حَالٍ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ
رَجُلًا يَضُرُّ النَّاسَ بِاللِّسَانِ ، وَالْيَدِ فَلَا غِيبَةَ فِي ذِكْرِهِ
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { اُذْكُرُوا الْفَاجِرَ بِمَا فِيهِ } وَذَكَرَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنَّ الْمُظْهِرَ لِلْمُحَرَّمَاتِ تَجُوزُ غِيبَتُهُ
بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ، قَالَ : وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ { مَنْ أَلْقَى
جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَلَا غِيبَةَ لَهُ } .
وَهَذَا الْخَبَرُ مِنْ رِوَايَةِ
الرَّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبَانَ ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ ، وَعَنْ أَنَسٍ
مَرْفُوعًا وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ غِيبَةِ تَارِكِ الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : إذَا
قِيلَ عَنْهُ : إنَّهُ تَارِكٌ الصَّلَاةَ وَكَانَ تَارِكَهَا فَهَذَا جَائِزٌ ،
وَيَنْبَغِي أَنْ يُشَاعَ ذَلِكَ عَنْهُ ، وَيُهْجَرَ حَتَّى يُصَلِّيَ
.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسْتَتِرِ : وَيُذْكَرُ أَمْرُهُ
عَلَى وَجْهِ النَّصِيحَةِ ، وَقَالَ أَيْضًا : يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ
النُّصْحِ ، وَابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ
عَلَى مَنْ اغْتَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَابَهُ ، فَإِسْقَاطٌ لِلْحَقِّ قَبْلَ
وُجُودِ سَبَبِهِ ، وَحَدِيثُ أَبِي ضَمْضَمٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِعِرْضِهِ
إذَا أَصْبَحَ لَعَلَّ الْمُرَادُ مِنْ غِيبَتِهِ وَقَعَتْ مَعَ أَنَّا لَا
نُسَلِّمُ صِحَّتَهُ .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:40

فَصْلٌ ( فِي الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فِي
الدَّوْلَةِ ) .
قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ
الْفَضْلِ الْبَلْخِيّ دَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ ابْنِ حَنْبَلٍ ، فَجَاءَهُ رَسُولُ
الْخَلِيفَةِ يَسْأَلُهُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ .
فَقَالَ
أَحْمَدُ : لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ قَالَ : يُسْتَعَانُ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
وَلَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ قَالَ : إنَّ النَّصَارَى وَالْيَهُودَ لَا يَدْعُونَ
إلَى أَدْيَانِهِمْ ، وَأَصْحَابُ الْأَهْوَاءِ دَاعِيَةٌ .
عَزَاهُ الشَّيْخُ
تَقِيُّ الدِّينِ إلَى مَنَاقِبِ الْبَيْهَقِيّ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ يَعْنِي
لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَقَالَ : فَالنَّهْيُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِالدَّاعِيَةِ
لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْأُمَّةِ انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَهُوَ كَمَا
ذَكَرَ .
وَفِي جَامِعِ الْخِلَالِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ أَصْحَابَ
بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ ، وَأَهْلُ الْبِدَع وَالْأَهْوَاءِ لَا يَنْبَغِي أَنْ
يُسْتَعَانَ بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ .
فَإِنَّ فِي
ذَلِكَ أَعْظَمَ الضَّرَرِ عَلَى الدِّينِ وَالْمُسْلِمِينَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ
فِي مَنَاقِبِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ
الْمَرُّوذِيِّ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، فَأَذِنَ
فَجَاءَ أَرْبَعَةُ رُسُلِ الْمُتَوَكِّلَ يَسْأَلُونَهُ فَقَالُوا :
الْجَهْمِيَّةُ يُسْتَعَانُ بِهِمْ عَلَى أُمُورِ السُّلْطَانِ قَلِيلِهَا
وَكَثِيرِهَا أَوْلَى أَمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ؟ فَقَالَ أَحْمَدُ : أَمَّا
الْجَهْمِيَّةُ فَلَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ عَلَى أُمُورِ السُّلْطَانِ قَلِيلِهَا
وَكَثِيرِهَا ، وَأَمَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ
بِهِمْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يُسَلَّطُونَ فِيهَا عَلَى
الْمُسْلِمِينَ حَتَّى لَا يَكُونُوا تَحْتِ أَيْدِيهمْ ، قَدْ اسْتَعَانَ بِهِمْ
السَّلَفُ .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَرُّوذِيُّ أَيُسْتَعَانُ
بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَهُمَا مُشْرِكَانِ ، وَلَا يُسْتَعَانُ
بِالْجَهْمِيِّ ؟ قَالَ : يَا بُنَيَّ يَغْتَرُّ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ وَأُولَئِكَ
لَا يَغْتَرُّ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ .

فَصْل ( فِي حَظْرِ حَبْسِ أَهْلِ
الْبِدَعِ لِبِدْعَتِهِمْ ) .
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ يَتَعَرَّضُونَ وَيَكْفُرُونَ قَالَ :
لَا تَتَعَرَّضُوا لَهُمْ قُلْتُ : وَأَيُّ شَيْءٍ تَكْرَهُ مِنْ أَنْ يُحْبَسُوا ؟
قَالَ : لَهُمْ وَالِدَاتٌ وَأَخَوَاتٌ ، قُلْت : فَإِنَّهُمْ قَدْ حَبَسُوا
رَجُلًا وَظَلَمُوهُ ، وَقَدْ سَأَلُونِي أَنْ أَتَكَلَّمَ فِي أَمْرِهِ حَتَّى
يَخْرُجَ ، فَقَالَ : إنْ كَانَ يُحْبَسُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَلَا ، ثُمَّ قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا جَارُنَا حَبَسَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَمَاتَ فِي
السِّجْنِ ، وَأَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ غَيْرَ مَرَّةٍ كَيْف حَكَى أَبُو بَكْرِ بْنُ
خَلَّادٍ فَقُلْتُ لَهُ .
قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَاعِدًا
فَجَاءَ الْفُضَيْلُ فَقَالَ : لَا تُجَالِسُوهُ يَعْنِي لِابْنِ عُيَيْنَةَ
تَحْبِسُ رَجُلًا فِي السِّجْنِ ؟ مَا يُؤْمِنُكَ أَنْ يَقَعَ السِّجْنُ عَلَيْهِ
قُمْ فَأَخْرِجْهُ فَعَجِبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَجَعَلَ يَسْتَحْسِنُهُ
.

فَصْلٌ ( فِي إنْكَارِ الْمُنْكَرِ الْخَفِيِّ وَالْبَعِيدِ وَالْمَاضِي )
.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِمُنْكَرِ فِعْلٍ خَفِيٍّ
عَلَى الْأَشْهَرِ ، أَوْ مَسْتُورٍ ، أَوْ مَاضٍ ، أَوْ بَعِيدٍ ، وَقِيلَ :
يُجْهَلُ فَاعِلُهُ ، وَمَحَلُّهُ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ أَيْضًا ،
وَالْإِنْكَارُ فِيمَا فَاتَ وَمَضَى إلَّا فِي الْعَقَائِدِ وَالْآرَاءِ قَالَ
الْقَاضِي فِي الْمَاضِي يُشْتَرَطُ أَنْ يُعْلَمَ اسْتِمْرَارُ الْفَاعِلِ عَلَى
فِعْلِ الْمُنْكَرِ ، فَإِنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ تَرْكُ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى
الْفِعْل لَمْ يَجُزْ إنْكَارُ مَا وَقَعَ عَلَى الْفِعْلِ ، كَذَا قَالَ فَإِنْ
كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ نَدِمَ ، وَأَقْلَعَ وَتَابَ ، فَصَحِيحٌ ، لَكِنْ هَلْ
يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَيَرْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ لِيُقِيمَ
الْحَدَّ ؟ يَنْبَنِي عَلَى سُقُوطِهِ بِالتَّوْبَةِ فَإِنْ اعْتَقَدَ الشَّاهِدُ
سُقُوطَهُ لَمْ يَرْفَعْهُ وَإِلَّا رَفَعَهُ ، وَبَيَّنَ الْحَالَ كَمَا قَالَهُ
فِي الْمُغْنِي فِيمَنْ شَهِدَ بِرَهْنِ الرَّهْنِ ثَانِيًا عَلَى دَيْنٍ أَخَذَهُ
الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ، وَجَعَلَهُ الرَّاهِنُ رَهْنًا بِهِمَا
.
وَأَمَّا إذَا كَانَ مُصِرًّا عَلَى الْمُحَرَّمِ وَلَمْ يَتُبْ ، فَهَذَا
يَجِبُ إنْكَارُ الْفِعْلِ الْمَاضِي وَإِصْرَارُهُ ، وَهَلْ يَرْفَعُهُ إلَى
وَلِيِّ الْأَمْرِ ؟ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ السَّتْرِ
وَاسْتِحْبَابِهِ ، وَالتَّفْرِقَةِ فِيهِ ، وَلِهَذَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ
عِنْدَنَا بِسَبَبٍ قَدِيمٍ يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ ،
فَهَذَا إنْكَارٌ ، وَإِقَامَةُ شَهَادَةٍ ، وَعُلِّلَ الْمَنْعُ بِمَا رُوِيَ عَنْ
عُمَرَ : إنَّمَا شَهِدَ لِضِغْنٍ وَلَمْ يُعَلَّلْ بِأَنَّ الشَّاهِدَ فَعَلَ مَا
لَا يَجُوزُ .
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { احْتَجَّ آدَم وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى : يَا آدَم
خَيَّبْتنَا وَأَخْرَجْتنَا مِنْ الْجَنَّةِ } وَفِي لَفْظٍ : { تَحَاجَّ آدَم
وَمُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى : أَنْتَ آدَم الَّذِي أَغْوَيْت النَّاسَ
وَأَخْرَجْتَهُمْ

مِنْ الْجَنَّةِ } .
وَفِي لَفْظٍ { احْتَجَّ آدَم
وَمُوسَى عِنْدَ رَبِّهِمَا عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ مُوسَى : أَنْتَ آدَم خَلَقَك
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَك
مَلَائِكَتَهُ وَأَسْكَنَك فِي جَنَّتِهِ ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِك
إلَى الْأَرْضِ قَالَ آدَم : أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ
بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ ، وَأَعْطَاك الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ
شَيْءٍ وَقَرَّبَك نَجِيًّا ، فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ
التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ ؟ قَالَ مُوسَى : بِأَرْبَعِينَ عَامًا قَالَ
آدَم : فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا : { وَعَصَى آدَم رَبَّهُ فَغَوَى } قَالَ : نَعَمْ
، قَالَ أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةٍ ؟ }
هُوَ فِي الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { فَحَجَّ آدَم مُوسَى } وَلِلْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ { فَحَجَّ
آدَم مُوسَى ثَلَاثًا } وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ
قَدَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ
سَنَةٍ ؟ هَذِهِ الْكِتَابَةُ فِي التَّوْرَاةِ كَتَصْرِيحِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ؛
لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا قَدَّرَهُ وَأَرَادَهُ قَدِيمٌ ،
وَآدَمُ مَرْفُوعٌ بِالِاتِّفَاقِ أَيْ : غَلَبَ فَظَهَرَ بِالْحُجَّةِ .
قَالَ
فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : وَمَعْنَى كَلَامِ آدَمَ إنَّك يَا مُوسَى تَعْلَمُ أَنَّ
هَذَا كُتِبَ وَقُدِّرَ عَلَيَّ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ فَلَا تَلُومَنِّي
عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اللَّوْمَ عَلَى الذَّنْبِ شَرْعِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ ،
وَإِذْ تَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى آدَمَ ، وَغَفَرَ لَهُ زَالَ عَنْهُ
اللَّوْمُ ، فَمَنْ لَامَهُ كَانَ مَحْجُوجًا بِالشَّرْعِ .
فَإِنْ قِيلَ :
فَالْعَاصِي مِنَّا لَوْ قَالَ : هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ قَدَّرَهَا اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ عَلَيَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ اللَّوْمُ وَالْعُقُوبَةُ بِذَلِكَ ، وَإِنْ
كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَهُ .
( فَالْجَوَابُ ) أَنَّ هَذَا الْعَاصِي بَاقٍ
فِي دَارِ التَّكْلِيفِ جَارٍ

عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ
الْعُقُوبَةِ وَاللَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا ، وَفِي زَجْرٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ
مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الزَّجْرِ مَا لَمْ يَمُتْ ،
فَأَمَّا آدَم فَمَيِّتٌ خَارِجٌ عَنْ دَارِ التَّكْلِيفِ ، وَعَنْ الْحَاجَةِ إلَى
الزَّجْرِ ، فَفِي الْقَوْلِ إيذَاءٌ لَهُ ، وَتَخْجِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ انْتَهَى
كَلَامُهُ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ : رَحْمَةُ
اللَّهِ عَلَى مُوسَى قَالَ : لِمَاذَا أَخْرَجْتنَا وَنَفْسَكَ مِنْ الْجَنَّةِ ؟
فَلَامَهُ عَلَى الْمُصِيبَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِسَبَبِ فِعْلِهِ لَا لِأَجْلِ
كَوْنِهَا ذَنْبًا ، وَلِهَذَا احْتَجَّ عَلَيْهِ آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ
بِالْقَدَرِ ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لِأَجْلِ الذَّنْبِ كَمَا يَظُنُّهُ طَوَائِفُ
مِنْ النَّاسِ فَلَيْسَ مُرَادًا بِالْحَدِيثِ ، فَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
كَانَ قَدْ تَابَ مِنْ الذَّنْبِ ، وَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ
لَهُ وَلَا يَجُوزُ لَوْمُ التَّائِبِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ احْتَجَّ بِالْقَدْرِ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ
يَحْتَجَّ بِالْقَدْرِ عَلَى الذَّنْبِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَسَائِرِ
أَهْلِ الْمِلَلِ وَسَائِرِ الْعُقَلَاءِ .
وَقَالَ أَيْضًا فِي كِتَابِ
الْفُرْقَانِ : وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ ضَلَّتْ بِهِ طَائِفَتَانِ طَائِفَةٌ
كَذَّبَتْ بِهِ لِمَا ظَنُّوا أَنَّهُ يَقْتَضِي رَفَعَ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ
عَمَّنْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِأَجْلِ الْقَدَرِ ، وَطَائِفَةٌ شَرٌّ مِنْ
هَؤُلَاءِ جَعَلُوهُ حُجَّةً لِأَهْلِ الْحَقِيقَةِ الَّذِينَ شَهِدُوهُ أَوْ
الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ أَنَّ لَهُمْ فِعْلًا .
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ :
إنَّمَا حَجَّهُ ؛ لِأَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ لِأَنَّهُ قَدْ تَابَ أَوْ لِأَنَّ
الذَّنْبَ كَانَ فِي شَرِيعَةٍ ، وَاللَّوْمَ فِي أُخْرَى ، أَوْ لِأَنَّ هَذَا
يَكُونُ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ ، وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ ، وَلَكِنْ
وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَلُمْ إيَّاهُ إلَّا
لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي لَحِقَتْهُمْ مِنْ أَجْلِ أَكْلِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ
، فَقَالَ : لِمَاذَا أَخْرَجْتنَا

وَنَفْسَكَ مِنْ الْجَنَّةِ ، لَمْ
يَلُمْهُ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ أَذْنَبَ ذَنْبًا ، وَتَابَ مِنْهُ فَإِنَّ مُوسَى
يَعْلَمُ أَنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ لَا يُلَامُ ، وَلَوْ كَانَ آدَم
يَعْتَقِدُ رَفْعَ الْمُلَامَ عَنْهُ لِأَجْلِ الْقَدَرِ لَمْ يَقُلْ : { رَبَّنَا
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ
الْخَاسِرِينَ } .
وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ عِنْدَ الْمَصَائِبِ أَنْ يَصْبِرَ
وَيُسَلِّمَ ، وَعِنْدَ الذُّنُوبِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ وَيَتُوبَ قَالَ تَعَالَى : {
فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك } : فَأَمَرَهُ
بِالصَّبْرِ عَلَى الْمَصَائِبِ ، وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ الْمَعَائِبِ انْتَهَى
كَلَامُهُ .
وَهُوَ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّنْبَ الْمَاضِي
يُلَامُ صَاحِبُهُ وَيُنْكَرُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتُبْ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ
الَّذِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ .
وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمَرُّوذِيِّ وَأَبِي طَالِبٍ
وَغَيْرِهِمْ فِي الطُّنْبُورِ وَوِعَاءِ الْخَمْرِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ يَكُونُ
مُغَطًّى لَا نَعْرِضُ لَهُ ، وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ
أَبِي حَرْبٍ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يُنْكِرُهُ وَيُتْلِفُهُ .
وَقَالَ أَبُو
الْحُسَيْنِ : هَلْ يَجِبُ إنْكَارُ الْمُغَطَّى ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ
أَصَحُّهُمَا : يَجِبُ ؛ لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا الْمُنْكَرَ .
( الثَّانِيَةُ )
: لَا يَجِبُ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا أَظْهَرُوا الْخَمْرَ أُنْكِرَ عَلَيْهِمْ ،
وَإِذَا سَتَرُوهُ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ ، وَكَذَا فِي التَّرْغِيبِ أَنَّهُ
يَجِبُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ .
وَفِي مُعْتَقَدِ ابْنِ عَقِيلٍ : وَلَا
يُكْشَفُ مِنْ الْمَعَاصِي مَا لَمْ يَظْهَرْ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ :
مَنْ تَسَتَّرَ بِالْمَعْصِيَةِ فِي دَارِهِ ، وَأَغْلَقَ بَابَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ
يُتَجَسَّسَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مَا يَعْرِفُهُ كَأَصْوَاتِ
الْمَزَامِيرِ وَالْعِيدَانِ فَلِمَنْ سَمِعَ ذَلِكَ أَنْ يَدْخُلَ وَيُكَسِّرَ
الْمَلَاهِيَ ، وَإِنْ فَاحَتْ رَوَائِحُ الْخَمْرِ ، فَالْأَظْهَرُ جَوَازُ
الْإِنْكَارِ وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنُ عَقِيلٍ

فِيهِ فِي فُصُولِ
اللِّبَاسِ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَالتَّجَسُّسُ
الْبَحْثُ عَنْ عَيْبِ الْمُسْلِمِينَ وَعَوْرَاتِهِمْ ، فَالْمَعْنَى لَا يَبْحَثُ
أَحَدُكُمْ عَنْ عَيْبِ أَخِيهِ لِيَطَّلِعَ عَلَيْهِ إذَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ .
وَقِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ : هَذَا الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ تَقْطُرُ
لِحْيَتُهُ خَمْرًا قَالَ : إنَّا نُهِينَا عَنْ التَّجَسُّسِ ، فَإِنْ يَظْهَرُ
لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذُ بِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ
بْنُ الْهَيْثَمِ الْعَاقُولِيِّ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ
الرَّجُلِ يَسْمَعُ صَوْتَ الطَّبْلِ وَالْمِزْمَارِ لَا يَعْرِفُ مَكَانَهُ ،
فَقَالَ : وَمَا عَلَيْكَ وَمَا غَابَ عَنْكَ ؟ فَلَا تُفَتِّشْ .
وَنَقَلَ
يُوسُفُ وَغَيْرُهُ وَمَا عَلَيْكَ إذَا لَمْ تَعْرِفْ مَكَانَهُ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ
يَسْمَعُ الْمُنْكَرَ فِي دَارِ بَعْضِ جِيرَانِهِ ، قَالَ : يَأْمُرُهُ فَإِنْ
لَمْ يَقْبَلْ يَجْمَعُ عَلَيْهِ وَيُهَوِّلُ عَلَيْهِ .
وَنَقَلَ جَعْفَرٌ
فِيمَنْ يَسْمَعُ صَوْتَ الْغِنَاءِ فِي الطَّرِيقِ .
قَالَ : هَذَا قَدْ ظَهَرَ
، عَلَيْهِ أَنْ يَنْهَاهُمْ وَرَأْي أَنْ يُنْكِرَ الطَّبْلَ يَعْنِي إذَا سَمِعَ
صَوْتَهُ .
وَقِيلَ لَهُ : مَرَرْنَا بِقَوْمٍ قَدْ أَشْرَفُوا مِنْ عِلِّيَّةٍ
لَهُمْ يُغَنُّونَ فَجِئْنَا صَاحِبَ الْخَبَرِ أَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ : لَمْ
تَكَلَّمُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَمِعْتُمْ ؟ فَقِيلَ : لَا ، قَالَ : كَانَ
يُعْجِبُنِي أَنْ تَكَلَّمُوا ، ثُمَّ قَالَ : لَعَلَّ النَّاسَ كَانُوا
يَجْتَمِعُونَ وَكَانُوا يُشْهِرُونَ .
وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ
الْأَصْحَابُ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ أَنَّهُ لَزِمَ الْقَادِرَ الْحُضُورُ
وَالْإِنْكَارُ ، وَإِلَّا لَمْ يَحْضُرْ وَانْصَرَفَ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي
الْمُعْتَمَدِ : وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَالِمِ وَالْعَامِّيِّ أَنْ يَكْشِفَ
مُنْكَرًا قَدْ سُتِرَ ، بَلْ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ كَشْفُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى : { وَلَا تَجَسَّسُوا } .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ :
وَمَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى إرَاقَةِ الْخَمْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ إرَاقَتُهَا ،
وَلَا ضَمَانَ

عَلَيْهِ ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ إذَا أَظْهَرُوا الْخَمْرَ ،
فَإِنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِإِرَاقَتِهَا ، وَشَقِّ ظُرُوفِهَا
وَكَسْرِ دِنَانِهَا ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ إذَا أَسَرُّوا ذَلِكَ
بَيْنَهُمْ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي إنْكَارِ الْمُنْكَرِ الْمَسْتُورِ ، وَلَمْ
نَجِدْ فِيهِ خِلَافًا ، وَمَعْنَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ النَّظْمِ ، قَالَ فِي
الرِّعَايَةِ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ : وَقِيلَ : مَنْ عَلِمَ مُنْكَرًا
قَرِيبًا مِنْهُ فِي دَارٍ وَنَحْوِهَا دَخَلَهَا ، وَأَنْكَرَهُ .
وَقَالَ
صَاحِبُ النَّظْمِ : الْمُسْتَتِرُ مَنْ فَعَلَهُ بِمَوْضِعٍ لَا يُعْلَمُ بِهِ
غَالِبًا إمَّا لِبُعْدِهِ أَوْ نَحْوِهِ غَيْرُ مَنْ حَضَرَهُ وَيَكْتُمُهُ ،
وَأَمَّا مَنْ فَعَلَهُ بِمَوْضِعٍ يُعْلَمُ بِهِ جِيرَانُهُ ، وَلَوْ فِي دَارِهِ
فَإِنَّ هَذَا مُعْلِنٌ مُجَاهِرٌ غَيْرُ مُسْتَتِرٍ .

فَصْلٌ ( يَنْبَغِي
الْإِنْكَارُ عَلَى الْفِعْلِ غَيْر الْمَشْرُوعِ وَإِنْ كَثُرَ فَاعِلُوهُ )
.
يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأُمُورِ يَفْعَلُ فِيهَا
كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ خِلَافَ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ ، وَيَشْتَهِرُ ذَلِكَ
بَيْنَهُمْ وَيَقْتَدِي كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِهِمْ فِي فِعْلِهِمْ
.
وَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَى الْعَارِفِ مُخَالَفَتُهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلًا
وَفِعْلًا ، وَلَا يُثَبِّطُهُ عَنْ ذَلِكَ وَحْدَتُهُ وَقِلَّةُ الرَّفِيقِ ،
وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ : وَلَا يَغْتَرُّ
الْإِنْسَانُ بِكَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ لِهَذَا الَّذِي نَهَيْنَا عَنْهُ مِمَّنْ
لَا يُرَاعِي هَذِهِ الْآدَابَ ، وَامْتَثِلْ مَا قَالَهُ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ
الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ : لَا تَسْتَوْحِشْ طُرُقَ الْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهَا
، وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْهَالِكِينَ .
وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ ابْنُ
عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : مَنْ صَدَرَ اعْتِقَادُهُ عَنْ بُرْهَانٍ لَمْ يَبْقَ
عِنْدَهُ تَلَوُّنٌ يُرَاعِي بِهِ أَحْوَالَ الرِّجَالِ .
{ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ
قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } .
كَانَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ مِمَّنْ يَثْبُتُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَلَمْ تَتَقَلَّبْ بِهِ
الْأَحْوَالُ فِي كُلِّ مَقَامٍ زَلَّتْ بِهِ الْأَقْدَامُ إلَى أَنْ قَالَ :
وَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ مُسْلِمًا إلَى أَنْ يَضِيقَ بِهِ عَيْشٌ ، وَإِنَّمَا
دِينُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى شَعْثِ الدُّنْيَا وَصَلَاحِ الْآخِرَةِ فَمَنْ طَلَبَ
بِهِ الْعَاجِلَةَ أَخْطَأَ .

فَصْلٌ ( فِي تَمْيِيزِ الْأَعْمَالِ
وَانْقِسَامِ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ بِالنَّوْعِ إلَى طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ
بِالنِّيَّةِ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّين رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى :
قَاعِدَةٌ نَافِعَةٌ عَامَّةٌ فِي الْأَعْمَالِ ) وَذَلِكَ أَنَّهَا تَشْتَبِهُ
دَائِمًا فِي الظَّاهِرِ ، مَعَ افْتِرَاقِهَا فِي الْحَقِيقَةِ وَالْبَاطِنِ
حَتَّى تَكُونَ صُورَةُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَاحِدَةً ، وَإِنَّمَا الْمُفَرِّقُ
بَيْنَهُمَا الْبَاطِنُ ذَلِكَ إلَى فِعْلِ مَا هُوَ شَرٌّ بِاعْتِبَارِ الْبَاطِنِ
مَعَ ظَنِّ الْفَاعِلِ ، أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ ، وَإِلَى تَرْكِ مَا هُوَ
خَيْرٌ مَعَ ظَنِّ التَّارِكِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ تَرَكَ شَرًّا ، إلَّا مَنْ
عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْهِدَايَةِ ، وَحُسْنِ النِّيَّةِ ، وَأَكْثَرُ مَا
يُبْتَلَى النَّاسُ بِذَلِكَ عِنْدَ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ ، وَهَذَا
الْأَصْلُ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَجَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ إنَّ
الْفِعْلَ الْوَاحِدَ بِالنَّوْعِ يَنْقَسِمُ إلَى طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ ، وَإِنْ
اخْتَلَفُوا فِي الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ ، هَلْ تَجْتَمِعُ فِيهِ الْجِهَتَانِ ؟
وَخَالَفَ أَبُو هَاشِمٍ فِي الْوَاحِدِ بِالنَّوْعِ أَيْضًا .
وَاتَّفَقَ
النَّاسُ عَلَى أَنَّ النَّوْعَ الْوَاحِدَ مِنْ أَنَّ الْحَيَوَانَ كَالْآدَمِيِّ
يَنْقَسِمُ إلَى مُطِيعٍ وَعَاصٍ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ هَلْ
يَجْتَمِعُ فِيهِ اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، وَالْمَدْحِ وَالذَّمِّ ؟
فَذَهَبَ أَهْلُ السُّنَّةِ الْمَانِعُونَ مِنْ تَخَلُّدِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ
لِجَوَازِ ذَلِكَ ، وَأَبَاهُ الْمُخَلِّدَةُ ، وَأَنَا أَذْكُرُ لِذَلِكَ
أَمْثَالًا يَتَفَطَّنُ لَهَا اللَّبِيبُ حَتَّى تَحَقُّق النِّيَّةُ فِي الْعَمَلِ
، فَإِنَّهَا هِيَ الْفَارِقَةُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } فَإِنَّ هَذِهِ كَلِمَةٌ
جَامِعَةٌ ، عَظِيمَةُ الْقَدْرِ .
فَمِنْ الْأَمْثِلَةِ الظَّاهِرَةِ فِي
الْأَعْمَالِ : الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْجِهَادُ وَالْحُكْمُ وَالْأَمْرُ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ الصَّادِرُ مِنْ
الْمُرَائِي الَّذِي يُرِيدُ الْعُلُوَّ فِي

الْأَرْضِ ، وَرِيَاءَ النَّاسِ
، وَمِنْ الْمُخْلِصِ الَّذِي يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةِ ،
وَمِنْ الْأَمْثِلَةِ فِي التَّرْكِ أَنَّ التَّقْوَى وَالْوَرَعَ الَّذِي هُوَ
تَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَالشُّبُهَاتِ مِنْ الْكَذِبِ وَالظُّلْمِ ، وَفُرُوعِ
ذَلِكَ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ تَشْتَبِهُ بِالْجُبْنِ
وَالْبُخْلِ وَالْكِبْرِ فَقَدْ يَتْرُكُ الرَّجُلُ مِنْ شَهَادَةِ الْحَقِّ
الْوَاجِبِ إظْهَارُهَا مَا يُظَنُّ أَنْ يَتْرُكَهُ خَوْفًا مِنْ الْكَذِبِ ،
وَإِنَّمَا تَرَكَهُ جُبْنًا عَنْ الْحَقِّ ، وَيَتْرُكُ الْجِهَادَ ، وَإِقَامَةَ
الْحُدُودِ ظَنَّا أَنَّهُ يَتْرُكُهُ خَوْفًا مِنْ الظُّلْمِ ، وَإِنَّمَا
تَرَكَهُ جُبْنًا وَيَتْرُكُ فِعْلَ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ
ظَنًّا أَنَّهُ تَرَكَهُ وَرَعًا مِنْ الظُّلْمِ إذَا كَانَ الْمُحْسِنُ إلَيْهِ
يُخَافُ مِنْهُ الظُّلْمَ ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ بُخْلًا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي
نَفْسِ ذَلِكَ إعَانَةٌ عَلَى الظُّلْمِ ، وَقَدْ يَتْرُكُ قَضَاءَ الْحُقُوقِ
الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ ،
وَشُهُودِ الْجَنَائِزِ وَالتَّوَاضُعِ فِي الْأَخْلَاقِ ، وَتَحَمُّلِ
الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ظَنَّا مِنْهُ أَنَّهُ تَرَكَهُ
لِئَلَّا يُفْضِي إلَى مُخَالَطَةِ الظَّلَمَةِ وَالْخَوَنَةِ وَالْكَذَبَةِ ،
وَإِنَّمَا تَرَكَهُ كِبْرًا وَتَرَأُّسًا عَلَيْهِمْ ، كَمَا أَنَّهُ يَفْعَلُ
ذَلِكَ ظَنًّا أَنَّهُ فَعَلَهُ لِأَجْلِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَمَكَارِمِ
الْأَخْلَاقِ ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ رَغْبَةً إلَيْهِمْ حِرْصًا وَطَمَعًا أَوْ
رَهْبَةً مِنْهُمْ .
وَقَوْلُ النَّبِيِّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } ثُمَّ
قَسَّمَ الْهِجْرَةَ الْوَاحِدَةَ بِالنَّوْعِ إلَى قِسْمَيْنِ مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ
عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ .

فَصْلٌ ( لَا يَنْبَغِي تَرْكُ الْعَمَلِ
الْمَشْرُوعِ خَوْفَ الرِّيَاءِ ) .
مِمَّا يَقَعُ لِلْإِنْسَانِ أَنَّهُ
أَرَادَ فِعْلَ طَاعَةٍ يَقُومُ عِنْدَهُ شَيْءٌ يَحْمِلُهُ عَلَى تَرْكِهَا خَوْفَ
وُقُوعِهَا عَلَى وَجْهِ الرِّيَاءِ ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي عَدَمُ الِالْتِفَاتِ
إلَى ذَلِكَ ، وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
بِهِ وَرَغَّبَهُ فِيهِ ، وَيَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَيَتَوَكَّلُ
عَلَيْهِ فِي وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ .
وَقَدْ
قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَنْبَغِي
أَنْ يُتْرَكَ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ مَعَ الْقَلْبِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُظَنَّ
بِهِ الرِّيَاءُ بَلْ يَذْكُرُ بِهِمَا جَمِيعًا ، وَيَقْصِدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ ، وَذَكَرَ قَوْلَ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنَّ
تَرْكَ الْعَمَلِ لِأَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ ، وَالْعَمَلُ لِأَجْلِ النَّاسِ
شِرْكٌ قَالَ : فَلَوْ فَتَحَ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ بَابَ مُلَاحَظَةِ النَّاسِ
وَالِاحْتِرَازِ مِنْ تَطَرُّقِ ظُنُونِهِمْ الْبَاطِلَةِ لَانْسَدَّ عَلَيْهِ
أَكْثَرُ أَبْوَابِ الْخَيْرِ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ
بْنِ الْجَوْزِيِّ فَأَمَّا تَرْكُ الطَّاعَاتِ خَوْفًا مِنْ الرِّيَاءِ فَإِنْ
كَانَ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَى الطَّاعَةِ غَيْرَ الدِّينِ فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ
يُتْرَكَ ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ ، وَإِنْ كَانَ الْبَاعِثُ عَلَى ذَلِكَ الدِّينَ
وَكَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُخْلِصًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ
يَتْرُكَ الْعَمَلَ ؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ الدِّينُ ، وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ
الْعَمَلَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُقَالَ : مُرَاءٍ ، فَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ
مِنْ مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ .
قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : إذَا أَتَاك
الشَّيْطَانُ وَأَنْتَ فِي صَلَاةٍ ، فَقَالَ : إنَّك مُرَاءٍ فَزِدْهَا طُولًا ،
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ تَرَكَ الْعِبَادَةَ خَوْفًا
مِنْ الرِّيَاءِ ، فَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّهُمْ أَحَسُّوا مِنْ نُفُوسِهِمْ
بِنَوْعِ تَزَيُّنٍ فَقَطَعُوا ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَمِنْ هَذَا قَوْلِ
الْأَعْمَشِ كُنْتُ عِنْدَ

إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، وَهُوَ يَقْرَأُ فِي
الْمُصْحَفِ فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ فَغَطَّى الْمُصْحَفَ ، وَقَالَ : لَا يَظُنُّ
أَنِّي أَقْرَأُ فِيهِ كُلَّ سَاعَةٍ ، وَإِذَا كَانَ لَا يَتْرُكُ الْعِبَادَةَ
خَوْفَ وُقُوعِهَا عَلَى وَجْهِ الرِّيَاءِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَتْرُكَ خَوْفَ
عُجْبٍ يَطْرَأُ بَعْدَهَا .
وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ فِي الْعُجْبِ قَبْل
فُصُولِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَيَأْتِي قَبْلَ
فُصُولِ اللِّبَاسِ فِي الدُّخُولِ عَلَى السُّلْطَانِ يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ
قَوْلُ دَاوُد الطَّائِيِّ أَخَافُ عَلَيْهِ السَّوْطَ ، قَالَ : إنَّهُ يَقْوَى
قَالَ : أَخَافُ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ : إنَّهُ يَقْوَى قَالَ : أَخَافُ
عَلَيْهِ الدَّاءَ الدَّفِينَ : الْعُجْبَ .

فَصْلٌ ( فِي تَفَاوُتِ
الْأَجْرِ لِمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَمَنْ لَا يَشُقُّ ) .
قَالَ
الْخَلَّالُ : كَتَبَ إلَيَّ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْإِسْكَافِ حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
الرَّجُلِ يَشْرَعُ لَهُ وَجْهُ بِرٍّ ، فَيَحْمِلُ نَفْسَهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ ،
وَآخَرُ يَشْرَعُ لَهُ فَيُسَرُّ بِذَلِكَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ قَالَ : أَلَمْ
تَسْمَعْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ تَعَلَّمَ
الْقُرْآنَ ، وَهُوَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ أَجْرَيْنِ } .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ
السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ ، وَاَلَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ،
وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ لَهُ أَجْرَانِ } .
السَّفَرَةُ الرُّسُلُ لِأَنَّهُمْ
يُسْفِرُونَ إلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقِيلَ : الْكَتَبَةُ
، وَالْبَرَرَةُ الْمُطِيعُونَ ، وَاَلَّذِي يَتَتَعْتَعُ فِيهِ لَهُ أَجْرٌ
بِالْقِرَاءَةِ ، وَأَجْرٌ بِتَعَبِهِ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي
عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ : وَالْمَاهِرُ أَفْضَلُ ، وَأَكْثَرُ
أَجْرًا فَإِنَّهُ مَعَ السَّفْرَةِ ، وَلَهُ أُجُورٌ كَثِيرَةٌ يَذْكُرْ هَذِهِ
الْمَنْزِلَةَ لِغَيْرِهِ ، وَكَيْف يَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْتَنِ بِكِتَابِ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَكَثْرَةِ تِلَاوَتِهِ
وَدِرَاسَتِهِ كَاعْتِنَائِهِ حَتَّى مَهَرَ فِيهِ ، فَظَاهِرُ هَذَا يُنَاقِضُ مَا
تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ : { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } .
وَقَدْ يُقَالُ :
مُرَادُ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا اعْتَنَى جُهْدَهُ ، وَهُوَ يَشُقُّ
عَلَيْهِ ، وَمُرَادُ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ إذَا حَصَلَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ ،
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

حُكْمُ اللَّعْنِ ، وَلَعْنِ
الْمُعَيَّنِ ) .
وَيَجُوزُ لَعْنُ الْكُفَّارِ عَامًّا ، وَهَلْ يَجُوزُ لَعْنُ
كَافِرٍ مُعَيَّنٍ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ :
وَلَعْنُ تَارِكِ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ جَائِزٌ ، وَأَمَّا لَعْنُهُ
الْمُعَيَّنَ ، فَالْأَوْلَى تَرْكُهَا ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتُوبَ .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:41

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : قِيلَ : لِأَحْمَدَ ابْنِ حَنْبَلٍ أَيُؤْخَذُ
الْحَدِيثُ عَنْ يَزِيدَ فَقَالَ : لَا وَلَا كَرَامَةَ أَوَ لَيْسَ هُوَ فَعَلَ
بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا فَعَلَ ؟ وَقِيلَ لَهُ : إنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ :
إنَّا نُحِبُّ يَزِيدَ فَقَالَ : وَهَلْ يُحِبُّ يَزِيدَ مَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ؟ فَقِيلَ لَهُ : أَوَ لَا تَلْعَنُهُ ؟ فَقَالَ : مَتَى
رَأَيْتَ أَبَاك يَلْعَنُ أَحَدًا .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا
فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي لَعْنِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ
الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَمِنْ الْفُسَّاقِ بِالِاعْتِقَادِ ، أَوْ بِالْعَمَلِ
: لِأَصْحَابِنَا فِيهَا أَقْوَالٌ ( أَحَدُهَا : ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ ،
وَهُوَ قَوْلَيْ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ ( وَالثَّانِي : ) يَجُوزُ فِي
الْكَافِرِ دُون الْفَاسِقِ ( وَالثَّالِثُ ) يَجُوزُ مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ : فِي لَعْنَةِ يَزِيدَ أَجَازَهَا الْعُلَمَاءُ الْوَرِعُونَ
مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَبْدُ
الْمُغِيثِ الْحَرْبِيِّ ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا ، لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ بَنَى
الْأَمْرَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِسْقُهُ ، وَكَلَامُ عَبْدِ الْمُغِيثِ
يَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَفِيهِ نَوْعُ انْتِصَارٍ ضَعِيفٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَنَى
الْأَمْرَ عَلَى أَنْ لَا يُلْعَنَ الْفَاسِقَ الْمُعَيَّنَ ، وَشَنَّعَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ اسْتِجَازَةَ ذَمِّ الْمَذْمُومِ ، وَلَعْنَ
الْمَلْعُونِ كَيَزِيدَ .
قَالَ : وَقَدْ ذَكَرَ أَحْمَدُ فِي حَقِّ يَزِيدَ مَا
يَزِيدُ عَلَى اللَّعْنَةِ ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ مُهَنَّا سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ
يَزِيدَ ، فَقَالَ : هُوَ الَّذِي فَعَلَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا فَعَلَ
.
قُلْتُ : فَيُذْكَرُ عَنْهُ الْحَدِيثُ ؟ قَالَ

: لَا يُذْكَرُ عَنْهُ
الْحَدِيثُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَكْتُبَ عَنْهُ حَدِيثًا .
قُلْتُ :
وَمَنْ كَانَ مَعَهُ حِينَ فَعَلَ ؟ فَقَالَ : أَهْلُ الشَّامِ ، قَالَ الشَّيْخُ
تَقِيُّ الدِّينِ : هَذَا أَكْثَرُ مَا يَدُلّ عَلَى الْفِسْقِ لَا عَلَى لَعْنَةِ
الْمُعَيَّنِ .
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي
الْمُعْتَمَدِ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ .
إِن صَحَّتْ الرِّوَايَةُ قَالَ : وَقَدْ
صَنَّفَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ كِتَابًا فِي بَيَانِ مَنْ يَسْتَحِقُّ
اللَّعْنَ ، وَذَكَرَ فِيهِمْ يَزِيدَ قَالَ : وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لَعْنُ
مَنْ فَعَلَ مَا لَا يُقَارِبُ مِعْشَارَ عُشْرِ مَا فَعَلَ يَزِيدُ ، وَذَكَرَ
الْفِعْلَ الْعَامَّ كَلَعْنِ الْوَامِصَةِ وَأَمْثَالِهِ ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ
أَبِي طَالِبٍ سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَمَّنْ قَالَ : لَعَنَ اللَّهُ
يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ .
فَقَالَ : لَا تَكَلَّمْ فِي هَذَا ، الْإِمْسَاكُ
أَحَبُّ إلَيَّ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى
اشْتِغَالِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ عَنْ لَعْنِ غَيْرِهِ .
وَالْأَوْلَى عَلَى
جَوَازِ اللَّعْنَةِ كَمَا قُلْنَا فِي تَقْدِيمِ التَّسْبِيحِ عَلَى لَعْنَةِ
إبْلِيسَ ، وَسَلَّمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ تَرْكَ اللَّعْنِ أَوْلَى ، وَقَدْ
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ
اللَّهَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ : { إنِّي لَمْ أُبْعَثُ لَعَّانًا ،
وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً } قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَقَدْ لَعَنَ أَحْمَدُ
بْنُ حَنْبَلٍ مَنْ يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ .
فَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ :
قَالَتْ الْوَاقِفِيَّةُ الْمَلْعُونَةُ ، وَالْمُعْتَزِلَةُ الْمَلْعُونَةُ
.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَنْبَلِيِّ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ
بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ : لَعْنَةُ اللَّهِ ، وَكَانَ
الْحَسَنُ يَلْعَنُ الْحَجَّاجَ ، وَأَحْمَدُ يَقُولُ : الْحَجَّاجُ رَجُلُ سُوءٍ
.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لَيْسَ فِي هَذَا عَنْ أَحْمَدَ لَعْنَةُ
مُعَيَّنٍ ، لَكِنَّ قَوْلَ الْحَسَنِ نَعَمْ .
وَقَالَ
ابْنُ

الْجَوْزِيِّ قَالَ الْفُقَهَاءُ : لَا تَجُوزُ وِلَايَةُ
الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَانِعٌ إمَّا خَوْفُ
فِتْنَةٍ ، أَوْ يَكُونَ الْفَاضِلُ غَيْرَ عَالَمٍ بِالسِّيَاسَةِ لِحَدِيثِ
عُمَرَ فِي السَّقِيفَةِ ، وَحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ فِي تَوْلِيَةِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَجَابَ مَنْ قَالَ : كَانَ خَارِجِيًّا بِأَنَّ الْخَارِجِيَّ
مَنْ خَرَجَ عَلَى مُسْتَحِقٍّ ، وَإِنَّمَا خَرَجَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ لِدَفْعِ الْبَاطِلِ وَإِقَامَةِ الْحَقِّ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ
: نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ ابْنِ عَقِيلٍ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : كَانَ الْحُسَيْنُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَارِجِيًّا ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِي ، فَقُلْتُ :
لَوْ عَاشَ إبْرَاهِيمُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا ،
فَهَبْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ نَزَلَا عَنْ رُتْبَةِ إبْرَاهِيمَ مَعَ
كَوْنِهِ سَمَّاهُمَا ابْنَيْهِ ، أَوَ لَا يُصِيبُ وَلَدُ وَلَدِهِ أَنْ يَكُونَ
إمَامًا بَعْدَهُ ؟ فَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ خَارِجِيًّا وَإِخْرَاجُهُ عَنْ
الْإِمَامَةِ لِأَجْلِ صَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ هَذَا مَا لَا يَقْتَضِيه عَقْلٌ
وَلَا دِينٌ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَمَتَى حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ وَفَاءَ
النَّاسِ فَلَا تُصَدِّقْ ، هَذَا ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَكْثَرُ النَّاسِ حُقُوقًا عَلَى الْخَلْقِ إلَى أَنْ قَالَ : { قُلْ
لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }
.
فَقَتَلُوا أَصْحَابَهُ وَأَهْلَكُوا أَوْلَادَهُ ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ : فَقَدْ جَوَّزَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْخُرُوجَ عَلَى غَيْرِ الْعَادِلِ
، وَفَسَّرَ ابْنُ عَقِيلٍ الْآيَةَ بِالتَّفْسِيرِ الْمَرْجُوحِ .
وَفِي
الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ أَوَّلَ جَيْشٍ يَغْزُو الْقُسْطَنْطِينِيَّة مَغْفُورٌ
لَهُمْ } وَأَوَّلُ جَيْشٍ غَزَاهَا كَانَ أَمِيرُهُمْ يَزِيدُ فِي خِلَافَةِ
أَبِيهِ مُعَاوِيَةَ ، وَكَانَ فِي الْجَيْشِ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ ،
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَالْجَيْشُ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ لَا مُطْلَقٌ ،
وَشُمُولُ الْمَغْفِرَةِ

لِآحَادِ هَذَا الْجَيْشِ أَقْوَى مِنْ شُمُولِ
اللَّعْنَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ الظَّالِمِينَ ، فَإِنَّ هَذَا حَصْرٌ ،
وَالْجَيْشُ مُعَيَّنُونَ وَيُقَالُ : إنَّ يَزِيدَ إنَّمَا غَزَا
الْقُسْطَنْطِينِيَّة لِأَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي
الْمُعْتَمَدِ : مَنْ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِمْ مِنْ الْمُتَأَوِّلِينَ وَغَيْرِهِمْ
، فَجَائِزٌ لَعْنَتُهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي
اللَّفْظِيَّةِ عَلَى مَنْ جَاءَ بِهَذَا : لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، غَضَبُ
اللَّهِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ عَنْ قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ : هَتَكَ اللَّهُ
الْخَبِيثَ ، وَعَنْ قَوْمٍ : أَخْزَاهُ اللَّهُ .
وَقَالَ فِي آخَرَ : مَلَأَ
اللَّهُ قَبْرَهُ نَارًا .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لَمْ أَرَهُ
نَقَلَ لَعْنَةً مُعَيَّنَةً إلَّا لَعْنَةَ نَوْعٍ ، أَوْ دُعَاءٍ عَلَى مُعَيَّنٍ
بِالْعَذَابِ ، أَوْ سَبًّا لَهُ لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي : لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ
الْمُطْلَقِ ، وَالْمُعَيَّنِ ، وَكَذَلِكَ جَدُّنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ .
قَالَ
الْقَاضِي : فَأَمَّا فُسَّاقُ أَهْلِ الْمِلَّةِ بِالْأَفْعَالِ كَالزِّنَا ،
وَالسَّرِقَةِ ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، وَقَتْلِ النَّفْسِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ،
فَهَلْ يَجُوزُ لَعْنُهُمْ أَمْ لَا ؟ فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْ ذَلِكَ فِي
رِوَايَةِ صَالِحٍ قُلْت لِأَبِي : الرَّجُلُ يُذْكَرُ عِنْدَهُ الْحَجَّاجُ أَوْ
غَيْرُهُ يَلْعَنُهُ ؟ فَقَالَ : لَا يُعْجِبُنِي لَوْ عَمَّ فَقَالَ : أَلَا
لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ .
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : سَأَلْتُ
أَحْمَدَ عَنْ مَنْ نَالَ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ قَالَ : لَا تَكَلَّمْ فِي
هَذَا ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَعْنُ
الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ } قَالَ فَقَدْ تَوَقَّفَ عَنْ لَعْنَةِ الْحَجَّاجِ مَعَ
مَا فَعَلَهُ ، وَمَعَ قَوْلِهِ : الْحَجَّاجُ رَجُلُ سُوءٍ ، وَتَوَقَّفَ عَنْ
لَعْنَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَعَ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا ، وَقَدْ
سَأَلَهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ : هُوَ الَّذِي فَعَلَ
بِالْمَدِينَةِ مَا فَعَلَ قَتَلَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَبَهَا لَا يَنْبَغِي

لِأَحَدٍ أَنْ
يَكْتُبَ حَدِيثَهُ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ
الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي التَّوَقُّفِ فِي اللَّعْنَةِ فَفِيهِ
أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ لَا تَخْفَيْ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَيَتْبَعُ قَوْلَ
الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ فَهُمَا الْإِمَامَانِ فِي زَمَانِهِمَا ، وَيَقُولُ :
لَعَنَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ
عُثْمَانَ ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ عَلِيًّا ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ
مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَنَقُولُ : لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الظَّالِمِينَ إذَا ذُكِرَ لَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْفِتَنِ عَلَى مَا
تَقَلَّدَهُ أَحْمَدُ .
قَالَ الْقَاضِي فَقَدْ صَرَّحَ الْخَلَّالُ
بِاللَّعْنَةِ قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِيمَا وَجَدْته فِي
تَعَالِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ : لَيْسَ لَنَا أَنْ نَلْعَنَ إلَّا مَنْ لَعَنَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَرِيقِ الْإِخْبَارِ
عَنْهُ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ الَّذِي
قَرَّرَهُ الْخَلَّالُ اللَّعْنُ الْمُطْلَقُ الْعَامُّ لَا الْمُعَيَّنُ كَمَا
قُلْنَا فِي نُصُوصِ الْوَعِيدِ وَالْوَعْدِ ، وَكَمَا نَقُولُ فِي الشَّهَادَةِ
بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَإِنَّا نَشْهَدُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي
الْجَنَّةِ ، وَأَنَّ الْكَافِرِينَ فِي النَّارِ وَنَشْهَدُ بِالْجَنَّةِ
وَالنَّارِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَلَا نَشْهَدُ بِذَلِكَ
لِمُعَيَّنٍ إلَّا مَنْ شَهِدَ لَهُ النَّصُّ ، أَوْ شَهِدَ لَهُ الِاسْتِفَاضَةُ
عَلَى قَوْلٍ ، فَالشَّهَادَةُ فِي الْخَبَرِ كَاللَّعْنِ فِي الطَّلَبِ ،
وَالْخَبَرُ وَالطَّلَبُ نَوْعَا الْكَلَامِ ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ : صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ الطَّعَّانِينَ وَاللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ
شُهَدَاءَ وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ، فَالشَّفَاعَةُ ضِدُّ اللَّعْنِ
كَمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ ضِدُّ اللَّعْنَ وَكَلَامُ الْخَلَّالِ يَقْتَضِي أَنَّهُ
لَا يَلْعَنُ الْمُعَيَّنِينَ مِنْ الْكُفَّارِ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ قَاتِلَ عُمَرَ
، وَكَانَ كَافِرًا ، وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُلْعَنُ الْمُعَيَّنُ

مِنْ
أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ قَاتِلَ عَلِيٍّ ، وَكَانَ خَارِجِيًّا
.
ثُمَّ اسْتَدَلَّ الْقَاضِي لِلْمَنْعِ بِمَا جَاءَ مِنْ ذَمِّ اللَّعْنِ ،
وَأَنَّ هَؤُلَاءِ تُرْجَى لَهُمْ الْمَغْفِرَةُ ، وَلَا تَجُوزُ لَعْنَتُهُمْ ؛
لِأَنَّ اللَّعْنَ يَقْتَضِي الطَّرْدَ وَالْإِبْعَادَ بِخِلَافِ مَنْ حُكِمَ
بِكُفْرِهِ مِنْ الْمُتَأَوِّلِينَ ، فَإِنَّهُمْ مُبْعَدُونَ مِنْ الرَّحْمَةِ
كَغَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ ،
وَإِطْلَاقِهِ بِالنُّصُوصِ الَّتِي جَاءَتْ فِي اللَّعْنِ وَجَمِيعُهَا مُطْلَقَةٌ
كَالرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي ، وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوَكِّلُهُ ، وَشَاهِدِيهِ ،
وَكَاتِبِيهِ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : فَصَارَ لِلْأَصْحَابِ فِي
الْفُسَّاقِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ( أَحَدُهَا : ) الْمَنْعُ عُمُومًا وَتَعَيُّنًا
إلَّا بِرِوَايَةِ النَّصِّ .
( وَالثَّانِي ) : إجَازَتُهَا .
(
وَالثَّالِثُ : ) التَّفْرِيقُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ ، لَكِنَّ الْمَنْعَ مِنْ
الْمُعَيَّنِ هَلْ هُوَ مَنْعُ كَرَاهَةٍ أَوْ مَنْعُ تَحْرِيمٍ ؟ ثُمَّ قَالَ فِي
الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ لَا يَجُوزُ وَاحْتَجَّ بِنَهْيِهِ عَلَيْهِ
السَّلَامُ عَنْ لَعْنَةِ الرَّجُلِ الَّذِي يُدْعَى حِمَارًا .
وَقَالَ هُنَا
ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْكَرَاهَةُ ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ الْقَاضِي فِيمَا بَعْدُ
لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ : لَا تُعْجِبُنِي لَعْنَةُ الْحَجَّاجِ وَنَحْوِهِ
لَوْ عَمَّ فَقَالَ : أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ .
قَالَ
الْقَاضِي : فَقَدْ كَرِهَ أَحْمَدُ لَعْنَ الْحَجَّاجِ قَالَ : وَيُمْكِنُ أَنْ
يُتَأَوَّلَ تَوَقُّفُ أَحْمَدَ عَنْ لَعْنَةِ الْحَجَّاجِ وَنُظَرَائِهِ ( أَنَّهُ
) كَانَ مِنْ الْأُمَرَاءِ فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ ( أَحَدُهُمَا
: ) نَهْيٌ جَاءَ عَنْ لَعْنَةِ الْوُلَاةَ خُصُوصًا ( الثَّانِي : ) أَنَّ لَعْنَ
الْأُمَرَاءِ رُبَّمَا أَفْضَى إلَى الْهَرْجِ ، وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَالْفِتَنِ ،
وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي غَيْرِهِمْ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ : وَاَلَّذِينَ اُتُّخِذُوا أَئِمَّةً فِي الدِّينِ مِنْ أَهْلِ
الْأَهْوَاءِ هُمْ أَعْظَمُ مِنْ الْأُمَرَاءِ عِنْد أَصْحَابِهِمْ ، وَقَدْ
يُفْضِي ذَلِكَ

إلَى الْفِتَنِ .
وَذَكَرَ يَعْنِي الْقَاضِي مَا
نَقَلَهُ مِنْ خَطِّ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ أَسْنَدَهُ إلَى صَالِحٍ بْنِ
أَحْمَدَ قُلْتُ لِأَبِي : إنَّ قَوْمًا يَنْسُبُونَ إلَيَّ تَوَلِّي يَزِيدَ ،
فَقَالَ : يَا بُنَيَّ وَهَلْ يَتَوَلَّى يَزِيدَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ؟ فَقُلْتُ : وَلِمَ لَا تَلْعَنُهُ ؟ فَقَالَ : وَمَتَى
رَأَيْتنِي أَلْعَنُ شَيْئًا ؟ لِمَ لَا نَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ ؟ فَقُلْتُ : وَأَيْنَ لَعَنَ اللَّهُ يَزِيدَ فِي كِتَابِهِ
؟ فَقَرَأَ : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ
وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } .
فَهَلْ يَكُونُ فِي قَطْعِ الرَّحِمِ أَعْظَمُ مِنْ
الْقَتْلِ ؟ قَالَ الْقَاضِي : وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ إنْ صَحَّتْ فَهِيَ صَرِيحَةٌ
فِي مَعْنَى لَعْنِ يَزِيدَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : الدَّلَالَةُ
مَبْنِيَّةٌ عَلَى اسْتِلْزَامِ الْمُطْلَقِ لِلْمُعَيَّنِ انْتَهَى كَلَامُهُ
.
وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ : وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ لَعْنَةُ أَقْوَامٍ
مُعَيَّنِينَ مِنْ دُعَاةِ أَهْلِ الْبِدَعِ ، وَلِهَذَا فَرَّقَ مَنْ فَرَّقَ مِنْ
الْأَصْحَابِ بَيْنَ لَعْنَةِ الْفَاسِقِ بِالْفِعْلِ ، وَبَيْنَ دُعَاةِ أَهْلِ
الضَّلَالِ إمَّا بِنَاءً عَلَى تَكْفِيرِهِمْ ، وَإِمَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ
ضَرَرَهُمْ أَشَدُّ ، وَمَنْ جَوَّزَ لَعْنَةَ الْمُبْتَدِعِ الْمُكَفِّرِ
مُعَيَّنًا ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَعْنَةُ الْكَافِرِ الْمُعَيَّنِ بِطَرِيقِ
الْأَوْلَى ، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ أَنْ يُلْعَنَ إلَّا مَنْ ثَبَتَ لَعْنُهُ
بِالنَّصِّ ، فَإِنَّهُ لَا يُجَوِّزُ لَعْنَةَ الْكَافِرِ الْمُعَيَّنِ ، فَمَنْ
لَمْ يُجَوِّزْ إلَّا لَعْنَ الْمَنْصُوصِ يَرَى أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ لَا عَلَى
وَجْهِ الِانْتِصَارِ وَلَا عَلَى وَجْهِ الْجِهَادِ ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ
كَالْهِجْرَةِ ، وَالتَّعْزِيرِ وَالتَّحْذِيرِ .
وَهَذَا مُقْتَضَى حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ ، أَوْ عَلَى أَحَدٍ
قَنَتَ بَعْدَ

الرُّكُوعِ .
وَقَالَ فِيهِ : اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا
وَفُلَانًا لِأَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ } حَتَّى نَزَلَتْ : { لَيْسَ لَك مِنْ
الْأَمْرِ شَيْءٌ } .
قَالَ : وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَلْعَنْ الْمُعَيَّنَ مِنْ
أَهْلِ السُّنَّةِ ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، أَوْ مُطْلَقًا ، وَأَمَّا
مَنْ جَوَّزَ لَعْنَةَ الْفَاسِقِ الْمُعَيَّنِ عَلَى وَجْهِ الْبُغْضِ فِي اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ وَالتَّعْزِيرِ ، فَقَدْ يَجُوزُ ذَلِكَ
عَلَى وَجْهِ الِانْتِصَارِ أَيْضًا ، وَمَنْ يُرَجِّحُ الْمَنْعَ مِنْ لَعْنِ
الْمُعَيَّنِ ، فَقَدْ يُجِيبُ عَمَّا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِأَحَدِ أَجْوِبَةٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا بِأَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ كَلَعْنِ
مَنْ لَعَنَ فِي الْقُنُوتِ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَإِمَّا أَنَّ
ذَلِكَ مِمَّا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ : { اللَّهُمَّ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَغْضَبُ
كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، فَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ ،
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَرَحْمَةً تُقَرِّبُهُ
بِهَا إلَيْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
لَكِنْ قَدْ يُقَالُ : هَذَا الْحَدِيثُ
لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ اللَّعْنَةِ ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ أَنَّهُ يَفْعَلُهَا
بِاجْتِهَادِهِ بِالتَّعْزِيرِ فَجَعَلَ هَذَا الدُّعَاءَ دَافِعًا عَمَّنْ لَيْسَ
لَهَا بِأَهْلٍ ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ : اللَّعْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فَقَدْ يَكُونُ اطَّلَعَ عَلَى
عَاقِبَةِ الْمَلْعُونِ ، وَقَدْ يُقَالُ : الْأَصْلُ مُشَارَكَتُهُ فِي الْفِعْلِ
، وَلَوْ كَانَ لَا يَلْعَنُ إلَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لِمَا
قَالَ : { إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، فَأَيُّمَا
مُسْلِمٍ سَبَبْتُهُ ، أَوْ شَتَمْتُهُ ، أَوْ لَعَنْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ
صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إلَيْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
.
فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَخَافُ أَنْ يَكُونَ لَعَنَهُ بِمَا
يَحْتَاجُ أَنْ يُسْتَدْرَكَ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ ، فَإِنَّهُ
مَعْصُومٌ ، وَالِاسْتِدْرَاكُ بِهَذَا الدُّعَاءِ يَدْفَعُ مَا
يَخَافُهُ

مِنْ إصَابَةِ دُعَائِهِ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ ، وَإِنْ كَانَ
بِاجْتِهَادٍ ، إذْ هُوَ بِاجْتِهَادِهِ الشَّرْعِيِّ مَعْصُومٌ لِأَجْلِ
التَّأَسِّي بِهِ .
وَقَدْ يُقَالُ : نُصُوصُ الْفِعْلِ تَدُلُّ عَلَى
الْجَوَازِ لِلظَّالِمِ كَمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ الْقِيَاسُ ، فَإِنَّ اللَّعْنَةَ
هِيَ الْبُعْدُ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى
عَلَيْهِ مِنْ الْعَذَابِ بِمَا يَكُونُ مُبْعِدًا عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَاللَّعْنَةُ أَوْلَى أَنْ
تَجُوزَ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا نَهَى عَنْ
لَعْنِ مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَمَنْ عُلِمَ أَنَّهُ
مُؤْمِنٌ فِي الْبَاطِنِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يُلْعَنُ ؛ لِأَنَّ هَذَا
مَرْحُومٌ بِخِلَافِ مَنْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { اسْتَأْذَنَ
رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالُوا : السَّامُ عَلَيْكُمْ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا :
عَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ .
فَقَالَ : يَا عَائِشَةَ إنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ قَالَتْ : أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا ؟
قَالَ : قَدْ قُلْتِ : وَعَلَيْكُمْ } وَلِلْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ { : إنَّ
اللَّهَ رَفِيقٌ } ، وَفِيهِمَا أَيْضًا { أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : بَلْ
عَلَيْكُمْ السَّامُ وَالذَّامُّ ، فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ لَا تَكُونِي فَاحِشَةً
.
فَقُلْتُ : مَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا ؟ فَقَالَ : أَوَلَيْسَ قَدْ رَدَدْت
عَلَيْهِمْ الَّذِي قَالُوا ؟ قُلْت : وَعَلَيْكُمْ } .
وَفِي لَفْظٍ { مَهْ يَا
عَائِشَةُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ } وَأَنْزَلَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ } .
الذَّامُّ بِالذَّالِ
الْمُعْجَمَةِ ، وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ الذَّمُّ رُوِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ،
وَمَعْنَاهُ الدَّائِمُ .
وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا { أَنَّ يَهُودَ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالُوا :

السَّامُ عَلَيْكُمْ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ : عَلَيْكُمْ
لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ .
قَالَ : مَهْلًا يَا عَائِشَةُ
عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ } وَلَهُمَا أَوْ
لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ { إنَّا نُجَابُ عَلَيْهِمْ ، وَلَا يُجَابُونَ
عَلَيْنَا } قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ الِانْتِصَارُ مِنْ الظَّالِمِ ،
وَفِيهِ الِانْتِصَارُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ مِمَّنْ يُؤْذِيهِمْ انْتَهَى كَلَامُهُ
.
وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْخَبَرِ فِي جَوَازِ لَعْنَةِ الْمُعَيَّنِ
وَعَدَمِهِ مُحْتَمَلٌ .
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ { أَنَّ رَجُلًا كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا
، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ
فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجَلَدَهُ .
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ
الْقَوْمِ : اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ ؟ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَلْعَنُوهُ فَوَاَللَّهِ مَا
عَلِمْتُ إلَّا أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي
بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ شَارِبِ الْخَمْرِ ، وَإِنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ
عَنْ الْمِلَّةِ ، فَهَذَا ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ .
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ
بُرَيْدَةَ { أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ لَمَّا رَمَى الْمَرْجُومَةَ بِحَجَرٍ
، فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ فَسَبَّهَا ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إيَّاهَا فَقَالَ مَهْلًا يَا خَالِدُ
فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ
مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ } .
قَالَ فِي النِّهَايَةِ : اللَّعْنُ مِنْ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ وَمِنْ الْخَلْقِ السَّبُّ وَالدُّعَاءُ
انْتَهَى كَلَامُهُ ، فَظَاهِرُهُ جَوَازُ السَّبِّ لَوْلَا التَّوْبَةُ
.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { أُتِيَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ
فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ ، وَمِنَّا

مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ ،
وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ
الْقَوْمِ : مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ } ،
وَفِي لَفْظٍ لَهُ { قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : أَخْزَاك اللَّهُ قَالَ : لَا
تَقُولُوا هَكَذَا ، وَلَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ } ، وَفِي النِّهَايَةِ
قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ أَيْ : قَتَلَهُمْ ، وَقِيلَ : لَعَنَهُمْ قِيلَ :
عَادَاهُمْ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ بَلَغَهُ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّهُ بَاعَ خَمْرًا ، فَقَالَ :
قَاتَلَهُ اللَّهُ .
لَكِنْ ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ مِنْ الدُّعَاءِ
الَّذِي لَا يُقْصَدُ كَقَوْلِهِ : تَرِبَتْ يَدَاك .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي
قُنُوتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلنَّازِلَةِ { اللَّهُمَّ الْعَنْ
لِحْيَانَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ } .
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
فِيهِ جَوَازُ لَعْنِ الْكُفَّارِ ، وَطَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهُمْ .
وَفِي
فُنُونِ ابْنِ عَقِيلٍ حَلَفَ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثَ أَنَّ الْحَجَّاجَ
فِي النَّارِ فَسَأَلَ فَقِيهًا فَقَالَ الْفَقِيهُ أَمْسِكْ زَوْجَتَك ، فَإِنَّ
الْحَجَّاجَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَفْعَالِهِ فِي النَّارِ ، فَلَا يَضُرُّك
الزِّنَا .
وَيَجُوزُ لَعْنُ مَنْ وَرَدَ النَّصُّ بِلَعْنِهِ ، وَلَا يَأْثَمُ
عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ ، وَيَجِبُ إنْكَارُ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ ، وَإِقَامَةُ
الْحُجَّةِ عَلَى إبْطَالِهَا سَوَاءٌ قَبِلَهَا قَائِلُهَا ، أَوْ رَدَّهَا ،
ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَقَدْ مَرَّ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ لَا
يَصِحُّ ابْتِيَاعُ الْخَمْرِ لِيُرِيقَهَا ، وَيَصِحُّ ابْتِيَاعُ كُتُبِ
الزَّنْدَقَةِ لِيُحْرِقَهَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مُسَوَّدَةِ
شَرْحِ الْمُحَرَّرِ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي الْفُنُونِ
قَالَ : لِأَنَّ فِي الْكُتُبِ مَالِيَّةَ الْوَرَقِ انْتَهَى كَلَامُهُ
.
وَيَتَوَجَّه قَوْلُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ اسْتِنْقَاذٌ كَشِرَاءِ
الْأَسِيرِ .
وَكَأَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ إنَّمَا حَكَى

ذَلِكَ عَنْ
غَيْرِهِ ، فَإِنَّ لَفْظَهُ قِيلَ لِحَنْبَلِيٍّ : أَيَجُوزُ شِرَاءُ الْخَمْرِ
لِإِرَاقَتِهِ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : فَكُتُبِ الزَّنْدَقَةِ لِلتَّمْزِيقِ ؟
قَالَ : نَعَمْ ، قِيلَ : فَمَا الْفَرْقُ ؟ قَالَ : فِي الْكُتُبِ مَالِيَّةُ
الْوَرَقِ .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:43

قَالَ حَنْبَلِيٌّ جَيِّدُ الْفَهْمِ : هَذَا بَاطِلٌ بِآلَةِ اللَّهْوِ ، فَإِنَّ
فِيهَا أَخْشَابًا وَوَتَرًا ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا بِمَا فِيهَا مِنْ
التَّأْلِيفِ الَّذِي أَسْقَطَ حُكْمَ مَالِيَّةِ الْآلَةِ حَتَّى لَوْ أُحْرِقَتْ
لَمْ يُضْمَنْ فَهَلَّا أَسْقَطْت حُكْمَ مَالِيَّةِ الْوَرَقِ كَمَا أَسْقَطْتَ
حُكْمَ مَالِيَّةِ الْخَشَبِ ؟ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَيَصِحُّ أَنْ
يَشْتَرِي كُتُبَ الزَّنْدَقَةِ ، وَنَحْوِهَا لِيُتْلِفَهَا فَقَطْ .

(
فَصْلٌ ) : قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : يَخْطُرُ بِقُلُوبِ الْعُلَمَاءِ
نَوْعُ يَقَظَةٍ ، فَإِذَا نَطَقُوا بِهَا وَبِحُكْمِهَا نَفَرَتْ مِنْهَا قُلُوبُ
غَيْرِهِمْ ، وَلَوْ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَلَا أَقُولُ الْعَوَامُّ ، وَمَثَّلَ
بِأَشْيَاءَ مِنْهَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ كُشِفَ
الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْت يَقِينًا .
وَأَنَّ رَجُلًا لَوْ صَحَا ، فَقَالَ
كَلِمَةً ظَاهِرُهَا يُوجِبُ عِنْدَ الْعَوَامّ الْكُفْرَ فَقَالَ : لَسْتُ أَجِدُ
لِلرَّقِيبِ ، وَالْعَتِيدِ حِشْمَةً وَلَا هَيْبَةً حَتَّى لَوْ اُسْتُفْتِيَ
عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَقَالُوا كَافِرٌ ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ
لَيْسَ مُصَدِّقًا بِهِمَا ، وَهُوَ يُهَوِّنُ بِحَفَظَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى
خَلْقِهِ وَمَلَائِكَتِهِ ، فَلَوْ كَانَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ ، فَكَشَفَ عَنْ
سِرِّ وَاقِعِهِ لَاسْتَحْيَا مِنْ جَهْلِهِ ، أَوْ كُفْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ
فَضْلًا عَنْ الْعَوَامّ ، وَكَشْفُ السِّرِّ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ : غَلَبَتْ
عَلَيَّ هَيْبَةُ رَبِّي وَحِشْمَةُ مَنْ يَشْهَدُنِي فَسَقَطَ مِنْ عَيْنَيَّ
حِشْمَةُ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيَّ ، وَكُنْت أَجِدُ الْحِشْمَةَ لَهُمَا الْغَفْلَةُ
عَقِبَهَا صَحْوٌ ، وَمُوجِبُ الْيَقَظَةِ وَالصَّحْوِ وَزَوَالِ الْغَفْلَةِ
وَالسَّهْوِ السَّمْعُ { أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكِ } { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ
مِنْكُمْ } وَالْعَقْلُ ، فَإِنَّ مَنْ شَهِدَ الْحَقَّ كَانَ كَمَنْ شَهِدَ
الْمَلِكَ ، وَمَعَهُ أَصْحَابُ أَخْبَارِهِ فَلَا يَبْقَى لِأَصْحَابِهِ حُكْمٌ
فِي قَلْبِ مَنْ شَهِدَ الْمَلِكَ ، وَإِلَّا لَكَانَ وَهْنًا فِي مَعْرِفَتِهِ
بِحُكْمِ الْمَلِك وَسُلْطَانِهِ .
فَاحْذَرْ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الطَّعْنِ
عَلَى الْعُلَمَاءِ مَعَ عَدَمِ بُلُوغِك إلَى مَقَامَاتِهِمْ ، وَاخْتِلَافِ
أَحْوَالِهِمْ حَتَّى أَنَّهُمْ فِي حَالٍ كَشَخْصٍ ، وَفِي حَالٍ آخَرَ كَشَخْصٍ
آخَرَ ، فَإِنَّ لِلْعَبْدِ عِنْدَ كَشْفِ الْحَقِّ مَحْوًا عَنْ نَفْسِهِ ،
وَالْعَالَمُ يَتَلَاشَى فِي عَيْنِهِ ، وَلِهَذَا قَالَتْ الْمُتَصَوِّفَةُ
لِلصِّغَارِ : يُسَلَّمُ لِلْمَشَايِخِ الْكِبَارِ حَالُهُمْ ، وَكَلَامُهُمْ سُمٌّ
قَاتِلٌ لَهُمْ أَوَّلَا ، ثُمَّ لِمَنْ لَا يَفْهَمُ مَا

تَحْتَ
كَلَامِهِمْ ، وَالْقَاتِلُ قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا ، وَالْمَقْتُولُ شَهِيدًا ،
أَمَّا الْمُنْكِرُ فَإِنَّهُ جَارٍ عَلَى الظَّاهِرِ .
وَأَمَّا الْقَائِلُ
فَقَالَ بِحُكْمِ حَالٍ كُشِفَتْ لَهُ خَاصَّةً وَحُجِبَ عَنْهَا السَّامِعُ ،
وَمِنْ هُنَا " كَلِّمُوا النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ " .
فَمَنْ عَلِمَ
أَنَّ الْخَلْقَ لَا يَسْتَوُونَ فِي الْمَقَالِ ، وَلَا فِي الْأَحْوَال لَا
يَعْقِدُ الظُّنُونَ بِبَادِرَةِ الْوَاقِعِ ، فَيَقَعُ نَاقِصًا .

فَصْلٌ (
الْإِنْكَارُ عَلَى النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ كَشْفَ وُجُوهِهِنَّ ) .
هَلْ
يَسُوغُ الْإِنْكَارُ عَلَى النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ إذَا كَشَفْنَ وُجُوهَهُنَّ
فِي الطَّرِيقِ ؟ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ
وَجْهِهَا ، أَوْ يَجِبُ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهَا ، أَوْ فِي الْمَسْأَلَةِ
قَوْلَانِ ؟ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفَجْأَةِ { فَأَمَرَنِي
أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمْ
اللَّهُ تَعَالَى : وَفِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى
الْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتُرَ وَجْهَهَا فِي طَرِيقِهَا ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ
مُسْتَحَبَّةٌ لَهَا ، وَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهَا فِي
جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ .
ذَكَرَهُ الشَّيْخُ
مُحْيِي الدِّينِ النَّوَاوِيُّ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي
عَقِيبَ إنْكَارِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْأَمَةِ التَّسَتُّرَ :
وَقَوْلُهُ : إنَّمَا الْقِنَاعُ لِلْحَرَائِرِ قَالَ : وَلَوْ كَانَ نَظَرُ ذَلِكَ
مُحَرَّمًا لَمَا مَنَعَ مِنْ سَتْرِهِ ، بَلْ أَمَرَ بِهِ ، وَكَذَلِكَ احْتَجَّ
هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَى الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ : صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ فَمَلَكَ مَا
يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ } .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ :
وَكَشْفُ النِّسَاءِ وُجُوهَهُنَّ بِحَيْثُ يَرَاهُنَّ الْأَجَانِبُ غَيْرُ جَائِزٍ
، وَلِمَنْ اخْتَارَ هَذَا أَنْ يَقُولَ : حَدِيثُ جَرِيرٍ لَا حُجَّةَ فِيهِ ؛
لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ وُقُوعُهُ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُهُ ، فَعَلَى
هَذَا هَلْ يَشْرَعُ الْإِنْكَارُ ؟ يَنْبَنِي عَلَى الْإِنْكَارِ فِي مَسَائِلِ
الْخِلَافِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ .
فَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا
وَقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ النَّظَرَ إلَى
الْأَجْنَبِيَّةِ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا خَلْوَةٍ ، فَلَا يَنْبَغِي
أَنْ يَسُوغَ الْإِنْكَارُ .

فِي الْإِنْكَارِ بِدَاعِي الرِّيبَةِ وَظَنِّ
الْمُنْكَرِ وَالتَّجَسُّسِ لِذَلِكَ ) .
نَصَّ أَحْمَدُ فِيمَنْ رَأْيَ إنَاءً
يَرَى أَنَّ فِيهِ مُسْكِرًا أَنَّهُ يَدَعُهُ يَعْنِي لَا يُفَتِّشُهُ ، تَرْجَمَ
عَلَيْهِ الْخَلَّالُ ( مَا يُكْرَهُ أَنْ يُفَتَّشَ إذَا اسْتَرَابَ بِهِ )
وَقَطَعَ الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إنْكَارُ الْمُنْكَرِ
إذَا ظُنَّ وُقُوعُهُ ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ ، وَاخْتَارَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا نِيحَ
عَلَيْهِ يُعَذَّبُ إذَا لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِ ، وَكَانَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِهِ
النَّوْحُ ، وَهَذَا مَعْنَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ فَخْرِ الدِّينِ فِي
التَّلْخِيصِ قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ : وَهُوَ
أَصَحُّ الْأَقْوَالِ ؛ لِأَنَّهُ مَتَى غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فِعْلُهُمْ لَهُ
وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ فَصَارَ كَتَارِكِ
النَّهْيِ عَلَى الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَقَدْ جَعَلَ ظَنَّ وُقُوعِ
الْمُنْكَرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُنْكَرِ الْمَوْجُودِ فِي وُجُوبِ الْإِنْكَارِ ،
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْحَالِ أَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ .
وَذَكَرَ
الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : إنْ غَلَبَ عَلَى
الظَّنِّ اسْتِسْرَارُ قَوْمٍ بِالْمَعْصِيَةِ لِأَمَارَةٍ دَلَّتْ ، وَآثَارِ
ظَهَرَتْ ، فَإِنْ كَانَ فِي انْتِهَاكِ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا ، مِثْلُ
أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقُ بِصِدْقِهِ أَنَّ رَجُلًا خَلَا بِرَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ
أَوْ بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا جَازَ أَنْ يَتَجَسَّسَ ، وَيُقْدِمُ عَلَى
الْبَحْثِ وَالْكَشْفِ هَذَا فِي الْمُحْتَسِبِ وَهَكَذَا لَوْ عَرَفَ ذَلِكَ
قَوْمٌ مِنْ الْمُتَطَوِّعَةِ جَازَ لَهُمْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْكَشْفِ ،
وَالْإِنْكَارِ كَاَلَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ
وَشُهُودِهِ ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
هُجُومَهُمْ ، وَإِنْ حَدَّهُمْ لِلْقَذْفِ عِنْدَ قُصُورِ الشَّهَادَةِ
.
وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فِي الرِّيبَةِ لَمْ يَجُزْ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ
، وَلَا كَشْفُ الْأَسْتَارِ عَنْهُ ، وَكَذَا ذَكَرَ

الْمَاوَرْدِيُّ فِي
الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي مَوْضِعٍ
جَوَازُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَعَمَلًا
بِالظَّنِّ ، وَهُوَ رَأْيُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ
: نَصُّ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي ظَنِّ وُقُوعِ مُنْكَرٍ مَسْتُورٍ ،
وَنَصُّهُ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ فِي ظَنِّ وُقُوعِ مُنْكَرٍ ظَاهِرٍ ، فَيُنْكِرُ
الظَّاهِرَ لَا الْمَسْتُورَ .
وَقَوْلُ الْقَاضِي فِي انْتِهَاكِ حُرْمَةٍ
يَفُوت اسْتِدْرَاكُهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُنْكَرَ الْمَسْتُورَ إذَا زَالَ
لَا تَجُوزُ الْمُجَاوَزَةُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَالْمَكَانِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ
لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ زَوَالُ الْمُنْكَرِ ، وَقَدْ قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ : قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الرَّبِيعِ الصُّوفِيِّ
قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى سُفْيَانَ بِالْبَصْرَةِ فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ إنِّي أَكُونُ مَعَ هَؤُلَاءِ الْمُحْتَسِبَةِ ، فَنَدْخُلُ عَلَى
هَؤُلَاءِ ، وَنَتَسَلَّقُ عَلَى الْحِيطَانِ ، فَقَالَ : أَلَيْسَ لَهُمْ
أَبْوَابٌ ؟ قُلْتُ : بَلَى وَلَكِنْ نَدْخُلُ عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَفِرُّوا ،
فَأَنْكَرَهُ إنْكَارًا شَدِيدًا وَعَابَ فِعْلَنَا ، فَقَالَ رَجُلٌ : مَنْ
أَدْخَلَ ذَا ؟ قُلْتُ : إنَّمَا دَخَلْتُ إلَى الطَّبِيبِ لِأُخْبِرَهُ بِدَائِي ،
فَانْتَفَضَ سُفْيَانُ .
وَقَالَ : إنَّمَا أَهْلَكَنَا أَنَّا نَحْنُ سُقْمَى ،
وَنُسَمَّى أَطِبَّاءً ، ثُمَّ قَالَ : لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى
عَنْ الْمُنْكَرِ إلَّا مَنْ كُنَّ فِيهِ خِصَالُ ثَلَاثُ : رَفِيقٌ بِمَا يَأْمُرُ
، رَفِيقٌ بِمَا يَنْهَى عَدْلٌ بِمَا يَأْمُرُ ، عَدْلٌ بِمَا يَنْهَى ، عَالِمٌ
بِمَا يَأْمُرُ ، عَالِمٌ بِمَا يَنْهَى .
فَإِقْرَارُ أَحْمَدَ هَذَا وَلَمْ
يُخَالِفْهُ دَلَّ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ ، فَأَمَّا إنْ لَمْ يَزُلْ الْمُنْكَرُ
إلَّا بِذَلِكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي إنْكَارِ الْمُنْكَرِ الْمَسْتُورِ
.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ
عَمِيَ فَبَعَثَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أُحِبُّ
أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلِّيَ فِي مَنْزِلِي فَأَتَّخِذَهُ

مُصَلًّى ،
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ قَوْمُهُ ،
وَتَغَيَّبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ : مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ ، وَهُوَ
بِضَمِّ الدَّالِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ
، وَبَعْدَهَا مِيمٌ ، وَقِيلَ : بِزِيَادَةِ يَاءٍ بَعْدَ الْخَاءِ عَلَى
التَّصْغِيرِ .
وَوَرَدَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي أَوَّلِهِ وَبِدُونِهِمَا
وَرُوِيَ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ بِالنُّونِ بَدَلَ الْمِيمِ مُكَبَّرًا
وَمُصَغَّرًا وَيُقَالُ أَيْضًا الدِّخْشِنُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَالشِّينِ وَفِي
الْخَبَرِ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَخَلَ وَهُوَ يُصَلِّي فِي مَنْزِلِهِ
وَأَصْحَابُهُ يَتَحَدَّثُونَ بَيْنَهُمْ ، وَأَنَّهُمْ وَدُّوا أَنَّهُ دَعَا
عَلَيْهِ ، فَهَلَكَ وَوَدُّوا أَنَّهُ أَصَابَهُ شَيْءٌ ، فَقَضَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ وَقَالَ : أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي
رَسُولُ اللَّهِ ؟ فَقَالُوا : إنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ وَمَا هُوَ فِي قَلْبِهِ :
قَالَ إنَّهُ لَا يَشْهَدُ أَحَدٌ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي
رَسُولُ اللَّهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ أَوْ تَطْعَمُهُ } .
وَفِي الْبُخَارِيِّ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَلَا تَرَاهُ
قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ }
.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا
وَمَا بَعْدَهَا مِنْ الْمَشَاهِدِ قَالَ : وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ النِّفَاقُ
.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَ السَّمْعَ
عَلَى دَارِ غَيْرِهِ لِيَسْمَعَ صَوْتَ الْأَوْتَارِ ، وَلَا يَتَعَرَّضُ
لِلشَّمِّ لِيُدْرِكَ رَائِحَةَ الْخَمْرِ ، وَلَا يَمَسُّ مَا قَدْ سُتِرَ
بِثَوْبٍ لِيَعْرِفَ شَكْلَ الْمِزْمَارِ ، وَلَا أَنْ يَسْتَخْبِرَ جِيرَانَهُ
لِيُخْبَرَ بِمَا جَرَى ، بَلْ لَوْ أَخَبَرَهُ عَدْلَانِ ابْتِدَاءً أَنَّ
فُلَانًا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَلَهُ إذْ ذَاكَ أَنْ يَدْخُلَ ، وَيُنْكِرَ انْتَهَى
كَلَامُهُ .
وَقَدْ قَالَ زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ : أُتِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقِيلَ
لَهُ : هَذَا فُلَانٌ يَعْنِي الْوَلِيدَ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا ، فَقَالَ :
عَبْدُ

اللَّهِ إنَّا قَدْ انْتَهَيْنَا عَنْ التَّجَسُّسِ ، وَلَكِنْ إنْ
يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذْ بِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدٍ
فَذَكَرَهُ ، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ يَعْنِي الْوَلِيدَ .
وَالْأَعْمَشُ مُدَلِّسٌ
وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْمُدَلِّسَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ
بِالسَّمَاعِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ حَمْلًا عَلَى
السَّمَاعِ ، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ ، غَايَتُهُ ظَنُّ صَحَابِيٍّ وَاعْتِقَادُهُ
أَنَّ هَذَا مِنْ التَّجَسُّسِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : أُتِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ
فَقِيلَ لَهُ : هَذَا فُلَانٌ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا ، يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ مُرَادُهُ الْآنَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ شَأْنِهِ وَعَادَتِهِ
، ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ التَّجَسُّسِ وَرَوَى فِيهِ
بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ
مُعَاوِيَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : { إنَّك إنْ اتَّبَعْتَ
عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْت أَنْ تُفْسِدَهُمْ } فَقَالَ أَبُو
الدَّرْدَاءِ كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
عَمْرٍو الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا ضَمْضَمُ
بْنُ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ وَكَثِيرِ
بْنِ مُرَّةَ وَعَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ وَالْمِقْدَادِ بْنَ مَعْدِي كَرِبَ
وَأَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ
الْأَمِيرَ إذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ } ضَمْضَمٌ
حِمْصِيٌّ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ .
وَرَوَى فِي بَابِ الْغِيبَةِ
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَا مَعْشَرَ مَنْ

آمَنَ
بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ
، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ
يَتَّبِعْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ } سَعِيدٌ رَوَى عَنْهُ اثْنَانِ ،
وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَجْهُولٌ .
وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِهِ ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَعْنَاهُ وَفِيهِ : { لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ
وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ } ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَى مَا
تَقَدَّمَ وَلِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ { لَا تُؤْذُوا
عِبَادَ اللَّهِ } وَسَاقَهُ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ .

فَصْلٌ (
الْإِنْكَارُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي مَوْقِفِ الرِّيبَةِ كَخَلْوَةٍ
وَنَحْوِهَا ) .
فَإِنْ رَأْي رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ فَهَلْ يَسُوغُ
الْإِنْكَارُ ؟ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْوَاقِفِ ،
أَوْ قَرِينَةُ زَمَانٍ ، أَوْ مَكَان ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ سَاغَ الْإِنْكَارُ ،
وَإِلَّا فَلَا ، وَعَلَى هَذَا كَلَامُ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَالْقَاضِي قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ :
الرَّجُلُ السُّوءُ يُرَى مَعَ الْمَرْأَةِ قَالَ : صِحْ بِهِ .
وَقَالَ أَيْضًا
لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : الْغُلَامُ يَرْكَبُ خَلْفَ الْمَرْأَةِ ، قَالَ :
يُنْهَى ، وَيُقَالُ لَهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ : إنَّهَا لَهُ مَحْرَمٌ تَرْجَمَ
عَلَيْهِمَا الْخَلَّالُ ( بَابُ الرَّجُلِ يَرَى الْمَرْأَةَ مَعَ الرَّجُلِ
السُّوءِ وَيَرَاهَا مَعَهُ رَاكِبَةً ) وَذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ أَبَا
دَاوُد قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، وَقِيلَ لَهُ : امْرَأَةٌ
أَرَادَتْ أَنْ تَسْقُطَ عَنْ الدَّابَّةِ يُمْسِكُهَا الرَّجُلُ ؟ قَالَ : نَعَمْ
.
قَالَ الْقَاضِي : فَصْلٌ : وَمَنْ عُرِفَ بِالْفِسْقِ مُنِعَ مِنْ
الْخَلْوَةِ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لِمَا يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ الرِّيبَةِ ،
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَخْلُوَنَّ
رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا } ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ
مُحَمَّدٍ بْنِ يَحْيَى الثَّانِيَةَ انْتَهَى كَلَامُهُ .
قَالَ الْقَاضِي :
فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُحْتَسِبِ ، وَإِذَا
رَأَى وُقُوفَ رَجُلٍ مَعَ امْرَأَةٍ فِي طَرِيقٍ سَالِكٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُمَا
أَمَارَاتُ الرَّيْبِ لَمْ يَتَعَرَّضْ عَلَيْهِمَا بِزَجْرٍ وَلَا إنْكَارٍ ،
وَإِنْ كَانَ الْوُقُوفُ فِي طَرِيقٍ خَالٍ فَخَلَوْا بِمَكَانِ رِيبَةٍ
فَيُنْكِرُهَا ، وَلَا يُعَجِّلْ فِي التَّأْدِيبِ عَلَيْهِمَا حَذَرًا مِنْ أَنْ
تَكُونَ ذَاتَ مَحْرَمٍ وَلِيَقُلْ : إنْ كَانَتْ ذَاتَ مَحْرَمٍ فَصُنْهَا عَنْ
مَوْقِفِ الرَّيْبِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَاحْذَرْ مِنْ خَلْوَةٍ
تُؤَدِّيكَ إلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلِيَكُنْ زَجْرُهُ
بِحَسَبِ

الْأَمَارَاتِ ، وَإِذَا رَأَى الْمُحْتَسِبُ مِنْ هَذِهِ
الْأَمَارَاتِ مَا يُنْكِرُهَا تَأَنَّى وَفَحَصَ وَرَاعَى شَوَاهِدَ الْحَالِ ،
وَلَمْ يُعَجِّلْ بِالْإِنْكَارِ قَبْلَ الِاسْتِخْبَارِ .
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ
الْقَاضِي أَنَّهُ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ
يَخْتَلِفَ اجْتِهَادُهُ كَمَا يُنْكِرُ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ ، أَوْ
طَعَامَ غَيْرِهِ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ عُذْرٌ ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ
وَقَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ : مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاقِعَ مِنْ
أَخِيهِ الْمُسْلِمِ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ أَمْ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ
أَنْ يَأْمُرَ وَلَا يَنْهَى فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا إنْكَارَ إلَّا مَعَ
الْعِلْمِ ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ يَقْتَضِي الْإِنْكَارَ بِالظَّنِّ إذَا انْبَنَى
عَلَى أَصْلٍ ، وَمَسْأَلَةُ النِّيَاحَةِ كَهَذَا ، وَالْكَلَامُ الْمُتَقَدِّمُ
يَقْتَضِي الْإِنْكَارَ بِأَمَارَةٍ ، وَقَرِينَةٍ تُفِيدُ الظَّنَّ ، فَهَذِهِ
أَقْوَالٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَذُكِرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ فِي
قِصَّةِ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْحُكْمَ
بِالظَّاهِرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ لِإِنْكَارِ مُوسَى ، فَأَمَّا
مُجَرَّدُ الْوَهْمِ وَالشَّكِّ فَلَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ بِهِ عَلَى
الْإِنْكَارِ ، وَالِاقْتِحَامِ بِهِ عَلَى الدِّيَارِ ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ {
أَنَّهُ نَهَى الْمُسَافِرَ عَنْ قُدُومِهِ عَلَى أَهْلِهِ لَيْلًا } .
وَفِي
صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَطْلُبُ عَثَرَاتِهِمْ ،
وَالْمَعْنَيَانِ صَحِيحَانِ وَهُمَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
.

فَصْلٌ ( فِي نَشْرِ السُّنَّةَ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ بِغَيْرِ
خُصُومَةٍ وَلَا عُنْفٍ ) .
سَأَلَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَجُلٌ فَقَالَ :
أَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ فَتُذْكَرُ فِيهِ السُّنَّةُ لَا يَعْرِفهَا غَيْرِي
أَفَأَتَكَلَّمُ بِهَا ؟ فَقَالَ : أَخْبِرْ بِالسُّنَّةِ ، وَلَا تُخَاصِمْ
عَلَيْهَا فَعَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ فَقَالَ : مَا أَرَاك إلَّا رَجُلًا
مُخَاصِمًا .
وَقَدْ تَقَدَّمَ كَذَلِكَ ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَالَهُ مَالِكٌ
فَإِنَّهُ أَمَرَ بِالْإِخْبَارِ بِالسُّنَّةِ قَالَ : فَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْك
فَاسْكُتْ .
وَسَبَقَ فِي فُصُولِ الْكَذِبِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمِرَاءِ
وَالْجِدَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَفِي مَسَائِلِ صَالِحِ بْنِ الْإِمَامِ
أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : وَسَأَلْته عَنْ رَجُلٍ يُبْلَى بِأَرْضٍ
يُنْكِرُونَ فِيهَا رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ ، وَيَنْسُبُونَهُ إلَى
الرَّفْضِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الرَّفْعِ قَالَ أَبِي :
لَا يَتْرُكُ ، وَلَكِنْ يُدَارِيهِمْ .
وَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ
بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : مَا أَغْضَبْتَ رَجُلًا قَطُّ فَسَمِعَ
مِنْك .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ نَصَحَهُ
وَزَانَهُ ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وَشَانَهُ .
وَقَالَ
فِي الْغُنْيَةِ ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ
بِالْعَلَانِيَةِ فَقَدْ شَانَهُ ، وَمَنْ وَعَظَهُ سِرًّا فَقَدْ زَانَهُ
.
وَلَعَلَّهُ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَ الْخَلَّالُ : رُوِيَ عَنْهَا
أَنَّهَا قَالَتْ : مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ زَانَهُ ، وَمَنْ وَعَظَهُ
عَلَانِيَةً فَقَدْ شَانَهُ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ تَأْخِيرُ عُثْمَانَ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ ، وَجَاءَ وَعُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ : أَيَّةُ سَاعَةٍ
هَذِهِ ؟ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَهُ تَوْبِيخًا وَإِنْكَارًا لِتَوْبِيخِهِ
لَا لِتَأْخِيرِهِ إلَى هَذَا الْوَقْتِ ، فَفِيهِ تَفَقُّدُ الْإِمَامِ
رَعِيَّتَهُ ، وَأَمْرُهُمْ بِصَلَاحِ دِينِهِمْ ، وَالْإِنْكَارُ عَلَى مُخَالِفِ
السُّنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرَ الْقَدْرِ .
وَفِيهِ جَوَازُ الْإِنْكَارِ
عَلَى الْكِبَارِ فِي مَجْمَعِ النَّاسِ ، وَفِي قَوْلِ عُثْمَانَ

شُغِلْتُ
الْيَوْمَ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ ، فَلَمْ
أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ فِيهِ الِاعْتِذَارُ إلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ
وَغَيْرِهِمْ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ : فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ
يَنْفَعْهُ أَظْهَرَ حِينَئِذٍ ذَلِكَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ بِأَهْلِ الْخَيْرِ ،
وَإِنْ لَمْ يَنْفَعْ فَبِأَصْحَابِ السُّلْطَانِ ، وَتَقَدَّمَ فِي حِفْظِ
اللِّسَانِ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ { كَفَى بِك إثْمًا أَنْ لَا تَزَال مُخَاصِمًا }
.

فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ مَدَاخِلِ السُّوءِ قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ : أَكْرَهُ الْمَدْخَلَ السُّوءَ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ : أَكْرَهُ
أَنْ يَخْرُجَ إلَى صَيْحَةٍ بِاللَّيْلِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَكُونُ ؟
تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْخَلَّالُ ( مَا يُكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى صَيْحَةٍ
بِاللَّيْلِ ) وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ :
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ : أَكْرَهُ مُمَاشَاةَ
الْمُرِيبِ كَرَاهَةَ أَنْ أَعِيبَ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَ الْخِيَارُ
بِيَدِهِ ، وَمَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهَمَةِ فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ
الظَّنَّ بِهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلِ فِي الْفُنُونِ : قَالَ الْحَسَنُ مَنْ
دَخَلَ مَدَاخِلَ التُّهَمَةِ لَمْ يَكُنْ أَجْرُ لِلْغِيبَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ
.
وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمَّا فَعَلَ مَا لَا يَنْبَغِي
فِعْلُهُ سَقَطَ حَقُّهُ وَحَرَّمْتُهُ ، وَهَذَا كَمَا قُلْنَا : تَسْقُطُ
حُرْمَةُ الدَّاعِي إلَى وَلِيمَةٍ بِفِعْلِهِ مَا لَا يَنْبَغِي ، وَحُرْمَةُ مَنْ
سَلَّمَ فِي مَوْضِعٍ ، لَا يَنْبَغِي وَحُرْمَةُ مَنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ يَمُرُّ
فِيهِ النَّاس ، فَلَا يَرُدُّ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ،
وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْغِيبَةِ فِي لِبَاسِ الشُّهْرَة .

فَصْلٌ ( فِي
حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ) .
ومما لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ
أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ ، وَيَغْفِرَ زَلَّتَهُ ، وَيَرْحَمَ عَبْرَتَهُ ،
وَيُقِيلَ عَثْرَتَهُ ، وَيَقْبَلَ مَعْذِرَتَهُ ، وَيَرُدَّ غِيبَتَهُ ، وَيُدِيمَ
نَصِيحَتَهُ ، وَيَحْفَظَ خِلَّتَهُ ، وَيَرْعَى ذِمَّتَهُ ، وَيُجِيبَ دَعْوَتَهُ
، وَيَقْبَلَ هَدِيَّتَهُ ، وَيُكَافِئَ صِلَتَهُ ، وَيَشْكُرَ نِعْمَتَهُ ،
وَيُحْسِنَ نُصْرَتَهُ ، وَيَقْضِيَ حَاجَتَهُ ، وَيَشْفَعَ مَسْأَلَتَهُ ،
وَيُشَمِّتَ عَطْسَتَهُ ، وَيَرُدَّ ضَالَّتَهُ ، وَيُوَالِيَهُ ، وَلَا
يُعَادِيَهُ ، وَيَنْصُرَهُ عَلَى ظَالِمِهِ ، وَيَكُفَّهُ عَنْ ظُلْمِهِ غَيْرِهِ
، وَلَا يُسْلِمَهُ ، وَلَا يَخْذُلَهُ ، وَيُحِبَّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ،
وَيَكْرَهَ لَهُ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ
.
قَالَ حَنْبَلٌ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : وَلَيْسَ عَلَى
الْمُسْلِمِ نُصْحُ الذِّمِّيِّ ، وَعَلَيْهِ نُصْحُ الْمُسْلِمِ .
قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَالنُّصْحُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ }
وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَقَالَ
الْمَرُّوذِيُّ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : قَالَ رَجُلٌ لِمِسْعَرٍ
: تُحِبُّ أَنْ تُنْصَحَ ؟ قَالَ : أَمَّا مِنْ نَاصِحٍ فَنَعَمْ ، وَأَمَّا مِنْ
شَامِتٍ فَلَا .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ عَنْ
مِسْعَرٍ قَالَ : رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إلَيَّ عُيُوبِي فِي سِرٍّ بَيْنِي
وَبَيْنَهُ ، فَإِنَّ النَّصِيحَةَ فِي الْمَلَأِ تَقْرِيعٌ .
وَلِأَحْمَدَ
وَمُسْلِمٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ مَرْفُوعًا : { إنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ
قُلْنَا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ
وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ } وَلَيْسَ فِي مُسْلِمٍ فِي
أَوَّلِهِ " إنَّ " وَلِأَبِي دَاوُد { إنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ } وَكَرَّرَهُ
ثَلَاثًا وَذَكَرَهُ .
وَلِلنَّسَائِيِّ { وَإِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ }
وَذَكَرَهُ .
فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَدَارَ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى هَذَا
الْخَبَرِ .
وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ
أَحَدُ

الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَجْمَعُ أَمْرَ الْإِسْلَامِ
.
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:44

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَى الْحَدِيثِ قِوَامُ الدِّينِ وَعِمَادُهُ
النَّصِيحَةُ كَقَوْلِهِ { الْحَجُّ عَرَفَةَ } وَلِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { أَحَبُّ مَا
تَعَبَّدَ لِي بِهِ عَبْدِي النُّصْحُ لِي } وَقَالَ جَرِيرٌ : { بَايَعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ } رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ : وَالطَّاعَةِ
فَلَقَّنَنِي " فِيمَا اسْتَطَعْت " وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ كَأَحْمَدَ وَزَادَ
وَعَلَى فِرَاقِ الشِّرْكِ .
قِيلَ : النَّصِيحَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ نَصَحَ
الرَّجُلُ ثَوْبَهُ إذَا خَاطَهُ فَشَبَّهُوا فِعْلَ النَّاصِحِ فِيمَا
يَتَحَرَّاهُ مِنْ صَلَاحِ الْمَنْسُوجِ لَهُ بِمَا يَسُدُّهُ مِنْ خَلَلِ
الثَّوْبِ ، وَقِيلَ : مِنْ نَصَحْت الْعَسَلَ إذَا صَفَّيْته مِنْ الشَّمْع ،
شَبَّهُوا تَخْلِيصَ الْقَوْلِ مِنْ الْغِشِّ بِتَخْلِيصِ الْعَسَلِ مِنْ الْخَلْطِ
.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ وُجُوبُ النُّصْحِ لِلْمُسْلِمِ ،
وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِخْبَارِ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ
مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ مَرْفُوعًا { مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ
ثُمَّ لَا يَجْتَهِدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إلَّا لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ مَعَهُمْ }
فَقَدْ يُقَالُ : ظَاهِرُهُ أَنَّ وُجُوبَ النُّصْحِ يَتَوَقَّفُ عَلَى السُّؤَالِ
، وَقَدْ يُقَالُ : لَا بَلْ خَصَّ الْأَمِيرَ هَذَا لِأَنَّهُ أَخَصُّ .
لَكِنْ
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا { حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى
الْمُسْلِمِ سِتٌّ وَفِيهِ فَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ لَهُ } وَهَذَا أَوْلَى
وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ عَلَى مُحَرَّمٍ وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ قَوْلِهِ
بِخِلَافِ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ .
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ
ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : التَّاجِرُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ رَجُلٌ
مُفْلِسٌ وَأَنَا أَعْرِفُهُ ، وَلَا يَعْرِفُهُ أَسْكُتُ أَمْ أُخْبِرُهُ ، قَالَ
لَوْ أَنَّ خَنَّاقًا صَحِبَك ، وَأَنْتَ لَا تَعْرِفُهُ وَأَنَا
أَعْرِفُهُ

أَأَسْكُتُ حَتَّى يَقْتُلَك ؟ وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { لَا
يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ } مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ .
وَإِنْ ظَنَّ أَنْ لَا يَقْبَلَ نُصْحَهُ أَوْ خَافَ أَذًى مِنْهُ
فَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي بَابِ النَّصِيحَةِ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ
سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ يَعْنِي ابْنَ
بِلَالٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ يَكُفُّ عَلَيْهِ
ضَيْعَتَهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ } كَثِيرٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ عِنْدَ
الْأَكْثَرِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ
بْنِ بَشِيرٍ { مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ
وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ
سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى } .
وَلِمُسْلِمٍ { الْمُسْلِمُونَ
كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إذَا اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ ، وَإِذَا اشْتَكَى
رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى : {
الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ } وَفِي لَفْظٍ { كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ
بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ } .
وَصَحَّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ابْنُ مَاجَهْ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِثْلُهُ مِنْ
حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ { وَإِذَا اسْتَشَارَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُشِرْ
عَلَيْهِ } .
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { مَنْ دَلَّ
عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ } وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ لِوَلَدَيْهِ :
اُكْتُبَا مَنْ سَلَّمَ عَلَيْنَا مِمَّنْ حَجَّ فَإِذَا قَدِمَ سَلَّمْنَا
عَلَيْهِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : هَذَا

مَحْمُولٌ مِنْهُ عَلَى صِيَانَةِ
الْعِلْمِ لَا عَلَى الْكِبْرِ .
وَقَالَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ مِنْ
أَصْحَابِنَا فِي النَّوَادِرِ نَقَلَ عَنْهُ وَلَدُهُ صَالِحُ أَنَّهُ قَالَ :
اُنْظُرُوا إلَى الَّذِينَ جَاءُوا مُسَلِّمِينَ عَلَيْنَا فَنَمْضِي بَعْدُ
نُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ مُضِيَّهُ إلَيْهِمْ
فِي مُقَابَلَةِ مُضِيِّهِمْ إلَيْهِ وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَنْ يَبْدَأَهُمْ
بِالْمُضِيِّ .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ الْحِمَّانِيُّ الرَّجُلُ يَخْرُجُ إلَى
مَكَّةَ لَا يَجِيءُ يُسَلِّمُ عَلَيَّ أَمْضِي أُسَلِّمُ عَلَيْهِ قَالَ : لَا
إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا عِلْمٍ أَوْ هَاشِمِيًّا أَوْ إنْسَانًا يُخَافُ شَرُّهُ
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ : قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ : قُلْ لِأَبِي
عَبْدِ اللَّهِ رِقَّ عَلَى هَذَا الْخَلْقِ وَاجْعَلْهُمْ فِي حِلٍّ فَقَدْ
وَجَبَتْ نُصْرَتُك فَقُلْتُ : لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَجَعَلَ يَقُولُ : هَذَا
رَجُلٌ صَالِحٌ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ ، مَعْنَى كَلَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ لَمْ
يَسْتَحِلَّنِي أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ غَيْرُهُ .
وَفِي مَسَائِلِ هَذَا
الْفَصْلِ أَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي ( بَابِ مَنْ رَدَّ
عَنْ مُسْلِمٍ غِيبَةً ) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْجَرِيرِيُّ عَنْ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُشَمِيِّ حَدَّثَنَا جُنْدُبٌ قَالَ : { جَاءَ
أَعْرَابِيٌّ فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ عَقَلَهَا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ
فَصَلَّى خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا
سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثَارَ رَاحِلَتَهُ ،
فَأَطْلَقَهَا ، ثُمَّ رَكِبَ ، ثُمَّ نَادَى اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا
وَلَا تُشْرِكْ فِي رَحْمَتِنَا أَحَدًا .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَقُولُونَ هُوَ أَضَلُّ أَمْ بَعِيرُهُ ؟ أَلَمْ
تَسْمَعُوا إلَى مَا قَالَ ؟ الْجُشَمِيُّ } تَفَرَّدَ عَنْهُ الْجَرِيرِيُّ
.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ نَصْرَ الْمَظْلُومِ وَاجِبٌ وَإِنْ
كَانَ ظَالِمًا فِي شَيْءٍ آخَرَ وَإِنَّ ظُلْمَهُ فِي شَيْءٍ لَا
يَمْنَعُ

نَصْرَهُ عَلَى ظَالِمِهِ فِي شَيْءٍ آخَرَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ
الْأَدِلَّةِ .
وَقَالَ الْخَلَّالُ : بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ مُعَاوَنَةِ
الظَّالِمِ قَالَ الْأَثْرَمُ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ
رَجُلٍ جَحَدَ آخَرَ مِيرَاثًا لَهُ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ عَدَا عَلَيْهِ رَجُلٌ آخِر
وَظَلَمَهُ فِي شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ هَذَا الْمِيرَاثِ وَلَهُ قَرَابَةٌ
فَاسْتَغَاثَهُمْ عَلَى ظَالِمِهِ فَقَالُوا : إنَّا نَخَافُ أَنْ نُعِينَك عَلَى
ظُلَامَتِك هَذِهِ فَلَسْنَا بِفَاعِلِينَ حَتَّى تَرُدَّ إلَى أُخْتِكَ
مِيرَاثَهَا ، فَإِنْ فَعَلْتَ أَعَنَّاك عَلَى هَذَا الَّذِي ظَلَمَك قَالَ : مَا
أَعْرِفُ مَا تَقُولُونَ وَمَا لِهَذِهِ عِنْدِي مِيرَاثٌ .
فَقَالَ : لَا
.
مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعِينُوهُ ، أَخْشَى أَنْ يَجْتَرِئَ ، لَا ، وَلَكِنْ
يَدَعُوهُ حَتَّى يَنْكَسِرَ فَيَرُدَّ عَلَى هَذِهِ قِيلَ لَهُ وَهُمْ قَرَابَتُهُ
وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ هَذَا قَدْ ظَلَمَهُ قَالَ : لَا يُعِينُوهُ حَتَّى يُؤَدِّي
إلَى تِلْكَ لَعَلَّهُ أَنْ يَنْتَهِي بِهَذَا .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
حَرْبٍ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ ظَالِمٍ ظَلَمَهُ رَجُلٌ
أُعِينُهُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : لَا حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ ظُلْمِهِ .
وَرَوَى
الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ
عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمَّادٍ الْمُنْقِرِيُّ
حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ الْخَطَّابُ قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ يَا أَبَا ثَابِتٍ ؟ قُلْتُ : أَشْتَرِي دَقِيقًا لِأَبِي
سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيِّ ، فَقَالَ : تَشْتَرِي لِأَبِي سُلَيْمَانَ دَقِيقًا
؟ فَقُلْتُ : وَمَا بَأْسٌ ؟ فَقَالَ : مَا يَحِلُّ لَك قَالَ : فَقُلْتُ مِنْ
أَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ يَا أَبَا عَبْد اللَّه ؟ قَالَ : لَا يَحِلُّ ، تَشْتَرِي
دَقِيقًا لِرَجُلٍ يَرُدُّ أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ : وَيُكْرَهُ لِأَهْلِ الْمُرُوآتِ
وَالْفَضَائِلِ التَّسَرُّعُ إلَى إجَابَةِ الطَّعَامِ وَالتَّسَامُحُ بِحُضُورِ
الْوَلَائِمِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّهُ يُورِثُ دَنَاءَةً وَإِسْقَاطَ
الْهَيْبَةِ مِنْ نُفُوسِ

النَّاسِ ، وَسَلَامُ أَهْلِ الذِّمَّةِ
الْمَشْهُورُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُسْتُنْبِطَ
مِنْهُ اسْتِحْبَابُ تَغَافُلِ أَهْلِ الْفَضْلِ عَنْ سَفَهِ الْمُبْطِلِينَ إذَا
لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ : الْكَيِّسُ الْعَاقِلُ ، هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ : وَإِنِّي لَأَعْفُو عَنْ ذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ وَفِي دُونِهَا قَطْعُ
الْحَبِيبِ الْمُوَاصِلِ وَأُعْرِضُ عَنْ ذِي الذَّنْبِ حَتَّى كَأَنَّنِي جَهِلْتُ
الَّذِي يَأْتِي وَلَسْتُ بِجَاهِلِ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ
أَنَّهُ قَالَ : صَدِيقُكَ حِينَ تَسْتَغْنِي كَثِيرٌ وَمَا لَكَ عِنْدَ فَقْرِك
مِنْ صَدِيقِ وَكُنْتُ إذَا الصَّدِيقُ أَرَادَ غَيْظِي عَلَى حَنَقٍ وَأَشْرَقَنِي
بِرِيقِي غَفَرْتُ ذُنُوبَهُ وَصَفَحْتُ عَنْهُ مَخَافَةَ أَنْ أَكُونَ بِلَا
صَدِيقِ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَأَنْشَدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى : وَمَنْ
لَمْ يُغْمِضْ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهْوَ
عَاتِبُ وَمَنْ يَتَتَبَّعْ جَاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ يَجِدْهَا وَلَا يَسْلَمْ لَهُ
الدَّهْرَ صَاحِبُ وَقَالَ أَبُو فِرَاسٍ : لَمْ أُؤَاخِذْكَ بِالْجَفَاءِ لِأَنِّي
وَاثِقٌ مِنْك بِالْإِخَاءِ الصَّحِيحِ وَجَمِيلُ الْعَدُوِّ غَيْرُ جَمِيلٍ
وَقَبِيحُ الصَّدِيقِ غَيْرُ قَبِيحِ وَقَدْ قِيلَ : لَا تَرْجُ شَيْئًا خَالِصًا
نَفْعُهُ فَالْغَيْثُ لَا يَخْلُو مِنْ الْغُثَاءِ وَقَالَ أَبُو شُعَيْبٍ صَالِحُ
بْنُ عِمْرَانَ دَعَا رَجُلٌ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَقَالَ : تَرَى أَنْ
تَعْصِيَنِي بَعْدَ الْإِجَابَةِ قَالَ : لَا .
فَذَهَبَ الرَّجُلُ فَأَقْعَدَ
مَعَ أَحْمَدَ مَنْ لَمْ يَشْتَهِ أَحْمَدُ أَنْ يَقْعُدَ ، فَقَالَ أَحْمَدُ
عِنْدَ ذَلِكَ رَحِمَ اللَّهُ ابْنَ سِيرِينَ فَإِنَّهُ قَالَ : لَا تُكْرِمْ
أَخَاكَ بِمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ هَذَا أَخِي أَكْرَمَنِي بِمَا يَشُقُّ
عَلَيَّ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : لَا نَدْعُو مَنْ تَشُقُّ عَلَيْهِ
الْإِجَابَةُ وَإِذَا حَضَرَ تَأَذَّى الْحَاضِرُونَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ ،
وَقَالَ : إنْ كَانَ الطَّعَامُ حَرَامًا فَلِيَمْتَنِعْ مِنْ الْإِجَابَةِ ،
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ

مُنْكَرٌ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الدَّاعِي ظَالِمًا
أَوْ فَاسِقًا أَوْ مُبْتَدِعًا أَوْ مُفَاخِرًا بِدَعْوَتِهِ وَذَكَرَ أَيْضًا فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الضِّيَافَةِ مُبْتَدِعٌ يَتَكَلَّمُ
بِبِدْعَتِهِ لَمْ يَجُزْ الْحُضُورُ مَعَهُ إلَّا لِمَنْ يُقْدِمُ عَلَى الرَّدِّ
عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُبْتَدِعُ جَازَ الْحُضُورُ مَعَهُ مَعَ
إظْهَارِ الْكَرَاهَةِ لَهُ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُضْحِكٌ
بِالْفُحْشِ وَالْكَذِبِ لَمْ يَجُزْ الْحُضُورُ ، وَيَجِبُ الْإِنْكَارُ فَإِنْ
كَانَ مَعَ ذَلِكَ مَزْحٌ لَا كَذِبَ فِيهِ ، وَلَا فُحْشَ أُبِيحَ مَا يَقِلُّ
مِنْ ذَلِكَ ، فَأَمَّا اتِّخَاذُهُ صِنَاعَةً وَعَادَةً فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ
.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد بَابٌ فِي طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ حَدَّثَنَا
هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ أَنْبَأْنَا أَبِي حَدَّثَنَا
جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ الزُّبَيْرِ أَبِي الْحَارِثِ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ
يَقُولُ : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ أَنْ يُؤْكَلَ }
.
إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
قَالَ أَبُو دَاوُد أَكْثَرُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ جَرِيرٍ
لَا يَذْكُرُ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ .
وَهَارُونُ النَّحْوِيُّ ذَكَرَ فِيهِ
ابْنَ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ لَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ
وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَنَّ الْمُتَبَارِيَيْنِ هُمَا الْمُتَعَارِضَانِ ،
فَفِعْلُهُمَا لِيُعْجِزَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِصَنِيعِهِ .
وَإِنَّهُ إنَّمَا
كَرِهَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَاهَاةِ وَالرِّيَاءِ .
فَهَذَا يَدُلُّ لِمَا
ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيُّ فِي الْمُفَاخِرِ بِدَعْوَتِهِ ، وَذِكْرُ أَبُو
دَاوُد لِذَلِكَ يُوَافِقُهُ ، ثُمَّ هَلْ يَحْرُمُ أَكْلُ هَذَا الطَّعَامِ أَوْ
يُكْرَهُ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ نَظَرًا إلَى ظَاهِر النَّهْيِ وَالْمَعْنَى
.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ إنَّهُ لَا يَنْبَغِي
أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ لَا يُصَلِّي وَلَا يُجِيبُ دَعْوَتَهُ ، انْتَهَى
كَلَامُهُ ، وَقَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تَجِبُ إجَابَةُ مَنْ
يَجُوزُ هَجْرُهُ .
وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ الَّذِي لَا تَجِبُ
إجَابَتُهُ ، وَحَكَاهُ فِي الْمُغْنِي عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَقَالَ : إنَّهُ لَا
يَأْمَنُ اخْتِلَاطَ طَعَامِهِمْ بِالْحَرَامِ وَالنَّجَاسَةِ فَعَلَى مُقْتَضَى
هَذَا التَّعْلِيلِ لَا تَجِبُ إجَابَةُ مُسْلِمٍ فِي مَا لَهُ شُبْهَةٌ وَلَا
سِيَّمَا إذَا كَثُرَتْ ، وَلَا مَنْ لَا يَتَحَرَّزُ مِنْ النَّجَاسَةِ ،
وَيُلَابِسُهَا كَثِيرًا ، وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الرَّجُلِ يُدْعَى إلَى
الْخِتَانِ أَوْ الْعُرْسِ وَعِنْدَهُ الْمُخَنَّثُونَ ، فَيَدْعُوهُ بَعْد ذَلِكَ
بِيَوْمٍ أَوْ سَاعَةٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أُولَئِكَ ؟ فَقَالَ : أَرْجُو أَنْ لَا
يَأْثَمَ إنْ لَمْ يُجِبْ ، وَإِنْ أَجَابَ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ آثِمًا
.
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ ذِكْرِهِ لِهَذَا النَّصِّ : فَأُسْقِطَ
الْوُجُوبُ لِإِسْقَاطِ الدَّاعِي حُرْمَةَ نَفْسِهِ بِاِتِّخَاذِ الْمُنْكَرِ
وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْإِجَابَةِ لِكَوْنِ الْمُجِيبِ لَا يَرَى مُنْكَرًا وَلَا
يَسْمَعُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا : إنَّمَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إذَا كَانَ
الْمُكْتَسِبُ طَيِّبًا وَلَمْ يَرَ مُنْكَرًا ، وَهَذَا يُؤَيِّد مَا تَقَدَّمَ
مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ فِي الْمُغْنِي بَعْد ذِكْرِهِ
لِهَذَا النَّصِّ : فَعَلَى هَذَا لَا تَجِبُ إجَابَةُ مَنْ طَعَامُهُ مِنْ
مُكْتَسَبٍ خَبِيثٍ ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَهُ مُنْكَرٌ وَالْأَكْلُ مِنْهُ مُنْكَرٌ ،
فَهُوَ أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ ، وَإِنْ حَضَرَ لَمْ يَأْكُلْ .
وَقَالَ
صَالِحُ لِأَبِيهِ : مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ شَرِبَ الْخَمْرَ يَدْعُونِي إلَى
غِذَائِهِ وَعَشَائِهِ أُجِيبُهُ ، وَأُجَالِسُهُ قَالَ : تَأْمُرُهُ وَتَنْهَاهُ
فَإِنْ كَانَ كَسْبُهُ كَسْبًا طَيِّبًا وَعَصَى اللَّه فِي بَعْضِ أَمْرِهِ
يَدْعُو لَا يُجَابُ .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ : قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ
وَأَنَا شَاهِدٌ : الرَّجُلُ يَكُونُ فِي الْقَرْيَةِ أَوْ الرُّسْتَاقِ وَسُئِلَ
عَنْ الشَّيْءِ

مِنْ الْعِلْمِ فَأُهْدِيَ لَهُ الثِّمَارُ وَرُبَّمَا
اسْتَعَانَ بِقَوْمٍ يَعْمَلُونَ فِي أَرْضِهِ فَقَالَ : إنْ كَانَ يُكَافِئُ
وَإِلَّا فَلَا يَقْبَلُ .
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ : سُئِلَ أَبُو
عَبْدِ اللَّه عَنْ الرَّجُلِ يُهْدَى إلَيْهِ الشَّيْءُ أَفَتَرَى أَنْ يَقْبَلَ ؟
فَقَالَ : قَدْ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ
الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ } ، أَرَى لَهُ إنْ هُوَ قَبِلَ أَنْ يُثِيبَ .
وَذَكَرَ
إِسْحَاقُ فِي الْأَدَب مِنْ مَسَائِلِهِ أَنَّ إنْسَانًا أَهْدَى لِأَبِي عَبْدِ
اللَّهِ مَرَّةً شَيْئًا مَا يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ قَالَ : فَأَعْطَانِي
دِينَارًا .
فَقَالَ : اذْهَبْ فَاشْتَرِ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ سُكَّرًا
وَبِتِسْعَةِ دَرَاهِمَ تَمْرًا بَرْنِيًّا وَاذْهَبْ بِهِ إلَيْهِ ، فَفَعَلْتُ ،
فَقَالَ اذْهَبْ بِهِ إلَيْهِ بِاللَّيْلِ .
وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ كَلَامٌ
كَثِيرٌ فِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ وَبَعْضَ الْأَخْبَارِ فِيهِ
فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : نِعْمَ الشَّيْءُ الْهَدِيَّةُ أَمَامَ الْحَاجَةِ
.
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نِعْمَ الْعَوْنُ الْهَدِيَّةُ عَلَى طَلَبِ الْحَاجَةِ وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ
عَدِيٍّ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَّابًا مَتْرُوكًا فَإِنَّهُ إخْبَارِيٌّ
عَلَّامَةٌ فَقَالَ : يُقَالُ : مَا اُرْتُضِيَ الْغَضْبَانُ ، وَلَا اُسْتُعْطِفَ
السُّلْطَانُ ، وَلَا سُلَّتْ السَّخَائِمُ ، وَلَا دُفِعَتْ الْمَغَارِمُ ، وَلَا
تُوُقِّيَ الْمَحْذُورُ ، وَلَا اُسْتُمِيلَ الْمَهْجُورُ ، بِمِثْلِ الْهَدِيَّةِ
وَالْبِرِّ وَقَالَ ابْنُ عَبْد الْبَرِّ : وَقَدْ وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { تَجَاوَزُوا وَتَزَاوَرُوا
وَتَهَادَوْا ، فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُثْبِتُ الْمَوَدَّةَ وَتَسُلُّ السَّخِيمَةَ
} قَالَ الشَّاعِرُ : هَدَايَا النَّاسِ بَعْضَهُمْ لِبَعْضِ تُوَلِّدُ فِي
قُلُوبِهِمْ الْوِصَالَا وَتَزْرَعُ فِي الضَّمِيرِ هَوًى وَوُدَّا وَتُلْبِسُهُمْ
إذَا حَضَرُوا جَمَالَا .

فَصْلٌ ( الْهَدِيَّةُ لِمَنْ أُهْدِيَتْ إلَيْهِ
لَا لِمَنْ حَضَرَ ) .
الْهَدِيَّةُ إنْ أُهْدِيَتْ إلَيْهِ يَخُصُّ بِهَا مَنْ
شَاءَ ، وَلَا يَصِحُّ الْخَبَرُ إنَّهَا لِمَنْ حَضَرَ ، وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ
شَرْعًا وَعُرْفًا الْهَدِيَّةُ أَوَائِلُ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
مِنْهَا لَا سِيَّمَا إلَى الْكَبِيرِ الصَّالِحِ وَدُعَائِهِ عِنْدَ ذَلِكَ
بِالْبَرَكَةِ ، وَأَنَّهُ يُخَصِّصُ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ بَعْضَ مَنْ يُحْضِرُهُ
مِنْ الصِّغَارِ ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ لِذَلِكَ مَوْقِعًا عَظِيمًا بِخِلَافِ
الْكِبَار .
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِأَوَّلِ
الثَّمَرِ فَيَقُولُ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَفِي مُدِّنَا
وَفِي صَاعِنَا وَفِي ثِمَارِنَا بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ
مَنْ يُحْضِرُهُ مِنْ الْوِلْدَانِ } .

فَصْلٌ ( قَبُولُ الْهَدِيَّةِ إذَا
لَمْ تَكُنْ عَلَى عَمَلِ الْبِرِّ ) .
قَالَ أَبُو الْحَارِثِ : إنَّ أَبَا
عَبْدَ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَسْأَلهُ الرَّجُلُ الْحَاجَةَ فَيَسْعَى
مَعَهُ فِيهَا فَيُكَافِئُهُ عَلَى ذَلِكَ بِلُطْفِهِ يُهْدِي لَهُ تَرَى لَهُ أَنْ
يَقْبَلَهَا ؟ قَالَ إنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْبِرِّ وَطَلَبِ الثَّوَابِ كَرِهْتُ
لَهُ ذَلِكَ ، فَهَذَا النَّصُّ إنَّمَا فِيهِ الْكَرَاهَةُ لِمَنْ طَلَبَ الْبِرَّ
وَالثَّوَابَ ، وَظَاهِرُهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا
فِي الْمُعَلِّمِ إنْ أُعْطِيَ شَيْئًا بِلَا شَرْطٍ جَازَ ، وَإِنَّهُ ظَاهِرُ
كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَكَرِهَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثِ الْقَوْسَيْنِ
.
قَالَ فِي الْمُغْنِي : يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَصَدَ الْقُرْبَةَ فَكَرِهَهُ
لَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، وَقَالَ صَالِحٌ وُلِدَ لِي مَوْلُودٌ فَأَهْدَى إلَيَّ
صَدِيقٌ لِي شَيْئًا ، فَمَكَثْت عَلَى ذَلِكَ أَشْهُرًا ، وَأَرَادَ الْخُرُوجَ
إلَى الْبَصْرَةِ فَقَالَ لِي : كَلِّمْ لِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَكْتُبُ لِي
إلَى الْمَشَايِخِ بِالْبَصْرَةِ فَكَلَّمْته ، فَقَالَ : لَوْلَا أَنَّهُ أَهْدَى
إلَيْك كَتَبْتُ فَلَسْتُ أَكْتُبُ لَهُ .
وَقَالَ صَالِحٌ قُلْتُ لِأَبِي :
رَجُلٌ أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً فَسَلَّمَهَا إلَى الَّذِي أَوْدَعَهُ فَأَهْدَى
إلَيْهِ شَيْئًا يَقْبَلُهُ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ أَبِي : إذَا عَلِمَ أَنَّهُ
إنَّمَا أَهْدَى إلَيْهِ لِأَدَاءِ أَمَانَتِهِ فَلَا يَقْبَلْ الْهَدِيَّةَ إلَّا
أَنْ يُكَافِئ بِمِثْلِهَا ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ
السَّابِقَةِ .
وَقَالَ يَعْقُوبُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَنْبَغِي
لِلْخَاطِبِ إذَا خَطَبَ لِقَوْمٍ أَنْ يَقْبَلَ لَهُمْ هَدِيَّةً .
وَظَاهِرُ
الرِّوَايَةِ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا أَوْ الْكَرَاهَةُ ، وَاخْتَارَ التَّحْرِيمَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَّةَ فِي كُلِّ شَفَاعَةٍ فِيهَا إعَانَةٌ
عَلَى فِعْلٍ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكُ مُحَرَّمٍ وَفِي شَفَاعَةٍ عِنْدَ وَلِيِّ أَمْرٍ
لِيُوَلِّيَهُ وِلَايَةً أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ فِي الْمُقَاتَلَةِ ، وَهُوَ
مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ أَوْ لِيُعْطِيَهُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ ،
أَوْ الْقُرَّاءِ

وَالْفُقَهَاءِ ، أَوْ غَيْرِهِمْ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ
الِاسْتِحْقَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَالَ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ
وَالْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ ، وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ
فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ هَذَا مِنْ بَابِ الْجَعَالَةِ يَعْنِي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ
قَالَ : وَهَذَا مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ
وَالْأَئِمَّةِ فَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ
الَّتِي الْقِيَامُ بِهَا فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ ، فَيَلْزَمُ مِنْ أَخْذِ
الْجُعْلِ فِيهِ تَرْكُ الْأَحَقِّ ، وَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ لِلْبَاذِلِ بَلْ
لِلنَّاسِ ، وَطَلَبِ الْوِلَايَةِ مَنْهِيُّ عَنْهُ فَكَيْفَ ؟ بِالْعِوَضِ
فَهَذَا مِنْ بَابِ الْفَسَادِ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَهَذَا الْمَعْنَى
الَّذِي احْتَجَّ بِهِ خَاصٌّ ، وَيُتَوَجَّه لِأَجْلِهِ قَوْلٌ ثَالِثُ وَهُوَ
مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ الْآتِي ، وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي احْتَجَّ
بِهِ فَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ : بَابُ الْهَدِيَّةِ لِلْحَاجَةِ ثُمَّ
رَوَى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا : { مَنْ شَفَعَ لِأَخِيهِ شَفَاعَةً
فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا }
مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ
وَالْعِجْلِيُّ وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ وَالنَّسَوِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ كَانَ خَيِّرًا فَاضِلًا
وَتَكَلَّمَ فِيهِ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ ، وَقَالَ ابْنُ حِرَاشٍ ضَعِيفٌ
جِدًّا وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ ضَعِيفٌ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ .
وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَضُعْفُهُ مَشْهُورٌ ، وَفِي صِحَّتِهِ
نَظَرٌ ، وَكَيْف يَكُونُ هَذَا بَابًا عَظِيمًا مِنْ الرِّبَا ثُمَّ يُحْمَلُ
عَلَى شَفَاعَةٍ مُتَعَيَّنَةٍ لَا سِيَّمَا فِي وِلَايَةٍ ، أَوْ عَلَى قَصْدِ
الْقُرْبَةِ ، وَلِهَذَا رَتَّبَ الْهَدِيَّةَ عَلَى الشَّفَاعَةِ .
وَرَأَيْتُ
تَعْلِيقًا عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي عَلَى النُّسْخَةِ الْعَتِيقَةِ لِابْنِ
تَيْمِيَّةَ ، وَعَلَيْهَا خَطُّ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الْحَسَنُ
بْنُ

أَحْمَدَ ابْنِ الْبَنَّا نَسَخَهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ
وَأَرْبَعِمِائَةٍ رَأَيْت عَلَى الْمُجَلَّدَةِ الْأَخِيرَةِ : لَا يَجُوزُ أَخَذُ
الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ الدَّفْعِ عَنْ الْمَظْلُومِ .
ثُمَّ ذَكَرَ
رِوَايَةَ أَبِي الْحَارِثِ السَّابِقَةِ وَقَالَ : فَإِذَا كَرِهَ ذَلِكَ فِيمَا
لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَأَوْلَى أَنْ يَكْرَهَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ
دَفْعِ الْمَظَالِمِ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ ابْنَ بَطَّةَ وَصَاحِبَهُ أَبَا حَفْصٍ
رَوَيَا خَبَرَ أَبِي أُمَامَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ .
وَرَوَى ابْن عُمَرَ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ
زَاذَانَ { أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ لِمَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ : إيَّاكَ
وَالْهَدِيَّةَ فِي سَبَبِ الشَّفَاعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ السُّحْتِ } ثُمَّ
ذَكَرَ رِوَايَةَ يَعْقُوبَ السَّابِقَةِ ، ثُمَّ قَالَ : وَذَكَرَ ابْنُ حَفْصٍ
فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ بَابَ كَرَاهَةِ الْهَدِيَّةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ
قَالَ الْأَثْرَمُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : الرَّجُلُ يُعْطَى عِنْدَ الْمُفَصَّلِ
قَالَ : لَا يُعْجِبُنِي .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَتَكَلَّمَ أَبُو مَسْعُودٍ
لِرَجُلٍ فِي حَاجَةٍ فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةَ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهَا وَقَالَ :
آخُذُ أَجْرَ شَفَاعَتِي فِي الدُّنْيَا ، رَوَاهُ صَالِحُ عَنْ أَبِيهِ
إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ عَوْفٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْهُ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ جَعْفَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ رَدَّهَا وَقَالَ إنَّا أَهْلُ
بَيْتٍ لَا نَأْخُذُ عَلَى مَعْرُوفِنَا ثَمَنًا .
رَوَاهُ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَلِيِّ بْن عَاصِمٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ
وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْهُ .
وَقَدْ كَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ
السَّرِيِّ بْنِ سَهْلٍ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ صَاحِبُ التَّصَانِيفِ
الْحِسَانِ وَمِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ مَعَ حُسْنِ الِاعْتِقَادِ أَدَّبَ
الْقَاسِمَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّه فَلَمَّا تَوَلَّى الْقَاسِمُ الْوَزَارَةَ كَانَ
وَظِيفَةُ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْده أَنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْقَصَصَ وَيَقْضِي
عِنْده الْأَشْغَالَ وَيُشَارِطُ عَلَى ذَلِكَ ، وَيَأْخُذُ مَا
أَمْكَنَهُ

وَقِصَّتُهُ مَشْهُورَةٌ .
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ
الْجَوْزِيِّ فِي الْمُنْتَظِمِ بَعْدَ أَنْ تَرْجَمَ أَبَا إِسْحَاقَ بِهَذِهِ
التَّرْجَمَةِ ، وَذَكَرَ قِصَّتَهُ قَالَ : رَأَيْتُ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ
الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ يَقْرَءُونَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ وَيَتَعَجَّبُونَ ،
مُسْتَحْسِنِينَ لِهَذَا الْفِعْلِ ، غَافِلِينَ عَمَّا تَحْتَهُ مِنْ الْقَبِيحِ ،
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوُلَاةِ إيصَالُ قَصَصِ الْمَظْلُومِينَ
وَأَهْلِ الْحَوَائِجِ ، فَإِقَامَةُ مَنْ يَأْخُذُ الْأَجْعَالَ عَلَى هَذَا
الْقَبِيحِ حَرَامٌ ، وَهَذَا مِمَّا وَهِيَ بِهِ الزَّجَّاجُ وَهْيًا عَظِيمًا ،
وَلَا يَرْتَفِعُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ مَا فِي بَاطِنِ مَا قَدْ حَكَاهُ
عَنْ نَفْسِهِ فَهَذَا جَهْلٌ بِمَعْرِفَةِ حُكْمِ الشَّرْعِ ، وَإِنْ كَانَ
يَعْرِفُ فَحِكَايَتُهُ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ ، فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ قِلَّةِ
الْفِقْهِ ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَلَنَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي أَخْذِ
الْأُجْرَةِ وَالْجَعَالَةِ عَلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا
وَالتَّفْرِقَةِ ، فَغَايَةُ الشَّفَاعَةِ كَذَلِكَ .
وَنَصَّ أَحْمَدُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنْ لَوْ قَالَ : اقْتَرِضْ لِي مِائَةً وَلَك عَشَرَةً
.
أَنَّهُ يَصِحُّ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : لِأَنَّهُ جَعَالَةٌ عَلَى فِعْلٍ
مُبَاحٍ ، قَالُوا : يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْذُلَ جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّ
عَلَى مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَأَنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ
يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا .
وَقَاسُوهُ عَلَى
أُجْرَةِ الدَّلِيلِ .
وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسُئِلَ عَنْ
السُّحْتِ فَقَالَ : أَنْ تَشْفَعَ لِأَخِيكَ شَفَاعَةً فَيَهْدِي لَك هَدِيَّةً
فَتَقْبَلُهَا ، فَقِيلَ لَهُ : أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ هَدِيَّةً فِي بَاطِلٍ قَالَ
: ذَلِكَ كُفْرٌ { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ
الْكَافِرُونَ } .
فَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ : وَإِنَّمَا
السُّحْتُ أَنْ يَسْتَعِينَكَ عَلَى مَظْلِمَةٍ ، فَيَهْدِي لَك فَلَا تَقْبَلُ
ثُمَّ يُجَابُ عَنْهُ بِمَا سَبَقَ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
.

فَصْلٌ ( حَمْلُ مَا جَاءَ عَنْ الْإِخْوَانِ عَلَى أَحْسَنِ الْمَحَامِلِ
) .
قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ : إنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ
عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ { إذَا بَلَغَكَ شَيْءٌ عَنْ أَخِيكَ فَاحْمِلْهُ
عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى لَا تَجِدَ لَهُ مَحْمَلًا } مَا يَعْنِي بِهِ ؟ قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : يَقُولُ تَعْذُرُهُ ، تَقُولُ : لَعَلَّهُ كَذَا ،
لَعَلَّهُ كَذَا .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ :
إنَّ أَبَا مُوسَى هَارُونَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ جَاءَ إلَى رَجُلٍ شَتَمَهُ
لَعَلَّهُ يَعْتَذِرُ إلَيْهِ ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِ وَشَقَّ الْبَابَ فِي
وَجْهِهِ ؛ فَعَجِبَ وَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، أَمَا إنَّهُ قَدْ بَغَى
عَلَيْهِ سَيُنْصَرُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : رَجُلٌ نَقَلَ قَدَمَهُ وَيَجِيءُ
إلَيْهِ يَعْتَذِرُ لَا يَخْرُجُ .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْن
مِينَاءَ عَنْ جُوذَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { مَنْ اعْتَذَرَ إلَى أَخِيهِ بِمَعْذِرَةٍ لَمْ يَقْبَلْهَا كَانَ
عَلَيْهِ مِثْلُ خَطِيئَةِ صَاحِبِ مَكْسٍ } .
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ وَكِيعٍ ، وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنُ مِينَاءَ ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ
سُهَيْلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ وَكِيعٍ .
وَقَالَ عَنْ ابْنِ جُوذَانَ : وَهُوَ
مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، وَلَمْ أَرَ فِي الْعَبَّاسِ
ضَعْفًا .
وَمُرَادُ هَذَا الْخَبَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا لَمْ يُعْلَمْ
كَذِبُهُ .
وَلِهَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ رَوَى عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ اعْتَذَرَ إلَيْهِ
أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَلْيَقْبَلْ عُذْرَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ كَذِبَهُ .
}
وَقَالَ عُمَرُ : لَا تَلُمْ أَخَاكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعُذْرُ فِي مِثْلِهِ
.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا شَتَمَنِي فِي أُذُنِي
هَذِهِ وَاعْتَذَرَ إلَيَّ فِي أُذُنِي الْأُخْرَى لَقَبِلْتُ عُذْرَهُ .
وَمِنْ
النَّظْمِ فِي مَعْنَاهُ

: قِيلَ لِي قَدْ أَسَاءَ إلَيْكَ فُلَانُ
وَقُعُودُ الْفَتَى عَلَى الضَّيْمِ عَارُ قُلْتُ قَدْ جَاءَنَا فَأَحْدَثَ عُذْرَا
دِيَةُ الذَّنْبِ عِنْدَنَا الِاعْتِذَارُ وَقَالَ الْأَحْنَفُ : إنْ اعْتَذَرَ
إلَيْكَ مُعْتَذِرٌ تَلَقَّهُ بِالْبِشْرِ وَقَالَ الشَّاعِرُ : يَلُومُنِي
النَّاسُ فِيمَا لَوْ أُخَبِّرُهُمْ بِالْعُذْرِ مِنِّي فِيهِ لَمْ يَلُومُونِي
وَقَالَ آخَرُ : اقْبَلْ مَعَاذِيرَ مَنْ يَأْتِيكَ مُعْتَذِرَا إنْ بَرَّ عِنْدَكَ
فِيمَا قَالَ أَوْ فَجَرَا فَقَدْ أَطَاعَكَ مَنْ يُرْضِيكَ ظَاهِرُهُ وَقَدْ
أَجَلَّكَ مَنْ يَعْصِيكَ مُسْتَتِرَا وَكَانَ يُقَالُ : مَنْ وُفِّقَ لِحُسْنِ
الِاعْتِذَارِ خَرَجَ مِنْ الذَّنْبِ .
وَكَانَ يُقَالُ : اعْتِذَارُ مَنْ
يَمْنَعُ خَيْرٌ مِنْ وَعْدٍ مَمْطُولٍ .
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:46

وَلِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى مَالٍ
أُفَرِّقُهُ عَلَى الْمُقِلِّينَ مِنْ أَهْلِ الْمُرُوآت إنَّ اعْتِذَارِي إلَى
مَنْ جَاءَ يَسْأَلُنِي مَا لَيْسَ عِنْدِي مِنْ إحْدَى الْمُصِيبَاتِ وَقَالَ
آخَرُ : هِيَ الْمَقَادِيرُ فَلُمْنِي أَوْ فَذَرْ إنْ كُنْتُ أَخْطَأْتُ فَمَا
أَخْطَأَ الْقَدَرْ وَقَالَ آخَرُ : وَإِذَا عُيِّرُوا قَالُوا مَقَادِيرُ
قُدِّرَتْ وَمَا الْعَارُ إلَّا مَا تَجُرُّ الْمَقَادِيرُ وَقَالَ الْأَحْنَفُ :
إيَّاكَ وَمَا تَعْتَذِرُ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَلَّمَا اعْتَذَرَ أَحَدٌ فَيَسْلَمُ
مِنْ الْكَذِبِ .
وَقَالَ أَيْضًا : أَسْرَعُ النَّاسِ فِي الْفِتْنَةِ
أَقَلُّهُمْ حَيَاءً مِنْ الْفِرَارِ .
قَالَ الشَّاعِرُ : الْعَبْدُ يُذْنِبُ
وَالْمَوْلَى يُقَوِّمُهُ وَالْعَبْدُ يَجْهَلُ وَالْمَوْلَى يُعَلِّمُهُ إنِّي
نَدِمْتُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ زَلَلِي وَزَلَّةُ الْمَرْءِ يَمْحُوهَا تَنَدُّمُهُ
وَقَدْ قِيلَ : عَجِبْتُ لِمَنْ يَبْكِي عَلَى فَقْدِ غَيْرِهِ زَمَانًا وَلَا
يَبْكِي عَلَى فَقْدِهِ دَمَا وَأَعْجَبُ مِنْ ذَا أَنْ يَرَى عَيْبَ غَيْرِهِ
عَظِيمًا وَفِي عَيْنَيْهِ عَنْ عَيْبِهِ عَمَى وَقِيلَ أَيْضًا : عَجِبْتُ مِنْ
الدُّنْيَا سَلَامَةَ ظَالِمِ وَعِزَّةَ ذِي بُخْلٍ وَذُلَّ كَرِيمِ وَأَعْجَبُ
مِنْ هَذَا كَرِيمٌ أَصَابَهُ قَضَاءٌ فَأَضْحَى تَحْتَ حُكْمِ لَئِيمِ وَذَكَرَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ مِنْ كَلَامِ أَبِي الدَّرْدَاءِ : مُعَاتَبَةُ
الْأَخِ

أَهْوَنُ مِنْ فَقْدِهِ ، وَمَنْ لَكَ بِأَخِيكَ كُلِّهِ ، فَأَعْطِ
أَخَاكَ وَهَبْ لَهُ ، وَلَا تُطِعْ فِيهِ كَاشِحًا فَتَكُونَ مِثْلَهُ
.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ : مَنْ لَكَ بِأَخِيكَ كُلِّهِ ؟ لَا تَسْتَقْصِ
عَلَيْهِ فَتَبْقَى بِلَا أَخٍ ، وَقَالَ عَمْرٌو : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْقَلُ
النَّاسِ أَعْذَرُهُمْ لَهُمْ .
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : قَالَ أَعْرَابِيٌّ :
عَاتِبْ مَنْ تَرْجُو رُجُوعَهُ .
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : الْعِتَابُ
الْوَفَاءُ ، وَسِلَاحُ الْأَكْفَاءِ ، وَحَاصِلُ الْجَفَاءِ ، وَقَالَ (
الْعَتَّابِيُّ ) : ظَاهِرُ الْعِتَابِ خَيْرٌ مِنْ مَكْنُونِ الْحِقْدِ ،
وَصِرْفَةُ النَّاصِحِ خَيْرٌ مِنْ تَحِيَّةِ الشَّانِي ، وَقَالَ بَعْضُ
الْحُكَمَاءِ : مَنْ كَثُرَ حِقْدُهُ قَلَّ عِتَابُهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
دَاوُد : مَنْ لَمْ يُعَاتِبْ عَلَى الزَّلَّةِ ، فَلَيْسَ بِحَافِظٍ لِلْخُلَّةِ
وَقَالَ أَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ : الْإِكْثَارُ مِنْ الْعِتَابِ دَاعِيَةٌ إلَى
الْمَلَالِ ، وَسَبَقَ قَرِيبًا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ " الْكَيِّسُ الْعَاقِلُ ،
هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ " وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ طَاهِرٍ : أُعَاتِبُ مَنْ يَحْلُو بِقَلْبِي عِتَابُهُ وَأَتْرُكُ مَنْ لَا
أَشْتَهِي أَنْ أُعَاتِبَهْ وَلَيْسَ عِتَابُ الْمَرْءِ لِلْمَرْءِ نَافِعًا إذَا
لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ لُبٌّ يُعَاتِبُهْ وَقَالَ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ : إنْ
كَانَ لَفْظِي كَرِيهًا فَاصْبِرَا فَعَلَى كُرْهِ الْعِلَاجِ يُصِحُّ اللَّهُ
أَبْدَانَا لَوْلَا الْعَوَارِضُ مَا طَابَ الشَّبَابُ كَذَا لَوْلَا قِصَارَتُنَا
لِلثَّوْبِ مَا لَانَا إنِّي أُعَاتِبُ إخْوَانِي وَهُمْ ثِقَتِي طَوْرًا وَقَدْ
يُصْقَلُ السَّيْفُ أَحْيَانَا هِيَ الذُّنُوبُ إذَا مَا كُشِفَتْ دَرَسَتْ مِنْ
الْقُلُوبِ وَإِلَّا صِرْنَ أَضْغَانَا وَقَالَ آخَرُ : خُذْ مِنْ صَدِيقِكِ مَا
صَفَا لَكَ لَا تَكُنْ جَمَّ الْمَعَائِبْ إنَّ الْكَثِيرَ عِتَابُهُ الْإِخْوَانَ
لَيْسَ لَهُمْ بِصَاحِبْ وَقَالَ آخَرُ : إنَّ الظَّنِينَ مِنْ الْإِخْوَانِ
يُبْرِمُهُ طُولُ الْعِتَابِ وَتُغْنِيهِ الْمَعَاذِيرُ وَذُو الصَّفَاءِ إذَا
مَسَّتْهُ مَعْذِرَةٌ كَانَتْ لَهُ عِظَةٌ فِيهَا وَتَذْكِيرُ وَقَالَ آخَرُ :
وَلَسْتُ مُعَاتِبًا

خِلًّا لِأَنِّي رَأَيْتُ الْعَتْبَ يُغْرِي
بِالْعُقُولِ وَقَالَ آخَرُ : وَلَوْ أَنِّي أُوَقِّفُ لِي صَدِيقَا عَلَى ذَنْبٍ
بَقِيتُ بِلَا صَدِيقِ وَقَالَ آخَرُ : إنِّي لَيَهْجُرُنِي الصَّدِيقُ تَجَنُّبَا
فَأُرِيهِ أَنَّ لِهَجْرِهِ أَسْبَابَا وَأَخَافُ إنْ عَاتَبْتُهُ أَغْرَيْتُهُ
فَأَرَى لَهُ تَرْكَ الْعِتَابِ عِتَابَا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
مَرْفُوعًا { ارْحَمُوا تُرْحَمُوا ، اغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ
الْقَوْلِ ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ
يَعْلَمُونَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
أَقْمَاعُ الْقَوْلِ : هُمْ
الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْقَوْلَ وَلَا يَعُونَهُ وَلَا يَفْهَمُونَهُ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ { : مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ
لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ } وَهُوَ لِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ
.
وَرَوَى أَحْمَدُ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنْبَأَنَا
زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ رَجُلًا
قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ وَأَنَا أَرْحَمُهَا أَوْ
قَالَ : إنِّي أَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا قَالَ : وَالشَّاةُ إنْ
رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ } إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { لَا تُنْزَعُ
الرَّحْمَةُ إلَّا مِنْ شَقِيٍّ } .
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ { لَا حَلِيمَ إلَّا ذُو عَثْرَةٍ ، وَلَا
حَكِيمَ إلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ } وَلَهُ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ حُذَيْفَةَ
وَابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا .
{ لَا تَكُونُوا إمَّعَةً تَقُولُونَ إنْ
أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا ، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا ، وَلَكِنْ وَطِّنُوا
أَنْفُسَكُمْ إنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا
تَظْلِمُوا } الْإِمَّعَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الَّذِي لَا
يَثْبُتُ مَعَ أَحَدٍ وَلَا عَلَى رَأْيٍ لِضَعْفِ رَأْيِهِ ، وَالْهَاءُ فِيهِ
لِلْمُبَالَغَةِ وَيُقَالُ فِيهِ إمَّعٌ أَيْضًا وَلَا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ
إمَّعَةٌ وَهَمْزَتُهُ أَصْلِيَّةٌ

لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إفَّعَلُ وَصْفًا
، قَالَ فِي النِّهَايَةِ : هُوَ الَّذِي يَقُولُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَا مَعَكَ ،
قَالَ : وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ { لَا يَكُونُ أَحَدُكُمْ إمَّعَةً ،
قِيلَ وَمَا الْإِمَّعَةُ ؟ قَالَ : الَّذِي يَقُولُ وَأَنَا مَعَ النَّاسِ }
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ السَّرَّاجُ : هُوَ فِعْلٌ لِأَنَّهُ
لَا يَكُونُ إفَّعَلُ وَصْفًا ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : امْرَأَةٌ إمَّعَةٌ غَلَطٌ ،
لَا يُقَالُ لِلنِّسَاءِ ذَلِكَ ، وَقَدْ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ
.
وَفِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَلَغَهُ عَنْ الرَّجُلِ
الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ ؟ وَلَكِنْ يَقُولُ : { مَا بَالُ
أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا } .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ سَلْمٍ الْعَلَوِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَنَسٍ {
أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَلَّمَا يُوَاجِهُ رَجُلًا بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ
: لَوْ أَمَرْتُمْ أَنْ يَغْسِلَ ذِرَاعَيْهِ } وَرَوَوْا أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ
بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {
الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ ، وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ :
غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ
فُرَافِصَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {
لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ ، وَيُرْوَى بِضَمِّ
الْغَيْنِ وَكَسْرِهَا فَالضَّمُّ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ ، مَعْنَاهُ أَنَّ
الْمُؤْمِنَ هُوَ الْكَيِّسُ الْحَازِمُ الَّذِي لَا يُؤْتَى مِنْ جِهَةِ
الْغَفْلَةِ فَيُخْدَعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَلَا يَفْطَنُ ، وَالْمُرَادُ فِي
أَمْرِ الدِّينِ ، وَأَمَّا الْكَسْرُ فَعَلَى

وَجْهِ النَّهْيِ يَقُولُ لَا
يُخْدَعَنَّ الْمُؤْمِنُ وَلَا يَقْرَبَنَّ مِنْ نَاحِيَةِ الْغَفْلَةِ فَيَقَعُ
فِي مَكْرُوهٍ أَوْ شَرٍّ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ ، وَلْيَكُنْ فَطِنًا حَذِرًا ،
وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لِأَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا
.
ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ : إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ
ذَكَرَ إبْلِيسَ وَقَالَ : إنَّمَا أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ
الْكَافِرِينَ فَالِاسْتِكْبَارُ كُفْرٌ .
وَعَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ
مَرْفُوعًا { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ
، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ }
إسْنَادُهُ صَحِيحٌ ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
.
وَعَنْهُ مَرْفُوعًا { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْجَوَّاظُ وَلَا
الْجَعْظَرِيُّ } إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالْعَتَلَةُ
عَمُودُ حَدِيدٍ يُهْدَمُ بِهَا الْحِيطَانُ وَمِنْهُ اُشْتُقَّ الْعُتُلُّ وَهُوَ
الشَّدِيدُ الْجَافِي وَالْفَظُّ الْغَلِيظُ مِنْ النَّاسِ وَالْجَوَّاظُ
الْجَمُوعُ الْمَنُوعُ ، وَقِيلَ : الْكَثِيرُ اللَّحْمِ الْمُخْتَالُ فِي
مَشْيَتِهِ ، وَقِيلَ : الْقَصِيرُ الْبَطِينُ .
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد هُوَ
الْغَلِيظُ الْفَظُّ وَالْجَعْظَرِيُّ الْفَظُّ الْغَلِيظُ الْمُتَكَبِّرُ ،
وَقِيلَ الَّذِي يَتَنَفَّجُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ ، وَفِي خَبَرٍ آخَرَ فِي
أَهْلِ النَّارِ " الْجَعْظُ " وَهُوَ الْعَظِيمُ فِي نَفْسِهِ ، وَقِيلَ :
السَّيِّئُ الْخُلُقِ الَّذِي يَتَسَخَّطُ عِنْدَ الطَّعَامِ .

فَصْلٌ ( فِي
احْتِرَامِ الْجَلِيسِ وَإِكْرَامِ الصَّدِيقِ وَالْمُكَافَأَةِ عَلَى الْمَعْرُوفِ
) .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ ( بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ ) عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَعَزُّ النَّاسِ عَلَيَّ جَلِيسِي الَّذِي يَتَخَطَّى
النَّاسَ إلَيَّ ، أَمَا وَاَللَّهِ إنَّ الذُّبَابَ يَقَعُ عَلَيْهِ فَيَشُقُّ
عَلَيَّ .
وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ عَلَيْكَ ؟ قَالَ :
جَلِيسِي حَتَّى يُفَارِقَنِي .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ فِي
مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :
ثَلَاثَةٌ لَا أَقْدِرُ عَلَى مُكَافَأَتِهِمْ وَرَابِعٌ لَا يُكَافِئُهُ عَنِّي
إلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، فَأَمَّا الَّذِينَ لَا أَقْدِرُ عَلَى مُكَافَأَتِهِمْ :
فَرَجُلٌ أَوْسَعَ لِي فِي مَجْلِسِهِ ، وَرَجُلٌ سَقَانِي عَلَى ظَمَإٍ ، وَرَجُلٌ
أُغْبِرَتْ قَدَمَاهُ فِي الِاخْتِلَافِ إلَى بَابِي ، وَأَمَّا الرَّابِعُ الَّذِي
لَا يُكَافِئُهُ عَنِّي إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرَجُلٌ عَرَضَتْ لَهُ
حَاجَةٌ فَظَلَّ سَاهِرًا مُتَفَكِّرًا بِمَنْ يُنْزِلُ حَاجَتَهُ وَأَصْبَحَ
فَرَآنِي مَوْضِعًا لِحَاجَتِهِ ، فَهَذَا لَا يُكَافِئُهُ عَنِّي إلَّا اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ الرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ بِسَاطِي
ثَلَاثًا لَا يَرَى عَلَيْهِ أَثَرًا مِنْ أَثَرِي .

فَصْلٌ ( إجَابَةُ
الدَّعْوَةِ وَهَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا الْأَسْتَارُ ذَاتُ التَّصَاوِيرِ )
.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّجُلُ يُدْعَى
فَيَرَى سِتْرًا عَلَيْهِ تَصَاوِيرُ ؟ قَالَ : لَا تَنْظُرْ إلَيْهِ ، قُلْتُ قَدْ
نَظَرْتُ إلَيْهِ كَيْف أَصْنَعُ ؟ أَهْتِكْهُ ؟ قَالَ : تَخْرِقُ شَيْءَ النَّاسِ
وَلَكِنْ إنْ أَمْكَنَكَ خَلْعُهُ خَلَعْتَهُ .
وَرَوَى الْمَرُّوذِيُّ
بِإِسْنَادِهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطَ قَالَ : قُلْتُ لِسُفْيَانَ مَنْ
أُجِيبُ وَمَنْ لَا أُجِيبُ ؟ قَالَ : لَا تَدْخُلْ عَلَى رَجُلٍ إذَا دَخَلْتَ
عَلَيْهِ أَفْسَدَ عَلَيْك ، قَدْ كَانَ يُكْرَهُ الدُّخُولُ عَلَى أَهْلِ
الْبَسْطَةِ يَعْنِي الْأَغْنِيَاءَ .

فَصْلٌ ( فِي الْهَدِيَّةِ لِذِي
الْقُرْبَى فِي الْوَلِيمَةِ ) .
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : إنَّ أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ لَهُ رَجُلٌ : أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ { تَهَادَوْا تَحَابُّوا } قَالَ
: نَعَمْ .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ الْقَصِيرُ : قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَيُّ شَيْءٍ تَقُولُ فِي رَجُلٍ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ
وَلَهُ قَرَابَةٌ لَهُمْ وَلِيمَةٌ تَرَى أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيُهْدِيَ لَهُمْ ؟
قَالَ : نَعَمْ .

فَصْلٌ ( مَا صَحَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي اتِّقَاءِ
النَّارِ بِاصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ وَالصَّدَقَةِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ )
.
قَدْ ذَكَرْتُ مَا صَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { اتَّقُوا النَّارَ
وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَكَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ } وَقَوْلُهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ } وَقَوْلُهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ { لِكُلِّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَا
رَأَيْتُ رَجُلًا أَوْلَيْتُهُ مَعْرُوفًا إلَّا أَضَاءَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنِي ،
وَلَا رَأَيْتُ رَجُلًا فُرِّطَ إلَيْهِ مِنِّي شَيْءٌ إلَّا أَظْلَمَ مَا بَيْنِي
وَبَيْنَهُ ، .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا : الْمَعْرُوفُ أَمْيَزُ زَرْعٍ
، وَأَفْضَلُ كَنْزٍ ، وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِثَلَاثِ خِصَالٍ : بِتَعْجِيلِهِ
وَتَصْغِيرِهِ وَسَتْرِهِ ، فَإِذَا عُجِّلَ فَقَدْ هَنَأَ وَإِذَا صَغُرَ فَقَدْ
عَظُمَ ، وَإِذَا سُتِرَ فَقَدْ تَمَمَ .
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
حُسَيْنٍ : مَا شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنْ الْمَعْرُوفِ إلَّا ثَوَابَهُ ، وَلَيْسَ
كُلُّ مَنْ يَرْغَبُ فِيهِ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَلَا كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ
يُؤْذَنُ لَهُ فِيهِ ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الرَّغْبَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِذْنُ
تَمَّتْ السَّعَادَةُ لِلطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ مِنْهُ .
وَقَالَ الشَّاعِرُ
وَهُوَ زُهَيْرٌ : وَمَنْ يَجْعَلْ الْمَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ يَقِيهِ
وَمَنْ لَا يَتَّقِي الشَّتْمَ يُشْتَمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يُزَهِّدَنَّكَ
فِي الْمَعْرُوفِ كُفْرُ مَنْ كَفَرَهُ فَإِنَّهُ يَشْكُرُكَ عَلَيْهِ مَنْ لَا
تَصْنَعُهُ إلَيْهِ ، وَكَانَ يُقَالُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إسْرَافٌ إلَّا فِي
الْمَعْرُوفِ وَكَانَ يُقَالُ لَا يُزَهِّدَنَّكَ فِي اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ
دَمَامَةُ مَنْ تُسْدِيهِ إلَيْهِ ، وَلَا مَنْ يَنْبُو بَصَرُكَ عَنْهُ ، فَإِنَّ
حَاجَتَكَ فِي شُكْرِهِ وَوَفَائِهِ لَا فِي مَنْظَرِهِ ، وَكَانَ يُقَالُ :
اصْنَعْ الْمَعْرُوفَ إلَى كُلِّ أَحَدٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ فَقَدْ
وَضَعْتَهُ فِي مَوْضِعِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ كُنْتَ أَنْتَ مِنْ
أَهْلِهِ ، قَالَ الشَّاعِرُ : وَلَمْ أَرَ كَالْمَعْرُوفِ أَمَّا مَذَاقُهُ
فَحُلْوٌ وَأَمَّا وَجْهُهُ

فَجَمِيلُ كَانَ يُقَالُ : مَنْ أَسْلَفَ
الْمَعْرُوفَ كَانَ رِبْحُهُ الْحَمْدَ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ سَرَفٌ إلَّا فِي إتْيَانِ مَكْرُمَةٍ أَوْ
اصْطِنَاعِ مَعْرُوفٍ أَوْ إظْهَارِ مُرُوءَةٍ ، وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا : كَانَ
يُقَالُ كَمَا يُتَوَخَّى لِلْوَدِيعَةِ أَهْلُ الْأَمَانَةِ وَالثِّقَةِ كَذَلِكَ
يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَخَّى بِالْمَعْرُوفِ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالشُّكْرِ ، وَكَانَ
يُقَالُ : إعْطَاءُ الْفَاجِرِ يُقَوِّيهِ عَلَى فُجُورِهِ ، وَمَسْأَلَةُ
اللَّئِيمِ إهَانَةٌ لِلْعِرْضِ ، وَتَعْلِيمُ الْجَاهِلِ زِيَادَةٌ فِي الْجَهْلِ
، وَالصَّنِيعَةُ عِنْدَ الْكَفُورِ إضَاعَةٌ لِلنِّعْمَةِ ، فَإِذَا هَمَمْتَ
بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا فَارْتَدِ الْمَوْضِعَ قَبْلَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ أَوْ
عَلَى الْفِعْلِ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ الصَّنِيعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي ذِي حَسَبٍ
أَوْ دِينٍ كَمَا أَنَّ الرِّيَاضَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي نَجِيبٍ }
.
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مَكَان آخَرَ : خَمْسَةُ أَشْيَاءَ
أَضْيَعُ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا : سِرَاجٌ يُوقَدُ فِي الشَّمْسِ ، وَمَطَرٌ
وَابِلٌ فِي أَرْضٍ سَبِخَةٍ ، وَامْرَأَةٌ حَسْنَاءُ تُزَفُّ إلَى عِنِّينٍ ،
وَطَعَامٌ يُسْتَجَادُ ثُمَّ يُقَدَّمُ إلَى سَكْرَانَ أَوْ شَبْعَانَ ،
وَمَعْرُوفٌ تَصْنَعُهُ عِنْدَ مَنْ لَا يَشْكُرُكَ ، وَفِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبٌ
: افْعَلْ إلَى امْرِئِ السُّوءِ يَجْزِيكَ شَرًّا وَكَانَ يُقَالُ : صَاحِبُ
الْمَعْرُوفِ لَا يَقَعُ فَإِذَا وَقَعَ أَصَابَ مُتَّكِئًا .
وَكَتَبَ
أَرِسْطُوطَالِيسُ إلَى الْإِسْكَنْدَرِ : امْلِكْ الرَّعِيَّةَ بِالْإِحْسَانِ
إلَيْهَا تَظْفَرْ بِالْمَحَبَّةِ مِنْهَا ، وَطَلَبُكَ ذَلِكَ مِنْهَا
بِإِحْسَانِكَ أَدْوَمُ بَقَاءً مِنْهُ بِاعْتِسَافِكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ إنَّمَا
تَمْلِكُ الْأَبْدَانَ فَتَخَطَّاهَا إلَى الْقُلُوبِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَاعْلَمْ
أَنَّ الرَّعِيَّةَ إذَا قَدَرَتْ عَلَى أَنْ تَقُولَ قَدَرَتْ عَلَى أَنْ تَفْعَلَ
، فَاجْتَهِدْ أَنْ لَا تَقُولَ ، تَسْلَمْ مِنْ أَنْ تَفْعَلَ .
وَقَالَ
مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِيَزِيدَ ابْنِهِ : يَا
بُنَيَّ

اتَّخِذْ الْمَعْرُوفَ مَنَالًا عِنْدَ ذَوِي الْأَحْسَابِ
تَسْتَمِلْ بِهِ مَوَدَّتَهُمْ وَتَعْظُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ ، وَإِيَّاكَ
وَالْمَنْعَ فَإِنَّهُ ضِدُّ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يُقَالُ حَصَادُ مَنْ يَزْرَعُ
الْمَعْرُوفَ فِي الدُّنْيَا اغْتِبَاطٌ فِي الْآخِرَةِ .
ذَمَّ أَعْرَابِيٌّ
رَجُلًا فَقَالَ : كَانَ سَمِينَ الْمَالِ مَهْزُولَ الْمَعْرُوفِ .
وَقَالَ
الزُّهْرِيُّ أَوْ الزُّبَيْرِيُّ : مَنْ زَرَعَ مَعْرُوفًا حَصَدَ خَيْرًا ،
وَمَنْ زَرَعَ شَرًّا حَصَدَ نَدَامَةً .
قَالَ الشَّاعِرُ : مَنْ يَزْرَعْ
الْخَيْرَ يَحْصُدْ مَا يُسَرُّ بِهِ وَزَارِعُ الشَّرِّ مَنْكُوسٌ عَلَى الرَّاسِ
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : يَدُ الْمَعْرُوفِ غُنْمٌ حَيْثُ كَانَتْ
تَحَمَّلَهَا شَكُورٌ أَوْ كَفُورُ فَفِي شُكْرِ الشَّكُورِ لَهَا جَزَاءٌ وَعِنْدَ
اللَّهِ مَا كَفَرَ الْكَفُورُ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ : سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا
يَقُولُ أَسْرَعُ الذُّنُوبِ عُقُوبَةً كُفْرُ الْمَعْرُوفِ .
وَلِابْنِ
دُرَيْدٍ وَقِيلَ : إنَّهُ أَنْشَدَهُمَا وَمَا هَذِهِ الْأَيَّامُ إلَّا مُعَارَةٌ
فَمَا اسْطَعْتَ مِنْ مَعْرُوفِهَا فَتَزَوَّدْ فَإِنَّك لَا تَدْرِي بِأَيَّةِ
بَلْدَةٍ تَمُوتُ وَلَا مَا يُحْدِثُ اللَّهُ فِي غَدِ وَقَالَ بَزَرْجَمْهَرْ :
خَيْرُ أَيَّامِ الْمَرْءِ مَا أَغَاثَ فِيهِ الْمُضْطَرَّ ، وَارْتَهَنَ فِيهِ
الشُّكْرَ ، وَاسْتَرَقَّ فِيهِ الْحُرَّ .
جَمَعَ كِسْرَى مَرَازِبَتَهُ
وَعُيُونَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ : عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَنْتُمْ أَشَدُّ
نَدَامَةً ؟ فَقَالُوا عَلَى وَضْعِ الْمَعْرُوفِ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ ، وَطَلَبِ
الشُّكْرِ مِمَّنْ لَا شُكْرَ لَهُ .
قَالَ الشَّاعِرُ : وَزَهَّدَنِي فِي كُلِّ
خَيْرٍ صَنَعْتُهُ إلَى النَّاسِ مَا جَرَّبْتُ مِنْ قِلَّةِ الشُّكْرِ وَقَالَ :
وَمَنْ يَجْعَلْ الْمَعْرُوفَ مَعْ غَيْرِ أَهْلِهِ يُلَاقِ الَّذِي لَاقَى مُجِيرُ
أُمِّ عَامِرِ قَالَ الْمُهَلَّبُ : عَجِبْتُ لِمَنْ يَشْتَرِي الْمَمَالِيكَ
بِمَالِهِ وَلَا يَشْتَرِي الْأَحْرَارَ بِمَعْرُوفِهِ وَقَالَ : لَيْسَ
لِلْأَحْرَارِ ثَمَنٌ إلَّا الْإِكْرَامَ فَأَكْرِمْ حُرًّا تَمْلِكْهُ
.
وَقَالَ الْمُتَنَبِّي : إذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الْكَرِيمَ مَلَكْتَهُ وَإِنْ
أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا

وَقَالَ عَبْدُ مَنَافٍ : دَوَاءُ
مَنْ لَا يُصْلِحُهُ الْإِكْرَامُ الْهَوَانُ .
قَالَ الشَّاعِرُ : مَنْ لَمْ
يُؤَدِّبْهُ الْجَمِيلُ فَفِي عُقُوبَتِهِ صَلَاحُهْ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي
الْفُنُونِ : فِعْلُ الْخَيْرِ مَعَ الْأَشْرَارِ تَقْوِيَةٌ لَهُمْ عَلَى
الْأَخْيَارِ ، كَمَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْرَمَ الْخَيْرُ أَهْلَهُ ، لَا
يَنْبَغِي أَنْ يُحْرَمَ الْخَيْرَ حَقَّهُ ، فَإِنَّ وَضْعَ الْخَيْرِ فِي غَيْرِ
مَحِلِّهِ ظُلْمٌ لِلْخَيْرِ كَمَا قِيلَ : لَا تَمْنَعُوا الْحِكْمَةَ أَهْلَهَا
فَتَظْلِمُوهُمْ ، وَلَا تَضَعُوهَا فِي غَيْرِ أَهْلِهَا فَتَظْلِمُوهَا ،
كَذَلِكَ الْبِرُّ وَالْإِنْعَامُ مُفْسِدٌ لِقَوْمٍ حَسَبُ مَا يُفْسِدُ
الْحِرْمَانُ قَوْمًا ، قَالَ : فَهُوَ كَالنَّارِ كُلَّمَا أُطِيبَ لَهَا
مَأْكَلًا سَطَتْ فَأَفْسَدَتْ قَالَ فَرْقَدٌ قَالَ الْمُتَنَبِّي : وَوَضْعُ
النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالْعُلَا مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي
مَوْضِعِ النَّدَى فَالسِّيَاسَةُ الْكُلِّيَّةُ افْتِقَادُ مَحَالِّ الْإِنْعَامِ
قَبْلَ الْإِنْعَامِ ، وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كُنْ مِنْ خَمْسَةٍ
عَلَى حَذَرٍ مِنْ لَئِيمٍ إذَا أَكْرَمْتَهُ ، وَكَرِيمٍ إذَا أَهَنْتَهُ ،
وَعَاقِلٍ إذَا أَحْرَجْتَهُ ، وَأَحْمَقَ إذَا مَازَحْتَهُ ، وَفَاجِرٍ إذَا
مَازَجْتَهُ .
انْتَهَى كَلَامُهُ وَيَأْتِي فِي آخِرِ كُرَّاسَةٍ فِي
الْكِتَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا .

فَصْلٌ مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ
لَا يَشْكُرُ اللَّهَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا {
لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ } إسْنَادٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ : مَعْنَاهُ
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ شُكْرَ الْعَبْدِ عَلَى إحْسَانِهِ إلَيْهِ
إذَا كَانَ الْعَبْدُ لَا يَشْكُرُ إحْسَانَ النَّاسِ وَيَكْفُرُ أَمْرَهُمْ ؛
لِاتِّصَالِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ : أَنَّ مَنْ
كَانَ عَادَتُهُ وَطَبْعُهُ كُفْرَانَ نِعْمَةِ النَّاسِ وَتَرْكَ شُكْرِهِ لَهُمْ
كَانَ مِنْ عَادَتِهِ كُفْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَرْكُ الشُّكْرِ
لَهُ ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ كَانَ كَمَنْ لَا
يَشْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّ شُكْرَهُ كَمَا تَقُولُ لَا يُحِبُّنِي
مَنْ لَا يُحِبُّكَ أَيْ : أَنَّ مَحَبَّتَكَ مَقْرُونَةٌ بِمَحَبَّتِي فَمَنْ
أَحَبَّنِي يُحِبّكَ ، وَمَنْ لَا يُحِبُّكَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُحِبَّنِي
.
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رَفْعِ اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَنَصْبِهِ .
وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ مَرْفُوعًا
مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ أَيْضًا بِلَفْظٍ آخَرَ { إنَّ أَشْكَرَ
النَّاسِ لِلَّهِ تَعَالَى أَشْكَرُهُمْ لِلنَّاسِ } .
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا مَرْفُوعًا { مَنْ أَتَى إلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَلْيُكَافِئْ بِهِ
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَذْكُرْهُ فَمَنْ ذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ .
}
رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ { الْأَمْرُ بِالْمُكَافَأَةِ فَإِنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَدْعُ لَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَظُنُّهُ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ .
وَعَنْ أُسَامَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ صُنِعَ إلَيْهِ
مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي
الثَّنَاءِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ
.
قَالَ : قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد : حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْجَرَّاحِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ عَنْ الْأَعْمَشِ

عَنْ أَبِي
سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ : مَنْ أَبْلَى بَلَاءً فَذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ
وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ } وَرَوَاهُ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقٍ
آخَرَ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ لِلتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ : غَرِيبٌ وَلَفْظُهُ
{ مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَلْيَجْزِ بِهِ إنْ وَجَدَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ
بِهِ فَإِنَّ مَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ ،
وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطِ كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ } أَيْ : ذِي
زُورٍ وَهُوَ الَّذِي يُزَوِّرُ عَلَى النَّاسِ يَتَزَيَّا بِزِيِّ أَهْلِ
الزُّهْدِ رِيَاءً أَوْ يُظْهِرُ أَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ
إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ .
وَعَنْ النُّعْمَانِ مَرْفُوعًا { مَنْ لَمْ يَشْكُرْ
الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ
يَشْكُرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
شُكْرٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ }
رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْجَرَّاحَ
بْنَ مَلِيحٍ وَالِدَ وَكِيعٍ ، وَأَكْثَرُهُمْ قَوَّاهُ فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ .
} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
.
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ : { إنَّ الْمُهَاجِرِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ
ذَهَبَتْ الْأَنْصَارُ بِالْأَجْرِ كُلِّهِ قَالَ لَا مَا دَعَوْتُمْ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
قَالَ " مُثَنَّى بْنُ جَامِعٍ : إنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ
حَنْبَلٍ يَذْكُرُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ تَرْكُ الْمُكَافَأَةِ مِنْ
التَّطْفِيفِ " وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَهْبٍ مِنْ السَّلَفِ .
قَالَ أَحْمَدُ
فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَعْرُوفٌ وَأَيَادٍ مَا
أَحْسَنَ أَنْ يُخْبِرَ بِفِعَالِهِ بِهِ لِيَشْكُرَهُ النَّاسُ وَيَدْعُونَ لَهُ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {

مَنْ لَا يَشْكُرْ
النَّاسَ لَا يَشْكُرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ } وَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
يُحِبُّ أَنْ يُشْكَرَ وَيُحْمَدَ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَحَبَّ الشُّكْرَ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ قَالَ : { يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ
الِاسْتِغْفَارَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَتْ
امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ : وَمَا لَنَا أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ ؟ قَالَ :
تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ } جَزْلَةٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ
وَسُكُونِ الزَّايِ أَيْ : ذَاتُ عَقْلٍ وَرَأْيٍ ، وَالْجَزَالَةُ : الْعَقْلُ
وَالْوَقَارُ فَقَدْ تَوَعَّدَ عَلَى كُفْرَانِ الْعَشِيرِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ
الْمُعَاشَرُ وَالْمُرَادُ هُنَا الزَّوْجُ ، تَوَعَّدَ عَلَى كَفْرَانِ الْعَشِيرِ
وَالْإِحْسَانِ بِالنَّارِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَبِيرَةٌ عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ
رَحِمَهُ اللَّهُ بِخِلَافِ اللَّعْنِ فَإِنَّهُ قَالَ : " تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ "
وَالصَّغِيرَةُ تَصِيرُ كَبِيرَةً بِالْكَثْرَةِ .
وَلِأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى
عَبْدٍ نِعْمَةً إلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَهَا عَلَيْهِ } أَيْضًا
بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ { أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى
عِبَادًا لَا يُكَلِّمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ
إلَيْهِمْ قِيلَ مَنْ أُولَئِكَ ؟ قَالَ : مُتَبَرٍّ مِنْ وَالِدَيْهِ رَاغِبٌ
عَنْهُمَا مُتَبَرٍّ مِنْ وَلَدِهِ وَرَجُلٌ أَنْعَمَ عَلَيْهِ قَوْمٌ فَكَفَرَ
نِعْمَتَهُمْ وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ } .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : أَنْشِدِينِي شِعْرَ ابْنِ الْعَرِيضِ الْيَهُودِيِّ حَيْثُ قَالَ :
إنَّ الْكَرِيمَ فَأَنْشَدَتْ : إنَّ الْكَرِيمَ إذَا أَرَادَ وِصَالَنَا لَمْ
يُلْفِ حَبْلًا وَاهِيًا رَثَّ الْقُوَى أَرْعَى أَمَانَتَهُ وَأَحْفَظُ غَيْبَهُ
جَهْدِي فَيَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَتَى أَجْزِيهِ أَوْ أُثْنِي عَلَيْهِ
فَإِنَّ مَنْ أَثْنَى عَلَيْكَ بِمَا فَعَلْتَ فَقَدْ جَزَى }

قَالَ ابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ : هَذَا الشِّعْرُ مَا يَصِحُّ فِيهِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ لِلْعَرِيضِ الْيَهُودِيِّ
وَهُوَ الْعَرِيضُ بْنُ السَّمَوْأَلِ بْنِ عَادِيَا الْيَهُودِيُّ مِنْ وَلَدِ
الْكَاهِنِ بْنِ هَارُونَ ، شَاعِرٌ ابْنُ شَاعِرٍ وَأَمَّا أَهْلُ الْأَخْبَارِ
فَاخْتَلَفُوا فِي قَائِلِهِ فَقِيلَ لِوَرَقَةِ بْنِ نَوْفَلٍ وَقِيلَ (
لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ ) الْكَلْبِيِّ وَقِيلَ لِعَامِرِ بْنِ الْمَجْنُونِ ،
وَقِيلَ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهَا
لِزَيْدِ بْنِ عَمْرِو ، وَلِوَرَقَةِ بْنِ نَوْفَلٍ الْبَيْتَانِ وَلَمْ
أَذْكُرْهُمَا أَنَا هُنَا ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَالصَّحِيحُ فِيهِمَا
وَفِي الْأَبْيَاتِ غَيْرِهِمَا أَنَّهُمَا لِلْعَرِيضِ الْيَهُودِيِّ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : أَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ : لَوْ كُنْتُ أَعْرِفُ فَوْقَ الشُّكْرِ مَنْزِلَةً أَعْلَى مِنْ
الشُّكْرِ عِنْدَ اللَّهِ فِي الثَّمَنِ إذًا مَنَحْتُكَهَا مِنِّي مُهَذَّبَةً
حَذْوًا عَلَى حَذْوِ مَا أَوْلَيْتَ مِنْ حَسَنِ وَمِمَّا أَنْشَدَهُ
الرِّيَاشِيُّ : شُكْرِي كَفِعْلِكَ فَانْظُرْ فِي عَوَاقِبِهِ تَعْرِفْ بِفِعْلِكَ
مَا عِنْدِي مِنْ الشُّكْرِ وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
: الْمَجُوسِيِّ يُولِينِي خَيْرًا فَأَشْكُرُهُ قَالَ : نَعَمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ
: إنَّنِي أُثْنِي بِمَا أَوْلَيْتَنِي لَمْ يُضِعْ حُسْنَ بَلَاءٍ مَنْ شَكَرِ
إنَّنِي وَاَللَّهِ لَا أَكْفُرُكُمْ أَبَدًا مَا صَاحَ عُصْفُورُ الشَّجَرْ
وَقَالَ آخَرُ : فَلَوْ كَانَ يَسْتَغْنِي عَنْ الشُّكْرِ مَاجِدٌ لِعِزَّةِ مُلْكٍ
أَوْ عُلُوِّ مَكَانِ لَمَا نَدَبَ اللَّهُ الْعِبَادَ لِشُكْرِهِ فَقَالَ
اُشْكُرُونِي أَيُّهَا الثَّقَلَانِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ :
ذِكْرُ النِّعَمِ شُكْرٌ .
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : مَنْ لَمْ
يَشْكُرْ الْجَفْوَةَ لَمْ يَشْكُرْ النِّعْمَةَ ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ عَنْهُ فَإِنْ صَحَّ فَفِيهِ نَظَرٌ ، قَالَ الشَّاعِرُ : وَمَا تَخْفَى
الصَّنِيعَةُ حَيْثُ كَانَتْ وَلَا الشُّكْرُ الصَّحِيحُ مِنْ السَّقِيمِ
وَقَالَ

سُلَيْمَانُ التَّمِيمِيُّ : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْعَمَ
عَلَى عِبَادِهِ بِقَدْرِ طَاعَتِهِمْ وَكَلَّفَهُمْ مِنْ الشُّكْرِ بِقَدْرِ
طَاقَتِهِمْ ، فَقَالُوا : كُلُّ شُكْرٍ وَإِنْ قَلَّ : ثَمَنٌ لِكُلِّ نَوَالٍ
وَإِنْ جَلَّ .
وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِأَشْعَبَ : الطَّمَعُ يَا
أَشْعَبُ ، أَحْسَنْتُ إلَيْكَ فَلَمْ تَشْكُرْ ، فَقَالَ : إنَّ مَعْرُوفَكَ
خَرَجَ مِنْ غَيْرِ مُحْتَسِبٍ إلَى غَيْرِ شَاكِرٍ ، وَقَالُوا : لَا تَثِقْ
بِشُكْرِ مَنْ تُعْطِيهِ حَتَّى تَمْنَعَهُ .
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ
رَحِمَهُ اللَّهُ : مَا مِنْ شَيْءٍ أَسَرُّ إلَيَّ مِنْ يَدٍ أُتْبِعُهَا أُخْرَى
؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْأَوَاخِرِ ، يَقْطَعُ لِسَانَ شُكْرِ الْأَوَائِلِ
.
وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ عَبْد الْبَرِّ قَوْلَ ابْنِ شُبْرُمَةَ : مَا
أَعْرَفَنِي بِجَيِّدِ الشِّعْرِ : أُولَئِكَ قَوْمٌ إنْ بَنَوْا أَحْسَنُوا
الْبِنَا وَإِنْ عَاهَدُوا أَوْفَوْا وَإِنْ عَقَدُوا شَدُّوا وَإِنْ كَانَتْ
النَّعْمَاءُ فِيهِمْ جَزَوْا بِهَا وَإِنْ أَنْعَمُوا لَا كَدَّرُوهَا وَلَا
كَدُّوا وَإِنْ قَالَ مَوْلَاهُمْ عَلَى حَمْلِ حَادِثِ مِنْ الْأَمْرِ رُدُّوا
فَضْلَ أَحْلَامِكُمْ رَدُّوا وَسَأَلَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَصْمَعِيَّ
كَيْفَ تُنْشِدُ هَذَا الْبَيْتَ يَعْنِي الْبَيْتَ الْأَوَّلَ فَأَنْشَدَهُ
وَقَالَ : الْبِنَاءُ بِكَسْرِ الْبَاءِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ : اُلْبُنَا بِضَمِّ
الْبَاءِ .
وَقَالَ : إنَّ الْقَوْمَ إنَّمَا بَنَوْا الْمَكَارِمَ لَا
اللَّبِنَ وَالطِّينَ ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَسْرَ الْبَاءِ وَضَمَّهَا ،
فَالْكَسْرُ جَمْعُ بِنْيَةٍ نَحْوَ كِسْرَةٍ وَكِسَرٍ ، وَالضَّمُّ جَمْعُ
بُنْيَةٍ نَحْوَ ظُلْمَةٍ وَظُلَمٍ ، قَالُوا : وَكَانَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ
رَأَى الضَّمَّ لِئَلَّا يَشْتَبِهَ بِالْبِنَاءِ بِمَعْنَى الْعِمَارَةِ
بِاللَّبِنِ وَالطِّينِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ ابْنُ
هُبَيْرَةَ الْوَزِيرُ الْحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : إنَّمَا
يُبَالَغُ فِي التَّوَسُّلِ إلَى الْبَخِيلِ لَا إلَى الْكَرِيمِ كَمَا قَالَ ابْنُ
الرُّومِيِّ : وَإِذَا امْرُؤٌ مَدَحَ امْرَأً لِنَوَالِهِ وَأَطَالَ فِيهِ فَقَدْ
أَسَرَّ هِجَاءَهُ لَوْ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ بُعْدَ الْمُسْتَقَى

عِنْدَ
الْوُرُودِ لَمَا أَطَالَ رِشَاءَهُ .

فَصْلٌ ( فِي تَحْرِيمِ الْمَنِّ
عَلَى الْعَطَاءِ ) .
وَيَحْرُمُ الْمَنُّ بِمَا أَعْطَى بَلْ هُوَ كَبِيرَةٌ
عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ رَوَى هُوَ وَمُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ { ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ ،
وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ } وَلِأَبِي دَاوُد فِي رِوَايَةٍ
{ وَالْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إلَّا مِنَّةً } .
وَلِأَحْمَدَ
وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
{ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ } وَهُوَ لِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
سَعِيدٍ .
وَلَهُمَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { ثَلَاثَةٌ
لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ
لِوَالِدَيْهِ ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى } .
(
فَصْلٌ ) .
قَالَ صَالِحُ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ : حَدِيثٌ يُحَدِّثُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
دَاوُد أَنَّ الْهَدِيَّةَ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هَلْ
تَعْرِفُهُ ؟ قَالَ : لَا أَعْرِفُهُ ، وَأَنْكَرَهُ وَقَالَ : إنَّمَا رُوِيَ عَنْ
الضَّحَّاكِ : { وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قَالَ الضَّحَّاكُ : إنَّمَا هَذِهِ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةٌ لَا يُهْدَى إلَيْهِ
أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ
.

فَصْلٌ ( فِي الشَّمَاتَةِ وَاسْتِعَاذَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَمِنْ أُمُورٍ أُخْرَى ) .
عَنْ
مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ ، فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ وَيَبْتَلِيكَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
عَنْ عُمَرَ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُجَالِدٍ وَهُوَ رَوَاهُ عَنْ حَفْصِ بْنِ
غِيَاثٍ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ حَفْصٍ
عَنْ بُرْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مَكْحُولٍ .
أُمَيَّةُ تَفَرَّدَ عَنْ سَلَمَةَ ،
وَبُرْدٌ حَدِيثُهُ حَسَنٌ .
الشَّمَاتَةُ : الْفَرَحُ بِبَلِيَّةِ الْعَدُوِّ ،
يُقَالُ شَمِتَ بِهِ بِالْكَسْرِ يَشْمَتُ شَمَاتَةً ، وَأَشْمَتَهُ غَيْرَهُ
وَبَاتَ فُلَانٌ بِلَيْلَةِ الشَّوَامِتِ أَيْ : شَمِتَ الشَّوَامِتُ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ
مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ ، وَدَرْكِ الشَّقَاءِ ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ
الْأَعْدَاءِ } جَهْدٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا لُغَةٌ ، دَرْكٌ بِفَتْحِ
الرَّاءِ الِاسْمُ وَبِسُكُونِهَا الْمَصْدَرُ فَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِالتَّعَوُّذِ مِنْ شَيْءٍ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ ،
وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { إذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا
بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا } وَحَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ { يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا
مَنْ خَلَقَ كَذَا حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ
فَلْيَسْتَعِذْ وَلْيَنْتَهِ } وَحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَيَأْتِي فِي الرُّؤْيَا
وَلَا فِي أَحَدِهِمَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ ، يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ
بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ
الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ }
.

وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : { بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ
وَنَحْنُ مَعَهُ إذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ
أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ ، فَقَالَ : مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ
الْأَقْبُرِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ : أَنَا ، فَقَالَ : مَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ قَالَ :
مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ ، فَقَالَ : إنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي
قُبُورِهَا فَلَوْلَا أَنْ تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ
يُسْمِعَكُمْ عَذَابَ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا
بِوَجْهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ
مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالُوا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالَ
: تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ قَالُوا : نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ
عَذَابِ النَّارِ قَالَ : تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالُوا : نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ : تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ
قَالُوا : نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ } وَيَأْتِي حَدِيثُ
جَابِرٍ فِي الرُّؤْيَا .
وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ { أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُ
عَلَيَّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَاكَ
شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ
مِنْهُ وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثًا ، قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ
فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِّي } .
رَوَاهُنَّ مُسْلِمٌ
.
خَنْزَبٌ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ زَايٍ
مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ ، وَيُقَالُ أَيْضًا بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالزَّايِ ،
وَيُقَالُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ { وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ يَدْعُو اللَّهُمَّ لَا تُشَمِّتْ بِي عَدُوًّا حَاسِدًا } رَوَاهُ
الْحَاكِمُ مِنْ

حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ .
وَقَدْ حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : { فَلَا تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي
مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } وَقِيلَ لِأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَيُّ
شَيْءٍ مِنْ بَلَائِكَ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْكَ قَالَ : شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ
وَقَالَ : الْكَلْبِيُّ : لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شَمِتَ بِهِ نِسَاءُ كِنْدَةَ وَحَضْرَمَوْتَ وَخَضَّبْنَ أَيْدِيَهُنَّ
وَأَظْهَرْنَ السُّرُورَ لِمَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَرَبْنَ
بِالدُّفِّ ، فَقَالَ الشَّاعِرُ : بَلِّغْ أَبَا بَكْرٍ إذَا مَا جِئْتَهُ أَنَّ
الْبَغَايَا رُمْنَ كُلَّ مَرَامِ أَظْهَرْنَ مِنْ مَوْتِ النَّبِيِّ شَمَاتَةً
وَخَضَّبْنَ أَيْدِيَهُنَّ بِالْعَنَامِ فَاقْطَعْ هُدِيتَ أَكُفَّهُنَّ بِصَارِمٍ
كَالْبَرْقِ أَوْمَضَ فِي مُتُونِ غَمَامِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ :
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ : سَمِعْتُ أَشْهَبَ بْنَ عَبْدِ
الْعَزِيزِ يَدْعُو عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ بِالْمَوْتِ
أَظُنُّهُ قَالَ فِي سُجُودِهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ ل
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1

مُساهمة من طرف بوح الليل 2011-04-19, 07:50

ذَلِكَ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَمَثَّلَ يَقُولُ : تَمَنَّى
رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيهَا بِأَوْحَدِ
فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي خِلَافَ الَّذِي مَضَى تَهَيَّأْ لِأُخْرَى مِثْلِهَا
فَكَأَنْ قَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : فَمَاتَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَاشْتَرَى أَشْهَبُ مِنْ تَرِكَتِهِ مَمْلُوكًا ، ثُمَّ مَاتَ
أَشْهَبُ بَعْدَهُ بِنَحْوٍ مِنْ شَهْرٍ أَوْ قَالَ : خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ
ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَاشْتَرَيْتُ أَنَا ذَلِكَ الْمَمْلُوكَ مِنْ
تَرِكَةِ أَشْهَبَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
الْبَيْتُ الْأَوَّلُ لِطَرَفَةَ ،
ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { لَا يَصْلَاهَا
إلَّا الْأَشْقَى } .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْأَشْقَى بِمَعْنَى الشَّقِيِّ
وَالْعَرَبُ تَضَعُ أَفْعَلَ فِي مَوْضِعِ فَاعِلٍ ، قَالَ طَرَفَةُ : فَذَكَرَهُ ،
وَأَمَّا الْبَيْتُ الثَّانِي فَفِي تَرْجَمَةِ خَالِدِ

بْنِ الْوَلِيدِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ : قَاتَلَ اللَّهُ أَخَا بَنِي تَمِيمٍ
مَا أَشْعَرَهُ حَيْثُ يَقُولُ ، فَذَكَرَهُ وَذَكَرَ بَعْدَهُ بَيْتًا آخَرَ
وَهُوَ : فَمَا عَيْشُ مَنْ قَدْ عَاشَ بَعْدِي بِنَافِعِي وَلَا مَوْتُ مَنْ قَدْ
مَاتَ قَبْلِي بِمُخْلِدِي وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ قَرْضَةَ : إذَا مَا الدَّهْرُ
جَرَّ عَلَى أُنَاسٍ حَوَادِثَهُ أَنَاخَ بِآخَرِينَا فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا
أَفِيقُوا سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ مَا لَقِينَا وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
عُتْبَةَ : كُلُّ الْمَصَائِبِ قَدْ تَمُرُّ عَلَى الْفَتَى فَتَهُونُ غَيْرَ
شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَلِلْمُبَارَكِ بْنِ الطَّبَرِيِّ : لَوْلَا شَمَاتَةُ
أَعْدَاءٍ ذَوِي حَسَدِ أَوْ اغْتِمَامُ صَدِيقٍ كَانَ يَرْجُونِي لَمَا طَلَبْتُ
مِنْ الدُّنْيَا مَرَاتِبَهَا وَلَا بَذَلْتُ لَهَا عِرْضِي وَلَا دِينِي
وَلِعَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ : فَهَلْ مِنْ خُلْدٍ إنَّا هَلَكْنَا وَهَلْ بِالْمَوْتِ
يَا لَلنَّاسِ عَارُ وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ : { مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ
} .
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ : قَالُوا مِنْ ذَنْبٍ قَدْ تَابَ مِنْهُ فِي
إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ الْهَمْدَانِيُّ وَهُوَ
ضَعِيفٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ
بِمُتَّصِلٍ .
خَالِدٌ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : { إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ
فَلْيُحِدَّهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا .
} قَالَ صَاحِبُ
الْمُنْتَقَى : مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَى لَا يُثَرِّبْ
لَا يَقْتَصِرُ عَلَى التَّثْرِيبِ وَهُوَ التَّعْيِيرُ وَالتَّوْبِيخُ وَاللَّوْمُ
وَالتَّقْرِيعُ .
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ : أَيْ : لَا يُوَبِّخُهَا
بِالزِّنَا بَعْدَ الضَّرْبِ ، قَالَ : وَقِيلَ : لَا يَقْنَعُ فِي عُقُوبَتِهَا
بِالتَّثْرِيبِ بَلْ يَضْرِبُهَا الْحَدَّ فَإِنَّ زِنَا الْإِمَاءِ لَمْ يَكُنْ
عِنْدَ الْعَرَبِ مَكْرُوهًا وَلَا مُنْكَرًا فَأَمَرَهُمْ بِحَدِّ الْإِمَاءِ
كَمَا أَمَرَهُمْ بِحَدِّ الْحَرَائِرِ .
نَظَرَ بَعْضُ
الْعُبَّادِ

شَخْصًا مُسْتَحْسَنًا فَقَالَ لَهُ شَيْخُهُ : سَتَجِدُ
غِبَّهُ فَنَسِيَ الْقُرْآنَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَقَالَ آخَرُ : عِبْتُ
شَخْصًا قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَسْنَانِهِ فَذَهَبَتْ أَسْنَانِي ، وَنَظَرْتُ إلَى
امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لِي فَنَظَرَ زَوْجَتِي مَنْ لَا أُرِيدُ .
وَقَالَ ابْنُ
سِيرِينَ : عَيَّرْتُ رَجُلًا بِالْإِفْلَاسِ فَأَفْلَسْتُ قَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ : وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ وَمَا نَزَلَتْ بِي آفَةٌ وَلَا غَمٌّ وَلَا
ضِيقُ صَدْرٍ إلَّا بِزَلَلٍ أَعْرِفُهُ حَتَّى يُمْكِنَنِي أَنْ أَقُولَ هَذَا
بِالشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ ، وَرُبَّمَا تَأَوَّلْتُ تَأْوِيلًا فِيهِ بُعْدٌ
فَأَرَى الْعُقُوبَةَ .
فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَرَقَّبَ جَزَاءَ
الذَّنْبِ فَقَلَّ أَنْ يَسْلَمَ مِنْهُ ، وَلْيَجْتَهِدْ فِي التَّوْبَةِ وَقَالَ
مَحْمُودُ الْوَرَّاقُ : رَأَيْتُ صَلَاحَ الْمَرْءِ يُصْلِحُ أَهْلَهُ
وَيُعْدِيهِمْ دَاءُ الْفَسَادِ إذَا فَسَدْ وَيَشْرُفُ فِي الدُّنْيَا بِفَضْلِ
صَلَاحِهِ وَيُحْفَظُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْأَهْلِ وَالْوَلَدْ كَذَا قَالَ
.
وَمُرَادُهُ كَثْرَةُ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ مُطَّرِدٌ عَلَى مَا لَا يَخْفَى
.
بوح الليل
بوح الليل

كتاب : الآداب الشرعية -- المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ -- ج 1 - صفحة 1 Ut11

السباحة

عامل

مكيف

ذكر
العقرب

الثور
عدد المساهمات : 513
نقاط : 27527
السٌّمعَة : 5
تاريخ الميلاد : 17/11/1985
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 38
الموقع : قاسمي نت
العمل/الترفيه : مستخدم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 1 من اصل 2 1, 2  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى